أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-9-2020
20084
التاريخ: 24-09-2015
5384
التاريخ: 26-03-2015
21293
التاريخ: 13-9-2020
9585
|
وهو
أن يخترع الأول معنى لم يسبق إليه ولم يتبع فيه كقول، عنترة في وصف الذباب [كامل]:
هزجاً
يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
وكقول
ابن الرقاع في تشبيه قرن الخشف [كامل]:
تزجى
أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها
وكقول
ذي الرمة في تشبيه الليل [طويل]:
وليل
كجلباب العروس أدّرعته ... بأربعة والشخص في العين
واحد
وكقول
النابغة الذبياني في وصف النسور [طويل]:
تراهن
خلف القوم زوراً عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك
الأرانب
فهذه
اختراعات المتقدمين التي سبقوا إليها، ولم يلحقوا فيها.
وما
اختراعات المولدين التي سبق إليها قائلها ولم يتبع فيها قول السيد الحميري في علي
عليه السلام: [بسيط]
لكن
أبو حسن والله أيده ... قد كان عند اللقا للطعن معتادا
إذا
رأى معشراً حرباً أنامهم ... إنامة الريح
في أبياتها عادا
قال
الحاتمي بعد إيراد هذين البيتين في هذا الباب: لم يسبق السيد إلى هذا المعنى، ولم
يتبع فيه، فإنا ما سمعنا من شبه إنساناً بالريح غيره، وهذا وهم من الحاتمي لأن هذا
المعنى لعبد الله بن العباس رضي الله عنه في الحديث الصحيح الذي وصف فيه رسول الله
صلى الله عليه[وآله] وسلم بالجود في كل زمان، وخصوصاً في شهر رمضان حيث قال:
كان رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في
شهر رمضان، كان كالريح المرسلة فغاية ما فعله السيد أنه نقل المعنى من
الوصف بالجود إلى الوصف بالشجاعة، وإلا فنفس المعنى في الموضعين تشبيه الإنسان
بالريح، غير أن السيد أخذ المعنى نثراً، فعقده بالوزن شعراً فله هذه الفضيلة لا
فضيلة الاختراع، وعلى هذا يكون باب حسن الإتباع أحق بهذا الشعر من باب سلامة
الاختراع، ومن العجب كيف ذهب ذلك على الحاتمي مع تقدمه في الأدب وحذقه بالنقد هذا
على أننا جعلنا تشبيه الحميري نفس الإمام علي [عليه السلام] بالريح مجازاً،
والحقيقة في ذلك غير هذا، لأن لفظ البيت يدل على أنه شبه بإنامة الإمام محاربيه
بإنامة الرياح عاداً، فالشاعر إنما شبه إنامة بإنامة، لأنفس المنيم بنفس الريح،
ومن اختراعات المحدثين قول ابن الرومي في تشبيه الرقاقة حين يبسطها الخباز في
القطعة المشهورة التي أولها: [بسيط]
لا
أنس ما أنس خبازاً مررت به ... يدحو الرقاقة مثل اللمح
بالبصر
إلى
قوله:
إلا
بمقدار ما تنداح دائرة ... في صفحة الماء يرمي فيه
بالحجر
وإذا
وصلت إلى قول ابن حجاج في هذا البيت وصلت إلى الغاية التي لا تلحق، حيث يقول في
رئيس كان قريباً من قلبه، بعيداً من رفده [طويل]:
وإني
والمولى الذي أنا عبده ... طريفان في أمر له طرفان
بعيداً
تراني منه أقرب ما ترى ... كأني يوم العيد من رمضان
ومتى
شئت أن تتلاشى في هذه المعاني عندك قديمها وحديثها فتدبر ما جاء من هذا الباب في
الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}
[الحج: 73] فانظر إلى غرابة هذا التمثيل الذي يتضمن
هذا الإفراط في المبالغة مع كونه جارياً على الحق خارجاً مخرج الصدق، إذا اقتصر
فيه على ذكر أضعف المخلوقات وأقلها سلباً لما تسلبه، وتعجيز كل من دون الله سبحانه
كائناً من كان عن خلق مثله، ثم نزل بهم في التمثيل عن رتبة الخلق إذ هي مما يعجز
عن مثلها كل قادر غير الله عز وجل إلى استنقاذ النزر التفه الذي تسلبه الذباب على
ضعفها، لأن الظفر بنفسها أيسر من الظفر بما تسلبه، ولم يسمع مثل هذا التمثيل في
بابه لأحد قبل نزول القرآن العزيز، ولم يتناوله متناول كما فعل في أكثر المعاني إلى
الآن، ولو تتبع ذلك في الكتاب الكريم لوجد لهذا الموضع أمثال شتى كقول رسول الله
صلى الله عليه[وآله] وسلم حمى الوطيس و مات حتف أنفه
ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، والسعيد من وعظ بغيره
في أشياء كثيرة مما اخترعه النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم ولم يتبع فيه إلى الآن.