أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-12-2020
1589
التاريخ: 1-2-2022
1795
التاريخ: 2024-10-01
189
التاريخ: 2024-05-23
731
|
يقول كثير من المؤلفات الرائجة في تاريخ العلوم إن فكرة الذرات يرجع تاريخها إلى ِ الحضارة الإغريقية القديمة وهي فترة تمثِل نشأة العلم، وتمتدح هذه المؤلفات قدماء، الإغريق على إدراكهم المبكر للطبيعة الحقيقية للمادة. ولكن، ينطوي هذا الرأي على قدر من المبالغة. صحيح أن ديومقريطوس من أبديرة، الذي توفي قرابة عام ٣٧٠ ق.م. قد افترض أن الطبيعة المعقدة للعالم يمكن تفسريها إذا كانت كل الأشياء تتكون من أنواع مختلفة من ذرات ِغير قابلة للتغير، لكل منها شكله وحجمه الخاص، وهي في حركة دائمة. كتب ديموقريطوس أن >>الأشياء الوحيدة الموجودة هي الذرات والفراغ، وما عدا ذلك فمجرد آراء << (1) وقد تبنَى كل من إبيقور من ساموس ولوكريتيوس كاروس الروماني، هذه الفكرة بعد ذلك. ولكن لم تكن هذه هي الفكرة الرائدة في تلك الأيام بين النظريات الأخرى في تفسير طبيعة العالم، بل كان اقتراح أرسطو بأن كل شيء في الكون يتألَّف من ) العناصر) الأربعة: النار والأرض والهواء والماء، هو الذي حقَّق شعبيةً (أكبرَ كثيرا) وظل صامدا. وقد نسيت تماما فكرة الذرات بحلول عهد المسيح، ولاقت عناصر أرسطو الأربعة قبولا ورواجا على مدى ألفَي عام.
ومع أن الإنجليزي روبرت بويل قد استخدم مفهوم الذرات في أبحاثه في مجال الكيمياء في القرن السابع عشر، وأخذها نيوتن في الاعتبار في أبحاثه في مجال الفيزياء والبصريات، لم تصبح الذرات جزءًا من التفكير العلمي إلا في القسم الأخير من القرن الثامن عشر، عندما درس الكيميائي الفرنسي أنطوان لافوازييه سبب احتراق الأشياء.
وقد حدد لافوازييه عناصر حقيقية عديدة، وهي مواد كيميائية نقية، لا تتفكك إلى مواد كيميائية أخرى وقد تحقق لافوازييه من أن الاحتراق هو ببساطة العملية التي يتحد من خلالها أكسجين الهواء الجوي مع العناصر الأخرى، وفي السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، تمكن جون دالتون من بلورة دور الذرات في الكيمياء ووضعه على أساس راسخ .فقد ذكر أن المادة تتكون من ذرات ِغير قابلة للانقسام، وأن ذرات كل عنصر متماثلة، ولكن للعناصر المختلفة أنواعا مختلفة من الذرات (ذات أحجام ٍ وأشكال مختلفة)، وأن الذرات لا تستحدث من العدم ولا تفنى، لكن يُعاد تنظيمها بواسطة التفاعلات الكيميائية، وأن المركب الكيميائي الذي يتكون من عنصرين أو أكثر، يتكون من جزيئات، كل منها َّ يتكون من عدد بسيط َثابت من ذرات كل عنصر من العناصر الداخلة في تركيب المركب ومن ثم، لم يأت المفهوم الذري للعالم المادي إلى حيز الوجود، بالصورة التي يدرس بها في الكتب الدراسية، إلا منذ ما يقرب من مائتي عام.
