الأول: التحية والسلام
من أهم مصاديق تكريم الأبناء هو إلقاء التحية والسلام عليهم فهناك عدة تعاليم أخلاقية تكمن في ظاهرة السلام لابد من الإشارة إليها:
إن أول ما يتعلّمه الطفل من إلقاء التحية والسلام هو أنه يتعلّم التواضع والاحترام تجاه الآخرين لاسيما أمام كبار السن فالولد حينما يرى أن الأب أو الأم أو غيرهما من الأصدقاء والأرحام يحترمه ويتواضعون له من دون أيّ دافع مادي أو مصلحة فردية فسوف يتعلّم منهم هذه الصفة وسيجعلها أصلاً في سلوكه مع الآخرين
وكذلك من الآثار المهمة التي سيتعلّمها الطفل من ظاهرة السلام هو الأخلاق اللينة والمرونة التي ينبغي أن يتصف بها في تعامله مع أهله والأصدقاء و...
كما يتعلّم الطفل منها القيم والمبادي الإسلامية التي جاء بها الدين الإسلامي فقد جعل السلام من السمات المختصة بهذه الشريعة فقال (صلى الله عليه وآله): ((السَّلَامُ تَحِيَّةٌ لِمِلَّتِنَا وَأَمَانٌ لِذِمَّتِنَا ... إِذَا تَلَاقَيْتُمْ فَتَلَاقُوا بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّصَافُحِ وَإِذَا تَفَارَقْتُمْ تَفَرَّقُوا بِالاسْتِغْفَارِ))(1).
ولأهمية ذلك نجد أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حاول أن تبقى هذه السنة جارية بين الناس ويعمل المسلمون من بعده على تطبيقها فقال: ((خَمْسٌ لَا أَدَعُهُنَ حَتَّى الْمَمَاتِ... وَالتَّسْلِيمُ عَلَى الصَّبْيَانِ لِيَكُونَ سُنَّةٌ مِنْ بَعْدِي))(2).
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا التقى بصبي في الشارع أو الأزقة سبقه بالسلام(3) وذلك لكي يقتدي به المسلمون في تكريم شخصية الطفل عندما يسلمون عليه.
كما أن المصافحة أيضاً لها دور مهم في تعزيز شخصية الطفل ولا نستطيع أن نتجاهل دورها في تربية الطفل فقد نرى أن الطفل عندما يتواجد في تجمّع ويلاحظ أن الوافدين إلى ذلك المكان يصافحونه كما يتصافحون مع الكبار فحينئذ لا شكّ أنّه سيشعر بالعزّة والتقدير فتزداد عنده الثقة بالنفس، ولكن للأسف نرى بعض الأفراد يغفلون عن مصافحة الأولاد ويجهلون مدى أهميتها في تربية الأولاد، فنجدهم عندما يدخلون مكاناً يتواجد فيها الصغار والكبار يقبلون على الكبار بالتحية ويقومون بمصافحتهم دون الصغار إستخفافاً بمكانتهم الإجتماعية.
ولكن يجب أن نعلم أن هذا السلوك يخالف التعاليم الإسلامية السامية التي تؤكد على ضرورة مصافحة الناس جميعاً من دون فرق بين كبارهم وصغارهم وينبغي أن يتأسى في ذلك بما جاء عن النبي الأكرم وأهل بيته (عليهم السلام)) فقد ورد عن الرسول الأكرم ((صلى الله عليه وآله) في فضل التصافح مع الإخوان: ((مَا تَصَافَحَ أَخَوَانِ فِي اللَّهِ إِلَّا تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُمَا حَتَّى يَعُودَا كَيَوْمَ وَلَدَتْهُمَا أُمُّهُمَا))(4) ولفظ الأخوان غير مختص بكبار السن بل يشمل الصغار أيضاً وعليه فإن ثواب المصافحة كما أنه يدرك بمصافحة الكبار كذلك يدرك بمصافحة الصغار.
الثاني: مشاورة الأولاد واستئذانهم في الأمور التي تتعلق بهم
من موارد تكريم الأبناء مشاورتهم في الأمور التي تتعلق بشأنهم، فإن الطفل عندما يشاهد أنّ كبار السن يستأذنونه في ممارسة أعمال تتعلق به سيشعر بالقدرة والثقة بالنفس وقد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الأخلاق الحسنة مع بعض الشباب فقد جاء في الحديث عن سهل بن سعد الساعدي ((أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ إِنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسولَ اللَّهِ أَحَدًا، فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ))(5).
