أقرأ أيضاً
التاريخ: 13/9/2022
6524
التاريخ: 25-3-2016
3496
التاريخ: 3-04-2015
3631
التاريخ: 19-3-2016
4183
|
تقديم[1]
أُصيبت حركة تدوين الحديث والتاريخ، عند عامّة المسلمين، بحالة من الركود والكساد، استمرّت مُدّة تربو على قرن من الزمان بعد رحيل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، خلقتها حملة ممنهجة تقودها السلطات الحاكمة، لأسباب ودواع نضرب عن ذكرها صفحاً، ما هيّأ الأرضيّة لنموِّ ثقافة العزوف عن الكتابة والتدوين، بل كراهية ذلك بين علماء المسلمين الأوائل. رُوي عن الزهريّ المتوفّى سنة ١٢٤هـ أنّه قال: "كنّا نكره كتابة العلم حتّى أكرهنا عليه السلطان، فكرهنا أن نمنعه أحداً"[2]. وحتّى بعد رفع الحظر عن الكتابة بقرار حكوميّ أيضاً لم تأخذ مداها الأرحب، لتجذُّر ظاهرة المنع في الذهنيّة الإسلاميّة العامّة، قال الخطيب البغداديّ المتوفّى ٤٦٣هـ: "ولم يكن العلم مدوّناً أصنافاً، ولا مؤلّفاً كتباً وأبواباً في زمن المتقدّمين من الصحابة والتابعين، وإنما فُعل ذلك من بعدهم"[3].
ولكن نجد هذه الصورة مختلفة تماماً عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، المستنيرين بهدي رسول الله وأهل بيته الذين كانوا يحثّون على كتابة العلم وضبطه، خوفاً عليه من الدروس والضياع[4]، فعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله: "قيّد العلم". قلت: ما تقييده؟ قال: "الكتاب"[5]، وعن أبي عبد الله عليه السلام: "اكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا"[6]، فكثرت الكتب والمصنّفات التي ألّفها أتباع أهل البيت عليهم السلام وفي مختلف العلوم، كالحديث والتفسير والتاريخ وغيرها، ولذا من غير الممكن أن تغيب حادثة في حجم واقعة كربلاء عن ساحة اهتماماتهم، فسارعوا إلى ضبط أحداثها وتفاصيلها، وعُرفت الكتب المؤلَّفة في هذا المجال بالمقاتل، كونها تؤرّخ لمقتل الحسين عليه السلام. وأوّل مَن ألّف في مقتل الإمام الحسين عليه السلام هو الأصبغ بن نباتة التميميّ، من أعلام القرن الأوّل الهجريّ، فلذا يعدّ مقتله أقدم عمل تدوينيّ قام به مؤرّخ حول مقتل الحسين عليه السلام وأحداث ووقائع كربلاء. إلّا أنّه من المؤسف حقّاً أن نقول: إنّ هذا المقتل قد فُقِدَ واندثر بشكل كامل، ولم يبقَ منه عين ولا أثر.
والأغرب من ذلك كلّه أنّك لا تجد مَن ينقل عن هذا المقتل، بالرغم من بقائه في متناول العلماء مدّة تزيد على ثلاثة قرون، كما سنُبيّن من خلال البحث.
والصفحات القليلة التالية هي نتاج ليالٍ وأيّام من البحث المستمرّ، كنت خلالها أحفر في بطون كتب التاريخ وأنقّب فيما وصلنا من نصوص حول الأصبغ ومقتله، بغية الوصول إلى بصيص أمل في هذا المجال.
وقد أرغمتنا نَدرة الوثائق التاريخيّة، المتوفّرة في هذا الجانب، على التوسُّع قليلاً في التحليل والاستنتاج، لترميم وترقيع الكثير من الجوانب المرتبطة بترجمة الأصبغ ومقتله المفقود، لنخرج بصورة مقبولة ومقروءة.
والبحث عن هذا المقتل المفقود يُراد منه، من وجهة نظرنا، تحقيق أربعة أهداف على الأقلّ:
الهدف الأوّل: هو الهدف النظريّ البحت، فالتعرّف على صاحب أوّل عمل تدوينيّ حول واقعة كربلاء، هو مطلب علميّ يستحقُّ البحث والدراسة، بغضّ النظر عمّا سيترتَّب على هذا المطلب من آثار ميدانيّة وعمليّة. وقد دأب أصحاب التراجم والرجال على ذكر كلّ ما يتعلّق بالمترجَم له من مؤلَّفات وغيرها، ممّا له دور في إبراز شخصيّة صاحب الترجمة علميّاً، وإن لم يكن ذلك الكتاب قد وصل إليهم.
