أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2016
2988
التاريخ: 2-4-2016
3831
التاريخ: 12-4-2016
6973
التاريخ: 20-10-2015
17577
|
القرآن الكريم هو الوحي الإلهي الخالص والمعجزة الخالدة لنبوّة سيّد المرسلين وشريعة خاتم النبيّين والينبوع الثرّ لكلّ علم ومعرفة ، وعنه قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »[1].
وقد شغف الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) كآبائه الكرام - بشكل ملفت للنظر - بالقرآن الكريم وعلومه ، وتمثّل ذلك في سلوكه اليومي وأدعيته واهتماماته ، تلاوة وتدبّرا وتفسيرا وتعليما وعملا ، بما لا يدع مجالا للريب في أنّ الإمام ( عليه السّلام ) كان هو القرآن الناطق والتجسيد الحيّ لكلّ آيات القرآن الباهرة والمعجزة الإلهية الخالدة .
وها نحن نعرض بعض ما يشير إلى مدى اهتمام الإمام ( عليه السّلام ) بالقرآن العظيم من خلال دعائه عند ختم القرآن بالإضافة إلى ما مرّ في البحوث السابقة .
قال ( عليه السّلام ) : « اللهمّ إنّك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نورا ، وجعلته مهيمنا على كلّ كتاب أنزلته ، وفضّلته على كلّ حديث قصصته ، وفرقانا فرّقت به بين حلالك وحرامك ، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك ، وكتابا فصّلته لعبادك تفصيلا ، ووحيا أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه واله تنزيلا ، وجعلته نورا نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتّباعه ، وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه ، وميزان قسط[2] لا يحيف[3] عن الحقّ لسانه ، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضلّ من أمّ قصد سنّته ، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلّق بعروة عصمته .
اللهمّ فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي ألسنتنا[4] بحسن عبادته ، فاجعلنا ممّن يرعاه حقّ رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه وموضّحات بيّناته ، اللهمّ إنّك أنزلته على نبيّك محمّد ( صلّى اللّه عليه واله ) ، وألهمته علم عجائبه مكملا ، وورثتنا علمه مفسّرا وفضّلتنا على من جهل علمه ، وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله .
اللهمّ فكما جعلت قلوبنا له حملة وعرّفتنا برحمتك شرفه وفضله فصلّ على محمّد الخطيب به وعلى آله الخزّان له ، واجعلنا ممّن يعترف بأنّه من عندك حتى لا يعارضنا الشكّ في تصديقه ، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه »[5].
إنّ القرآن هو معجزة الإسلام الكبرى ، وقد تحدّث سليل النبوّة في هذا المقطع عن بعض معالمه وأنواره وهي :
1 - إنّ اللّه تعالى أنزل القرآن الكريم نورا يهدي به الضالّ ، ويرشد به الحائر ، ويوضّح به القصد .
2 - إنّ اللّه تعالى جعل القرآن الحكيم مهيمنا ومشرفا على جميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ، فهو يكشف عمّا حدث فيها من التغيير والتبديل والتحريف من قبل المنحرفين ودعاة الضلال .
3 - إنّ اللّه تعالى فضّل كتابه العزيز على كلّ حديث عرض فيه قصص الأنبياء وشؤونهم ، فقد تناول الذكر الحكيم بصورة موضوعية وشاملة أحوالهم وشؤونهم واقتباس العبر منهم .
4 - إنّ القرآن الكريم باعتباره منهجا ودستورا عامّا للحياة يفرّق بين الحلال والحرام ، ويعرب عن شرائع الأحكام ، ويفصّل جميع ما يحتاجه الناس تفصيلا واضحا لا لبس فيه ولا غموضا .
5 - إنّ اللّه تعالى كما جعل كتابه الحكيم نورا يهتدى به في ظلم الضلالة والجهالة كذلك جعله شفاء من الأمراض والعاهات النفسية ، وذلك لمن آمن به وصدّقه .
