أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-02
1080
التاريخ: 2023-02-28
1109
التاريخ: 2023-03-01
1192
التاريخ: 2023-11-16
1248
|
رغم التنوع الغني للأنظمة الفيزيائية التي يذخر بها الكون من الذرات إلى المجرات، فإننا لا نحتاج سوى أربع قوى أساسية وحسب لتفسير خصائصه. لكن من الظاهر قد يبدو أن هناك العديد من القوى في الطبيعة، تغير شكل المادة وتحولها على جميع المستويات. أوضح هذه القوى هي قوة الجاذبية؛ قوة الجذب التي تبقي قدميك مثبتتين إلى الأرض. من القوى الملحوظة الأخرى قوة الجذب الكهروستاتيكية؛ تلك القوة التي تجعل البالون بعد حكه بقطعة من الصوف يلتصق بالسقف أو تجعل الشعر ينتصب بعد تصفيفه. للمغناطيس أيضًا قوة جذب، أو طرد إذا أدرناه للناحية الأخرى. من الأمثلة الأخرى المألوفة ضغط الغاز الحبيس داخل بالون أو البخار المندفع من غلاية الماء. إلا أن التقصي الحريص يوضح أنه يمكن جمع كل تلك القوى في أربع قوى أساسية. إن الذرات، على سبيل المثال، تلتصق معًا لتكون جزيئات أو يبتعد بعضها عن بعض في تنافر استنادًا إلى الشحنة الكهربية التي تحتوي عليها ونفس هذه الشحنات الكهربية هي المسؤولة عن قوى الجذب الكهربية في مثال البالون (السابق)، وكل قوة أخرى نقابلها في حياتنا اليومية، مثل الرياح التي تدفع أشرعة المراكب أو قوة الدفع التي تحرك عجلة التجديف تأتي في النهاية من تلك الكهرباء الذرية، الموزعة على عدد كبير للغاية من الذرات. وفي الحقيقة تعد قوى الجاذبية والمغناطيسية والكهرباء مسؤولة عن جميع ظواهر الحياة اليومية تقريبا.
في أوائل القرن العشرين اكتشفت قوتان جديدتان. نحن لا نلحظ هاتين القوتين في الحياة اليومية لأنهما تقتصران في عملهما على أنوية الذرات والتفاعلات القريبة بين الجسيمات دون الذرية. إحدى هاتين القوتين، والمسماة بالقوة النووية الشديدة، أو القوة الشديدة وحسب، هي المسؤولة عن ربط الكواركات بعضها ببعض لتكوين الهدرونات تعمل محصلة هذه القوة الشديدة العاملة بين الكواركات على الربط بين النيوترونات والبروتونات وتفسر تماسك نواة الذرة وقدرتها على التغلب على قوى التنافر الكهربي للبروتونات. قد تكون هذه القوة قوية للغاية، إلا أن مداها قصير جدا؛ إذ تهبط إلى الصفر بعد مسافة تبلغ حوالي واحد على التريليون من السنتيمتر. القوة النووية الأخرى تُعرف باسم القوة النووية الضعيفة، وهي المسؤولة عن نوع من النشاط الإشعاعي، تلك الظاهرة التي تحدث حين تتحلل بعض الجسيمات النووية إلى جسيمات أخرى. على سبيل المثال، النيوترون المعزول يكون غير مستقر وسيتحلل في غضون دقيقة أو نحو ذلك إلى بروتون وإلكترون ومضاد نيوترينو. إن القوة النووية الضعيفة هي التي تسبب تحول العناصر. ونفس القوة تفسر أيضًا سبب تحلل الميوونات (وغيرها الكثير من الجسيمات الأخرى). وفيما يخص القوتين النوويتين نجد أن الهدرونات (أي الكواركات) تستجيب للقوتين الشديدة والضعيفة، في حين تشعر اللبتونات بالقوة الضعيفة وحسب.
