أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
2497
التاريخ: 10-10-2014
1791
التاريخ: 14-11-2021
2529
التاريخ: 17-3-2016
5620
|
سأل الفُضَيل بن يسار الإمام أبا جعفر الباقر ( عليه السلام ) عن الحديث المعروف : ( ما في القرآن آية إلاّ ولَها ظَهْر وبطْن ، فقال ( عليه السلام ) : ظهْره تنزيله وبطْنه تأويله ، منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن ، يجري كما تجري الشمس والقمر ) (1) .
وقال ( عليه السلام ) : ( ظَهْر القرآن الذين نزل فيهم ، وبطْنه الذين عملوا بمِثل أعمالهم ) (2).
ذلك أنّ للآية وجهاً مرتبطاً بالحادثة الواقعة ـ التي استدعَت نزولها ـ ووجهاً آخر عامّاً ، تكون الآية بذلك دستوراً كلّياً يجري عليه المسلمون أبَدياً ، وكما أنّ الآية عالجت ـ بوجهها الخاصّ ـ مشكلة حاضرة ، فإنّها ـ بوجهها العامّ ـ سوف تعالج مشاكل الأمّة على مَرّ الأيام .
قال الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) : ( ولو أنّ الآية نزلت في قوم ، ثمّ مات أولئك القوم ماتت الآية ؛ لَمَا بقي من القرآن شيء ، ولكنّ القرآن يجري أوّله على آخِره ما دامت السماوات والأرض ، ولكلّ قومٍ آية يتلونها هُم من خير أو شرّ ) (3) .
نعم ، إنّ الحكمة في نزول آية أو سورة ليست بالتي تقتصر على معالجة مشاكل حاضرة ، وليست دواءً وقتيّاً لداءٍ عارضٍ وقتيّ ، إذاً تنتفي فائدتها بتبدّل الأحوال والأوضاع ، بل القرآن ـ في جميع آياتهِ وسوَرهِ ـ نزل علاجاً لمشاكل أُمّة بكاملها في طول الزمان وعَرْضه ، وإلى ذلك يشير قولهم ( عليهم السلام ) : ( نزلَ القرآن بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ) (4) .
وهذا الوجه العامّ للآية : هو ناموسها الأكبر الكامن وراء ذلك الوجه الخاصّ ، وإنّما يلقي بأضوائه على الآفاق من وراء ذلك الستار الظاهري ، وتنبعث أنواره من ذلك البطن الكامن وراء هذا الظهْر .
وهذا من اختصاص القرآن في بيان مقاصده من الوجهين الخاصّ والعامّ ، ومن ثمّ فإنّ له تنزيلاً ( الذين نزل فيهم ) ، وتأويلاً ( الذين عملوا بمثل أعمالهم ) ، وذلك ظهْره وهذا بطْنه .
غير أنّ الوقوف على تأويل القرآن وفهْم بطون الآيات ، إنّما هو من اختصاص الراسخين في العلم ، ممّن ثبتوا على الطريقة ، فسقاهم ربّهم ماءً غَدَقاً (5) .
ومن ثمّ قال الإمام أبو جعفر ـ بعد أن تلا الآية ـ : ( نحن نعلمه ) أي التأويل (6) ، وفي رواية أخرى : ( تعرفه الأئمّة ) (7) .
* * *
قال تعالى : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة : 115].
هذه الآية نموذج من الآيات ذوات الوجهَين ، لها تنزيل ولها تأويل ، ظهْرٌ وبطْنٌ ، وإنّما يَعلم سرّها الكامن العامّ أُولوا البصائر في الدين الأئمّة المعصومون ( عليهم السلام ) .
هذه الآية تبدو ـ في ظاهرها ـ متعارضة مع آيات توجِب التوجّه في الصلاة شطْر المسجد الحرام (8) ، ولكن مع ملاحظة سبب النزول ، وأنّه دفعٌ لشُبهة اليهود ورفعٌ لارتيابهم في تحويل القِبلة ، يتبيّن أن لا معارضة ، ويرتفع الإبهام عن وجه الآية ؛ ذلك أنّ الاستقبال في الصلاة والعبادات أمرٌ اعتباريّ محض ، ينوط باعتبار صاحب الشريعة في مصالح يراها مقتضية حسب الأحوال والأوضاع ، وليس وجه الله محصوراً في زاوية القُدس الشريف أو الكعبة المكرّمة .
وبذلك تنحلّ مشكلة الآية ويرتفع إبهامها ، وأن ليس ترخيصاً في الاتّجاه بسائر الجهات .
هذا ، وقد فهِم الأئمة ( عليهم السلام ) أمراً آخر أيضاً ، استخرجوه من باطن الآية ، حيث تأويلها المستمرّ ، وأنّها تعني جواز التطوّع بالنوافل إلى حيث توجَّهت به راحلتك ... أو اشتبهت القِبلة ، فتصلّي إلى أيّ الجهات شئت ، هكذا وجدنا صراحة الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) (9) .
قال سيّدنا الطباطبائي ( قدّس سرّه ) : إنّك إذا تصفّحت كلمات الأئمّة ( عليهم السلام ) في عموم القرآن وخصوصه ومطلقه ومقيّده ؛ لوجدت كثيراً ما استفادةَ حُكمٍ من عموم الآية ، ثمّ استفادة حكمٍ آخر مع ملاحظة خصوصها ، فقد يستفاد ( الاستحباب ) من الآية من وجه عمومها ، ( الوجوب ) من وجهها الخاصّ ، وهكذا ( الحرمة ) و( الكراهة ) من الوجهين للآية بذاتها .
