المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



إصلاح الظروف والأجواء المحيطة بالفرد  
  
1413   11:38 صباحاً   التاريخ: 12-1-2023
المؤلف : د. علي القائمي
الكتاب أو المصدر : كيف نوجه شبابنا نحو الصلاة
الجزء والصفحة : ص59ــ61
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /

ان الأجواء والظروف المحيطة بالفرد لها تأثيرها الفعال في تشييد أو هدم الأسس الدينية والأخلاقية لديه، فنحن نؤمن اليوم، وحتى من الوجهة العلمية، بأن البيئة الفاسدة تشكل أرضية خصبة للفساد، والأجواء السليمة والصالحة تمهد الأرض للصلاح والسعادة.

إن للبيئة والأجواء الاجتماعية دورها في إصلاح أو إفساد الأشخاص، الى درجة دفعت بالكثير من علماء النفس، والمتخصصين في علم النفس الاجتماعي، ومن ورائهم المنظرين السياسيين، والفلاسفة الى إلقاء تبعية جميع الجرائم والانحرافات على البيئة الاجتماعية، والنظام الحاكم في ذلك المجتمع، حتى إنهم اعتبروا معاقبة المجرم إجراء خاطئاً؛ وقالوا: إنه فعل يستهدف المعلول لا العلة، وإن المجتمع والنظام السائد فيه أولى من الفرد إننا لا نعتقد بصواب هذا الرأي، ولا نتجاهل دور المسؤولية الفردية، ولكننا نرى أن قضية البيئة الاجتماعية ليست بالأمر الهَيّن.

ولو أننا تمعنا جيداً في التشريع الاسلامي لرأيناه يعتبر مجرد تواجد الانسان في بيئة ترتكب فيها الذنوب نوعاً من الذنب حتى مع عدم مشاركته فيه، فلا يبيح لأحد التواجد في مجالس الخمر والقمار حتى وإن كان لا يشرب الخمر ولا يقامر: «لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره»(1).

ولعل سبب ذلك هو: أن السيئة أو الوباء الناتج عن ارتكاب الذنب يُسَممُ أجواء الروح، ويغشي ظلامها معاقل القلب؛ وقد يكون هذا هو السبب الكامن وراء عدم جواز عيش المؤمن في الأجواء الموبوءة والملوثة التي يعجز فيها عن حفظ دينه ومعتقده، وأدنى ما يتوجب عليه هو الهجرة والابتعاد بنفسه عن مصادر التلوث: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97].

ولهذا فإننا نعتقد بوجوب سلامة البيئة التي يعيش فيها الفرد، وأن تكون بناءة ومشجعة على العبادة والتقوى، فإقامة المخيمات، أو البرامج اليومية التي تطبق فيها المفاهيم الاسلامية جماعياً، كإقامة الصلاة مثلاً بعد الطعام، والرياضة، لها أثر كبير وفاعل.

وعلى العكس من ذلك الأجواء الفاسدة والملوثة، فهي تجر الانسان نحو الرذيلة والمعاصي؛ فشيوع الانحراف والفساد في المجتمع، وانتشار البرامج الهادفة الى إلهاء الناس، والانغماس في السكر والتغافل، والمشاركة في مجالس الفسق والفجور، وزج الأطفال في التجمعات التي يكثر فيها الضلال والاضلال، يغطي القلوب بغشاوة تجعل الانسان في زمرة أولئك الذين: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7].

_______________________________

(1) الكافي: 2 /374 ح1، عنه بحار الأنوار 74 / 199 ح38. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.