أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-09-2014
6789
التاريخ: 1-12-2015
4850
التاريخ: 8-11-2014
4983
التاريخ: 24-11-2014
5398
|
ظاهرة الحياة وإثبات المبدأ
قال تعالى : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28].
من الممكن أن يكون المراد من «أموات» في جملة (وكنتم أمواتا) هو النطفة التي هي في الاصلاب والارحام، كما وقد يراد منها التراب الذي يمثل مرحلة ما قبل النطفة. وعلى الرغم من وجود حياة ضعيفة في النطفة والتراب، إلا أنهما خاليان من الحياة الإنسانية، وبهذا الاعتبار يصدق تعبير «الأموات» على هذه المواد الأولية.
في بعض الأحيان يقول الله عز وجل تعبيراً عن الماضي السحيق للإنسان: إنك لم تكن شين: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا } [مريم: 9] ، كما ويقول حيناً آخر: إنك كنت شيئاً لكن هذا الشيء لم يكن يستحق الذكر: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] ، حيث -الظاهر - أن النفي في الآية يتعلق بالقيد والمقيد معا؛ بمعنى: أنك لم تكن شيئاً يستحق الذكر، وليس المراد: أنك لم تكن شيئاً أساساً؛ لأن الإنسان في الماضي كان إما تراباً أو نطفة، وفي الآية محط البحث يقول: كنتم أمواتاً وقد وهبكم الله الحياة.
ومن أجل تثبيت التوحيد الربوبي والعبادي نرى أن القرآن الكريم يستند تارة إلى «آيات الأنفس»؛ حيث إن جملة (وكنتم أمواتا) في الآية محل البحث، ناظرة إلى آيات الأنفس؛ وهي بمعنى، لو أنكم تأملتم ملياً في أنفسكم لتولد عندكم اليقين بوحدة الله سبحانه وتعالى. وتارة اخرى يستند إلى «آيات الآفاق»؛ كما في قوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] ، الذي هو ناظر إلى آيات الآفاق. كما وإنه يجمع - تارة ثالثة - بين آيات الآفاق والأنفس؛ مثل: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20، 21].
تبين الآية مورد البحث مراحل للإنسان بعضها هو محط قبول الكفار أما البعض الآخر فينكرونه؛ ف الآية الشريفة تثبت الأمور التالية للإنسان: 1-سبق الموت. 2- إحياء الإنسان بيد الله. 3- إماتته بيد الله. 4- إحياؤه ثانية بيد الله. 5- الرجوع النهائي للإنسان نحو الله. المرحلة الأولى من هذه المراحل يقربها الجميع، أما المرحلة الثانية؛ ألا وهي الإحياء الإلهي، فعلى الرغم من قبول الجميع (وهم المؤمنون والكافرون) بأصل حياة الإنسان، بيد أن المؤمن يسندها إلى الله عز وجل أما الكافر فينسبها إلى تطورات المادة وتعاقب الزمان. وهكذا هو الحال مع المرحلة الثالثة؛ فأصل موت الإنسان بعد الحياة هو محط قبول الكل، إلا أن المؤمن يعتبر ان المميت هو الله في حين يسند الكافر الإماتة إلى الدهر. اما المرحلتان الرابعة والخامسة فلا يعتقد بها إلا المؤمن ويقف منها الكافر موقف المنكر المحض وهما الحياة البرزخية والحياة في القيامة، وبما أن الكافر ينكر ظاهرة الحياة البرزخية والمعاد من الأساس، فلا يصل الدور عنده إلى المبدأ الفاعلي لهما.
إن جملة (فأحياكم)، التي تشير إلى الإحياء الإلهي بعد موت الإنسان، هي أول قسم ينكره الكفار؛ وذلك لأنهم يقرون بالموت السابق لهذه المرحلة، والمتمثل بالكون في أصلاب الآباء وأرحام الامهات أو على هيئة تراب. وعلى هذا، فإن محور النزاع بين الموحد والملحد في هذا القسم من الآية هو في تعين المبدأ الفاعلي؛ وبعبارة اخرى، فالموحد يقول: إن لله هو الذي أحيانا بعد أن كنا أمواتا، أما الملحد فيقول: إن حياتنا معلولة لتطورات المادة، لا أن الله هو الذي أحيانا. إذن فمحور النزاع بين الموحد والملحد - في الحقيقة - أمران: الأول: هو التوحيد، والثاني: هو المعاد.