الهدف الثاني: هو تقديم الشكر والعرفان لهذا المؤرّخ المسلم الإماميّ، لما بذله من جهد، وقدّم ما عليه في رصد وملاحقة وجمع وتدوين روايات كربلاء ووقائعها، ولكنّ الأقدار قد حالت بينه وبين وصول مقتله إلينا. وهل من الإنصاف أن نتنكّر لريادة هذا الرجل وأسبقيّته في هذا الميدان، بحجّة أن لا فائدة عمليّة مرجوّة من هذا العمل؟!
الهدف الثالث: إنّنا إذا أثبتنا أنّ هذا المدوّن في المقاتل هو أوّل مدوّن في تاريخ الإسلام، كما سيتّضح، فستتعزّز المقالة المعروفة بأنّ الشيعة لهم مساهمة كبرى في تأسيس العلوم الإسلاميّة.
الهدف الرابع: هو أنّنا نستطيع أن ندّعي أنّ لهذا البحث أثراً عمليّاً، فإنّنا نحتمل أنَّ روايات مقتل الأصبغ لم تُهمل، بل تسلّلت إلى المدوّنات التاريخيّة من دون الإشارة إلى أن مصدرها هو مقتل الأصبغ، خصوصاً وأنّه قد بقي موجوداً في الأوساط لعدّة قرون. وإنّا وإن كنّا لا نستطيع تحديد تلك المدوّنات ومواضع نقلها من هذا المقتل، إلّا أنّ ديدن العلماء في التأليف هو الاستفادة من مؤلَّفات السابقين، ولا أقلّ من أنّ الأصبغ بتأليفه للمقتل قد ألهمَ الآخرين تأليف المقاتل.
وعلى كلّ حال، ينبغي لنا الآن أن نترجم للأصبغ، ثمّ نحاول أن نُسلّط الضوء على مقتله، فنقسِمَ البحث إلى قسمين:
الأوّل: في ترجمته.
والثاني: في مقتله.
القسم الأوّل: ترجمة الأصبغ بن نباتة
اسمه ونسبه
هوالأصبغ، بـالألف واللام، كما هو شائع على الألسن، وكما عنونتْ له الكثير من المصادر[7]، أو أصبغ بتعريته منهما، كما هو معنون في مصادر أُخرى[8]- بن نُباتة بن الحارث، بن عمرو بن فاتك بن عامر[9]، التميميّ الحنظليّ، الدارميّ المُجاشعيّ، أبو القاسم الكوفيّ[10].
والتميميّ: بفتح التاء وكسر الميم وسكون الياء، نسبةً إلى تميم التي تنتسب إليها عدّة من القبائل العربيّة المعروفة، والمنتسب إليها جماعة من الصحابة والتابعين[11]، ولا زالت هذه القبائل موجودة إلى يومنا هذا، بل في بعض الروايات ما يُشير إلى بقائها إلى زمان ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث ورد في عدّة أحاديث: أنّ صاحب راية المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف رجل من تميم، يقال له: شعيب بن صالح التميميّ[12].
والحنظليّ: بفتح الحاء وسكون النون وفتح الظاء، نسبةً إلى حنظلة، بطن من تميم، وهو حنظلة بن مالك، بن زيد بن مناة، بن تميم[13].
والدارميّ: بفتح الدّال وكسر الراء، هذه النسبة إلى بني دارم، وهو دارم بن مالك بن حنظلة[14].
والمُجاشعيّ: بضمّ الميم، وفتح الجيم، وكسر الشين، هذه النسبة إلى بني مُجاشِع، وهو مجاشع بن دارم[15].
قال صاحب الاشتقاق: "... واشتقاق الأصبغ من قولهم: فرس أصبغ، والأنثى صبغاء، وهو الذي طرف ذنبه بياض. والصبغ معروف. وثوب صبيغ ومصبوغ. ونُباتة: فُعالة من النبت"[16].
وقد كان الأصبغ من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام، وكان من المعدودين من شرطة الخميس الذين ضمنوا لأمير المؤمنين عليه السلام الذبح وضمن لهم الفتح، "وكان من ذخائر عليٍّ، ممّن قد بايعه على الموت، وكان من فرسان أهل العراق، وكان عليّ عليه السلام يضنُّ به على الحرب والقتال"[17].
