أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-4-2016
2496
التاريخ: 4-1-2017
3649
التاريخ: 15-5-2018
2001
التاريخ: 2023-09-04
1201
|
المشكاة التي يتجلى فيها نور الله ، والمصباح الذي يضيء هذا النور وينثره، والزيت الذي يوقد هذا المصباح؛ لابد أن تكون كل هذه الوسائل - المجازية - على درجة كاملة من الطهارة والنقاء، لأن هذا النور هو نور رب العالمين؛ خالق السماوات والأرض؛ نور من بيده ملكوت كل شيء، ولا يتجلى هذا النور في كل مشكاة ولا عبر كل مصباح. ولذلك حينما بصف ربنا نوره بالقول الكريم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35] ثم يعطف ربنا على قوله بآية أخرى - تأتي تفسيراً ضمنياً - وهي : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36، 37].
فهذا النور الإلهي الذي يتجلى في بيت النبوة – محمد وآل بيته الطاهرين عليهم السلام - في ذلك البيت الذي قال عنه ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
فالبيت في الآيتين هو هو ، والنور المشار إليه هو حبل الله الممتد بين الله وبين خلقه، وهو شمه الذي قال عنه الله تعالى في موقع آخر: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
المهم؛ أن ذلك النور لا يتجلى في كل قلب، أو عبر أية سلسلة ومرحلة، إنما يتجلى في قلب من قال عنه ربنا سبحانه وتعالى في سورة آل عمران المباركة: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 34]. الذرية التي نعتها القرآن الكريم بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]. وهذا الواقع لم يحكمه الله تبارك وتعالى بين البشر على سبيل الجبر، وإنما هو اختيار حكيم نابع من علمه سبحانه بما سيكون عليه بنو البشر، وان العلم الإلهي يتعالى عن ان يكون فيه جبراً أو تسييراً.
إذا فالحديث يجرنا في هذا الإطار الى شيء من التفصيل، حيث الحديث تارة يكون عن عالم ما قبل عالم الأنساب والأصلاب، وتارة يكون عن عالم الذر، وتارة يكون عن عالم الولادة والوجود المادي المحسوس.
اما الحديث عن عالم ما قبل الأنساب والأصلاب، فقد أكدت الروايات الصحيحة بان الله سبحانه وتعالى خلق أرواح النبيين والأصفياء كأظلة وأرواح، وهذه الأرواح كانت تسبح له وتقدسه وتنزهه سبعين ألف عام على باب العرش وحوله. ثم أدخل الله تعالى هذه الأرواح - وفي مقدمتها وأقدمها أرواح الني محمد صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام - في بجار القدس والقدرة والملكوت والنور. ولقد تجاوز الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بروحه الطاهرة المطهرة كل هذه البحار والأنوار ليصل الى درجة رفيعة حتى اقترب واقترب {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9].
واحتراماً لهذه الأنوار القدسية، فقد أدخلها الله سبحانه وتعالى في صورة الذر صلب النبي آدم عليه السلام ابي البشر، وأسجد الملائكة أجمعين لآدم احتراماً لهذه السلسلة المباركة، رغم ما قالته الملائكة بأنها هي التي تسجد لله وتحمده وتقدس له، حيث أكد لهم الرب بأنه يعلم ما لا يعلمون. ثم اخرج ذلك النور وتلك الأجسام وتلك الذرية الطيبة لعالم الميثاق، حيث يقول الله تعالى في هذا الصدد: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول من لبى نداء المعرفة ونداء التوحيد الالهي، ثم لبى الأئمة عليهم السلام، ثم الانبياء عليهم السلام.
ثم يقول رب العزة لرسوله صلى الله عليه وآله: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219]؛ اي منذ آدم عليه السلام الى عبد الله أبي النبي عليه السلام. وفي ذلك إشارة واضحة الى مدى العناية الالهية برسول الاسلام الذي هو سيد البشر. كما هو في نفس الوقت تأكيد مباشر على أن الحقيقة والصورة والنطفة التي تكون منها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا يمكن أن تحملها أصلاب غير موحدة أو ساجدة لرب العالمين ، إذ أن مقام النبوة جدير كل الجدارة بأن يحاط بالعناية الربانية الفائقة، وكذلك بالنسبة لمقام الإمامة في أهل البيت عليهم السلام.
