أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-2-2022
2054
التاريخ: 22-9-2020
2232
التاريخ: 15-1-2021
2138
التاريخ: 17-2-2022
1565
|
يقال إن بزوغ ظاهرة جديدة يحدث حين تنشأ هذه الظاهرة الفيزيائية نتيجة تنظيم أي أجزاء على نحو معين، في حين أن نفس الظاهرة لا تظهر حين تكون الأجزاء منفصلة كل على حدة. في فن الرسم مثلا تُرسم بقع الألوان المنفردة وثلون عشوائيا في لوحة زيتية انطباعية لمونيه أو رينوار، ومع ذلك عندما تنظر إليها عن بعد تصير اللوحة بأكملها منظمة في صورة رائعة لحقل من الأزهار. إن قصور ضربات الفرشاة الفردية هو ما يثبت أن ظهور اللوحة على هذا الشكل هو نتيجة لتنظيمها. وبالمثل، يمكن أن تشكل «حركات الفرشاة» الفردية الذرية تنظيما متكاملا قادرا على فعل أشياء لا تستطيع الذرات المنفردة، ولا حتى مجموعات صغيرة منها، أن تفعلها. هكذا يطابق البروتون أو الإلكترون الواحد بروتونا أو إلكترونا آخر، وكل ما في وسعهما فعله وحدهما أن يجذب أحدهما الآخر عن طريق التجاذب الكهربائي لتكوين الذرات، وتمكن الكهرباء الموجودة داخل الذرات مجموعات الذرات من الانضمام بعضها لبعض مكونة هو الجزيئات، وعندما يتجمع عدد كاف منها يمكن أن يصير كائنا واعيا؛ مثلك تماما وأنت تقرأ هذا التقرير.
هناك معادن معينة يمكنها أن تطرد المجالات المغناطيسية عندما تُبرد إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض، فينتج ما يُعرف بالموصلية الفائقة، ومع ذلك ليس بمقدور الذرات المنفردة التي تكون المعدن أن تفعل هذا. وثمة مثل على ذلك من الحياة اليومية هو نشوء المواد الصلبة والسائلة والغازية من مجموعات كبيرة من الجزيئات، كالماء على شكل سائل وجليد وبخار. إننا نثق ثقة عمياء في أن أرضية الطائرة التي تحلق بنا على ارتفاع 10 آلاف متر لن تفقد صلابتها فجأة وتلقي بنا إلى السحب تحتها. وبالمثل، يثق شعب الإسكيمو في صلابة الكتل الجليدية الصلبة تحت أرجلهم، مع أن أي ارتفاع طفيف في درجة الحرارة يمكن أن يذيبها، تاركا إياهم هائمين في البحر.
إننا نعهد بأماننا إلى تنظيم الجزيئات المنفردة، حتى على الجليد السميك. وفي المواد الصلبة الكريستالية يكون تنظيمها على شكل شبكة هو ما يمنحها الصلابة وكذا الجمال الأخاذ؛ إذ يمكن لذرات الكربون أن تنظم نفسها لتأخذ شكل الماس، أو السخام. وفي المادة الصلبة نجد الذرات المنفردة ثابتة في مكانها قريبة بعضها من بعض، لكن قد تتسبب الحرارة في اهتزازها قليلا، بحيث تتزحزح قليلا عن المكان المخصص لها. لكن بفضل تلاحمها بالذرات المجاورة فإن الأخطاء الوضعية لا تتراكم، ويمكن أن يحتفظ التكوين ككل بكمال وصلابة ظاهرين. أما في الطور السائل، فيكون الاهتزاز من الشدة بحيث تفقد الذرات تنظيمها وتنساب.
