أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-9-2016
3783
التاريخ: 2023-05-04
1123
التاريخ: 2023-08-03
1339
التاريخ: 2024-01-03
1317
|
لئن كان من استقلال بعض أمراء القاصية عن الخلافة العباسية ما دعا إلى فصم عرى الجماعة، فإن هذا الانفصال مهما كان نوعه نشأت منه أيضًا فوائد عظيمة في عمران البلاد ورسوخ الحضارة العربية فيها، فبنو الأغلب في إفريقية، وبنو طولون وبنو عبيد في مصر، وبنو سامان في بخارى، وبنو بوية في شيراز، وبنو سُبكتكين في غزنة، كل هؤلاء نسجوا على منوال بني العباس في بغداد، فصارت كل عاصمة من هذه العواصم بتراتيبها وعلمها مثل دار السلام مصغرة. وكأي من قاعدة كقرطبة والقيروان والفسطاط ودمشق وبخارى وسمرقند وبلخ وهراة وأصبهان والري ومرو ونيسابور وشيراز ومراغة وهمذان وخُوارزم بل سجستان وجرجان وطبرستان وقزوين وجُوين وبست وسرخس وبيهق وأُشر وسنة وفرغانة والصغد والشاش وطوس وغيرها من بلاد الشرق كانت آية في حركتها العلمية، وضع الأمويون أساسها، وترسم خطاهم فيها بنو العباس فأُلبست ثوب القطر الذي انتشرت فيه، ودخلت معظم هذه المدن في طور مدنية أصبحت معها كل واحدة منها دار علم وحكمة، تُدرس فيها العلوم على اختلاف صنوفها باللغة العربية، والناس في أرض الترك والفرس والخزر يتقدمون كل يوم خطوة من التعرب، أما البربر في الغرب فإنهم أنشأوا بسيوفهم ممالك في تاهرت وسلجماسة وتلمسان والريف وفاس ومكناس، واستولوا على الأندلس لكن المدنية أضرت بهم لما (1) احتكوا بأهلها في البلاد الأندلسية فقضت عليهم كما قضوا عليها، فكان شأنهم شأن المغول في فك عرى المدنية الإسلامية وقلة الاستعداد للأخذ بمذاهبها؛ فإن مذاهب الترف استولت على صنهاجة ومنهم المرابطون فهلكوا فيها كما هلك قبل ثمانية قرون أسلافهم الفانداليون في شمالي إفريقية. وصف المقدسي الري في القرن الرابع، فقال: «إن فيه مجالس ومدارس وقرائح وصنائع ومطارح ومكارم وخصائص، لا يخلو المذكر من فقه ولا الرئيس من علم، ولا المحتسب من صيت، ولا الخطيب من أدب، هو أحد مفاخر الإسلام وأمهات البلدان به مشايخ وأجلة، وقراء وأئمة وزهاد وغزاة وهمة. ووصف قصر عضد الدولة في شيراز، وكان فيه ثلاثمائة وستون غرفة يجلس كل يوم في واحدة، فقال في خزانة كتبه: إن عليها وكيلا وخازنا ومشرفًا من عدول البلد، ولم يبقَ كتاب صُنف إلى وقته من أنواع العلوم كلها إلا وحصله فيها، وهي أزج (2) طويل في صُفَّة كبيرة فيه خزائن من كل وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتًا طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوق، عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضدة على الرفوف. لكل نوع بيوت وفهرستات فيها أسامي الكتب. وكان عضد الدولة (3) محبًّا للعلوم وأهلها فقصده العلماء من كل بلد وصنفوا له الكتب، ولا تظن أن عضد الدولة كان كأكثر الملوك يخرب أقاليم ليعمر له قصرا، بل كان عاقلا فاضلا حسن السياسة شديد الهيبة، أما أبوه ركن الدولة، وكانت إمارته أربعًا وأربعين سنة، «فقد أُصيب به الدين والدنيا جميعًا لاستكمال خلال الخير فيه.» ولقد كانت بخارى وسمرقند عاصمتي العلم على عهد السامانيين حتى كادت حضرتهم تماثل حضرة بني العباس، «وكانت بخارى في الدولة السامانية مثابة المجد وكعبة الملك، ومجمع أفراد الزمان، ومطلع نجوم أدباء الأرض، وموسم فضلاء الدهر.» وكان في مراغة (4) إلى القرن السابع آثار وعمائر ومدارس وخانكاهات حسنة، وكان فيها أدباء وشعراء ومحدثون وفقهاء وكذلك كانت، همذان، وما زالت إلى تخريبها بجند تيمورلنك «محلا للملوك ومعدنا لأهل الدين والفضل»، وأنشأ محمود بن سبكتكين في عاصمته غزنة من المصانع الجميلة ما يعد