ولادته ونشأته
إنَّ مَن طالع كتب السيرة والتاريخ والتراجم يلاحظ أنّ أكثر المشاهير في التاريخ، من علماء وأُدباء وملوك وأُمراء وغيرهم، لا يعرف المؤرّخون تواريخ ولادتهم، وغاية ما يتمكّنون منه هو تحديد وفياتهم، ولذا نجد أنّ هناك عدداً من المؤرّخين قد ألّفوا كُتباً في الوفيات: كوفيات المصريّين لأبي إسحاق الحَبَّال ت٤١٨هـ، ووفيات الأعيان لابن خلكان ت٦٨١هـ، والوافي بالوفيات للصفديّ ت٧٦٤هـ، والوفيات لابن رافع السلاميّ ت٧٧٤هـ، والوفيات لابن قنفذ ت٨١٠هـ، بينما لا نجد مَن ألّف في المواليد إلّا نادراً، كمولد العلماء ووفياتهم للربعيّ ت٣٩٧هـ.
والسبب في ذلك، أنّ كلّ شخص من هؤلاء العظماء يولَد كما تولَد ملايين الأطفال من عامّة البشر، فلا تُبادر أُسرته أو مجتمعه، في الأزمنة القديمة، إلى تسجيل زمان ولادته، فهم لا يعلمون الغيب كي يتنبّؤوا بأنّ هذا الطفل أو ذاك سيكون له شأن أو منزلة رفيعة في المستقبل.
وقد يلجأ بعض الباحثين، في مثل هذه الحالات، إلى الاعتماد على بعض القرائن والمؤشِّرات العقليّة والتاريخيّة، لتخمين فترة زمنيّة معيّنة وقعت فيها ولادة الشخصيّة المترجَم لها، كما لو عرفنا تاريخ وفاة والدة المترجَم له، فإنّ ولادته ستكون حتماً قبل هذا التاريخ، أو عرفنا تاريخ وفاة والده، فإنّنا سنعلم أنّ ولادته كانت قبل هذا التاريخ أو بعده بأشهُر، لاحتمال أن يكون قد توفِّي والده بعد الحمل وقبل الولادة، وهكذا...
وفيما يخصُّ المترجَم له: فإنّنا لم نعثر على نصّ يحدّد لنا زمان ولادته بالدّقة، غير أنّنا نستطيع القول: إنّ ولادته كانت في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يدلّنا على ذلك ما رواه ابن عساكر، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة أنّه قال: "إنّا لَجُلُوسٌ ذات يوم عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام في خلافة أبي بكر، إذ أقبل رجل من حضرموت لم أرَ رجلاً قطّ أنكر منه ولا أطول..."[18].
فهذا النصّ يدلّ على أنّ الأصبغ كان رجلاً أو صبيّاً مميّزاً، على أقلّ تقدير، في زمان خلافة أبي بكر، وبما أنّ خلافته لم تمتد لأزيد من سنتين وعدّة أشهُر[19]، فيكون الأصبغ قد أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا عنون له ابن حجر في الإصابة في ضوء هذا المؤشّر[20].
وممّا يدعم ذلك ما وصفه به نصر بن مزاحم المنقريّ، بعد إحدى مبارزاته في صفّين، حيث قال: "فرجع الأصبغ وقد خضب سيفه دماً ورمحه، وكان شيخاً ناسكاً عابداً"[21].
فإنّ لفظة الشيخ لا تطلق في اللغة إلّا على من ظهر عليه الشيب، أو تجاوز الـ٥٠ أو ٥١ عاماً[22]، وهذا يعني أنّه قد بلغ هذه السنّ، أو قاربها أو تجاوزها، في وقعة صفّين التي حصلت سنة ٣٧هـ.
وعلى أيَّة حال، فإنّ هذا النصّ الذي أسنده ابن عساكر إلى الأصبغ يرشدنا إلى ملازمته لأمير المؤمنين عليه السلام، ومتابعته له في مرحلة مبكرة جدّاً من حياته، قبل تولّيه الخلافة، ممّا يؤكّد إخلاص الأصبغ وعمق ولائه لأمير المؤمنين عليه السلام، وأنّه لم يكن يتحرّك بدافع دنيويّ أو سياسيّ أو مصلحيّ.
وقد بقي الأصبغ، كما تشير النصوص، في شرف هذه الصحبة إلى آخر لحظة من لحظات حياة أمير المؤمنين عليه السلام، فقد انتقل معه إلى العراق، وشهد معه وقعة الجمل وصفّين[23]، وحينما نزل أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة واتخذها عاصمة للدولة الإسلاميّة، استقرّ معه فيها، متتلمذاً على يديه، مقتفياً أثره، مستضيئاً بنور علمه. وفي هذا الصدد نُقل عنه أنّه قال: "حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلّا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ عليّ بن أبي طالب عليه السلام"[24].
وتُشير بعض النصوص إلى انتقال الأصبغ من الكوفة إلى المدائن في الأيّام الأخيرة من ولاية سلمان الفارسيّ عليها[25]، ولا تُسعفنا النصوص في تحديد المهمّة التي أُنيطت بالأصبغ في المدائن.
