أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-5-2022
2163
التاريخ: 12-1-2016
4295
التاريخ: 14-11-2016
2574
التاريخ: 7-6-2018
1855
|
تشكل سيرة حياة الناس في أي زمان كان آداب اولئك الناس وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة بزمانهم ، وكل إنسان قادر على أن يتآلف مع الناس ويكيف نفسه مع ما يقتضيه زمانه . الآباء والأمهات الواعون الحريصون مكلفون بدورهم بتربية أبنائهم حسبما يقتضيه زمانهم وظروف حياتهم، ليخلقوا فيهم خير الصفات التي تتناسب وزمانهم ، وهذا ما يعتبر شرطاً لحسن التعايش مع المجتمع.
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام): لا تقسروا اولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم (1).
وهنا لا بد من إعطاء توضيح بسيط بهدف قطع الطريق أمام المغرضين والجهلة الذين قد يسيئون فهم وتأويل هذا الحديث ، وهو أن المقصود بكلمة آداب الواردة في نص الوصية التربوية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو العادات الإجتماعية المألوفة ، وإلا فإن السنن الإنسانية والضوابط الإسلامية التي تعتبر أساس سعادة الإنسان ثابتة وغير قابلة للتغيير .
إذن فمن واجب الآباء والأمهات الواعين تربية أبنائهم على أساس تلك السنن الثابتة لضمان سعادتهم ، وليعلموا أنه لو انصرف مجتمع جاهل عن الالتزام بالسنن الثابتة، وأخذ يبيح الحرام ويحرم المباح تحت شعار تغير مقتضيات الزمان ، فإن ذلك لن يغير شيئاً من تلك السنن ، ومثل هذا المجتمع لا بد وأنه سيواجه ما سيترتب على أعماله من عواقب مشؤومة.
وبعبارة أوضح نقول إن المراد من حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) هو أنه لو كان هناك أب قد تعلم بالأمس الطب من خلال كتاب القانون لابن سينا وأخذ يعالج مرضاه بنفس الأسلوب الذي كان متبعاً آنذاك ، ينبغي عليه أن لا يفرض على ابنه اليوم المنهاج ذاته ، لأن مقتضيات الزمان قد تغيرت ، وظروف الطبابة قد تبدلت، وإذا ما أراد مثل هذا الأب أن يصبح ابنه طبيباً ، عليه أن يتماشى مع عصره وزمانه ، فيرسله إلى الجامعة ليتلقى جديد الطب والجراحة وآخر ما توصلت إليه التحقيقات والبحوث العلمية في مجال الطب .
وإذا كان الأب بالأمس يبني بيوتاً وأكواخاً للناس من الطين والآجر وكانت تروق لهم، عليه أن لا يفرض هذه الطريقة البدائية في البناء على ابنه، لأن طرق البناء وكذلك الوسائل والمعدات المستخدمة في هذا المجال قد تغيرت اليوم وتطورت. وهو مكلف بإرسال ابنه إلى الجامعة ليصح مهندساً معمارياً يتقن فن العمارة الحديث الذي يتماشى ومقتضيات زمانه.
كذلك الأمر بالنسبة للغزل والنسيج ، فحتى الأمس كانت هذه الحرفة تتم بواسطة عجلات خشبية بدائية ، أما اليوم فقد دخلت الوسائل الحديثة والآلات المتطورة في صناعة الغزل والنسيج. وبالأمس كانت وسائل النقل والشحن تقتصر على الدواب كالخيول والجمال ، لكنها اليوم باتت تشتمل على السيارات والطائرات والقطارات والسفن . وبالأمس أيضاً كان الإنسان يستخدم السراج والقنديل اللذين يعملان على الطاقة الزيتية والنفطية للإنارة ، لكنه اليوم استبدلهما بمصابيح تعمل على الطاقة الكهربائية. وحتى الأمس كان الإنسان يجلس على الأرض في بيته وأينما ذهب، بينما اليوم نرى الكرسي والطاولة يزينان كل بيت ومجلس . وما نريد أن نثبته من خلال حديثنا هذا هو أن كل الآداب والعادات المتعلقة بجميع مجالات الحياة وشؤونها قد تغيرت.