في بعض المواد يحدث التغير فجأة؛ فالانتقال فوق درجة الصفر المئوي أو أدناها بكسر عشري واحد قد يحدث الفارق بين تجمد الجليد وذوبانه. ولا يحدث هذا أي فارق مع مواد أخرى كالزجاج، إذ لا توجد طريقة ذات مغزى لمعرفة هل هو صلب أم سائل شديد اللزوجة. يكون الهيليوم في صورة غازية في درجة حرارة الغرفة، وسائلة عند التبريد، لكن مهما قللت درجة الحرارة فإنه لا يتجمد قط. لكن إذا عرضت الهيليوم للضغط فسوف يتبلور.
توضح هذه الأمثلة أطوارا مختلفة تمر بها المواد اعتمادا على الطريقة التي تنظم بها الجسيمات نفسها. يمكن أن تحدث نتائج شائقة حين تعيد المجموعات تنظيم نفسها مع انتقالها من أحد الأطوار إلى طور آخر، كما هو الحال الماء والجليد عند درجة الصفر المئوي.
عند أي درجة حرارة تعد الحالة المنظمة ذات القدر الأدنى من الطاقة هي الأكثر استقرارا، ويكون لها الأولوية عند تحديد الطور المفضل. ودرجة حرارة الوسط وسيلة لقياس طاقته، لا سيما تلك الحرارة الناجمة عن طاقة الحركة لمكوناته. وكلما ارتفعت درجة الحرارة زادت الحركة العشوائية. تحت درجة الصفر المئوي، تميل جزيئات الماء إلى التشبث بعضها ببعض، ويؤلف تداخلها الذري أشكالا من التنظيمات البلورية، فتتكون الأنماط السداسية المتشابهة الشائعة في ندف الصقيع المتكونة على الألواح الزجاجية في الشتاء. تكون حركة الجزيئات عند درجات الحرارة هذه محدودة للغاية، حتى إن التصادم بينها لا يولد الطاقة الكافية لتمزيق الروابط التي تجمعها معا. غير أنه فوق درجة حرارة الصفر المئوي ترتفع الطاقة ويشتد العنف الناجم عن التصادمات فلا تستطيع بلورات الجليد أن تظل مترابطة. فعند إضافة أي قطعة من الثلج إلى مشروبك السائل الذي تزيد درجة حرارته عن الصفر المئوي، فإن جزيئات الثلج تصطدم بعنف بجزيئات السائل الدافئ، وهكذا تتفسخ الجزيئات بعضها عن بعض وتتدفق في صورة سائلة هي الأخرى.
عند درجة حرارة الصفر المئوي يتحول خليط السائل والثلج إلى ثلج، لأنه في هذا الطور تتمتع الجزيئات بطاقة أقل عن تلك التي تتمتع بها في الطور السائل. وبينما تتحول إلى الحالة الصلبة، تنطلق الطاقة الزائدة على صورة حرارة (فيما يعرف باسم الحرارة الكامنة). لا يكون مقدار الطاقة هذا هائلًا، لكن يمكننا أن نجري تجربة فكرية لتخيل ما سيحدث إذا كان مقدار الطاقة أعظم وأكبر حتى من الطاقة اللازمة لتكوين جزيئات من الجليد والجليد «المضاد». لو سارت الأمور في الطبيعة على هذه الصورة، لظهرت ندف الجليد وندف الجليد المضاد تلقائيا من العدم عندما تهبط درجات الحرارة إلى الصفر المئوي.