وكيفما كان، فالذي يظهر من نصوص أُخرى أن مكثه في المدائن لم يدُم طويلاً، إذ وجدناه حاضراً في الكوفة في شهر رمضان من عام ٤٠ هـ، وهو الشهر الذي قُتِل فيه أمير المؤمنين عليه السلام[26]، وقد كان حاضراً في الليلة التي ضُرب فيها أمير المؤمنين عليه السلام معه في بيته[27].
ولا تهدينا النصوص إلى معرفة ما آل إليه أمر الأصبغ بعد رحيل أمير المؤمنين عليه السلام، ولا نعرف شيئاً كثيراً عن طبيعة علاقته بالأئمّة عليهم السلام من بعده، كما أنّ الأخبار لا تفيدنا بشيءٍ عن نشاطه في الكوفة بعد غياب أمير المؤمنين عليه السلام عنها.
والمظنون أنّه قد كرّس جهده وما بقي من عمره، في نشر التشيّع وترويج أُصوله وأُسسه ومفاهيمه، من خلال ما سمعه ووعاه من أمير المؤمنين عليه السلام، نتلمّس ذلك ونتحسّسه من خلال ما نقله الرواة عنه من أحاديث في العقيدة والفقه، والتفسير والأخلاق، والعرفان و... والذي أعتقده أنّه لم يُهاجر من الكوفة بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، وإنّما بقي فيها إلى آخر لحظات عمره.
مكانته العلميّة
كان الأصبغ رجلاً فاضلاً، كما عبّر عنه المفيد في الاختصاص[28]- وهو من الأوصاف التي تُطلق على أهل العلم في عرفهم، وفي معالم العلماء لابن شهر آشوب: "إنّ أوّل مَن صنّف فيه "يعني في الإسلام" أمير المؤمنين عليه السلام... ثمّ سلمان، ثمّ أبو ذر، ثمّ الأصبغ بن نباتة..."[29].
ويمكن أن نلمس الجانب العلميّ في شخصيّة الأصبغ من خلال مرويّاته الكثيرة في فنون العلم: الفقه والتفسير والحِكَم وغيرها، فقد كان كثير الرواية، متقناً في حديثه، وكان أكثر رواياته عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقد روى عن الصحابة، وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فضائل عليّ عليه السلام. وله روايات في فضل الشيعة، كما في اختصاص المفيد وغيره[30].
أمّا طبقته، فقد عدّه الطوسيّ في رجاله من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ عاد مرّةً أُخرى وعدّه من أصحاب الإمام الحسن عليه السلام[31].
وقد عدَّه ابن حجر من الطبقة الثالثة، المشتملة على أسماء الطبقة الوسطى من التابعين[32]، بل احتمل في الإصابة، كما ألمحنا، أن يكون مُدركاً للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأن تكون له صُحبة.
ووقع الأصبغ في إسناد اثنتين وستّين رواية في الكتب الأربعة عدا ما روي في غيرها، فبعنوان الأصبغ بن نباتة وقع في إسناد ستّ وخمسين رواية، وبعنوان الأصبغ في إسناد خمس روايات، وبعنوان أصبغ بن نباتة الحنظليّ في إسناد رواية واحدة[33].
روى عنه أبو الجارود زياد بن منذر، وأبو حمزة الثماليّ، وأبو الصباح الكنانيّ، والحارث بن المغيرة، وخالد النوفليّ، وسعد بن طريف، وعبد الحميد الطائيّ، وعبد الله بن جرير العبديّ، ومحمّد بن داود الغنويّ، ومحمّد بن الفرات، ومسمع، والأجلح بن عبد الله الكنديّ، وثابت بن أسلم البنانيّ، ورزين بيّاع الأنماط، وسعيد بن مينا، وعليّ بن الحزور، وفطر بن خليفة، ومحمّد بن السائب الكلبيّ، والوليد بن عبدة الكوفيّ، ويحيى بن أبي الهيثم العطّار، وآخرون[34].
والأصبغ هو مَن روى عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين عليه السلام لمّا ولاّه مصر، وروى، أيضاً، وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة، كما ذكر ذلك شيخ الطائفة الطوسيّ في فهرسته، فقال: "أخبرنا بالعهد ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن، عن الحميريّ، عن هارون بن مسلم والحسن بن ظريف جميعاً، عن الحسين بن علوان الكلبيّ، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأمّا الوصيّة، فأخبرنا بها الحسين بن عبيد الله، عن الدوريّ، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، عن جعفر بن محمّد الحسينيّ، عن عليّ بن عبدك الصوفيّ، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة المجاشعيّ، قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى ولده محمّد بن الحنفيّة بوصيّته"[35].