ومن هذا المنطلق جاءت وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لأتباعه بأن لا يقسروا أولادهم على آدابهم ، لأنهم مخلوقون لزمان غير زمانهم . والواجب يدعو الآباء والأمهات إلى مجاراة التقدم الذي بلغه عالمنا اليوم ، وتربية أبنائهم بمقتضى زمانهم كي يتمكنوا من تكييف أنفسهم مع ظروف زمانهم والتكيف مع مجتمعهم على أفضل وجه، ولكن على الآباء والأمهات أن يحرصوا على أبنائهم دون أن يسمحوا لهم بتجاهل السنن الأساسية الثابتة والضوابط الإسلامية التي تشكل أساس سعادتهم تحت حجة تغير مقتضيات الزمان .
السنن الثابتة:
يمكننا أن نعتبر إقامة العدل وأداء الأمانة والوفاء بالعهد والشعور بالمسؤولية وعزة النفس والصدق والإخلاص وما إلى ذلك من صفات إنسانية نبيلة وحميدة من السنن الإلهية الثابتة التي تضمن للإنسان سعادته في الحياة. وواجب على كل مسلم الاقتداء بهذه السنن وتربية أبنائه على أساسها في كل زمان ومكان.
أما شرب الخمر ولعب الميسر والجور والظلم والعدوان والفسق والفجور والخيانة والزنا وما إلى ذلك من صفات رذيلة وذميمة ، فهي من المحرمات التي أكدها الإسلام، لأنها لا تعود على الإنسان إلا بالتعاسة والشقاء ، لذا فمن واجب كل مسلم إجتناب هذه الرذائل وتحذير أبنائه من إتيانها.
فلو افترضنا اعتبرت الخيانة في مجتمع متحلل فاسد دليلاً على الكفاءة، والظلم والتعدي رمزاً للاقتدار ، والفجور دليلاً على الرقي والتقدم ، وشرب الخمر ولعب الميسر درجة في سلم الآداب والعادات الرائجة ، فذلك لا يعني ابداً ان يستسلم المسلم لهذه العادات ويلوث سمعته وشرفه في الانغماس في تلك الرذائل، كما لا يحق له أن يربي أبناءه على أساس تلك العادات الخاطئة متذرعاً بمقتضيات الزمان ، لأن في ذلك ضياعه وضياع أبنائه .
إن تقبل الآداب والعادات الجديدة المنبثقة من التقدم العلمي للمجتمع والتي تسهم في تسهيل الحياة للإنسان هو دليل على قوة الشخصية وتحررها ويجسد قدرة الإنسان على التكيف مع العادات الإجتماعية الجديدة. أما رفضها ورفض السنن الإنسانية والانصياع وراء الرذائل والآثام فهو دليل على الضعة والانحطاط ويجسد ضعف الشخصية وانهزام الإنسان أمام النفس الأمارة.
ولشديد الأسف أن الكثير من السنن الأخلاقية والإنسانية بات مهملاً في عصر التكنولوجيا الحالي ، كما أن بعضها الآخر بات منسياً كالعديد من العادات والتقاليد البالية.
وفي عصرنا الحالي أخذ نور الإيمان يخفت شيئاً فشيئاً في قلوب الناس وارتباطهم بالله سبحانه وتعالى يضعف ، أما النزاهة والتقوى وهما أساس سعادة الإنسان فقد أصبحا وكأنهما ضرب من الخيال والوهم. فالتقدم المستمر الحاصل في مجال العلوم الطبيعية وكشف اسرار الخلقة جعلا الإنسان يغط في سكرته وغروره متجاهلاً كل النداءات السماوية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد أدى هذان العاملان إلى غرق الإنسان في التفاهات المادية متناسياً القيم المعنوية والإنسانية.
_______________________
(1) شرح ابن أبي الحديد 20 ، الكلمة 102 ، ص 267.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|