دور الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قبل ولاية العهد: الإصلاح الفكري والديني |
1825
04:43 مساءً
التاريخ: 2023-02-03
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2016
2584
التاريخ: 7-8-2016
2769
التاريخ: 10-8-2016
3259
التاريخ: 19-05-2015
3082
|
لقد كان الإمام ( عليه السّلام ) محطّ أنظار الفقهاء ومهوى أفئدة طلّاب العلم ، ويشهد لذلك قوله ( عليه السّلام ) : « كنت أجلس في الروضة ، والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيى الواحد منهم عن مسألة أشاروا عليّ بأجمعهم وبعثوا اليّ بالمسائل فأجبت عنها »[1].
وكان ( عليه السّلام ) يأمر أتباعه بمداراة عقول الناس وعدم تحميلها ما لا تطيق من أفكار وعقائد ، فقد قال لمحمد بن عبيد : « قل للعبّاسي : يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره ، ويكلم الناس بما يعرفون ، ويكفّ عمّا ينكرون »[2].
وضّح الإمام ( عليه السّلام ) حقيقة التآمر الفكري في بلبلة عقول المسلمين ، وأعطى قاعدة كلية في الأساليب والممارسات التي يستخدمها أعداء الاسلام لتشويه الافكار والمفاهيم الاسلامية فقال ( عليه السّلام ) : « انّ مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها : الغلو ، وثانيها : التقصير في أمرنا ، وثالثها :
التصريح بمثالب أعدائنا ، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا ، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا ، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ؛ ثلبونا بأسمائنا . . . »[3].
واتخذ الإمام ( عليه السّلام ) عدّة أساليب في مجال الاصلاح الفكري وإليك إيضاحها :
أوّلا : الرد على الانحرافات الفكرية
قام الإمام ( عليه السّلام ) بالرد على جميع ألوان الانحراف الفكري من أجل كسر الألفة بين المنحرفين وبينها ، وكان يستهدف الافكار والأقوال تارة ، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى .
ففي ردّه على المشبّهة قال ( عليه السّلام ) : « الهي بدت قدرتك ولم تبد واهية فجهلوك ، وقدروك والتقدير على غير ما به وصفوك وإنّي بريء يا الهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء »[4].
وفي ردّه على المجبرة والمفوضة قال ( عليه السّلام ) : « من زعم انّ اللّه يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها ، فقد قال بالجبر ، ومن زعم أنّ اللّه عز وجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهم السلام ، فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك »[5].
وله ردود عديدة على الغلاة والمجسّمة وأصحاب التفسير بالرأي والقياس ، كما أن ردودا على الفرق غير الاسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم .
وفنّد الإمام ( عليه السّلام ) جميع الروايات التي يعتمد عليها المنحرفون ، ووضّح بطلان صدورها عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأرشد المسلمين إلى الروايات الصحيحة ، ففي رده على الرواية المفتعلة والمنسوبة إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) والتي جاء فيها : « ان اللّه تبارك وتعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى السماء الدنيا » ، قال ( عليه السّلام ) : « لعن اللّه المحرّفين الكلم عن مواضعه ، واللّه ما قال رسول اللّه كذلك ، وانّما قال : انّ اللّه تعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فاغفر له . . . حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) »[6].
كما دعا الإمام الرضا ( عليه السّلام ) إلى مقاطعة المنحرفين كالمجبّرة والمفوّضة والغلاة مقاطعة كلية لمنع تأثيرهم في الأمة ، وأسند هذه الأوامر إلى أجداده ( عليهم السّلام ) تارة واليه ابتداء تارة أخرى .
قال ( عليه السّلام ) : « حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ( عليهما السّلام ) ، أنه قال :
من زعم انّ اللّه تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون ، فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلّوا ورائه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا »[7].
وقال ( عليه السّلام ) عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة : « الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون ، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم ، أو شاربهم ، أو واصلهم ، أو زوّجهم ، أو تزوّج منهم ، أو آمنهم ، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم ، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية اللّه عزّ وجل وولاية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وولايتنا أهل البيت »[8] « 3 » .
بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقال ( عليه السّلام ) : « لعن اللّه الغلاة الا كانوا يهودا ، الا كانوا مجوسا ، الا كانوا نصارى ، الا كانوا قدريّة ، الا كانوا مرجئة ، الا كانوا حرورية . . . لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم ، وابرؤوا منهم برئ اللّه منهم »[9].
وأمّا موقفه ( عليه السّلام ) من الواقفة فيمكن تلخيصه بما يلي :
بعد أن استشهد الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) طالب الإمام الرضا ( عليه السّلام ) جماعة من وكلائه بارسال المال الذي كان بحوزتهم اليه ، ولكنهم طمعوا به ، فأجابوه : إن أباك صلوات اللّه عليه لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل[10].
واستطاع هؤلاء ان يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) لم يمت وأنّه القائم المنتظر .
وكان دور الإمام ( عليه السّلام ) هو إثبات موت أبيه في المرحلة الأولى من مواجهة هذه الافكار الهدّامة .
واستمر في مواجهتهم بشتى الأساليب ، وكانت الحكومة آنذاك تشجع مثل هذه الافكار الهدّامة لتفتيت التآزر والتآلف بين اتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) .