وروى الطوسيّ عنه أيضاً مقتل الحسين عليه السلام كما سيأتي عمّا قريب.
وقد روى الأصبغ أيضاً القضايا التي حكم فيها أمير المؤمنين عليه السلام، وهي برواية إبراهيم بن هاشم القمّي، وتوجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران برقم٣٩١٥، وبتاريخ ١٠٦٤هـ، ونسخة في تركيا مكتبة حميديّة رقم١٤٤٧، من ١٤٩ آ، ١٥٣ آ، وهي بعنوان أقضية أمير المؤمنين عليه السلام.
وكانت لدى السيّد محسن الأمين العامليّ، صاحب أعيان الشيعة، نسخة ثمينة من هذا الكتاب، ضمن مجموعة عليها تواريخ سنة٤١٠ و٤٢٠، باسم: عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السلام ومسائله أدرجها في كتاب ألّفه باسم عجائب أحكام وقضايا ومسائل أمير المؤمنين عليه السلام[36].
مذهبه ومعتقده
لا ينبغي التوقّف في القول بتشيّع الأصبغ وموالاته لأهل البيت عليهم السلام، بل لا ينبغي التردّد في كونه من الناشرين لمذهبهم والمروّجين لفكرهم، ويمكن للقارئ الكريم أن يتأكّد من ذلك من خلال ما بثّه الأصبغ من روايات تحمل فضائل أهل البيت عليهم السلام ومناقبهم وفضائل شيعتهم ومحبّيهم.
ونحن نكتفي هنا بإيراد رواية واحدة، رواها الصدوق رحمه الله بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة أنّه قال: "خرج علينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم، ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام، وهو يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم، ويدي في يده هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي. ألا وإنّي أقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّه سيُظلَم بعدي كما ظُلمت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين، المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء، أما إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة. ومن بعد الحسين تسعة من صُلبه، خلفاء في أرضه، وحججه على عباده، وأمناؤه على وحيه، وأئمّة المسلمين، وقادة المؤمنين، وسادة المتّقين، تاسعهم القائم الذي يملأ الله به الأرض نوراً بعد ظُلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها، والذي بعث أخي محمّداً بالنبوّة واختصّني بالإمامة، لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرئيل، ولقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا عنده، عن الأئمّة بعده، فقال للسائل: والسماء ذات البروج، إنّ عددهم بعدد البروج، وربّ الليالي والأيّام والشهور، إنّ عددهم كعدد الشهور. فقال السائل: فمَن هم يا رسول الله؟ فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على رأسي، فقال: أوّلهم هذا، وآخرهم المهديّ، مَن والاهم فقد والاني، ومَن عاداهم فقد عاداني، ومَن أحبّهم فقد أحبّني، ومَن أبغضهم فقد أبغضني، ومَن أنكرهم فقد أنكرني، ومَن عرفهم فقد عرفني، بهم يحفظ الله دينه، وبهم يُعمِّر بلاده، وبهم يرزق عباده، وبهم نزل القطر من السماء، وبهم يُخرِج بركات الأرض، هؤلاء أصفيائي وخلفائي، وأئمّة المسلمين، وموالي المؤمنين"[37].
والمحتوى العقديّ الذي تحمله هذه الرواية ونظائرها ممّا كان ينشره الأصبغ بين النّاس، هو جوهر العقيدة الإماميّة ومحورها، ومن هنا عبّر عنه الرجاليّون بألفاظ دالَّة على عمق تشيّعه ورسوخ عقيدته في أهل البيت عليهم السلام، فقد عبّر عنه النجاشيّ - ووافقه على ذلك الطوسيّ- بقوله: "كان من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام "[38]، وقال عنه المفيد: "وكان من شرطة الخميس"[39]، وهذه العبارة لا تُطلق إلّا على خيار شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، والمقصود بالخميس: الجيش، سُمّي به، لأنّه مقسوم على خمسة أقسام: المقدّمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب، وهم ستّة آلاف رجل أو خمسة آلاف، وهم أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين قال لهم: "تشرّطوا فأنا أُشارطكم على الجنّة، ولست أُشارطكم على ذهبٍ ولا فضّة"[40].
روى الكشّي عن محمّد بن مسعود، قال: "حدّثني عليّ بن الحسين، عن مروك بن عبيد، قال: حدّثني إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل، عن الأصبغ، قال: قلت له: كيف سُمّيتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: إنّا ضمنّا له الذبح، وضمن لنا الفتح"[41].