6 - إنّ الذكر الحكيم ميزان عدل وقسط ، ليس فيه ميل عن الحقّ ، ولا اتّباع لهوى ، وإنّ من تمسّك به واعتصم ؛ فقد سلك الطريق القويم الذي لا التواء فيه ، ونجا من الهلاك .
7 - طلب الإمام ( عليه السّلام ) من اللّه جلّ جلاله أن يتفضل عليه برعاية كتابه والتسليم لمحكم آياته والإقرار بمتشابهاته .
8 - إنّ اللّه تعالى قد منح نبيّه العظيم فهم عجائب ما في القرآن الكريم وعلّمه تفسيره ، كما أشاد بأئمّة الهدى من عترة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الذين رفعهم اللّه عزّ وجلّ وأعلى درجتهم ، فجعلهم خزنة علمه والأدلّاء على كتابه .
نماذج من تفسير الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) :
كان الإمام ( عليه السّلام ) من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم ، وقد استشهد علماء التفسير بالكثير من روائع تفسيره ، ويقول المؤرّخون أنّه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن ، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد زيد في تفسيره للقرآن[6] كما أخذ عنه ابنه الإمام أبو جعفر محمد الباقر ( عليه السّلام ) الذي رواه عنه زياد بن المنذر[7] الزعيم الروحي للفرقة الجارودية . وهذه نماذج من تفسيره ( عليه السّلام ) لكتاب اللّه العزيز .
1 - روى الإمام محمد الباقر عن أبيه ( عليهما السّلام ) ، في تفسير الآية الكريمة :
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً[8] ، أنّه سبحانه وتعالى جعل الأرض ملائمة لطباعكم ، موافقة لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحمأ[9] والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم[10] ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنّه عزّ وجلّ جعل فيها من المتانة[11] ما تنتفون به ، وتتماسكون عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم ، ثمّ قال عز وجلّ : وَالسَّماءَ بِناءً أي سقفا من فوقكم ، محفوظا يدير شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم ، ثمّ قال عز وجلّ : وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر ينزله من عل ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وأوهادكم[12] ثم فرّقه رذاذا ووابلا وهطلا[13] لتنشفه أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم ، ثم قال عز وجلّ :
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ يعني ممّا يخرجه من الأرض رزقا لكم فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أي أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنّها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربّكم تبارك وتعالى[14].
وحوت هذه القطعة الذهبية من كلام الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) أروع أدلة التوحيد وأوثقها ، فقد أعطت صورة متكاملة مشرقة من خلق اللّه تعالى للأرض ، فقد خلقها بالكيفية الرائعة التي ليست صلبة ولا شديدة ليسهل على الإنسان العيش عليها ، والانتفاع بخيراتها وثمراتها التي لا تحصى ، فالأرض بما فيها من العجائب كالجبال والأودية والمعادن والبحار والأنهار وغير ذلك من أعظم الأدلة وأوثقها على وجود الخالق العظيم الحكيم .
كما استدل الإمام ( عليه السّلام ) على عظمة اللّه تعالى بخلقه السماء وما فيها من الشمس والقمر وسائر الكواكب التي تزوّد هذه الأرض بأشعتها .
إنّ أشعّة الشمس لها الأثر البالغ في تكوين الحياة النباتية ، كما أنّ أشعة القمر لها الأثر على البحار في مدّها وجزرها ، وكذلك لأشعة سائر الكواكب ، فإنّ الأثر التام في منح الحياة العامّة لجميع الموجودات الحيوانية والنباتية في الأرض ، وهذه الظواهر الكونية التي لم تكتشف إلّا في هذه العصور الحديثة ، إلّا أنّ الإمام ( عليه السّلام ) ألمح إليها في كلامه ، فكان حقّا هو وآباؤه وأبناؤه المعصومون الرواد الأوائل الذين رفعوا راية العلم ، وساهموا في تكوين الحضارة الإنسانية .