وما كان من الإمام ( عليه السّلام ) إلّا ان يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم ، فقد لعنهم أمام أصحابه فقال ( عليه السّلام ) : « لعنهم اللّه ما أشدّ كذبهم »[11].
وأمر بعدم مجالستهم تحجيما لأفكارهم ومدّعياتهم ، فقال لمحمد بن عاصم : « بلغني أنّك تجالس الواقفة ؟ » قال : نعم ، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم ، قال : « لا تجالسهم »[12].
وقال ( عليه السّلام ) فيمن سأله عن الواقفة : « الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبئس المصير »[13].
وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السّلام ) أعطي هؤلاء الذين يزعمون انّ أباك حيّ من الزكاة شيئا ؟ قال :
« لا تعطهم فانّهم كفار مشركون زنادقة »[14].
وبذلك استطاع تحجيم دورهم وايقاف حركتهم داخل كيان أنصار أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، ولم تنتشر أفكارهم الّا عند أصحاب المطامع والأهواء .
ثانيا : نشر الافكار السليمة
ابتدأ الإمام ( عليه السّلام ) بالرد على الافكار المنحرفة ثم أمر بمقاطعة واضعيها والقائلين بها والمتأثرين بها ؛ لتطويقها في مهدها والحيلولة دون استشرائها في الواقع ، ثم عمل على نشر الافكار السليمة لتتم المحاصرة من جميع الجوانب .
فكان ( عليه السّلام ) يقوم بتفسير الآيات القرآنية التي تتناول أصول وقواعد العقيدة والشريعة ، ويهتمّ بنشر الأحاديث الشريفة عن آبائه وعن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لكي تكون هي الحاكمة على أفكار وتصورات المسلمين .
وكان يستثمر جميع الفرص المتاحة لتبيان الفكر السليم والمفاهيم الشرعية الصحيحة .
ففي مجال التوحيد قال ( عليه السّلام ) : « حسبنا شهادة أن لا اله الّا اللّه أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، قيّوما سميعا بصيرا قويا قائما باقيا نورا ، عالما لا يجهل ، قادرا لا يعجز ، غنيا لا يحتاج ، عدلا لا يجور ، خلق كل شيء ، ليس كمثله شيء ، لا شبه له ، ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كفو »[15].
وصنّف ( عليه السّلام ) أصناف القائلين بالتوحيد فقال : « للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن اللّه تبارك وتعالى لا يشبهه شيء ، والسبيل في الطريقة الثالثة اثبات بلا تشبيه »[16].
وسئل ( عليه السّلام ) : أيكلّف اللّه العباد ما لا يطيقون ؟ فقال : « هو أعدل من ذلك » ، قيل له : فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ؟ قال : « هم أعجز من ذلك »[17].
ونشر الافكار الاسلامية يشكّل الركن الأساسي في الاصلاح الفكري لأنه يستبدل فكرا بفكر ورأيا برأي وتشريعا بتشريع .
ثالثا : إرجاع الأمة إلى العلماء
بعد توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وصعوبة الالتقاء بالإمام ( عليه السّلام ) باستمرار ، قام الإمام ( عليه السّلام ) بارجاع الأمة إلى عدد من العلماء لأخذ معالم دينهم ، فعن عبد العزيز بن المهتدي قال : سألت الرضا ، فقلت اني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني ؟ قال : « خذ من يونس بن عبد الرحمن »[18].
وكان له اتباع من الفقهاء منتشرين في جميع الأمصار ، يرجع لهم أنصاره وسائر المسلمين لأخذ معالم الدين من عقائد وتشريعات واحكام .
منهم : أحمد بن محمد البزنطي ، ومحمد بن الفضل الكوفي ، وعبد اللّه بن جندب البجلي ، والحسين بن سعيد الأهوازي .
وكان يتابع حركة الرواة لكي لا يكذبوا عليه أو على آبائه ، فكان يقول عن يونس مولى علي بن يقطين : « كذب - لعنه اللّه - على أبي »[19].
[1] إعلام الورى : 2 / 64 وعنه في كشف الغمة : 3 / 107 وفي بحار الأنوار : 49 / 100 .
[2] التوحيد : 95 .
[3] عيون أخبار الرضا : 1 / 304 .
[4] عيون أخبار الرضا : 1 / 117 .
[5] عيون أخبار الرضا : 1 / 124 .
[6] عيون أخبار الرضا : 1 / 126 ، 127 .
[7] عيون أخبار الرضا : 1 / 124 .
[8] عيون أخبار الرضا : 2 / 203 .
[9] عيون أخبار الرضا ( عليه السّلام ) : 2 / 202 .
[10] الغيبة للطوسي : 65 ح 67 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 253
[11] رجال الكشي : 458 ح 868 .
[12] رجال الكشي : 457 ح 864 .
[13] رجال الكشي : 455 ح 860 .
[14] رجال الكشي : 456 ح 862 .
[15] تحف العقول : 310 .
[16] بحار الأنوار : 3 / 263 .
[17] الوافي بالوفيات : 22 / 249 .
[18] رجال الكشي : 483 ح 910 .
[19] بحار الأنوار : 49 / 261 - 262 عن السرائر : 3 / 580 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|