الثالث: نداء الأبناء بالأسماء الحسنة
من أهم مظاهر تكريم الأبناء هو خطابهم بالأسماء الحسنة، وفي هذا ما يدعوا الآباء الى إختيار الأسماء الحسنة والجميلة لأولادهم، فإن الطفل قد يشعر بالحقارة والإنحطاط أمام أصدقائه عندما يكون له إسم قبيح وهو أن هناك من يناديه بإسمه وهذا ما يجعله يفقد الثقة بالنفس عند يسمع زملائه وأقرانه، ولذلك يحسن بالآباء أن يختاروا لأولادهم الأسماء الحسنة والجميلة، بل قد يكون ذلك من الواجب الذي لا يجوز التخلّي عنه، لأنه يعتبر من الحقوق المفروضة على الوالد فقد جاء في حديث عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ((إِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَقًّا وَإِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ حَقَّاً فَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ وَيُحَسِّنَ أَدَبَهُ وَيُعَلِّمَهُ الْقُرْآن))(6).
وإذا كان للولد إسم حسن فحينئذ ينبغي للآباء أن ينادونه بإسمه أو أن يكنونه بكني جميلة يشعر بالإعتزاز والإحترام بها أمام الآخرين، فإن نداءه بالأسماء والكنى الحسنة والجميلة المملوء بالمحنة والشفقة يزيد في العلاقة العاطفية بينهم وبين أبنائهم، وتوحي إليه الشعور بالأصالة والكرامة، وقد أوصى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بإكرام الولد عند ندائه فقال: ((اذا سميتم الولد محمد فاكرموه واوسعوا له في المجلس ولا تقبحوا له وجها))(7).
الرابع: التفاهم مع الأبناء
للتغلب على مشكلة العناد عند الطفل يجب على الأبوين أحياناً أن يحدّثا أبناءهما عن سبب عناده، فقد تكون هناك مشكلة تمنع الطفل من الإصغاء لأبويه، وقد جهلها الأبوان، فحينئذ لا يمكن حل المشكلة إلّا من خلال الحوار مع الطفل، ويمكن التعرف على تلك المشكلة بطرح بعض الأسئلة مثل:
ما الذي يزعجك؟
هل هناك شيء ما؟
هل تريد شيئاً؟
وغيرها من الأسئلة التي تحفّز الطفل على الحديث عن المشكلة التي يعانيها، والفائدة الأخرى التي تترتب على هذه الأسئلة هو أنّ هذه الأسئلة تخبر الطفل وتطلعه تلقائياً أنك تحترم رغباته وأنك على استعداد للنظر فيها، على سبيل المثال، مشكلة النوم التي يعاني منها الطفل فقد لا يكون الطفل مستعداً للنوم في ساعة محددة، ولكن مع هذا ترى أن الأب أو الأم تصرّ على نوم ولدها في تلك الساعة، ومن هنا تبدأ المشكلة والعناد من قبل الطفل، ولكن يمكن أن يتفاوض الوالدان مع الطفل حول هذه المشكلة ويجدون لها حلا يرضى به الطرفان وبذلك يتخلصا من عناد الطفل.
الخامس: الوفاء بالوعد
إن الوفاء بالعهد يعد من أهم المفاهيم التي أكدت عليه الآيات القرآنية والروايات الشريفة فقد جاء في وصية الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر حينما ولاه على مصر ((إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْءٌ فِي النَّاسِ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشْتِيتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُود))(8) وممّا يؤيد ذلك ما جاء في قوله تعالى {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].
يعتبر العهد بمثابة القلادة التي جعلها الله تعالى في أعناق العباد، ولا يستثني أحداً من هذا الحكم، فالوفاء بالعهد واجب ونقض العهد محرّم شرعاً وأخلاقاً، من دون فرق بين كبار السن أو صغارهم فلو عاهدنا طفلاً صغيرا بشيء كشراء هدية أو الذهاب به إلى المنتزه أو... فلا يجوز لنا أن نخلف ذلك بل يتحتم علينا الوفاء به قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ((إذا وَعَدْتُمُ الصَّبْيَانَ فَفُوا لَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكُمُ الَّذِينَ تَرْزُقُونَهُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ يَغْضَبُ لِشَيْءٍ كَغَضَبِهِ لِلنِّسَاءِ وَالصَّبْيَانِ))(9).
إن عدم وفاء الوالدين بما عاهدوا أولادهم سيترك آثاراً سلبية ومن أهم تلك الآثار السلبية تعليم الأولاد فعل الكذب وعدم الثقة بالآخرين.
فإن الطفل حينما يشاهد عدم وفاء أبويه بعهودهما سوف تسلب الثقة بهما عنده فيغدو طفلا لا يعتد بكلامهما وبما يعداه فعن الإمام علي (عليه السلام)، قال: ((لا يصلح من الكذب جدٌّ ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار))(10).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((أحبوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم))(11).
وعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إذا واعد أحدكم صبيه فلينجز))(12).
وما أكثر هؤلاء الآباء والأمهات في عصرنا الذين يعدون الأطفال المساكين بوعود زائفة ثم ينقضون عهدهم.
ولو أردنا أن نستقصي ذلك لأمكننا ذكر الآلاف من الأمثلة ولكن نكتفي هنا بذكر نموذج واحد:
((... فقد كانت السيارة مستعدة للحركة، والأب يريد أن يرجع من المصيف الى المدينة، في اللحظة التي يريد الركوب يركض طفله الصغير نحوه ويرجوه أن يصحبه معه الى المدينة ويصر كثيراً، عندما يحس الأب أنه لا طريق له لصرف الطفل عن إلحاحه فيلجأ الى الطريقة التالية.
يقول له: عزيزي، لا يمكن أن أصحبك معي الى المدينة بهذه الصورة، إذهب والبس ملابسك الأنيقة.
يذهب الطفل وملؤه الفرح لوعد أبيه يرتدي ملابسه، ولكنه عندما يعود لا يجد في نهاية الشارع غير الغبار المتصاعد وراء سيارة أبيه. ينظر إلى هذه الحيلة، يتسمر في مكانه، يجزع ويصيح: إنك مخادع.. كذاب...
ولا شك أن هذا السلوك الصادر من الأب سيبقى في ذاكرة الطفل وسيعلمه ممارسة الكذب، وسيوحي إليه أنه موجود حقير لا قيمة له عند الآخرين إذ لو كان ذا شخصية مهمة لدى أبويه لإستجابا لطلبه ووفيا بما وعداه. فلذلك على الآباء أن يحذروا من إعطاء أولادهم الوعود والعهود التي لا يستطيعون الوفاء بها.
السادس: مسامحة الطفل على أخطائه
قد يكون تكريم الطفل وتعظيم شخصيته بالمسامحة والعفو عن بعض أخطائه، الأمر الذي أكّد عليه الدين الإسلامي فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ وَهُوَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ سَيِّئَتِهِ وَيَدْعُوَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله))(13) ويقول الإمام زين العابدين : «حَقُّ الصَّغِيرِ فَرَحْمَتُهُ وَتَثْقِيفُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ وَالسَّتْرُ عَلَيْهِ وَالرَّفْقُ بِهِ وَالْمَعُونَةُ لَهُ وَالسَّتْرُ عَلَى جَرَائِرِ حَدَاثَتِه))(14).
وليس معنى العفو والتسامح عن أخطائه أن نتغافل عنها بحيث يتصور الطفل أننا لم نطلع على الخطأ الذي صدر منه، بل ينبغي أن نطلعه على اخطائه، وليعلم أننا ندري بالعثرة التي صدرت منه، ولننبه على فعله الخاطئ، ولكن نسامحه ونغض النظر عن ذلك، فإن الطفل إذا شاهد موقفنا الإيجابي تجاه فعله السيئ، فعندها سيشعر بإعتزاز وتكريم.
وعلى العكس من ذلك حينما يقوم الأبوان أو المربون بالتشهير وفضح الطفل عندما يصدر منه سلوك خاطئ، فعندها سيشعر الطفل بتفاهته وحقارته وجرح مشاعره، ويؤدي ذلك إلى نفوره منهم وعدم الثقة بهم، فلا يظهر أسراره عندهم ولا يصرّح بأخطائه أمامهم بل يخفي كل شيء عنهم، وإذا أصر الطفل على هذا السلوك فحينئذ لا يستطيع المربون والآباء تربية الطفل كما يريدون، ولا يمكنهم إصلاح سلوك الطفل ورفع عيوبه ونقاط ضعفه، وإذا أصبح المربي جاهلاً بنقاط ضعف الطفل وسلبياته فسوف يفقد أهم عناصر التأثير في نفس الطفل وتربيته.
____________________________
(1) مستدرك الوسائل: ج 8 ص 360.
(2) الخصال: ج 1 ص 271.
(3) مكارم الأخلاق: ص 16.
(4) مصباح الشريعة: ص 167.
(5) الفائق في غريب الحديث: ج 1 ص 136.
(6) نهج البلاغة: ص 546.
(7) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 29.
(8) نهج البلاغة: ص 446.
(9) الكافي: ج 6 ص 50.
(10) أمالي الصدوق: ص 419.
(11) جامع أحاديث الشيعة: ج 26 ص 860.
(12) مستدرك الوسائل: ج 15 ص 170.
(13) بحار الأنوار: ج 101 ص 98.
(14) تحف العقول: ص 270.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة