المخاطبون في الخطاب {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} [البقرة: 49] هم يهود عصر النبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) والحال أن النجاة من آل فرعون كانت متعلقة بأجدادهم؛ وما يصحح الخطاب هو أن نجاة أسلافهم كانت السبب في نجاتهم هم أنفسهم أيضاً؛ لأنه لولا نجاة هؤلاء السلف وحيث إن سنة الفراعنة كانت تقضي بقتل الأولاد الذكور، لكان نسل هؤلاء القوم مقطوعاً لا محالة وما كان هناك أثر ليهود عصر نزول القرآن؛ نظير ما جاء في كتاب الله العزيز عن قصة طوفان نوح ونجاته وأتباعه حيث يخاطب القرآن الناس في عصر النزول: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة: 11]، والحال أنه لم يكن في السفينة غير نوح النبي وأتباعه.

تنويه: التنجية من آل فرعون كانت بالنسبة لبني إسرائيل في عصر موسى الكليم رفعاً للعذاب أمّا بالنسبة لليهود المعاصرين لنزول القرآن الكريم فكانت دفعاً له؛ وذلك لأنه لو لم يُرفع الخطر الموجود عن هؤلاء السلف لحاق بالخلف من بعدهم ومن جملتهم معاصرو نزول القرآن. هذا إن بقي للماضين نسل أصلاً.

يظهر من إحياء الذكرى السنوية للتنجية الذي يستنبط من الأمر {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] أن ذلك قد تم بسبب كونهم قد نجوا بفضل العناية الإلهية من كل أصناف الضيم والظلم ويفهم من خلال التحليل المتقدم عن كيفية الخطاب في قضيّة التنجية أن الذي أنقذ أسلافه من العذاب فظهر إلى الوجود وصار في مأمن من العذاب ببركة نجاة هؤلاء فإن مخاطبته بأسلوب "إننا نجيناك من العذاب" تُعد صحيحة في أدب الحوار ولا تترك مجالاً لخطور توهُم التناسخ في الذهن على الإطلاق، وحسب قول الآلوسي فلا حجّة في الآية للقائل بالتناسخ أبداً.(1)

ولقد وردت التنجية بحق عدد من الأنبياء أيضاً أمثال هود، وصالح، وشعيب : {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} [يونس: 103].

يوماً ستشرق في السما شمس المنى     ويطل من بعد المحاق هلال (2)

________________________

1. روح المعاني، ج 1، ص401 .

2. في إشارة إلى بيت شعر بالفارسية عن كتاب كشف الأسرار وعدة الأبرار، ج 1، ص 194: "آخر بسوى سعادات آید راهم بيرون جهد از محاق روزی ماهم".