أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-26
1054
التاريخ: 6-12-2015
2033
التاريخ: 5-4-2016
2607
التاريخ: 2023-08-01
1049
|
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]
عبر في الآية مدار البحث عن الأمر بالمعروف من قبل الآمر غير العامل بتعبير "نسيان النفس".
إنَّ للإنسان "نفسين" وهما - في الحقيقة - عبارة عن درجتين لنفسه؛ الدرجة العالية وتمثل مرتبة حياته الإنسانية، والدرجة الدانية وهي عبارة عن مرتبة حياته النباتية أو الحيوانية.
هناك العديد من الناس ينشغلون بالتفكير في "النفس النباتية" أو "النفس الحيوانية" فقط ناسين "النفس الإنسانية". ويقول القرآن الكريم في هذا الصدد في سياق الآيات التي تتحدث عن الحرب والجهاد في سبيل الله: هناك جماعة لا يفكرون إلا بأنفسهم؛ أي إنّهم نسوا روحهم الأصلية الإنسانية وانشغلوا بنفسهم النباتية أو الحيوانية؛ {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ...} [آل عمران: 154].
كما ويقول أهل المعنى في من لا يهتم إلا بمأكله وملبسه ومنامه: مثل هذا الشخص لم يصل حتى إلى المرحلة الحيوانية فأنى له الوصول إلى الحياة الإنسانية؛ إنّه نبات حسن؛ لأنه يأكل على نحو حسن، وينمو، ويخضر؛ فهو في حالة تغذية وتنمية، وتوليد، وإنتاج ولا غير.
على أي تقدير، إن انشغال المرء بنشأته النباتية والحيوانية من شأنه أن يُضعف ارتباطه بنشأته الإنسانية، فيبعث على نسيان هذه المرحلة الأسمى.
يقول القرآن الكريم - أولاً - في تعريفه لأمثال هؤلاء: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [الفرقان: 44]. من دون ريب إن مثل هذا التعبير هو لبيان حقيقة خارجية، وليس للسباب؛ وذلك لأن القرآن ليس كتاباً لكيل الشتائم، بل إن لسانه لسان أدب، وإنه حتى عندما يقول: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] فإن ذلك يكون في مقام إظهار الهلاك والتعذيب الحقيقي، وليس للسباب والشتم. فالكتاب الذي يكون معلماً للأدب والذي يقول: لا تسبوا مقدسات الآخرين فيهينوا مقدساتكم: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] ، لن يبادر إلى سب أحد، بل إنه يفشي حقيقة بعض الأشخاص من خلال نظرته إلى الباطن وسيتضح صدق مثل هذا الإخبار أثناء المعاد.
ثانياً: يرى القرآن الكريم أن منشأ نسيان النفس هو "نسيان الله" فيقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19] ؛ أي لا تكونوا كالذين نسوا الله فعاقبهم الله على نسيانهم له بأن أنساهم أنفسهم، حيث إن القريب من ذلك وما يُعد عكس نقيضه هو القول: من لم ينس: نفسه لم ينس "الله" ليس إلا مفاد الحديث النبوي الشريف: "من عرف نفسه فقد عرف ربه" (1)؛ مثلما أن العكس المستوي التقريبي (2) له قد جاء في سورة "يس": {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78] ، أي إن نسيانه لنفسه دفعه إلى نسياننا وإنكار المعاد.
ثالثاً: في تعبير آخر يرى القرآن الكريم أن منشأ نسيان النفس هو عدم الانتفاع بالعلم الموجود: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]؛ أي: إننا نضرب هذه الأمثال ليصير العلماء والمطلعون عقلاء، لذا فإنهم إن لم يوظفوا هذه الأمثال من أجل بناء النفس وتهذيبها ونسوا أنفسهم فذلك دليل على عدم انتفاعهم بالعلم الموجود. وعلى هذا الأساس فإنه يقول في ذيل الآية مدار البحث: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]
والهدف من هذا الكلام:
أ- لابد للعلم أن يكون نافعاً، ويتعيّن الاستعاذة بالله من العلم غير النافع: "أعوذ بك من علم لا ينفع" (3).
ب- للعلم منافع جمة أبرزها صيرورة العلم سلماً للعقل ليصبح العالم عاقلاً.
ج- من جملة طرق تكامل العلم وتحوله إلى المرحلة الرفيعة للعقل، هي الأمثال القرآنية التي لها الأثر البالغ في جعل العلماء عقلاء.
د- إذا لم يتحول العالم إلى عاقل من خلال الأنس بأمثال القرآن الكريم يصبح معلوماً حينها أنه لم يفد من العلم الموجود.
هـ- إن أمارة انعدام العقل هي نسيان النفس وإنّه، طبقاً للتلازم السالف الذكر، فإن منشأ نسيان النفس هو نسيان الله عزّت آلاؤه. إذن فالعلامة المباشرة لانعدام العقل هي نسيان الله ؛ كما أن الكون في ذكر الله هو علامة على العقل والتعقل.
و- العاقل الذي يكون في ذكر الله يكون دائم المراقبة لنفسه ولا ينساها إطلاقاً.
تبعات هذا النسيان
الغاية من مراقبة النفس في المجال النظري هي أن لا تظهر النفس الموهوم والمتخيَّل معقولاً، وأن لا تعمد إلى المغالطة بلحاظ الفكر والمعرفة، والغاية من مراقبتها في القسم العملي. أن لا تظهر متعلق الشهوة والغضب بصورة التولي والتبري، وأن لا تؤسس للمغالطة اعتماداً على الدافع والمحبّة. فإذا لم تخضع النفس الآدمية إلى المراقبة الشديدة، وإن هي لم تتلق أوامر العقل الصادرة من موقع الأمر والمقتدر بالنسبة للبر ومطلق الخير، والتي من أبرزها الامتثال للواجب واجتناب المحرم، فإنّها بدلاً من أن تكون مأمورة تصبح آمرة فتأمر صاحبها بالسوء والقبح: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]. فالناس العاديون الذين لم يؤمروا بالمعروف لا يكترثون لتارك الأمر بالمعروف، أما النفس فهي إذا لم تُؤمر بالمعروف فسوف تأمر تاركه بالمنكر وتنهاه عن المعروف؛ كما ابتلي بذلك رؤوس قوم بني إسرائيل وجماعة غيرهم فعمد الله تعالى في هذه الآية إلى تقريعهم وتوبيخهم وتعييرهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الشريعة، ص257؛ وبحار الأنوار، ج 2، ص 32.
(2) في العكس المستوي يحتل المحمول محل الموضوع ويحتل الموضوع محل المحمول.
(3) مفاتيح الجنان، تعقيبات صلاة العصر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|