ومع ذلك، لم تحز الفكرة استحسان الكيميائيين وتأييدهم إلا ببطء خلال القرن التاسع عشر. وقد أثبت جوزيف جاي-لوساك بالتجربة أنه عند اتحاد مادتين غازيتين فإن حجم أحد الغازين لا بد دائما أن يتناسب تناسبا بسيطا مع حجم الغاز الآخر. وإذا كان المركب الناتج غازا أيضا، فإن حجم هذا الغاز الثالث لا بد أن يتناسب هو الآخر تناسبا بسيطا مع الغازين الاخرينِ. ويتَفق ذلك مع فكرة أن جزيء المركب يتكون من ذرة أو ذرتين من أحد الغازين متحدة بعدد قليل من ذرات الغاز الآخر وقد استخدم الإيطالي أماديو أفوجادرو هذا البرهان سنة ١٨١١ ليضع فرضيته الشهرية التي تنص على أنه عند أي درجة حرارة وضغط ثابتين تحتوي الحجوم المتساوية من الغاز على العدد نفسه من الجزيئات، مهما اختلفت الطبيعة الكيميائية لهذا الغاز. وقد أثبتت التجارب اللاحقة أن فرضية أفوجادرو صحيحة، ومن الممكن إثبات أن كل لتر من الغاز تحت ضغط واحد جو ودرجة حرارة صفر درجة مئوية، يحتوي تقريبًا على عدد ٢٧٠٠٠ مليار (21^10×27) من الجزيئات. لكن لم تتطور الفكرة إلا على يد الإيطالي ستانيسلاو كانيزارو في خمسينيات القرن التاسع عشر، على نحو دفع ببعض الكيميائيين إلى أن يأخذوها مأخذَ ِ الجد. ولكن، حتى تسعينيات القرن التاسع عشر، كان لا يزال كثير من الكيميائيين لا يتقبلون أفكار دالتون وأفوجادرو. ولكن بحلول ذلك الوقت، كانت قد استحوذت عليهم الأحداث الدائرة في مجال تطور الفيزياء؛ حيث قدم كل من الأسكتلندي جيمس كلريك ماكسويل والنمساوي لودفيج بولتزمان تفسيرا تفصيليا لسلوك الغازات باستخدام مفهوم الذرات.
وخلال فترتَي الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر، استحدث هؤلاء الرواد َّ أن الغاز يتكون من ذرات أو جزيئات كثيرة للغاية (يمكن للعدد الذي استنتجته فكرة فرضية أفوجادرو أن يعطيك فكرة عن عددها)، والتي يمكن تصورها على أنها كرات صلبة متناهية الصغر ترتد في كل الاتجاهات؛ حيث تصطدم إحداها مع الأخرى، ومع جدران الوعاء الذي يحتوي على الغاز. ويرتبط هذا ارتباطا مباشرا بفكرة أن الحرارة شكل من أشكال الحركة؛ فعندما يسخن الغاز تتحرك الجزيئات بمعدل أسرع، الأمر الذي يزيد الضغط على جدران الوعاء، أما إذا لم تكن الجدران ثابتة في مكانها فإن الغاز سيتمدد. وكانت السمة الرئيسية في هذه الأفكار الجديدة هي أن سلوك الغاز يمكن تفسيره بتطبيق قوانين الميكانيكا — قوانين نيوتن — بمفهوم إحصائي على عدد كبير للغاية من الذرات أو الجزيئات. فمن الممكن لأي جزيء أن يتحرك في أي وقت في أي اتجاه، لكن التأثير الجمعي للجزيئات العديدة المتصادمة مع جدران الوعاء كل ثانية يُولد ضغطا ثابتًا. وقد أدى ذلك إلى وضع توصيف رياضي لعمليات الغازات يسمى الميكانيكا الإحصائية. لكن ما يزال لا يوجد دليل مباشر على وجود الذرات؛ وقد عارض بعض الفيزيائيين الرائدين في ِ ذلك الوقت الفرضيةَ الذرية، وحتى في تسعينيات القرن التاسع عشر استشعر بولتزمان في نفسه (وربما جانبه الصواب في ذلك) أنه شخص يناضل ضد تيار الرأي العلمي. وفي ِ عام ١٨٩٨، نشر عملياته الحسابية التفصيلية على أمل أنه (عندما تروج نظرية الغازات مرةً أخرى، لن يكون هناك الكثير ليُعاد اكتشافه (2) وفي عام ١٩٠٦ أحاط به المرض، والإحباط، وأحزنته المعارضة المستمرة التي شنَّها كثير من العلماء الرائدين على أفكاره حول النظرية الحركية للغازات؛ مما دفعه إلى الانتحار، دون أن يعلم أن منظًرا مغمورا يُدعى ألبرت أينشتاين قد نشر قبل بضعة أشهر مقالا علميٍّا أثبت فيه حقيقةَ وجود ً الذرات بعيدا عن أي شكَ محتمل.
الهوامش
(1) Quoted in many books, including Invitation to Physics by Jay M. Pasachoff and Marc L. Kutner (page 3).
(2) Quoted in The Historical Development of Quantum Theory, volume one, page 16, by Jagdish Mehra and Helmut Rechenberg.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|