وأعطى الإمام ( عليه السّلام ) صورة متميزة عن الأمطار ، وأنّها تتساقط بصورة رتيبة وفي أوقات خاصة ، وذلك لإحياء الأرض وإخراج ثمراتها ، ولو دام المطر ونزل دفعة واحدة ؛ لأهلك الحرث والنسل .
وبعدما أقام الإمام الأدلّة المحسوسة على وجود الخالق الحكيم ؛ دعا إلى عبادته وتوحيده ونبذ الأصنام والأنداد التي تدعو إلى انحطاط الفكر وجمود الوعي ، لأنّها لا تضرّ ولا تنفع ولا تملك أيّ قدرة في إدارة هذا الكون وتصريف شؤونه .
2 - فسّر ( عليه السّلام ) الآية الكريمة : ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً[15] بقوله : « السلم هو ولاية أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) »[16]. ولا شك أنّ ولاية الإمام أمير المؤمنين وباب مدينة علم النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) هي السلم الحقيقي الذي ينعم الناس في ظلاله بالأمن والرخاء والاستقرار ، ولو أنّ المسلمين كانوا قد دانوا بهذه الولاية بعد وفاة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) لما داهمتهم الأزمات في حياتهم السياسية والاجتماعية .
3 - روى الإمام الصادق ( عليه السّلام ) عن جدّه الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) في تفسير قوله تعالى : يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ[17] أنّه قال : « إنّي ضامن على ربّي تعالى أنّ الصدقة لا تقع في يد العبد حتى تقع في يد الربّ تعالى » ، وكان يقول :
« ليس من شيء إلّا وكّل به ملك ، إلّا الصدقة فإنّها تقع في يد اللّه تعالى »[18].
4 - سأل رجل الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) عن الحقّ المعلوم الذي ورد في قوله تعالى : وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[19] ، فقال ( عليه السّلام ) :
« الحقّ المعلوم الشيء الذي يخرجه من ماله ليس من الزكاة والصدقة المفروضتين » ، فقال له الرجل : فما يصنع به ؟ فقال ( عليه السّلام ) : « يصل به رحما ، ويقوّي به ضعيفا ، ويحمل له كلّه ، أو يصل أخا له في اللّه ، أو لنائبة تنوبه » وبهر الرجل من علم الإمام وراح يقول له : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته في من يشاء[20] .
5 - فسّر الإمام ( عليه السّلام ) الآية الكريمة : فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ[21] بأنّه العفو من غير عتاب[22].
[1] راجع مصادر وأسانيد ونصوص هذا الحديث الشريف والمتواتر عند الفريقين في الأعداد 4 إلى 9 من مجلة رسالة الثقلين ، وحديث الثقلين ، طبعة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ، مصر : 9 .
[2] القسط : العدل .
[3] لا يحيف : لا يميل .
[4] جواسي : جمع جاسية وهي الغليظة ، والمراد غلاظ الألسنة .
[5] الصحيفة السجادية : من دعائه في ختم القرآن ( 42 ) .
[6] حياة الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) : 2 / 32 .
[7] حياة الإمام الباقر : 1 / 11 ، نقلا عن الفهرست للشيخ الطوسي : 98 .
[8] البقرة ( 2 ) : 22 .
[9] الحمأ : شدّة حرارة الشمس .
[10] تعطبكم : أي تهلكم .
[11] المتانة : ما صلب من الأرض وارتفع .
[12] الأوهاد : الأرض المنخفضة .
[13] الهطل : المطر الضعيف الدائم .
[14] عيون أخبار الرضا : 2 / 125 - 126 . طبعة مؤسسة الأعلمي - بيروت .
[15] البقرة ( 2 ) : 208 .
[16] تفسير البرهان : 1 / 129 .
[17] التوبة ( 9 ) : 105 .
[18] تفسير البرهان : 1 / 441 ، تفسير الصافي : 2 / 372 - 373 .
[19] المعارج ( 70 ) : 24 و 25 .
[20] لآلئ الأخبار : 3 / 3 ، وسائل الشيعة : 6 / 69 .
[21] الحجر ( 15 ) : 85 .
[22] وسائل الشيعة : 5 / 519 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|