أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-4-2016
1809
التاريخ: 2023-06-14
1106
التاريخ: 2023-11-29
1212
التاريخ: 2024-07-01
632
|
سند الصدوق إلى الفضيل بن يسار (1):
ابتدأ الصدوق (قدس سره) في الفقيه باسم الفضيل بن يسار فيما يزيد على عشر روايات، وأورد في المشيخة (2) طريقه إليه، وهو هكذا: محمد بن موسى المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار.
والمشهور عدم اعتبار هذا الطريق لأن السعدآبادي ممن لم يوثق في كتب الرجال.
نعم بنى جمع على وثاقته من حيث كونه من مشايخ ابن قولويه، وكون المشايخ هم القدر المتيقن من التوثيق المذكور في مقدمة كتابه كامل الزيارات.
ولكن قد مرّ في بحث سابق (3) أن ما ورد في المقدمة إنما أراد به ابن قولويه معنى آخر، وليس مقتضاه وثاقة جميع مشايخه، فليراجع.
وبالجملة: لا سبيل إلى إثبات وثاقة علي بن الحسين السعدآبادي، ومع ذلك يمكن أن يقرب اعتبار الروايات المشار اليها وفق البيانين التاليين..
الأول: أن الذي يظهر بتتبع الفهارس والأسانيد هو أن السعدآبادي لم يكن له دور حقيقي في نقل الأحاديث التي وقع في طرقها، بل كان دوره شرفياً محضاً، لأنه لم يكن صاحب كتاب، بل كان يحدث بكتب أحمد بن محمد بن خالد البرقي ومروياته، حيث لم يقع وسيطاً في النقل إلا عن البرقي، وليس له رواية عن غيره. ولما كان كتاب المحاسن للبرقي من الكتب المعروفة المشهورة في عصر الصدوق كما نصّ على ذلك في مقدمة الفقيه، فلا حاجة إلى ثبوت وثاقة السعدآبادي الذي وقع في الطريق إليه، كما هو الحال في كلِّ كتاب يكون مشهوراً تُتداول نسخه كالكتب الأربعة في الأعصار الأخيرة، فإن في شهرتها وتداولها ضماناً لعدم وقوع الدسِّ والتزوير ونحو ذلك فيها، فأي حاجة بعد ذلك إلى صحة الطريق إليها؟
ولكن يمكن أن يناقش في هذا البيان بأن كون كتاب المحاسن من الكتب المشهورة في عصر الصدوق (قدس سره) لا يقتضي تداول نسخه بحيث يستغنى عن السند إلى النسخة التي اعتمدها الصدوق في النقل عنه. بل مما يدل على خلاف ذلك أن النجاشي (4) ذكر في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه صنف كتاب الحقوق وكتاب الأوائل وكتاب السماء وكتاب الأرض وكتاب المساحة والبلدان وكتاب إبليس وجنوده وكتاب الاحتجاج، ثم روى بسنده عنه أنه قال: (إني تفقدت فهرست كتب المحاسن (5) التي صنفها أحمد بن أبي عبد الله البرقي ونسختها ورويتها عمن رواها عنه، وسقطت هذه الستة (6) الكتب عني فلم أجد لها نسخة، فسألت إخواننا بقم وبغداد والري فلم أجدها عند أحد منهم، فرجعت إلى الأصول والمصنفات فأخرجتها وألزمت كل حديث منه كتابه، وبابه الذي شاكله)، فيلاحظ أن جملة من كتب المحاسن للبرقي لم تكن لها نسخة في عصر محمد بن عبد الله الحميري، فكيف لنا التأكد من أن نسخ المحاسن بعد ذلك بقليل في عصر الصدوق (قدس سره) كانت مشهورة بحيث تستغني عن السند؟!
الثاني: ما يتوقف على مقدمتين:
الأولى: ما أشار إليه العلامة شيخ الشريعة (قدس سره) (7) من أنّ للصدوق طريقاً إلى البرقي صحيحاً بلا إشكال قد ذكره في مشيخته (8)، وهو: أبوه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله القمي عن البرقي، والظاهر أن هذا الطريق لا يختص بما ابتدأ فيه باسم البرقي في أحاديث الفقيه، بل هو طريقه إلى كتاب المحاسن بتمامه.