القائمة السابقة يبدو أنها تحتوي على خمس قوى الجاذبية والكهربية والمغناطيسية والقوتين النوويتين الشديدة والضعيفة، إلا أن اثنتين من هذه القوى الكهربية والمغناطيسية هما جانبان لقوة واحدة أشمل هي القوة الكهرومغناطيسية. اكتشف الرابط بين الكهرباء والمغناطيسية في القرن التاسع عشر من خلال أعمال كل من مايكل فاراداي وهانز كريستيان أويرستيد وجيمس كلارك ماكسويل وغيرهم. من اليسير للغاية توضيح هذا الأمر؛ فالتيار الكهربي يولد مجالا مغناطيسيا، وهي الظاهرة المستغلة في أجراس الأبواب وأجهزة التلفاز ومجففات الشعر وغيرها الكثير من الأجهزة المنزلية. وعلى العكس يولد المجال المغناطيسي المتغير قوى كهربية، ويمكنه جعل التيار الكهربي يتدفق لو كانت هناك دائرة كهربية. ومجددًا، هناك أمثلة شائعة على هذا الأمر مثلما نرى في المولدات الكهربية.
في خمسينيات القرن التاسع عشر تمكن ماكسويل من دمج المعادلات التي تصف الكهرباء بتلك التي تصف المغناطيسية، مع الوضع في الاعتبار التداخل بين القوتين. ربما كانت أهم نتيجة لهذا التوحيد هي اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية. فلأن المجالات المغناطيسية المتغيرة تخلق مجالات كهربية، ولأن المجالات الكهربية المتغيرة تخلق مجالات مغناطيسية توجد إمكانية لوجود ذبذبات داعمة لذاتها من المجالات الكهربية والمغناطيسية، بحيث يغذي كل منها الآخر. استخدم ماكسويل معادلات المجال المغناطيسي للتنبؤ بأن مثل هذه المجالات المتذبذبة يمكنها الانتقال عبر فراغ الفضاء الخاوي على صورة موجات. إضافة إلى ذلك أوضحت هذه المعادلات سرعة تلك الموجات. المهم في الأمر هو أنه حين حدد ماكسويل سرعة الموجات وجد أنها تساوي سرعة الضوء. كانت النتيجة واضحة: الضوء نفسه مكون من نوع من الموجات الكهرومغناطيسية. عمل الفيزيائيون على سبر أغوار الموجات الكهرومغناطيسية الأخرى التي تنتمي في الأساس لنفس ظاهرة الضوء، لكن بأطوال موجية وترددات مختلفة. تتراوح هذه الموجات من موجات الراديو والموجات الميكروية، مرورًا بدرجات الأشعة تحت الحمراء، والضوء المرئي، ثم الأشعة فوق البنفسجية، وصولاً إلى الأشعة السينية وأشعة جاما. من الممكن وصف الجاذبية والكهرومغناطيسية على شكل مجالات. على سبيل المثال، يدور القمر حول الأرض لأن مجال الجاذبية للأرض يتفاعل مع القمر وينتج قوة جاذبة. وبالمثل، يمكن القول إن المغناطيس ينتج مجالًا مغناطيسيا يمتد ويتفاعل مع مغناطيس آخر. هذا النوع من الوصف مناسب على النطاقات الكبيرة، لكن في نطاق الذرات لن يفيدنا؛ لأن علينا أن نضع التأثيرات الكمية في الاعتبار.
كيفية عمل القوى على المستوى الكمي
تتطلب ميكانيكا الكم طريقة مغايرة تمامًا في التفكير بشأن كيفية عمل القوى، إليك بهذا الوصف المختصر: افترض أن إلكترونين يقتربان أحدهما من الآخر على نفس المسار. نظرًا لأن الشحنات الكهربية المتشابهة تتنافر من المفترض أن يبتعد الإلكترونان أحدهما عن الآخر، ويطلق الفيزيائيون على هذه العملية اسم «التشتت». إلا أن ميكانيكا الكم تقدم وصفا خاصا لكيفية تشتت الإلكترونين، وذلك باستخدام لغة الفوتونات. الفوتون هو أحد كموم المجال الكهرومغناطيسي، وهو الوجه الشبيه بالجسيم للموجات الكهرومغناطيسية. وما يحدث حين يتشتت إلكترونان هو أن أحدهما
يطلق فوتونا والآخر يمتصه. نتيجة لذلك يرتد8 كل إلكترون منهما قليلا، وهذا الارتداد هو ما يرسلهما إلى مسارين مختلفين. هذه العملية موضحة في الشكل 4-1 يطلق على الفوتونات التي يقتصر عملها على التبادلات الخاصة بين الإلكترونات (أو غيرها من الجسيمات) اسم «الفوتونات الافتراضية»، وذلك لتمييزها عن الفوتونات الأخرى الحقيقية التي تخرج من المصابيح الكهربية وتخلق في أمخاخنا الإحساس بالضوء.
