أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-24
1000
التاريخ: 2024-10-29
180
التاريخ: 2023-05-10
1709
التاريخ: 8-11-2020
2005
|
الطريق والانحراف عنه في الدنيا والآخرة
ان طلب الهداية إلى الصراط المستقيم وعدم الكون مع المغضوب عليهم والضالين، لا يعني أن هناك ثلاثة طرق في نظام الوجود: أحدها: مستقیم والآخران منحرفان، بل يوجد طريق واحد يسلكه المهتدون بنحو مستقیم، وأما الآخرون فهم ينحرفون عن نفس ذلك الطريق ويجعلونه معوجا: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [هود: 19]. إذن فالانحراف ليس طريقة مستقلا بذاته، والصراط المستقيم هو الطريق الوحيد الذي هو على شكل جسر ممدود فوق جهنم أو ممر يعبر من خلال نار جهنم والناس مكلفون بأن لا يجعلوه عوجا، والمغضوب عليهم والضالون جعلوه معوجة وحرفوه عن استقامته، لا أن هناك طريقة معوجة و والمجرمون سلكوا ذلك الطريق المعوج.
ولو لم يكن موجود مكلف ومختار كالإنسان، لما كان هناك ضلالة وغضب أيضا. والإنسان وحده الذي يحرف الطريق ويتخذه عوجا وإلا. فإن جميع الموجودات سائرة في الصراط المستقيم، وفي حال عبادة دائمة و تسبيح مستمر لله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] (1)، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] ، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]. إذن ففي نظام الكون، لا يوجد من يعصي ويسير في طريق الانحراف سوى المكلف المختار كالإنسان.
والله سبحانه لم يخلق طريقا معوجا في جميع عوالم الوجود، والقرآن الكريم يبين اعوجاج الناس وانحرافهم في الدنيا فيقول: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [إبراهيم: 3].
فهؤلاء بسبب حب الدنيا فهم يفضلونها على الحياة الخالدة في الآخرة ويمنعون الآخرين أيضا ويجعلون طريق الله المستقيم معوج، بمعنى أنهم يخالفون الصراط التشريعي الذي هو الدين، لا أنهم يسلكون طريقا معوجا موجودا من قبل. إذن لم يخلق في عالم الوجود طريق معوج.
وحول مجموع الدين والقرآن يقول أيضا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 1] ، فلا يوجد أي اعوجاج في كتاب الله الذي يمثل مجموع الدين.
وأخيرا في يوم القيامة عندما تظهر حقيقة القرآن ويأتي تأويله: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53] فلا مجال حينئذ للاعوجاج والانحراف. ويسأل الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) عن مصير الجبال في القيامة فيجيب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا } [طه: 105 - 107]. أي أن الله يجعلها في ساهرة القيامة صحراء قاحلة ومستوية ليس فيها نبات ولا جبل ولا تل ولا نجد ولا غور وفي ذلك الموقف ينادي المنادي بصيحة الحق التي لا عوج لها.
إذن فليس هناك عوج لا في الدنيا ولا في الدين ولا في القيامة، وأنه الإنسان الذي يحرف بيده الطريق المستقيم ويجعله عوجا، ولذلك فإن عاقبة أصحاب جهنم هو القوي والسقوط عن الصراط: {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: 74].
وعليه، فإن النسبة بين (سبيل الغي) والصراط المستقيم ليست هي نسبة التضاد بل هي نسبة تقابل العدم والملكة، أي أن أحدهما وجود الصراط والآخر عدمه، لا أن أحدهما الصراط والآخر هو طريق غير الصراط المستقيم.
تنويه: كما اتضح من خلال التفسير أنت جملة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} هي لأجل بيان بعض الصفات السلبية للمنعم عليهم، وأنت معناها هو: أن الذين أنعمت عليهم لا مغضوب عليهم ولا هم ضالون، لا أن هذه الجملة قيده للصراط، لأن معنى كلمة الصراط إما الطريق المستقيم كما ذكر الراغب في المفردات، أو لأنها ذكرت في الجملة السابقة بصفة المستقيم ثم ذكرت مرة أخرى مع الألف واللام فالمقصود منها إذا هو خصوص الصراط المستقيم.
وعلى كل تقدير، فإن المقصود من الصراط هو الطريق المستقيم خاصة، وأن الطريق المستقيم ليس فيه سالك غير المنعم عليهم، أي لا يمكن أن يكون للمغضوب عليه أو الضال صراط مستقیم حتى يكون المقصود من طلب المصلي من الله في قوله {اهدنا الصراط المستقيم} هو الصراط المستقيم للجماعة الأولى أي المنعم عليهم لا الصراط المستقيم للمغضوب عليهم والضالين، فضلا عن أن الضلالة لا تجتمع مع التمتع بالصراط المستقيم. ولهذا ذكر بعض قدماء المفسرين أنت {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة: 7] تنزيه {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7](2) ، وهناك شاهد لفظي يؤيد هذا المعنى، وهو كون كلمة "غير" مجرورة، وإن كان و البعض قرأها بالنصب. ومن الواضح أن المنعم عليه لا يكون أبدأ ضالا أو مغضوب عليه، لكن كلمة غير في مثل هذه الموارد في ضمن تفهيمها معنى المغايرة، فإنها تتضمن تأكيد الموضوع السابق كما في قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 21] ، {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } [آل عمران: 112] ، {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] ، لأن قتل الأنبياء باطل قطعة والمحصن المراعي للعفة غیر مسافح ولا زان بالتأكيد، وعليه، فإن استعمال كلمة "غير" في مثل هذه الموارد هو لأجل تأكيد المضمون السابق، مضافة إلى أنه يمكن أن يقصد بها طلب استمرار النعمة المعنوية، وعدم تبدلها إلى نقمة وغضب وضلالة.
والمقصود هو أن القرآن الكريم دأب في تحليل الصفات الكمالية الأولياء الله على أن يذكر تارة صفاتهم الإيجابية، كما جاء في سورة المؤمنون (الآيات1-9) حول صفات الكمال الوجودي للمؤمنين وما جاء في سورة المعارج (الايات 22-35) في التذكير بالصفات الإيجابية للمصلين الصادقين، وتارة يجمع بين صفاتهم الإيجابية والسلبية كما جاء في سورة الفرقان (الآيات 63-74)، التي سيق بعضها لبيان الصفات الإيجابية لعباد الرحمن المخلصين، وسيق البعض الآخر لبيان صفاتهم السلبية، وظاهر القسم الأخير من سورة الفاتحة أنه أيضاً تلفيق بين الصفات الإيجابية والسلبية لسالكي الصراط المستقيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. سورة النور، الآية 41. تعبير (ألم تر) في مثل هذه الآيات يدل على أن الإنسان لو أزاح الستار قليلا لرأي الحقائق بوضوح.
2. تفسير ابن العربي، ج1، ص31.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|