في تلك الأثناء، يحدث لغز مثير. ففوق درجة الصفر المئوي تبدو الحالة القاعية لجزيئات الماء متماثلة أينما نظرت. ونصف الجزئيات هنا بأنها متناظرة تحت التدوير. لكن ندفة الجليد ليست كذلك؛ فهي تتمتع بشكل بديع، ولها تناظر سداسي، بمعنى أنك إذا أدرتها بزاوية 60 درجة فسترى نفس ما تراه، أما إذا أدرتها بأي زاوية أخرى فسترى ندفة جليدية مدارة. قد يشير أحد أطرافها في اتجاه الساعة الثانية عشرة مثلًا، وفي هذه الحالة يتعين على بقية الأطراف أن تشير إلى الساعة الثانية والرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة، أو قد يشير الطرف إلى الساعة الواحدة وهنا ستشير بقية الأطراف إلى الأرقام الفردية على الساعة. وبينما تتكون مليارات الندف الجليدية، تكون اتجاهاتها عشوائية حتى إن الشكل الإجمالي للحالة القاعية الجديدة لها، والممتلئة الآن بالندف الجليدية، يبدو متماثلًا من جميع الاتجاهات. غير أنه من نقطة إلى أخرى ينكسر التناظر؛ فقد يشير طرف ندفة إلى اتجاه ما وتشير جارتها إلى اتجاه مخالف. مثال آخر ذو أهمية كبيرة في فهمنا للفراغ هو ظاهرة المغناطيسية، التي تنتج عن دوران الإلكترونات حول نفسها، بحيث يقوم كل إلكترون بدور مغناطيس صغير. في الحديد تفضل الإلكترونات المتجاورة الدوران في الاتجاه عينه بعضها مثل بعض لأن هذا يقلل طاقتها؛ فلكي تقلل طاقة حشد الإلكترونات بأكمله، لا بد أن تدور جميعها في الاتجاه عينه، وهو ما ينتج عنه وجود محور مغناطيسي شمالي-جنوبي إجمالي للمعدن.
هذه هي حالة الطاقة الدنيا، أو الحالة القاعية. غير أنه فوق درجة الحرارة 900 مئوية تكون الطاقة الإضافية التي تنتج عن الحرارة أكثر من كافية لتحرير كل إلكترون دوار من ارتباطه بجيرانه، وفي مثل هذه الحالة تشير هذه المغناطيسات الصغيرة في اتجاهات عشوائية وتتلاشى الخاصية المغناطيسية الإجمالية لها. وهكذا يمكن أن يمر الحديد بطور من المغناطيسية أو طور من عدم المغناطيسية، اعتمادا على درجة الحرارة.
لو تخيلنا أن هناك كائنات خرافية تعيش في هذه الأنظمة، فسيبدو لها أن حالة أدنى الطاقة هي القاعدة الطبيعية. وكل شيء أدركته هذه الكائنات بشأن الأنظمة المرتبة سيشبه ما ندركه عن الفراغ في كوننا. الفراغ الكمي في كوننا يشبه الوسط، ولا يكون فارغا تماما. ويمكن تنظيمه أيضا على شكل أطوار مختلفة، وثمة خصائص وظواهر مثيرة يمكن أن تقع والمرء يجتاز طورا إلى آخر. ومن المعتقد على نطاق واسع أن هذا هو ما أثر على طبيعة الزمكان في اللحظات الأولى من حياة كوننا.
هكذا يكون لدينا الآن منظور جديد للسؤال الذي طرحه الفلاسفة القدماء هل الطبيعة تسمح بوجود فراغ. تعتمد الإجابة على وجهة نظرنا، سواء كانت «لا» (بمعنى أن الفراغ مليء بالفعل ببحر لانهائي من الجسيمات بالإضافة إلى التذبذبات الكمية) أو «نعم، هناك أنواع عديدة مختلفة من الفراغ» (أي اعتمادا على الكيفية التي ينظم بها الوسط، الذي هو الفراغ الكمي). تميل المعرفة السائدة في الفيزياء إلى كفة الإجابة بنعم.
شكل 8-1: التناظر السداسي لندفة الجليد. (1)
هوامش
(1) © Kenneth Libbrecht/Science Photo Library.
|
|
هذه العلامة.. دليل على أخطر الأمراض النفسية
|
|
|
|
|
إحصائية مركز الوارث (ديرمان) للأطراف الذكية والتأهيل الطبي التابع لهيئة الصحة في العتبة الحسينية للعام (2024)
|
|
|