شكل 4-1: كيفية تفاعل الجسيمات الكمية. يوضح هذا المخطط المسمى بمخطط فاينمان، الكيفية التي يقترب بها إلكترونان أحدهما من الآخر ثم يتشتتان نتيجة القوى الكهرومغناطيسية العاملة بينهما. لوصف هذه العملية باستخدام ميكانيكا الكم من الضروري التفكير في الإلكترونات بوصفها تتبادل فوتونا «افتراضيا». حين تؤخذ جميع عمليات التبادل (أي جميع الفوتونات (الممكنة في الاعتبار وتدمج في الحساب النهائي للتأثير الصافي، يتم الحصول على اتفاق مدهش مع التجربة.
تسمى الأشكال على غرار الشكل رقم 4-1 باسم مخططات فاينمان، على اسم مبتكرها ريتشارد فاينمان وهي مفيدة من أجل توصيل الفكرة العامة، إلا أنه لا ينبغي الاعتماد عليها اعتمادًا حرفيًّا. على سبيل المثال، يجعل المخطط عملية التشتت تبدو كأنها تغير مفاجئ في حركة كل إلكترون، إلا أن هذا أمر مضلل في المعتاد ليس من الممكن تحديد أي الإلكترونين سيطلق الفوتون الافتراضي وأيهما سيستقبله، أو متى يحدث هذا. وفق قواعد ميكانيكا الكم ينبغي أن يضع المرء في حسبانه كل الاحتمالات عند حساب التأثير الصافي لعملية تشتيت إلكترون لآخر. إن كل عملية إطلاق للفوتونات وامتصاص لها تسهم في النتيجة، ولا يمكن لأي مخطط أن يجسد ما يحدث في الحقيقة. إن محاولات تحديد أين ومتى يمكن للفوتون أن ينطلق تُحبَط بسبب قيود مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج، لكن حين تُضَمَّن جميع العمليات في الحساب يمكن استخلاص الحساب الدقيق منها جميعًا.9 لكن حتى هذا ليس إلا جزءًا من القصة؛ فالمعادلات التي تصف عملية تشتت الإلكترونات (والمأخوذة من فرع الفيزياء المعروف باسم «الديناميكا الكهربية الكمية»Quantum Electrodynamics) لا يمكن أن تُحل بدقة تامة، لذا يُستخدم نظام تقريبي، يتكون من تتابعات لا نهاية لها من معادلات أكثر تعقيدًا، كل واحدة منها تقربنا أكثر وأكثر من الإجابة.10 إن مخطط فاينمان الموجود في الشكل 4-1 هو أول حلقة في هذه السلسلة، وأبسط صور التقريب. للحصول على تقريب أكثر دقة سيكون عليك تدبر مخطط فاينمان يتم فيه تبادل اثنين من الفوتونات الافتراضية. وإذا أردنا دقة أعلى للحسابات فسيكون علينا أن نضمن عددًا من عمليات تبادل الفوتونات يصل إلى ثلاث أو أربع أو خمس، وهذا يتطلب منا المزيد والمزيد من الحسابات الأصعب. ومجددًا، تقضي قواعد ميكانيكا الكم بأن جميع الإمكانيات - كل أعداد الفوتونات المحتملة - تسهم في تأثير التشتت الصافي رغم أن هذه الإسهامات تقل بشكل حاد (حمدا لله!) مع إضافة كل فوتون جديد، ولهذا نادرًا ما يتواصل العمل في الفيزياء العملية لما بعد المستوى الثاني من التقريبات للحصول على تفسيرات أو تنبؤات دقيقة بشأن أغلب المشكلات موضع الدراسة.