والقرينة على ذلك هي: أنه (قدس سره) قد ذكر في مقدمة الفقيه أنّ (9): (جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي.. وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ورسالة أبي (رضي الله عنه) إليَّ، وغيرها من الأصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي (رضي الله عنهم) ).
وحيث إنه ذكر في المشيخة طرقه إلى هؤلاء الذين سماهم في المقدمة فينبغي أن يكون ما ذكره في المشيخة طرقاً إلى الكتب المذكورة، لا إلى خصوص الروايات التي ابتدأها بأسماء هؤلاء.
وبعبارة أخرى: إنّ من المقطوع به أن قدراً معتداً به مما ابتدأ في الفقيه من الروايات بأسماء حريز والحلبي والبرقي وأضرابهم إنما هو مأخوذ من كتبهم التي ذكرها في المقدمة، فيتعين أن تكون طرقه المذكورة إليهم في المشيخة طرقاً إلى كتبهم لا إلى خصوص الروايات التي أوردها عنهم. ولا يقاس بهؤلاء غيرهم ممن ابتدأ بأسمائهم في الفقيه وذكر طرقه إليهم في المشيخة، فإنّه يجوز ألّا تكون كتبهم هي مصدر ما أورده عنهم من الروايات بل كتب بعض من وقع في الطرق إليهم.
وبذلك يُعرف أنّه لا فرق بين الكليني وعلي بن جعفر اللذين صرّح في المشيخة (10) بأن طريقه إليهما طريق إلى كتابيهما وبين الرجال المذكورين في المقدمة ممن لم يصرح بذلك في حقهم، فهم جميعاً على حدٍّ سواء في كون الطرق المذكورة في المشيخة طرقاً إلى كتبهم لا إلى خصوص رواياتهم التي أوردها عنهم.
وبالجملة: الظاهر أنّ الطريق الذي ذكره الصدوق إلى البرقي إنما هو طريق إلى كتاب المحاسن، وليس إلى خصوص الروايات التي ابتدأ فيها باسم البرقي في متن الفقيه.
ويؤكد هذا أن الشيخ روى في الفهرست (11) جميع كتب البرقي ومنها المحاسن بإسناده عن محمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد، مما يدل على أن ابن الوليد كان راوياً لكتب البرقي، لا خصوص الروايات المبدوءة باسم البرقي في الفقيه.
والحاصل: إن ما أخذه الصدوق من محاسن البرقي معتبر سنداً وإن لم يتم اعتبار السند الذي ذكره إليه في المشيخة.
الثانية: أن الروايات المشار اليها وإن كان الصدوق قد ابتدأها باسم الفضيل بن يسار ولكن يمكن أن يحرز كونها مأخوذة من كتاب البرقي الذي يقع في الطريق إلى الفضيل في المشيخة.
وتقريبه: أنّ الصدوق (قدس سره) قد ذكر في مقدمة الفقيه ــ كما مرّ ــ جملة من أهم مصادره في تأليفه، ومنها كتب المحاسن، والملاحظ أنه لم يبتدأ باسم البرقي إلا في موردين أو ثلاثة، واعتماده على المحاسن في هذه الموارد فقط غير محتمل، بل من المقطوع به أن جملة معتداً بها من روايات الفقيه مأخوذة من المحاسن، وإن كان قد ابتدأ فيها باسم شخص آخر غير البرقي.