وها نحن نقرأ في زيارة الامام الحسين عليه السلام نصوص النور التي تشهد لهذا الإمام العظيم بأنه طهر طاهر مطهر من - صلب - طهر طاهر مطهر، قد طهر وطهرت به البلاد، وطهرت أرض هو فيها، وأنه لم تدنسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمات ثيابها.. والسبب في كل ذلك هو أن مقام النبوة والامامة الذي يتجلى فيه النور الالهي لابد وأن يكون على مستوى رفيع جداً من النورانية والروحانية والعظمة والطهر والنقاء.
ومن هنا يمكننا القول بأن العظمة التي كان يتمتع بها آباء النبي صلى الله عليه وآله، كانت توهلهم لأن يكونوا أنبياء. غير أن الحكمة والتقدير السماوي كان قد حتم أن لا يكون بعد النبي عليه السلام نبي، ما خلا نبي الاسلام محمد المصطفى صلى الله عليه وآله. فالله اعلم حيث يجعل رسالته.
ثم يستعرض لنا القرآن الكريم قصة ولادة هذه المرأة الطاهرة ضمن قصة هي الغاية في البداعة والبلاغة الروحانية واللغوية، وقد جاء فيها: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: 35]. فرغم أن الانسان بطبيعته يريد الذرية لنفسه ويريدها امتداداً لشخصه. غير أن هذه المرأة المثالية كانت قد تجردت عن الآمال الشخصية، محددة طبيعة ومستقبل وليدها وثمرة فؤادها. فهي قد نذرت أثمن ما تملك لله سبحانه وتعالى، كما أنها خلال ذلك لا لتمن على ربها بهذا النذر، بل هي كانت تعرف حدودها كإنسان مخلوق، وتعرف أيضاً عظمة الله وفضله عليها، ولم تكن بين هذا وذاك لترجو امراً سوى قبول الله لهذا النذر، الذي هو الأعظم من بين جميع الامور، وبالتالي كونها تطلب من الله تعالى أن يكون وليدها إنساناً نورانياً إلهياً مادامت عناية الرب محيطة به.
لقد كانت زوجة عمران طيلة فترة حملها تظن بأن ما في بطنها جنيناً ذكراً، ولكنها لما وضعت مريم: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} [آل عمران: 36]. فكان من عظمة مريم عليها السلام، هذه المرأة الجليلة القدر أنه لم يرد ذكر اسم لأية امرأة أخرى في القرآن الكريم سوى اسمها.
وختمت أم مريم دعاءها العظيم ببصيرة نورانية اخرى بقولها : {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]. وحينما رأى كل هذا الإخلاص وهذا الإيمان وهذه البصيرة في الدين، استجاب لها احسن استجابة. {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } [آل عمران: 37].
زكريا؛ هذا النبي العظيم أصبح كفيلاً لمريم، وفي ذلك تكريم لهذه الطفلة الصغرة، التي كانت - حسب ما يبدو - اكثر يقيناً من زكريا. إذ أن سيرة مريم وعبادتها كانت دليلاً لكفيلها الذي تنبه بعد حين الى أن يطلب من الله تعالى الرزق والبنين، رغم كونه قد بلغ من الكبر عتيا. {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38].
وهكذا تلاحظ تناقل الأفكار بين الصالحين؛ زوجة عمران التي نذرت الى الله ما في بطنها محرراً وأعاذته بربها من الشيطان الرجيم، وبين زكريا الذي لم ينقطع به الرجاء فطلب الى ربه أن يرزقه ذرية؛ ذرية طيبة تكون خير وارث لحمل أفكار وبصائر رسالات السماء.
من خلال هذه القصة العظيمة التي سردها القرآن الكريم، تتضح لنا معالم العلاقة بين الانسان وذريته، متى تبدأ؟ وكيف تكون؟
إن القرآن الكريم يريد لنا أن نعرف بأن هذه العلاقة تبدأ قبل ولادة الذرية؛ بل وقبل الزواج أيضاً، وتستمر حتى تصبح الذرية في رحم الأم وتتنامى حينما يخرج الجنين طفلاً صغيراً؛ يحسبه الجاهل قطعة من اللحم، غافلا عن إن الوليد الجديد عبارة عن جهاز متكامل. هذه العلاقة عادة ما يغفل عنها الانسان، فيبدو منه التقصير بحق أولاده.
