أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-27
1235
التاريخ: 2024-06-21
561
التاريخ: 2023-07-27
968
التاريخ: 2023-07-25
1516
|
قلنا بأن الذي يدخل في حيز بحثنا هو واحد من أنواع الاستقراء ألا وهو (استقراء التماثل)، وهو محاولة لتتبع الجزيئات (المفردات) المتماثلة (المتشابهة) في النظام الكوني والنظام القرآني.
فإن الآية التي تطرح أمام الفكر، كموضوع خاضع للتحليل، يتعامل معها الفكر باعتبارها بنية إشارية تحتاج إلى الاستكشاف، فهي معطى مجهول يكتنفه الغموض كلياً أو جزئياً، وكل مجهول في القرآن يسمى (متشابهاً)، وللتخلص من هذا (التشابه) نتوسل بالتماثل بين الجزئيات (المفردات) التي يكون أحدها معروفاً والآخر مجهولاً فالتماثل هو المعيار الذي يكال به المجهول والذي يكون في أحد أطراف الميزان والمعلوم المشابه له يكون في الطرف الآخر.
وقانون التماثل قانون مطرد في النظام الكوني وعلى كافة الأصعدة حيث تعرف الأمور بأشباهها ونظائرها ولهذا يقول الإمام علي(عليه السلام) (إن الأمور إذا اشتبهت أعتبر آخرها بأولها)[1] وهو يؤكد على نظام سنني قائم على التشابه بين عينات تقترن مع بعضها لتقرأ شفراتها بواسطة العبور (الاعتبار) من طرفها المعلوم إلى طرفها المجهول. وهكذا يؤكد الإمام علي(عليه السلام)على هذا المنهج في كلامه الحكيم فيقول: (اعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها فإن بعضها يشبه بعضاً، وآخرها لاحقٌ بأولها) وقال: (عباد الله إن الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين، آخر أفعاله كأوله متشابهةٌ أموره)[2]، وقال: (استدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه) وهو بذلك ينظر إلى قانون التماثل الذي يجري في العلوم الإنسانية والطبيعية. أما الإنسانية كالتاريخ والاجتماع فالاعتبار بماضي الدنيا بما بقي منها، (فإن الدنيا ماضية بكم على سنن)[3].
وفي نفس الخطوات يعول الإنسان في العلوم الطبيعية عليه فيحاكي الطبيعة في صناعتها فصنعت الطائرة بدلالة الطير وصنعت السفينة بدلالة الطيور السابحة وهكذا وتحت نفس القانون يخضع القرآن لقانون التماثل، حيث يقول الله تعالى {اللـَّهَ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِي...}[4] (أي يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً)[5]، ويقول الإمام الصادق(عليه السلام): (المتشابه: الذي يشبه بعضه بعضاً)[6].
إن التناظر والتماثل بين آيات القرآن باعتماد القرآن على التكرار في عباراته وألفاظه الذي عبر عنه بأنه (مثاني) والذي يمكن أن يلحظ بوضوح بتقليب صفحات المعاجم التي استهدفت فهرست ألفاظ القرآن وهذا هو التكرار الذي يؤسس للتماثل القرآني الذي يلفت النظر إلى سؤال مهم: ما جدوى التشابه بين كلمات القرآن؟
وقد أجيب على هذا السؤال في عدة محاور إلا إن أهمها قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[7].
ابتغاء تأويله أي تفسيره [8] وذلك بواسطة رد المتشابه إلى المحكم، فالمحكم هو الطرف المعلوم من المعادلة، والمتشابه هو الطرف المجهول من المعادلة، وبدلالة المعلوم يعرف المجهول، قال الإمام الرضا(عليه السلام)قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم): (إن في القرآن محكماً ومتشابهاً، فمن رد المتشابه إلى المحكم فقد هدي صراط مستقيم...)[9].
لقد كانت طبيعة التفقه في كتاب الله تعالى في العهود المتقدمة التي راعاها الرسول والأوصياء قائمة على إتباع التماثل، للوصول إلى معرفة متشابه القرآن، فلقد قام عمر بن حنظلة بهذه العملية وعرضها على الصادق(عليه السلام): في قوله تعالى{قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}[10] قال: لما رآني أتبع هذا وأشباهه عن الكتاب، قال حسبك كل شيء في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا في الأئمة عُني به)[11]إذ قام عمر بن حنظلة بعملية استقراء كلمة (الشهادة) ونظائرها في القرآن الكريم. وهذه هي الخطوة الأولى، ثم أعطاه الإمام الصادق(عليه السلام) نتيجة استقراءه عندما قال له: حسبك كل شيء في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا في الأئمة عني به).
حيث قام عمر بن حنظلة باستقراء الجزئيات المنتشرة في القرآن وهي (الشهادة) فأعطاه الإمام(عليه السلام) القاعدة الكلية وهذا هو بعينه منهج الاستقراء (قراءة الجزئيات للوصول إلى قاعدة كلية).
إن هذا النوع من الاستقراء (استقراء التماثل) ما زال في زاوية الخمول إذ لم يفعل الاستقراء إلا في النوع الذي يعتمد على مبدأ العلة والمعلول ولعلنا في استثمار (استقراء التماثل) في القرآن الكريم نخرجه من الركود الذي عطله.لكن ينبغي لنا أن نحلل ماهية التماثل كما حللنا ما هية الاستقراء.
[1] الإمام علي، نهج البلاغة، قصار الحكم (76).
[2] الإمام علي، نهج البلاغة، خطبة (157).
[3] ن. م خطبة رقم (190).
[4] الزمر / 23.
[5] زيد بن علي، غريب القرآن، سورة الزمر /رقم 23، ص35، الطبرسي، مجمع البيان: 8 / 300.
[6] تفسير العياشي: 1 / 11.
[7] آل عمران / 7.
[8] زيد بن علي، غريب القرآن، آل عمران / 7، الطبرسي، مجمع البيان: 2 / 195.
[9] الأصفهاني، عوالم العلوم: 2 – 3 / 526.
[10] الرعد / 43.
[11] الفيض للكاشاني، مقدمة تفسير الصافي.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|