أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-10-2019
1092
التاريخ: 27-1-2022
1840
التاريخ: 5-1-2023
1559
التاريخ: 30-5-2020
2240
|
نموذج لمقال الخواطر والتأملات- الرأي والعقيدة
قال فيه:
"فرق كبير بين أن نرى الرأي وأن نعتقده، إذا رأيت الرأي فقد أدخله في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك، ذو الرأي فيلسوف يقول: إني أرى الرأي صواباً، وقد يكون في الواقع باطلاً، وهذا ما قامت الادلة عليه اليوم، وقد تقوم الادلة على عكسه غداً، وقد أكون مخطئاً فيه، وقد أكون مصيبا، أما ذو العقيدة فجازم بأنه لا شك عنده ولا ظن، عقيدته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم، وهي الحق غدا، لأنها خرجت عن أن تكون مجالا للدليل، وسمت عن معترك الشكوك والظنون.
ذو الرأي فاتر أو بارد، إن تحقق ما رأى ابتسم ابتسامة هادئة رزينة، وإن لم يتحقق ما رأى فلا بأس، فقد احترس من قبل بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيره خطأ يحتمل الصواب، وذو العقيدة حار متحمس لا يهدأ ألا إذا حقق عقيدته، هو حرج الصدر لهيف القلب، تتناجى في صدره الهموم، أرق جفنه وأطال ليله تفكيره في عقيدته، كيف يعمل لها، ويدعو إليها، وهو طلق المحيا، مشرق الجبين إذا أدرك غايته، أو قارب بغيته.
ذو الرأي سهل عليه أن يتحول ويتحور، وهو عبد الدليل أو عبد المصلحة التي تظهر في شكل دليل، أما ذو العقيدة فخير مظهر له ما قاله رسول الله: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته"، وكما يتجلى في دعاء عمر "اللهم إيماناً كإيمان العجائز" .
ولقد رووا عن سقراط أنه قال: إن الفضيلة هي المعرفة، وناقشوه في رأيه، وأبانوا له خطأه، واستدلوا بأن العلم قد يكون في ناحية والعمل في ناحية، وكثيراً ما رأينا أعرف الناس بمضار الخمر شاربها، وبمضار القمار لاعبه، ولكن لو قال سقراط: ان الفضيلة هي العقيدة لم أعرف وجها للرد عليه، فالعقيدة تستتبع العمل على وفقها لا محالة، فقد ترى أن الكرم فضيلة ثم تبخل، والشجاعة خيراً ثم تجبن، ولكن محال أن تؤمن بالشجاعة والكرم ثم تجبن أو تبخل.
العقيدة حق مشاع بين الناس على السواء، نجدها في السذج، وفي الاوساط، وفي الفلاسفة أما الرأي فليس إلا للخاصة الذين يعرفون الدليل وأنواعه، والقياس وأشكاله، والناس يسيرون في الحياة بعقيدتهم أكثر مما يسيرون بآرائهم، والمؤمن يرى بعقيدته ما لا يرى الباحث برأيه، قد منح المؤمن من الخواص الباطنة والذوق ما قصر عن إدراكه القياس والدليل.
لقد ضل من طلب الإيمان بعلم الكلام وحججه وبراهينه، فنتيجة ذلك كله عواصف في الدماغ أقصى غايتها أن تنتج رأيا، أما الإيمان والعقيدة فموطنهما القلب، ووسائلهما مد خيوط بين الاشجار والازهار والبحار والانهار وبين قلب الإنسان، ومن أجل هذا كانت الآية الكريمة. "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الارض كيف سطحت" أفعل في الإيمان من قولهم" :العالم متغير وكل متغير حادث"، فالأول عقيدة والثاني رأي.
الناس إنما يخضعون لذي العقيدة، وليس ذوو الرأي إلا ثرثارين عنوا بظواهر الحجج أكثر مما عنوا بالواقع، لا يزالون يتجادلون في آرائهم حتى يأتي ذو العقيدة فيكتسحهم....
وسار الكاتب في مقاله على هذا النهج حتى ختمه بقوله:
"ليس ينقص الشرق لنهوضه رأي، ولكن تنقصه العقيدة، فلو منح الشرق عظماء يعتقدون ما يقولون لتغير وجهه، وحال حاله، وأصبح شيئاً آخر".
وبعد، فهل حرم الإيمان مهبط الإيمان؟
إن هذا المقال إلى الخواطر الفلسفية أدنى منه إلى الخواطر الادبية، أو الاجتماعية، وهو نموذج جيد لهذا الطراز بنوع خاص.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|