أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-2-2022
2137
التاريخ: 29-8-2020
1608
التاريخ: 24-8-2020
1591
التاريخ: 2023-03-07
826
|
يمكن الزعم أن الثورة العلمية بدأت في عام 1643، حين نشر نيكولاس كوبرنيكوس كتابه عن دورات الأجرام السماوية، عارضًا الأدلة على أن الأرض ليست مركز الكون، وإنما تدور حول الشمس. ومنذ ذلك الوقت صار من المعروف أن الشمس ما هي إلا نجم عادي، لا يشغل مركزا مميزًا في مجرة درب التبانة، فضلا عن الكون، وأن البشر ما هم إلا نوع من أنواع الحياة على الأرض، لا يشغلون موضعًا مميزا، اللهم إلا من واقع نظرتهم القاصرة. ويقول بعض الفلكيين في جدية إن كل هذا يمثل دليلا «مبدأ يدعم العادية الأرضية»، الذي ينصُّ على أن بيئتنا المحيطة تفتقد تمامًا لأي ملامح خاصة مميزة من المنظور الكوني. وهذه الفكرة قد تدعو أي شخص لا يزال يحمل أي أفكار من عصر ما قبل كوبرنيكوس إلى التواضع، لكن لو أنها صحيحة، فهي تعني أننا قادرون على الاستقراء من واقع مشاهداتنا لبيئتنا المحيطة، وأن نخرج بنتائج ذات مغزى بشأن طبيعة الكون إجمالاً. وإذا كانت مجرة درب التبانة مجرَّة عادية، فمن المؤكد أن مليارات المجرات الأخرى تشبه مجرة درب التبانة، وأنها مجرد ضاحية غير مميزة تشبه أي ضاحية أخرى.
لكن في العقود التي تَلَتْ أول القياسات التي أجراها هابل لمقياس المسافات الكونية، ظلت مجرة درب التبانة تبدو مكانًا خاصًا مميزًا. وقد اقتضت حسابات هابل لمقياس المسافة أن تكون المجرَّات الأخرى قريبة نسبيًّا من مجرتنا؛ ومن ثُمَّ لا يلزم أن تكون كبيرةً للغاية كي تظهر بالحجم الذي تظهر عليه في سمائنا، وبَدَتْ مجرَّةُ درب التبانة المجرَّةَ الأكبر إلى حدٍّ بعيد في الكون، لكننا نعلم الآن أن هابل كان مخطئًا؛ فبسبب الصعوبات التي عانى منها - ومنها الخمود النجمي والخلط الخطير بين النجوم القيفاوية وبين نوع آخر من النجوم المتغيرة - فإن القيمة التي حددها في البداية لثابت هابل كانت أكبر مرات من القيمة المقبولة اليوم. بعبارة أخرى كانت بسبع جميع المسافات المجرية التي توصل إليها هابل أصغر مما هي عليه في الواقع بسبع مرات. بَيْدَ أننا لم ندرك هذا بين عشية وضحاها؛ فمقياس المسافات الكونية لم يخضع للمراجعة إلا ببطء، على مر عقود عديدة، مع تحسن المشاهدات وتصحيح خطأ تلو الآخر. لا أنوي أن أصطحبك في رحلة عبر جميع الخطوات، وإنما سأقدِّم أبسط الأدلة وأكثرها مباشرةً – مستخدمًا أحدث المشاهدات وأفضلها - على العادية المجرية لدرب التبانة.
حتى في ثلاثينيات القرن العشرين كان بعض العلماء غير مقتنعين بفكرة أن مجرة درب التبانة قد تكون مجرَّة كبيرة على نحو غير معتاد، وقد كان الفلكي آرثر إدنجتون - وأشهر أعماله التي يتذكره لأجلها الجميع هو قيادة البعثة الاستكشافية الهادفة لدراسة الكسوف الشمسي عام 1919، التي تأكدت من صحة تنبؤات نظرية النسبية العامة لأينشتاين - غير مقتنع تمامًا بهذه الفكرة، وعبر عن شكوكه حيالها على نحو صريح. كان إدنجتون يؤمن بقوة بما نطلق عليه اليوم مبدأ العادية الأرضية، وفي كتابه الكون المتمدد المنشور عام 1933 كتب إدنجتون قائلا:
كثيرًا ما تأكَّد لنا في علم الفلك صحة درس التواضع، لدرجة أننا نتبنى على نحو تلقائي تقريبًا النظرة القائلة بأن مجرتنا ليست مميزة على نحو خاص، وأنها ليست أكثر أهمية في منظومة الطبيعة من ملايين الجزر المجرية الأخرى. لكن يبدو أنه نادرًا ما تعزّز المشاهدات الفلكية هذه الحقيقة؛ فوفق القياسات الحالية فإن السدم الحلزونية أصغر من مجرة درب التبانة على نحو واضح، أنها تحمل شبهًا عاما بنظام مجرة درب التبانة، وقد قيل إنه لو كانت السدم الحلزونية جزرًا كونية، فإن مجرتنا. قارة وأعتقد أن تواضعي قد تحوّل إلى نوع من كبرياء الطبقة الوسطى؛ إذ إنني أبغض القول بأننا ننتمي إلى طبقة الكون الأرستقراطية. فالأرض كوكب متوسط، ليس عملاقا كالمشتري، وليس واحدًا من الكواكب الهامشية شأن الكواكب الأصغر. والشمس نوع متوسط من النجوم، ليست عملاقة كنجم «العيوق» لكنها في الوقت نفسه أعلى من طبقات النجوم الدنيا؛ لذا يبدو أنه الخطأ القول بأننا ننتمي إلى مجرة استثنائية تمامًا. وبصراحة لا أعتقد في صحة هذا الأمر؛ إذ ستكون المصادفة وقتها مبالغا فيها للغاية، وأرى أن هذه العلاقة بين درب التبانة وغيرها من المجرات سيُلقى عليها المزيد من الضوء بواسطة المزيد من الأبحاث الرصدية، وأننا في النهاية سنجد أن هناك مجرّات عديدة في حجم مساو لحجم مجرتنا، بل يفوقه.