يقول الله عز وجل في مقام إثبات مبدئيته وتوحيده: كيف تجيزون لأنفسكم الكفر والحال أنكم كنتم أمواتاً، وأن الله هو الذي منحكم الحياة؟! فهو يذكر هذا المعنى بتعجب أو مع التوبيخ بقوله: هل من الممكن يا ترى للميت - من جهة كونه ميتا - أن يحيا من دون مبدأ فاعلي! إن بمقدور منكري المبدأ الإجابة على هذا السؤال من خلال واحد من بضعة طرق كلها باطلة:
الطريق الاول هو القول بالحظ والصدفة بان يقولوا: إن الكائن الحي يبعث للحياة من باب الصدفة. ومثل هذا الشخص - قهراً - لا يمكنه التفكير والاستدلال بشكل منطقي؛ ذلك لأنه على أساس الحظ والصدفة لا يمكن القول بأي علاقة بين الظواهر المختلفة، وفي هذه الحالة، فإنه ينقطع الارتباط بين المقدمة والنتيجة حتى في كلامهم واستدلالاتهم هم أنفسهم. فالتفكير النظري هو أن نكتشف النتيجة من خلال المقدمات. فإذا تم إنكار العلاقة الضرورية بين الأشياء، التي من جملتها العلاقة بين المقدمات ونتائجها، فإنه يمكن الوصول إلى أي نتيجة عبر أي مقدمة كانت، ولصار ميسوراً أن يستنتج شخص نتيجة من خلال مقدمات خاصة، ويصل آخر إلى نتيجة مناقضة لها اعتماداً على ذات تلك المقدمات. فبقبول الحظ والصدفة لن يستقر اي ربط منطقي بين الدعوى والدليل او بين المقدمات والنتيجة. فالبحث والتفكر والاستدلال يأتي بعد القبول بنظام العلية والأحكام العامة للعلية. وبناء على ما تقدم، فإن نظرية الصدفة مردودة.
الطريق الثاني هو قولهم: إن الموجود المادي هو ميت، وهو في الوقت الذي يفتقد فيه الحياة يكون هو ذاته العامل المسبب لحياته؛ أي في ذات الوقت الذي يكون مفتقراً فيه لشيء فإنه يكون مالكا له، فهو يعطي لنفسه ما هو فاقده، وهذا جمع بين النقيضين وهو محال. فالحياة أمر وجودي، وهذا الأمر الوجودي، الذي سبقه العدم ومن ثم اوجد. يحتاج إلى سبب وعامل، ولابد أن يكون هذا السبب والعامل مالكا لهذا الأمر الوجودي والكمال، والحال أنه قد افترض فقدانه له.
الطريق الثالث هو قولهم: هذا الموجود المادي الفاقد للحياة يستمد حياته من موجود آخر. وفي هذه الحالة ينتقل السؤال إلى الموجود السابق بأنه: كيف حصل على هذه الحياة؟ والقرآن الكريم لا يؤكد على الأشخاص؛ فمثلاً: هو لا يقول: كان الولد موجوداً ميتاً ثم احيي، كي يقال: الأب هو العامل لحياته. بل هو يتساءل: أصل الحياة التي لم تكن ثم احدثت، من أين جاءت؟
يقول القرآن الكريم: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35]. هذا البيان هو أكثر فنية وأقرب إلى مباحث الدور والتسلسل. والمراد من قوله: (من غير شيء) هو كون الفعل من غير فاعل؛ لأن (من غير شيء) في هذه الآية تعني فقدان العلة الفاعلية؛ وذلك لأن الملحدين كانوا يقبلون بالعلة المادية، إلاً أن القبول بالأخيرة لا يحل مشكلة نظام العلة والمعلول. كلمة (من) في هذه الآية هي «من» النشوية؛ والمراد: من أين صدر هذا الموجود الحي؟ يقول الموحد: إن الإنسان «خلق من شيء»؛ أي إن الإنسان خلق من مصدر، بينما يقول الملحد: إن الإنسان (خلق من غير شيء)؛ أي، إنه لم ينشا إلا من مبدأ المادة. فالملحد يقر بالمبدأ القابلي إلا أنه ينكر المبدأ الفاعلي.
وانطلاقاً من حقيقة أن الإنسان محتاج لمصدر ومنشأ فاعلي، نرى أن القرآن الكريم يقول: (وأم هم الخالقون). فإن كان المصدر والمنشأ هو الشخص ذاته للزم الدور، وإذا كان المصدر موجوداً آخر مثله لحدث التسلسل؛ وذلك لأن الشيء الذي لا يكون وجوده عين ذاته، يكون محتاجاً
لمانح الوجود وواجب الوجود، ومن هذا المنطلق، وبغية نفي الخالقية عن الآخرين، يقول متابع: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ } [الطور: 36] (1)؛ ؛ فإن خلقة الكون بأجمعه تحتاج إلى مانح للوجود؛ وذلك لأن وجود السماوات والأرض ليس هو عين ذاتها، فهي -إذن -بحاجة إلى مبدأ.
بعد مناقشة كل هذه المقاطع يخلص القرآن الكريم في سورة الجاثية إلى نتيجة مفادها أن كلام الكفار غير مبرهن، بل إنه نابع من الهوى. فهؤلاء يقولون: نحن نموت ونحيا بأنفسنا ولا يميتنا إلاً الدهر: {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الجاثية: 24].
فإن كان المراد من الدهر هو مرور الزمان وتعاقب الايام، فلابد من القول: إن الدهر نفسه هو مخلوق؛ إذ أن الزمان الذي يتولد من حركة جرم حول جرم آخر، أو من حركة الشيء في باطنه، يحتاج إلى خالق. لذا فإنه لا مفر أمام الملحدين من القبول بأصل المبدأ الفاعلي وتوحيده.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. سورة الطور، الآية 36 في الموارد التي لا تكون فيها «السماوات والارض» مصحوبة بعبارة (ما فيهن)، أو «ما بينهن» يكون المراد منها هو مجموع نظام الخلقة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|