أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-18
1009
التاريخ: 2023-08-14
1162
التاريخ: 2023-05-08
1515
التاريخ: 2024-07-01
499
|
كانت جمهرة الجيش الذي فتح الأندلس مؤلفة من البربر، وليس فيه من العرب إلا القليل، وأول من دخل الأندلس (1) مع طارق بن زياد نحو ثلاثمائة من العرب وزهاء عشرة آلاف من البربر ، فلما تم الفتح أرسل الأمويون قبائل من الشام أنزلوها في كور مخصوصة من بلاد الأندلس، وجعلوا لهم ثلث أموال أهل الذمة طعمة، فنزل في البيرة جند دمشق من مضر وجلهم قيس وأفناء (2) قبائل العرب، ونزل رية جند الأردن وهم يمن كلهم، ونزل شذونة جند حمص وأكثرهم يمن، ونزل مدينة «الجزيرة» البربر وأخلاط من العرب قليل، ونزل في جيان جند قنسرين والعواصم وهم أخلاط من العرب من معد واليمن، ونزل قبائل البربر بلنسية وأكشونبة، وفي باجة وتدمير جند مصر. وتمازج العرب بسكان البلاد، واغتبط هؤلاء بمقدم العرب، مؤملين السعادة في أيامهم، وكانت البلاد قبل موافاة الفاتحين أصيبت منذ سنة ثمان وثمانين إلى سنة تسعين بمجاعة وبئت حتى مات نصف أهلها أو أكثر، قال لسان الدين بن الخطيب: فلما استقر الفتح وبلغ حيث بلغ من التخوم، سكنت العرب الأقطار وتبوأت الديار، ثم دخلت ذلك العرب الشاميون مع الأمير بلج بن بشر القشيري في عشرة آلاف فارس من أعلام أهل الشام، وتُسمى الطالعة البلجية، فالداخلون مع موسى وطارق يسمون بالأندلس في الرسوم والخطوط والإقطاعات بالبلديين، والداخلون مع بلج بن بشر يسمون بالشاميين. وما لبث الإسبانيون أن أحسوا بالفرق بين حكم العرب وحكم والغوط «الويزغوت» ورأوا من تسامح الفاتحين وتفانيهم في نشر العدل بين الناس ما يثلج له الفؤاد، وأبقت العرب سكان البلاد على قضائهم وإدارتهم، وقلدوهم بعض الوظائف، ثم وسدوا إليهم الجليل منها، فأحب الإسبانيون العرب محبة خالصة، ورأوا البون الشاسع بين المدنية التي يحملها المسلمون، وما كان للغوط من الثقافة المتأخرة، وكانت أقرب إلى الهمجية، ولم يمض قرن حتى أخصبت القرى (3) وكثرت المزارع، واتصل العمران اتصال الشؤبوب (4)، وتزاحم الناس بالمناكب في المدن وأمست قرطبة عاصمة الخلافة الأندلسية كعواصم أوروبا اليوم؛ تُنار بالمصابيح ليلًا، ويستضيء الماشي بسرجها ثلاثة فراسخ لا ينقطع عنه الضوء، وأصبحت مبلطة أزقتها ، مرفوعة قماماتها، وهي أول مدينة كان لها ذلك في العالم، وغدت قرطبة عاصمة علم وصناعة وفن وتجارة ولا تزال هذه المدينة اليوم عبارة عن مقبرة كئيبة، وكانت في الدهر الغابر تضم مليون نسمة، ويتنزه المرء ساعات إذا أحب الوصول إليها، وقد تُعد الاستعاضة عن الهلال بالصليب في مدينة قرطبة انتصارًا عظيمًا للنصارى كما قال لبون، ولكن الهلال كان يحكم أغنى المدن وأجملها وأكثرها سكانًا، والصليب اليوم لا يخفق إلا على بقايا كامدة من تلك المدينة الزاهرة. وناهيك ببلدة بلغ عدد مساجدها ألفًا وستمائة مسجد، وحماماتها ستمائة، وفيها مائتا ألف دار، وثمانون ألف قصر، ومنها قصر دمشق شيده بنو أمية بالصفاح والعمد، حاكوا به قصرهم في المشرق، وأبدعوا بناءه، ونمقوا ساحته وفناءه (5)، ودور قرطبة ثلاثون ألف ذراع، وفي ضاحيتها ثلاثة آلاف قرية في كل واحدة منبر وفقيه، وكان بالربض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، هذا في ناحية من نواحيها، فكيف بجميع جهاتها؟! وكان في مسجدها الذي بني على طراز مسجد دمشق 1418 سارية تشبه غابة ملتفة، ولما زرناه في سنة 1921م كان فيه 860 سارية.
............................................
1- غابر الأندلس وحاضرها للمؤلف.
2- يقال: أفناء الناس فنون الناس.
3- تاريخ العرب لسيديليو وحضارة العرب لجستاف لبون وغرائب الغرب للمؤلف.
4- الشؤبوب: الدفعة من المطر وغيرة.
5- قلائد العقبان للفتح بن خاقان.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|