هذا من زاوية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أمّا من زاوية أهل السنّة، فتكاد تتّفق كلمتهم على تشيُّعه ونسبته إلى الشيعة، فهذا ابن قتيبة يعدُّه من رجال الشيعة[42]، وقال ابن سعد: "كان شيعيّاً"[43]، وقال ابن حجر: "رُمِيَ بالرفض"[44]، وقال العقيليّ: "كوفيّ كان يقول بالرجعة"[45]، وهي من مختصّات الشيعة. وقال ابن حبان: "وهو ممن فُتِنَ بحبّ عليّ عليه السلام "[46]، وقال الخركوشيّ عنه إنّه من الشيعة المحترقين[47].
وثاقته وعدالته
قلنا، فيما تقدّم: إنّ الأصبغ من المعدودين من شرطة الخميس، وقد تحدّثنا عن معنى هذه العبارة وعن دلالتها على تشيُّع من أُطلقت في حقّه، ونريد أن نُضيف الآن بأنّها قد تدلّ على الوثاقة، أيضاً، كما صرّح به صاحب سماء المقال بقوله: "ثمّ إنّه لا يخفى أنّها "يعني عبارة شرطة الخميس" تدلّ على غاية قوّة إيمان مَن ذُكِر في حقّه... كما أنّ الظاهر دلالتها على الوثاقة، كما جرى عليه جمع من الطائفة...[48].
ولا كلام في كون الأصبغ من المعدودين من شرطة الخميس، كما نصّ على ذلك المفيد، بل نصّت على ذلك جملة من المصادر من الفريقين[49]، وإنّما الكلام كلّ الكلام في دلالة هذه العبارة على وثاقة مَن أُطلقت في حقّه.
والواقع: أنّ العبارة لا تدلّ بذاتها على التوثيق، وإن دلّت على التشيّع، وإنّما اكتسبت هذه الحمولة، وصارت تدلّ على التوثيق من خلال الروايات المادحة لـشرطة الخميس، وهي بأجمعها ضعيفة كما صرّح بذلك السيّد الخوئيّ[50].
ومن هنا، لم ينصّ النجاشيّ والطوسيّ على عدالة الأصبغ، واكتفيا بالتعبير عنه بأنّه: "من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام"، وهذا التعبير لا يدلّ، عند الرجاليّين، على أكثر من المدح والحُسْن[51]، ونعته العلّامة الحلّي في الخلاصة بـلفظ "وهو مشكور"[52] بعد ما ذكره في القسم المخصَّص للرواة المعتمد عليهم، وهو من الألفاظ التي تُفيد المدح، كما في الراشحة الثانية عشرة من الرواشح السماويّة[53]، واعتبره صاحب نهاية الدراية من ألفاظ المدح من المرتبة الثانية[54]، ومثله ما وصفه به فائق المقال، حيث قال عنه: "وكان جليل القدر خيّراً"[55]، وهو من تعابير المدح أيضاً دون التوثيق، وكذا صنع السيّد الخوئيّ، إذ وصفه بقوله: "وهو من المتقدّمين، من سلفنا الصالحين"[56]، وهذه الكلمات لا تدلّ على غير المدح أيضاً، كما لا يخفى على مَن تتبّع كُتب وكلمات أرباب الرجال ومصطلحاتهم.
ويتلخّص ممّا تقدّم، أنّ المستقَرَّ عليه هو أنّ الرجل من الممدوحين في رجالنا، ولم يُصرِّح أحد منهم بتوثيقه وتعديله، غير أنّ النّفس غير راضية بما قالوه، ونحن نرى وثاقته ونرجّح عدالته لوجوه:
الوجه الأوّل: أنّ الرجل قد تكرّر اسمه في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ كان حيّاً سنة 307هـ، وهذا الوجه حجّة على مَن يذهب إلى وثاقة جميع مَن وقع في إسناد هذا التفسير.
الوجه الثاني: ورود اسمه في إسناد كامل الزيارات، فهو أيضاً موثَّق عند مَن يرى وثاقة جميع الواقعين في سلسلة الإسناد.
الوجه الثالث: أنّنا نرفض القوالب التي وضعها علماء الدراية في تحديدهم لألفاظ الجرح والتعديل، ونقول: بأنّ عبارة "من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام" تدلّ على التوثيق، بل هي من أرفع عبارات التوثيق، ويتّضح ذلك من خلال عرض العبارة على العُرْف العامّ[57].
الوجه الرابع[58]: وهو مبنيٌّ على مسلك الاطمئنان المتاخم للعلم الحاصل من ملاحظة مجموع الأوصاف التي وصفها به علماء الرجال والتاريخ، ومجموع ما قيل عنه وما صدر عنه.
