أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-14
1045
التاريخ: 2023-08-18
1007
التاريخ: 2024-07-01
573
التاريخ: 2023-08-14
1210
|
أنشأ الأندلسيون في كل ناحية المدارس وخزائن الكتب، وأقاموا في العواصم الجامعات التي كانت وحدها مواطن العلم في أوروبا زمنا طويلًا، ومما أعان على الاستكثار من الكتب ما كانت تصدره معامل شاطبة من الورق، وبهذه الطرق الجديدة فاض النور على الرجال والنساء، وعلى الموافقين والمخالفين، حتى أصبحت قرطبة مدة ثلاثة قرون أكثر مدن العالم القديم نورًا، وكانت حضرة ملوكها وقصور خلفائها، لكثرة عنايتهم بالعلم، وحرصهم على استجلاب العلماء إليها من كل فج وصوب، أشبه بمجامع علمية، وقاعات خزائن كتبهم كأنها دور حكمة فيها معامل كبيرة خصت بالنساخين والمجلدين والمذهبين والنقاشين، ومن خزائنهم ما كانت جرائد أسمائها تستغرق عشرات من المجلدات. ولقد كان الحكم الثاني من أعظم المفضلين على الآداب، نشر العلم في أمته قل فيها الأميون وأنشأ في عاصمته خزانة كتب فيها من عامة العلوم نحو أربعمائة ألف مجلد، وربما كان أعلم أمير جاء في الإسلام، (1) وكانت جامعة قرطبة في أيامه أعظم جامعات الأرض تُقرأ فيها العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والكيماوية، وكان عبد الرحمن الثاني عاما أديبا شاعرًا يعرف علوم الفلاسفة. ولما ملك الأندلس أمير المسلمين يوسف بن تاشفين من المرابطين انقطع إليه «من الجزيرة من أهل كل علم فحوله، حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم، واجتمع له ولابنه من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من الأعصار.» وكان الفيلسوف ابن طفيل من رجاله هو الذي جلب إليه العلماء من جميع الأقطار، ونبهه على فضل ابن رشد الفيلسوف. وكان لملوك الأندلس غرام باصطفاء كبار العلماء للوزارة، يشتملون على الدولة ويدبرون أمرها، ومنهم من برزوا في السياسة والإدارة وقيادة الجيوش تبريزهم في العلم والأدب، كابن زيدون وابن عبدون وابن أبي الخصال وابن خلدون وابن الخطيب وابن زهر وابن سعيد وابن عمار وابن الجد وابن أيمن وابن هود وابن سوار وأبي عبد الله الطاهر وابن فرج وابن لبون وابن رزين وابن أرقم وابن القلاس وابن غيطون وابن القاسم وابن زمرك وابن حزم وابن جبير وابن عبد البر وابن السيد والبكري وعشرات غيرهم، بيضوا وجه الأندلس، وجرى على هذه السُّنَّة الأمويون ثم المرابطون والموحدون ثم بنو الأحمر، ومن تخلل هذه الدول الكبرى من ملوك الطوائف، ونسجوا على أساليب الدولة العباسية والفاطمية والإخشيدية والطولونية والحمدانية والبويهية والسامانية والغزنوية وغيرها من دول المشرق. كان عبد الرحمن الداخل بعد أن قطع صلاته بالعباسيين يريد الأندلسيين على أن يعتبروا إسبانيا وطنهم الحقيقي، ينفق دخل مملكته في الأعمال النافعة؛ لعدم احتياجها إلى الجيوش الكثيرة والأساطيل البحرية، وكان خلفاؤه يرون أبدًا أن ينسجوا على منواله، أنه كان لبعض ملوكهم الخالفين جيوش دائمة تحت السلاح مستعدة للوثبة عند أقل بادرة، مما لم يكن يُعهد في الغرب، ولم يُعرف إلا في بعض الأدوار عند ملوك الشرق، وبلغ من عز الإسلام في عهد هشام الأموي، وكانوا يشبهونه بتقواه بعمر بن عبد العزيز، أن رجلًا في أيامه، كان أوصى أن يُفك أسير من المسلمين من تركته، فطلب ذلك فلم يوجد أسير يُشترى ويُفك؛ لضعف العدو وقوة المسلمين. ترجم عرب الأندلس كتب اليونان واللاتين فكان لهم من ذلك حظ لا يقل كثيرًا عن حظ خلفاء العباسيين في الشرق، ونجح العرب هناك من وراء الغاية في دراسة الرياضيات والفلك والطبيعيات والكيمياء والطب ، وكانت لهم المخابر والمصانع، ولم يقل نجاحهم في الصناعة والتجارة عن دولة راقية من دول اليوم، فكانوا يبعثون بحاصلات المعادن ومعامل السلاح والحرير والجوخ والجلد والسكر والورق إلى إفريقية وسائر المشرق، على أيدي تجار من اليهود والبربر ، وأهم ما لإسبانيا اليوم من أعمال الري هو من صنع العرب، فإنهم أدخلوا إلى سهول الأندلس الخصيبة زراعات منوعة، فأصبحت الأندلس جنة كبرى بفضل ثقافتهم العالية، وتناولت هممهم عامة فروع العلوم والصناعة والفنون وكانت مشاريعهم العمومية على مثال مشاريع الرومان بعظمتها وفضل غنائها، وقد أنشأوا الطرق والجسور والفنادق للسياح، والمستشفيات والجوامع والرباطات في كل صقع وناد، وكان الأمويون في الغرب كالعباسيين في الشرق يجددون عهد بركليس على ما قال رينالدي وكان الحكم الثاني أكثر ملوك الأندلس اشتغالا بالعلم ونشره وعنايةً به، وأجودهم في سبيله، فقد أسس في قرطبة وحدها 27 مدرسة كان يتعلم فيها أبناء الفقراء مجانًا، وروى دوزي (2) أنه كان كل فرد من الأندلس يعرف القراءة والكتابة، بينا كان في أوروبا جميع النصارى حتى النبلاء والأشراف منهم لا يفكرون في التعليم، وأنشأ الوزير رضوان النصري (760هـ) المدرسة بغرناطة ولم تكن بها. قال ابن الخطيب وهو الرجل الذي قل في الدول أمثاله ذكاءً لم يكتسب من غير التجر والفلاحة مالًا، وقد أقام من أعمال العمران ما يحسده عليه أعظم طواغيت الزمان. يقول لوبس من علماء المشرقيات في البرتقال : (3) إن المنورين من مواطنيه البرتقاليين اليوم يقدرون الأمة العربية المجيدة حق قدرها ويدرسون مآتيها فيما أبقته من آثارها الخالدة، ولا سيما هندستها في المباني التي أصبحت خاصة بها، تفتخر بها الشعوب المتمدنة لعهدنا وتعجب منها، قال: وتاريخ العرب حافل بذكائهم وتقدمهم وسيادتهم في كل العلوم والفنون حتى في الزراعة فقد كانوا بعد غزوهم إحدى المقاطعات واضطرارهم إلى خرابها، يجعلون منها بعد سنين جنات حقيقية، وذلك بفضل مساعيهم وتفوقهم وتدابيرهم العجيبة.
.................................
1- معلمة الإسلام.
2- تاريخ المسلمين في إسبانيا لدوزي.
3- تأثيرات سياحة لموسى كريم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|