دهشة الأمصار، وكان قصره مجمع الشعراء والعلماء، ومنهم البيروني سيد علماء العالم في القديم، وأعظم رياضي نبغ في الإسلام، ومنهم الفردوسي (6) الشاعر، والعتبي الكاتب إلى عشرات أمثالهم من المغنين والشعراء. وما لنا ووصف تلك العواصم واستقصاء أخبار كل واحدة منها، وما أبدع فيها رجالها من علم وعمل يحتاج إلى مجلدة، وكذلك تاريخ المدن (7) التي أنشأتها العرب أو جددتها كالبصرة والكوفة وبغداد وسامرة وواسط ومراغة وشيراز وقصر ابن هبيرة وعسكر مكرم وأردبيل وسرخس وسمرقند وبيكند وبوزجان وسامان وشهرستان ودهسيان وأذنة والمصيصة وسلمية والفسطاط والقطائع والقاهرة والقيروان والمهدية وبونة وبجاية ووهران ورباط الفتح وتامدلت ومراكش وفاس والمسيلة وبطليوس وتطيلة والمرية والزهراء إلى غيرها من المدن العربية. والغاية هنا أن نمثل تمثيلاً خفيفًا لتلك الحضارة الرائعة في قواعد البلاد، وحسبك في تصويرها أنه كان في مدينة مرو فقط - وكانت مرو ونيسابور وبخارى مستقر ولاة خراسان من أول ما ملكها العرب ــ عشر خزائن للوقف. قال ياقوت: إنه لم يُرَ في الدنيا مثل كتبها كثرة وجودة، وما خلت كل مدينة من مدارس وخزائن كتب وعلم وعلماء، وكثيرا ما كانت بعض القرى تشبه المدن في هذا المعنى على صورة صغيرة، دام ذلك إلى أوائل المائة السابعة، وقد طغى المغول على بلاد الإسلام تحت راية جنكيز، أعظم فاتح عرفه التاريخ، وأعظم مخرّب قام في الأرض، خرَّب أقطارًا وأمصارًا، وما عُرف له من غرض في ذلك إلا حب التخريب؛ ولذلك قالوا: ما دهي الإسلام بمثله، امتدت مملكته من بحر الصين إلى البحر الأسود(8)، واستولى على ما وراء النهر وخوارزم وخراسان وهرات وقندهار وملتان وأفنى أهلها، وقتل كل من كان فيها من كبير وصغير (9)، ثم خربها حتى ألحقها بالأرض، وتركها بلقعًا ينعق الغراب في ربوعها، وأتى على ما تعب العرب بإيجاده ستة قرون في غزنة ونيسابور وشيراز وبخارا وسمرقند وغيرها من البلدان، وكانت من أعظم عواصم العلم وحواضر الإسلام، وبمن قام فيها من العلماء والفضلاء تمت آيات باهرة من الحضارة العربية ممزوجة بالحضارة الفارسية، فقضى المغول على كل ذلك حتى إن بعض المدن الكبرى هلك سكانها كلهم وخربت برمتها ، وكم من خزائن (10) كتب أُحرقت، ومن مدارس علم قوضت ومن مراصد فلكية دمرت، وكان أهم . سبب في فقدان أكثر ما ألفه علماء المسلمين وحكماؤهم من التصانيف ما أتاه جنكيز وأولاده وأحفاده، ثم جاء هولاكو المغولي فدك أعظم ركن للإسلام، وخرب مدينة دار السلام، وناهيك بها من فاجعة قضت على آخر معقل من معاقل الحضارة. وما أفاد تلك الأقطار استرجاع حكومات الإسلام لها فيما بعد، فإن جنكيز في أول القرن السابع، وهولاكو في منتصفه وتميور أواخر الثامن وأول التاسع، إلى غيرهم من أمراء المغول الأشرار كانوا إذا سلم بلد أو إقليم من عبث الأول جاء الثاني فأتم ما أغفل الأول، وإذا فرض أن نجا صقع من الثاني فالثالث يأتي عليه لا محالة، وعلى الجملة فإن المغول من الشرق والبربر من الغرب قضوا على المدنية الإسلامية (11).
...................................................
1- معلمة الإسلام، المرابطون.
2- الأزج: بيت بني طويلا.
3- تاريخ أبي الفداء.
4- معجم ياقوت.
5- معلمة الإسلام، غزنة.
6- يتيمة الدهر للثعالبي.
7- مدن العرب للمؤلف (مجلة المقتبس م6 ص 401).
7- قاموس الأعلام لشمس الدين سامي.
9- معجم البلدان لياقوت
10- قاموس الأعلام لشمس الدين سامي.
11- معلمة الإسلام.
|
|
"علاج بالدماغ" قد يخلص مرضى الشلل من الكرسي المتحرك
|
|
|
|
|
تقنية يابانية مبتكرة لإنتاج الهيدروجين
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يطلق مشروع (حفظة الذكر) في قضاء الهندية
|
|
|