إلى الآن كنت أصف عملية تنافر الإلكترونات، إلا أن نفس النظرية (باستخدام مفهوم تبادل الفوتونات) الافتراضية يمكن أن تُستخدم لوصف مجموعة من الظواهر الأخرى، على غرار انبعاث الضوء وامتصاصه وتشتته بسبب الجسيمات أو الذرات المشحونة، والتفاصيل الدقيقة للطاقة الذرية وفناء الإلكترونات والبوزيترونات والخصائص المغناطيسية للبتونات. على أي حال، حين تُجرى هذه الحسابات بالشكل السليم يكون الاتفاق بين النظرية والتجربة مذهلًا. اختبرت بعض التنبؤات في تجارب وحققت نسب دقة استثنائية وصلت في بعض الأحوال إلى أفضل من واحد في التريليون يمد هذا الاتفاق القوي الفيزيائيين بالثقة في أن تفسير تبادل الفوتونات للديناميكا الكهربية الكمية صحيح. في هذا الوصف الكمي يُعزى وجود التفاعل الكهرومغناطيسي بين اثنين من الجسيمات المشحونة إلى تبادل جسيم ثالث وهو الفوتون. يمكن تصور المجال الكهرومغناطيسي للجسيم المشحون على صورة سحابة من الفوتونات الافتراضية المحيطة بالجسيم. نفس المنطق ينطبق على القوى الأخرى؛ فقوة الجاذبية مثلا تعمل عن طريق تبادل الجرافيتونات. لم يتمكن أحد من تبين وجود الجرافيتونات بطريقة مباشرة لأن قوة الجاذبية ضعيفة للغاية، لكن خصائصها يمكن استنتاجها مما نعرفه عن مجالات الجاذبية. تحتاج القوة النووية الضعيفة إلى جسيمي تبادل يُطلق عليهما البوزون W والبوزون Z (في الواقع البوزون W له شحنة كهربية قد تكون موجبة أو سالبة،) ويشار إليهما بالرمزين W+ و -W). القوة النووية الشديدة أكثر تعقيدًا وتتطلب ثماني جسيمات تبادل – أو أكثر - لربط النيوترونات والبروتونات معًا، هذه الكموم تعرف إجمالاً باسم الجلوونات. لذا لإكمال قائمة الكيفية التي يرتبط بها الكون بعضه ببعض قد يكون علينا أن نضيف إلى قائمة الستة كواركات والستة لبتونات إلى جانب جسيماتهم المضادة) ما مجموعه اثنا عشر جسيم تبادل مسئولة عن القوى التي تعمل عليها. يلخص الجدول رقم 4-2 هذا.
جدول 4-2 تعمل قوى الطبيعة الأربع عن طريق تبادل الجسيمات ذات اللف المغزلي 1 و2. الجلوونات الثمانية المختلفة مبينة هنا في بند واحد فقط لأنها تؤدي وظيفة متشابهة. لم يكتشف الجرافيتون في التجارب المعملية، لكن يُستدل على وجوده وخصائصه من النظريات الرياضية الوحدات المستخدمة لكتلة البوزونات W وZ هي الوحدات الفنية التقليدية (المعروفة باسم (c2Gev/)، وللمقارنة، فإن كتلة البروتون في نفس الوحدات تبلغ 0.9383 الشحنة الكهربية مذكورة في وحدات شحنة البروتون.
هوامش
(8) The word recoil is a bit misleading here, because if the charges were of opposite sign, the deflection would be inward rather than outward. As a result of Heisenberg’s uncertainty principle, the momentum transfer can be negative in quantum processes, causing an inward jerk rather than an outward deflection. However, the general picture in terms of virtual photon exchange is the same.
(9) Mathematically speaking, one integrates over a weighted set of possibilities.
(10) This procedure is known as perturbation theory.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|