فإنّ كلّ مفردة وإن لم تُفِد الوثوق والاطمئنان النوعيّ، إلّا أنّها بمجموعها قد تُفيد العلم، أو على الأقلّ الاطمئنان، بوثاقته، بل بما هو فوق الوثاقة، أي الدرجات العالية منها.
فلو ضممنا قول النجاشيّ والطوسيّ: "كان من خاصّة أمير المؤمنين عليه السلام"، وكذا عبارة: "مشكور"، و"كان جليل القدر خيّراً"، و"من المتقدّمين من سلفنا الصالحين..." وغيرها.
وكذلك وقوعه في إسناد كامل الزيارات، وتفسير عليّ بن إبراهيم، وإن لم نقل بوثاقة جميع مَن ورد في إسنادهما على المبنى فرضاً، ثمّ ضممنا إلى ذلك كلّه ما وصفه به علماء الرجال من أهل السنّة، كقول ابن حبان: "وهو ممّن فُتِنَ بحبّ عليّ عليه السلام"[59]، وتوثيق العجليّ له، بل وابن عديّ، رغم أنّ ذلك على خلاف القاعدة منهم.
وضممنا إلى ذلك أيضاً ما ذُكِرَ له من الأوصاف والأعمال والمواقف: مثل كونه من شرطة الخميس، وكونه راوياً لمقتل سيّد الشهداء عليه السلام، وكونه الراوي لعهد الأشتر عن أمير المؤمنين عليه السلام، وكونه الراوي لوصيّة أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة، وروايته لمجموعة من الأخبار التي تدلّ على مكانته وكمال معرفته، كروايته لخبر أُويس القرنيّ ومبايعته لأمير المؤمنين عليه السلام[60]، ورواية أبي الجارود عنه في قوله: "ألا إنّ سيوفنا على عواتقنا فمَن أُومي إليه "أي مَن أومأ إليه أمير المؤمنين عليه السلام ضربناه بها"[61]، وروايته قضيّة دخول حارث الهمدانيّ على أمير المؤمنين عليه السلام وقوله عليه السلام له: "يا حار همدان مَن يَمُت يرني..."[62].
إذا ضممنا ذلك بعضه إلى بعض، فالظاهر أنّه يُطمأن، من دون شكّ، بوثاقته سواء قلنا: بأنّ الاطمئنان الشخصيّ حجّة، أم قلنا: بأنّ الحجّة هي للاطمئنان النوعيّ أي: حصول الوثوق النوعيّ من المجموع، وإن لم يحصل للشخص نفسه اطمئنان شخصيّ فإنّ العقلاء، بملاحظتهم مجموع ذلك، يحصل لهم الاطمئنان بوثاقته، فحجيّة هذا الظنّ الحاصل من المجموع مستندة إلى بناء العقلاء، كما يمكن إسنادها إلى أنّها نوع استبانة، بل من أظهر مصاديقها "والأشياء كلّها على ذلك حتّى تستبين أو تقوم البيّنة"، كما تشملها آية النبأ، بلحاظ التعليل فيها.
هذه بعض الوجوه، ولعلَّ المتتبّع يجد وجوهاً أُخر يُستفاد منها توثيق الأصبغ.
أمّا علماء رجال السنَّة، فقد ذهب أكثرهم إلى ردِّ روايته ونكارة حديثه[63]، ولم يوثّقه منهم سوى العجليّ الذي قال عنه: "كوفيّ، تابعيّ، ثقة"[64]، وتوسّط في أمره ابن عديّ، فقبل روايته وجعل الإنكار من جهة مَن روى عنه، فقال: "وإذا حدّث عن الأصبغ ثقة، فهو عندي لا بأس بروايته، وإنّما الإنكار من جهة من روى عنه، لأنّ الراوي عنه لعلّه يكون ضعيفاً"[65].
وفي الحقيقة: إنّ الباحث لو فتّش عن سبب مقنع لتضعيف الأصبغ وجرحه، فلن يجد سوى حُبّه لأمير المؤمنين عليه السلام وعشقه له، ونقله لفضائله ومناقبه، وهذا ما صرّح به ابن حبان جهاراً نهاراً، حيث قال: "وهو ممَّن فُتن بحُبّ عليّ، أتى بالطامَّات في الروايات، فاستحقَّ من أجلها الترك"[66].
فقد تبيّن السبب إذن، فلم يكن الأصبغ تاركاً للصلاة، ولا شارباً للخمر، ولا زانياً ولا ولا... وإنّما كان ذنبه الوحيد هو افتتانه بحُبّ أمير المؤمنين عليه السلام، ونقله لما يُغيظ ابن حبان ومَن على شاكلته "فالصواب ما قاله العجليّ، من أنّه ثقة، وأشار إليه إبن عديّ بقوله: لا بأس بروايته. وجعل الإنكار من جهة مَن روى عنه، ولا يلتفت إلى قدح مَن قدح فيه، لأنّ الجرح إنّما يُقدّم على التعديل إذا لم يكن الجرح مستنداً إلى سبب عُلِمَ فساده"[67].