إن تبعات غفلة الوالد والوالدة عن أولادهما لا تأتي دفعة واحدة، بل هي أمر تدريجي التأثير. فالوالد - مثلا - حينما يذهب الى السوق، والسوق كما البحر - فيه اللآلى والدرر والأسماك الطيبة وما يحل كله، وفيه أيضاً الحيوانات الخبيثة وما يحرم اكله - في هذا السوق تجارة طيبة وتجارة خبيثة. ومن المؤسف جداً أن هذا الأب الذي يتاجر لا يفكر بغير الربح، وينسى أن في صلبه ذرية، وأن الطعام الحرام الذي يتناوله سيؤثر حتماً على طبيعة ذريته الاخلاقية والنفسية. ثم تراه يتساءل عن السبب في فساد بنيه وبناته. ثم حينما تحل مرحلة الحمل يتغافل الاب عما ينبغي أن يطعم زوجته، والزوجة التي لا ترى في سماع الغيبة والتهمة والأغاني عيباً وضرراً عليها وعلى جنينها. في حين ان الجنين يتأثر بمجرد تفكير أمه، فضلاً عن فعلها. وفي مدة طفولته البريئة يتصوره الأب والأم دمية يستريحان اليها..
وقبل هذا وذاك؛ لابد من التأكيد على ضرورة اختيار القرين الصالح في الزواج ، ليتسنى بذلك ضمان أكبر نسبة ممكنة من النجاح في العلاقة الاسرية، بما في ذلك التناسل وصلاح الأجيال.
ومن يهدف إيقاف الانحدار والانحراف في الامة الاسلامية، لابد له من العمل على تغيير الأرضية التي تودي الى الانحراف، إذ بذلك تتم الوقاية الصحيحة. وبكلمة اخرى؛ إن الآباء والأمهات مدعوون الى التفكير والعمل على تربية جيل سليم الأخلاق. وتربية الجيل لا تعني بالضرورة سوق النصائح تلو الاخرى على مسامع الأطفال ضمن قوالب جامدة، تنفر الطفل عن الثقافة السليمة والبناءة أكثر مما تقربها وتحببها إليه.
كما لابد للآباء والأمهات أن يعوا بأن مشاكلهما الشخصية تنعكس بصورة مباشرة على نفسية الاولاد ، مما يعني أن تربيتهما لهم لن تكون سوى هواء في شبك. فانعكاس المشاكل الخارجة عن المنزل أو المشاكل التي لا علاقة للأولاد بها، بمثابة التربية السيئة - العملية - للأولاد. ومعلوم أن الانسان بطبيعته يستجيب ويتأثر ويتفاعل مع العمل أكثر منه بالقول.
ثم من الضروري جداً أن يسعى الآباء والامهات الى النهوض بمستواهم الديني والثقافي، ليوفروا لذريتهم الميدان المناسب الذي من شأنه الاجابة على ما يطمحون إليه من تطور وآمال. وعلى الذين يعكفون على التفكير الدائم بالدينار والدرهم، أن يعرفوا بأن السعادة الحقيقية - في واقع الأمر - تكمن في العمل على ضمان سعادة الآخرة عبر تقديم ذرية صالحة للمجتمع.
وفي الوقت الراهن نحن بمسيس الحاجة الى نهضة حقيقية في إدارة الاسرة والتربية، وتغيير الكثير من العادات والتقاليد الحاكمة التي ما أنزل الله بها من سلطان. التقاليد التي ترسبت في أذهاننا ونفسياتنا السلبية، التي هي الاخرى وليدة اخطاء الماضي وضغوط المادة والانحدار في الحاضر.
وإننا لمدعوون اليوم – في ظل التحديات الجبارة التي تتعرض لها الأمة الاسلامية بشكل عام وشريحة الشباب بشكل خاص - الى التخطيط بدقة متناهية على ضوء تعاليم الرسالة، لرسم مسيرة صالحة بما للكلمة من معنى لربية الأولاد، ليكونوا بحق نموذج البشرية الأفضل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|