كانت حجة إدنجتون منطقية تمامًا، وفي نهاية المطاف تبيَّن أن الصواب كان حليفه. لكن في عام 1933 كان هذا مبنيًّا على «كبرياء الطبقة الوسطى» لديه فحسب. فعلى أي حال، بعض المجرَّات أكبر بالفعل من سواها، وإذا كان الكون تُهيمن عليه حقا مجرَّةٌ واحدة هائلة يحيط بها حشد من المجرّات الأخرى الصغيرة، فيمكنك القول بأن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن نجد أنفسنا على القارة الرئيسية، وليس على واحدة من الجزر. والطريقة الوحيدة لحسم هذه القضية هي أن نمتلك قياسات مسافات أكثر دقة لعدد كبير بما يكفي من المجرات القرصية، كي نحصل على فهم جيد لأحجامها مقارنةً بحجم مجرة درب التبانة. كان هذا يعني المسافات إلى النجوم القيفاوية، ولم يكن ثمة عدد كافٍ من هذه القياسات متاح قبل إطلاق تليسكوب هابل الفضائي عام 1990، ثم إصلاحه عام 1993.
وبعد أكثر من نصف القرن على عمل هابل الرائد، ظلَّتْ أهمية تحديد مقياس المسافات الكونية بدقة حاضرة بقوة، لدرجة أنها مثلت المبرر الأساسي وراء تليسكوب هابل الفضائي. فقد كان الهدف المعلن لمشروع هابل المحوري هو استخدام التليسكوب في الحصول على بيانات من النجوم القيفاوية في 20 مجرَّة على الأقل، واستخدامها في تحديد قيمة ثابت هابل في حدود دقة تزيد أو تنقص بنسبة عشرة بالمائة عن المقدار الصحيح. وبحلول نهاية مرحلة الرصد الخاصة بالمشروع المحوري، كانت المسافات إلى 24 مجرة قد حددت بدقة باستخدام النجوم القيفاوية. وبرغم انتقال فريق التليسكوب هابل إلى المرحلة التالية - استخدام هذه البيانات في معايرة مؤشرات المسافة الأخرى كالمستعرات العظمى - فإن بيانات النجوم القيفاوية الأساسية أُتيحت لفلكيين آخرين. وبالتعاون مع سايمون جودوين ومارتن هندري من جامعة ساسكس استخدمت عام 1996 هذه المسافات الخاصة بالنجوم القيفاوية - ذلك هو المزيد من الأبحاث الرصدية الذي دعا إليه إدنجتون - من أجل اختبار ما كان إدنجتون يؤمن به من أن مجرة درب التبانة ما هي إلا مجرة حلزونية عادية (وقد نُشِرت النتائج عام 1998).
وباستخدام بيانات تليسكوب هابل الفضائي بالأساس إضافة إلى بعض البيانات من تليسكوبات أرضية، وجدنا أن هناك 17 مجرَّة حلزونية، تشبه عن كتب مجرَّةَ درب التبانة في مظهرها والمسافات إليها محددة بدقة. إن الطريقة المعيارية لقياس القطر
شكل 4-1: تليسكوب هابل الفضائي في مداره
الزاوي لأي مجرة هي بالأساس عن طريق رسم خطوط كنتورية للسطوع (خطوط السطوع الكنتورية حولها، ثم فصل الخطوط عند مستوى معين من السطوع وبعد تحديد الأقطار الزاوية بهذه الطريقة والحصول على المسافات الدقيقة من النجوم القيفاوية، تم تحديد الأحجام الخطية للمجرات السبع عشرة.
تبين أن الجزء الأصعب من المشروع هو قياس قطر مكافئ لقطر مجرة درب التبانة، وهي المشكلة الكلاسيكية المتمثلة في عدم قدرتنا على رؤية الصورة الكاملة نظرًا لانغماسنا في التفاصيل. لكن المشاهدات الخاصة بتوزيع النجوم داخل درب التبانة مكنتنا من حساب ما سيبدو عليه شكل المجرّة من الأعلى، وهذا منحنا قطر سطوع كنتوري يقل قليلا عن 27 كيلو فرسخًا فلكيًّا. وكان السؤال الكبير هو: ما نتيجة مقارنة هذا القطر بأقطار المجرّات السبع عشرة الأخرى؟ الإجابة المختصرة هي أن متوسط قطر المجرات الثماني عشرة في هذه العينة، بما فيها مجرة درب التبانة، كان يزيد قليلا عن 28 كيلو فرسخًا فلكيًا. فكما تكهنَ إدنجتون، ما درب التبانة إلا مجرّة حلزونية عادية ذات قطر أقل بكسر بسيط - لیس ذا بال - من المتوسط. والأكيد أنها ليست قارة وسط مجموعة من الجزر، كما أنها ليست أصغر بنحو بالغ عن المتوسط. باختصار: مجرة درب التبانة مجرّة عادية. وهذا يمكننا، ضمن أشياء أخرى من أن نستخدم مشاهدات أقطار المجرات في تحديد قيمة ثابت هابل، وأن نفعل هذا في حدود الدقة البالغة عشرة بالمائة التي مشروع هابل المحوري هدفًا له.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|