أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
4294
التاريخ: 24-09-2015
5384
التاريخ: 24-09-2015
1185
التاريخ: 24-09-2015
1815
|
وهو
أن يأتي الشاعر ببيت يتسع فيه التأويل على قدر قوي الناظر فيه، وبحسب ما تحتمل
ألفاظه، كقول امرئ القيس [طويل]:
إذا
قامتا تضوع المسك منهما ... نسيم الصبا جاءت بريا
القرنفل
فإن
هذا البيت اتسع النقاد في تأويله، فمن قائل تضوع مثل المسك منهما نسيم الصبا، ومن
قائل تضوع نسيم الصبا منهما، ومن قائل تضوع المسك منهما تضوع نسيم الصبا، وهذا هو
الوجه عندي، ومن قائل تضوع المسك منهما بفتح الميم يعني الجلد بنسيم الصبا.
وكقوله
في صفة الفرس [طويل]:
مكر
مفر مقبل مدبر معاً ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل
لأن
الحجر يطلب جهة السفل لكونها مركزه، إذ كل شيء يطلب مركزه بطبعه الذي جبل عليه،
فالحجر يسرع انحطاطه إلى السفل من العلو من غير واسطة، فكيف إذا أعانته قوة دفاع
السيل من عل، فهو حال تدحرجه يرى وجهه في الآن الذي يرى فيه ظهره لسرعة تقلبه،
وبالعكس، ولهذا قال الشاعر، مقبل مدبر معاً يعني يكون إدباره وإقباله مجتمعين في
المعية، ولا يعقل الفرق بينهما، وحاصل الكلام وصف الفرس بلين الرأس، وسرعة
الانحراف، وشدة العدو، لكونه قال في صدر البيت إنه حسن الصورة، كامل النصبة في
حالتي إقباله وإدباره، وكره وفره، ثم شبهه في عجز البيت بجلمود صخر حطه السيل من
العلو لشدة العدو، فهو في الحالة التي يرى فيها لبته يرى فيها كلفه وبالعكس.
هذا
ولم تخطر هذه المعاني بخاطر الشاعر في وقت العمل.
وإنما
الكلام إذا كان قوياً من مثل هذا الفحل احتمل لقوته وجوهاً من التأويل بحسب ما
تحتمل ألفاظه، وعلى مقدار قوى المتكلمين فيه، ولذلك قال الأصمعي: خير الشعر ما
أعطاك معناه بعد مطاولة، وقد غلط بعض الناس في تفسير هذا الكلام، وغلط الأصمعي فيه
لسوء تفسيره، لأنه توهم أن الأصمعي أراد الشعر الذي ركب من وحشي الألفاظ، أو وقع
فيه من تعقيد التركيب ما أوجب له غموض معناه، ولو كان كذلك كان ذلك شراً للشعر،
وإنما أراد الأصمعي الشعر القوي الذي يحتمل مع فصاحته، وكثرة استعماله ألفاظه،
وسهولة تركيبه، وجودة سبكه معاني شتى يحتاج الناظر فيه إلى تأويلات عدة، وترجيح ما
يترجح منها بالدليل وجميع فواتح السور المعجمة من هذا الباب، فإن العلماء قد
اتسعوا في تأويلها اتساعاً كبيراً، وإن ترجح من جميع أقوالهم كونها أسماء للسور،
ثم اختلفوا في إعراب ما يتأتى فيه الإعراب منها، فبعضهم يرى فيه الحكاية، كما يرى
ذلك في صاد، وقاف، ونون، فإن هذه الأسماء محكية ليس إلا، وبعضهم يرى الإعراب في
المجموع خاصة، وينشد قول شريح بن أوفى العبسي قاتل محمد بن طلحة السجاد [طويل]:
يناشدني
حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
وأما
ما جاء من باب الاتساع في غير الفواتح فقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ
لَكُمْ) الآية، فإن لفظها محتمل تأويلات شتى، فإن ظاهر الآية يقتضي إباحة الجمع
بين تسع، ثم قوله بعد: (رُبَاعَ). (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)
ومن لم يعدل في الأربع جاز أن يعدل في الثلاث، فلم نزل إلى الواحدة؟ وهذه الظواهر
مفتقرة إلى تأويلات تميط عنها هذه الإشكالات. والله أعلم.