قال : وعلى هذا المقياس تجد أصولاً هي مفاتيح لكثير من مغالق الآيات ، إنّما تجدها في كلماتهم ( عليهم السلام ) لا غيرهم ، قال : ومن هنا يمكنك أن تَستخرج من لُباب كلامهم في المعارف القرآنية قاعدتين أساسيّتين :
الأُولى : أنّ كلّ عبارة من عبارات الآية الواحدة ، فإنّها لوحدها تفيد معنى وتلقي ضوءً على حُكمٍ من أحكام الشريعة ، ثمّ هي مع العبارة التالية لها تفيد حكماً آخر ، ومع الثالثة حكماً ثالثاً ، وهكذا دواليك .
مثلاً قوله تعالى : {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] فقوله : { قُلِ اللّهُ } جملة تامّة الإفادة وهي مع قوله : { ثُمَّ ذَرْهُم } أيضاً كلام آخر هو تامّ ، ومع { في خوْضِهِمْ } ، وكذا مع { يَلْعَبُونَ } كُلاًّ كلامٌ ذو فائدةٍ تامّة .
واعتبِر نظير ذلك في كلّ آية شئت من آيات القرآن ..
الثانية : أنّ القصّتين أو المعنيَين إذا اشتركا في جملة أو نحوها ، فهما راجعان إلى مرجعٍ واحد.
قال : وهذان سِرّان ، تحتهما أسرار ، والله الهادي (10) .
* * *
وقوله تعالى : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [الجن : 18] .
قيل : نزلت بشأن الجِنّ استأذنوا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أن يشهدوا مسجده ، وقد كان صعباً عليهم وهم منتشرون في فِجاج الأرض ، فنزلت : أنّ كلّ موضع من الأرض فهو مسجد لله يجوز التعبّد فيه ، سوى أنّه يجب الإخلاص في العبادة في أيّ مكان كانت (11) ، وهكذا روي عن سعيد بن جبير .
هذا إذا أُخذت ( المساجد ) بمعنى ( المعابد ) : أمكنة العبادة .
وربّما فُسّرت بمعنى المصدر ، وأنّ العبادات بأسْرها خاصّة بالله تعالى لا يجوز السجود لغيره ، روي ذلك عن الحسن .
وقال جمْع من المفسّرين كسعيد بن جبير ، والزجّاج ، والفرّاء : إنّها المواضع السبعة حالة السجود ، وهي لله ، إذ هو خالقها والذي أنعم بها على الإنسان ، فلا ينبغي أن يسجد بها لأحد سوى الله تعالى (12) .
وبهذا المعنى الأخير أخذ الإمام أبو جعفر محمّد بن علي الجواد ( عليه السلام ) ، حينما سأله المعتصم العباسي عن هذه الآية ، فقال : ( هي الأعضاء السبعة التي يُسجَد عليها ) (13) .
وكان هذا الحادث في قصّة سارق جيء به إلى مجلس المعتصم ، فاختلف الفقهاء الحضور في موضع القطع من يده ، فكان من رأي الإمام ( عليه السلام ) أن يُقطع من مفصل الأصابع ، ولمّا سأله المعتصم عن السبب أجاب بأنّ : ( راحة الكفّ هي إحدى مواضع السجود السبعة ، وأنّ المساجد لله ، فلا تُقطع ) (14) .
وهكذا ، وبهذا الأُسلوب البديع استنبط ( عليه السلام ) من تعبير القرآن دليلاً على حكم شرعيّ ، كان حلاًّ قاطعاً لمشكلة الفقهاء حلاًّ أبديّاً .
وهذا من بطن القرآن وتأويله الساري مع كلّ زمان ، تعرفه الأئمة ، إمام كلّ عصر حسب حاجة ذلك العصر .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ للقرآن تأويلاً ، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجئ ، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمّة عرَفَه إمام ذلك الزمان ) (15) .
قال الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) : ( ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء ) (16) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( والله ، إنّي لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخِره كأنّه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، فيه تبيان كلّ شيء ، كما قال تعالى ) (17) .
________________________
(1) بصائر الدرجات : ص196 ، ح7 .
(2) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص11 ، ح4 .
(3) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص10 ، ح7 .
(4) تفسير العيّاشي : ج1 ، ص10 ، ح4 .
(5) راجع آية 16 من سورة الجنّ .
(6) بصائر الدرجات : ص196 ، ح7 .
(7) بصائر الدرجات : ص196 ، ح8 .
(8) البقرة : 144 و149 و150 .
(9) راج وسائل الشيعة : باب 8 و 15 من أبواب القِبلة ج3 ، ص225 ـ 239 / وتفسير العيّاشي : ج1 ، ص56 ـ 57 .
(10) تفسير الميزان : ج1 ، ص262 .
(11) لباب النقول بهامش الجلالين : ج2 ، ص121 .
(12) وهكذا فسّرها الأئمة من أهل البيت فيما ورد من التفسير المأثور ( راجع مجمع البيان : ج10 ، ص372 / وتفسير البرهان : ج4 ، ص394 ـ 395 ) .
(13) مجمع البيان : ج10 ، ص372 .
(14) وسائل الشيعة : باب 4 ، من أبواب حدّ السرقة ح5 ، ج18 ، ص490 .
(15) بصائر الدرجات : ص195 ، ح5 .
(16) الكافي : ج1 ، ص228 ، ح2 .
(17) الكافي : ج1 ، ص229 ، ح4 / والآية 89 من سورة النحل : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|