وبالمراجعة إلى المشيخة نجد أنه ذكر بالنسبة إلى الكثير من الرواة (12) ــ منهم الحسن بن زياد الصيقل والفضيل بن يسار وسليمان الجعفري وعبد الله بن فضالة وبزيع المؤذن وعبد العظيم الحسني وسيف التمار وعمرو بن شمر وسعيد النقاش والفضل بن أبي قرة السمندي وآخرون ــ أن ما أورده عنهم في الفقيه إنما رواه عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، وهذا السند هو أحد سنديه إلى البرقي في المشيخة وهو كما مرّ يشمل تمام كتاب المحاسن، ويؤكد ذلك أن علي بن الحسين السعدآبادي ممن روى هذا الكتاب كما نصَّ على ذلك أبو غالب الزراري في رسالته إلى ابن ابنه، وذكره النجاشي والشيخ في الفهرست (13).
وأيضاً نجد في المشيخة أنه يروي ما أورده عن جماعة ــ منهم أبو البختري وهب بن وهب وعمر بن قيس الماصر (14) ــ بسنده الآخر إلى البرقي الذي هو سنده إلى كتاب المحاسن أيضاً كما مرّ، وهو أبوه ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله.
وعندئذٍ يمكن أن يقال: إنّ كون سنده إلى روايات هؤلاء مطابقاً مع سنده إلى المحاسن يعدّ مؤشراً إلى أنه أخذ رواياتهم من هذا الكتاب، بل يحتمل هذا بالنسبة إلى روايات أشخاص آخرين وقع أحمد بن أبي عبد الله البرقي في الطرق إليهم، ولكن لا سبيل إلى البناء فيها على ذلك لعدم القرينة عليه.
وأمّا بالنسبة إلى من كان الطريق إلى رواياتهم في المشيخة هو أحد الطريقين إلى كتاب المحاسن فيمكن البناء فيها على ذلك، فيندفع الخدش فيما كان منها مروياً بطريق فيه السعدآبادي بالنظر إلى صحة الطريق الآخر كما مرّ.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب اعتبار الروايات المشار اليها وما ماثلها.
ولكن الإنصاف أنه غير تام، وذلك لأنه وإن كان من المقطوع به أن الصدوق أخذ جملة من روايات الفقيه من كتاب المحاسن وإن لم يبتدأها باسم البرقي، ولكن لا يتعين أن تكون هي الروايات التي يتحد طريقه إلى رواتها في المشيخة مع أحد طريقيه في كتاب المحاسن.
بل يجوز أن تكون غيرها كآلاف الروايات المرسلة أو التي لم يذكر طرقه إلى أصحابها في المشيخة.
بل يمكن أن يُقال: إنّ مِن المستبعد أن تكون جميع الروايات التي ابتدأها باسم الفضيل بن يسار ــ مثلاً ــ مأخوذة من المحاسن، فإن مقتضى ذلك أن يكون الطريق في المحاسن إلى الفضيل في تمام تلك الروايات واحداً وهو الطريق المذكور في المشيخة مع أن هذا بعيد، إذ نجد فيما بقي من المحاسن أن الروايات المروية فيه عن الفضيل إنما هي بطرق مختلفة فكيف يحتمل أن يكون جميع ما اختاره الصدوق بطريق واحد؟!
ويمكن أن يُضاف إلى ما تقدم أن السعدآبادي لم يقتصر على رواية كتاب المحاسن عن البرقي بل روى عنه كتب عدد آخر من الأصحاب كمحمد بن خالد الأشعري ومحمد بن الوليد البجلي ومحمد بن القاسم بن الفضيل ومحمد بن مرازم ومحسن بن أحمد القيسي ومروك بن عبيد ونشيط بن صالح ــ كما يظهر ذلك من تراجمهم في رجال النجاشي ــ وعلى هذا يحتمل أن يكون ما أورده الصدوق من روايات من وقع السعدآبادي عن البرقي في الطرق إليهم في المشيخة مأخوذاً من كتبهم أو من كتب بعض من توسطوا بينهم وبين البرقي.
ومع تطرق هذا الاحتمال لا يمكن إحراز كون تلك الروايات مأخوذة من كتاب المحاسن حتى لو غض النظر عن الإشكال المتقدم.
فالنتيجة: أنّ البيان المذكور لتصحيح روايات الفضيل بن يسار واضرابه المروية في الفقيه غير تام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|