وفاته
نصّ النجاشيّ، ومن بعده الطوسيّ، على أنّ الأصبع قد عمَّر بعد أمير المؤمنين عليه السلام، ولكنّهما لم يُحدِّدا لنا سنة وفاته[68].
ولا يوجد ما نستند إليه في تحديد سنة وفاة الأصبغ عدا أمرين:
أ- ذكْر الذهبيّ له في تاريخه في الطبقة الحادية عشرة، بحسب تقسيمه للطبقات في هذا الكتاب. وقد حصر وفيات هذه الطبقة بين عامي 101،120هـ[69].
ب- وضْع ابن حجر له في تقريب التهذيب في الطبقة الثالثة، كما تقدّم. وقد صرّح في مقدّمة الكتاب بأنّ المعدودين في الطبقة الثالثة إلى آخر الثامنة كلّهم من المتوفَّين بعد المائة الأُولى للهجرة[70].
وفي ضوء ذلك، ذكر الطهرانيّ أنّ وفاته كانت بعد عام مائة للهجرة، وقد أشار إلى ذلك مرّتين: تارة عند ذكره لكتابة الأصبغ عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر[71]، وأُخرى عند ذكره لكتابته وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة[72].
القسم الثاني: مقتل الحسين عليه السلام للأصبغ بن نباتة
يظهر من التتبّع أنّ الأصبغ بن نباتة هو أوّل مَن كتب في مقتل الحسين عليه السلام، وكتابه أسبق كتب المقاتل[73]، بل الظاهر أنّه أوّل مؤرّخي واقعة الطفّ على الإطلاق. فكتابه كان يحوي أقدم مادّة تاريخيّة مسجّلة عن واقعة الطفّ، لأنّه كان معاصراً للواقعة.
الشيخ الطوسيّ وكتاب مقتل الأصبغ
لعلّ المصدر الوحيد الذي أشار إلى وجود كتاب باسم مقتل الحسين عليه السلام للأصبغ بن نباتة هو كتاب الفهرست للشيخ الطوسيّ رحمه الله ت460هـ ـ فبعد أن ذكر أنّ من كتبه عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر، ووصيّته إلى محمّد بن الحنفيّة، قال: "وروى الدوريّ عنه أيضاً مقتل الحسين بن عليّ عليه السلام، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن يوسف الجعفيّ، عن محمّد بن يزيد النخعيّ، عن أحمد بن الحسين، عن أبي الجارود، عن الأصبغ، وذكر الحديث بطوله"[74].
رجال السند الواقعون بين الشيخ والأصبغ
والرواة الظاهرون في سند هذا الحديث ستّة رجال:
1ـ الدوريّ.
2ـ أحمد بن محمّد بن سعيد.
3ـ أحمد بن يوسف الجعفيّ.
4ـ محمّد بن يزيد النخعيّ.
5ـ أحمد بن الحسين.
6ـ أبو الجارود.
والدوريّ أقربهم إلى الشيخ، والشيخ لا يروي عنه مباشرة، بل يروي عنه بوساطة شيخه الحسين بن عبيد الله الغضائريّ، وإنّما لم يصرّح بالوساطة لوضوحها في ذهن المتتبّع لأسانيد الشيخ، وهذه الطريقة تُسمَّى في فنّ الرجال بـ التعليق.
وعلى أساس ذلك، يكون عدد الرجال الواقعين في السند، بين الشيخ والأصبغ، سبعة رجال، سنحاول فيما يلي أن نقف على كلّ واحد منهم والتعريف به تعريفاً مقتضباً، تمهيداً لاستنتاج بعض النتائج التاريخيّة المهمّة التي ترتبط بمقتل الأصبغ.
1ـ الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائريّ
وهو شيخ النجاشيّ، فقد ذكره في الرجال قائلاً: "الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائريّ أبو عبد الله، شيخنا رحمه الله"، ثمّ قال بعد أن ذكر عدداً من كتبه: "أجازنا جميعها وجميع رواياته، عن شيوخه، ومات رحمه الله في نصف صَفر، سنة إحدى عشرة وأربعمائة"[75].
أقول: وقد ثبت في محلّه من علم الرجال وثاقة جميع شيوخ النجاشيّ[76].
وهو من مشايخ الطوسيّ أيضاً، وقد ذكره في رجاله في باب من لم يروِ عنهم عليهم السلام ووصفه بكثير السماع بالرجال، وقال: إنّ له تصانيف ذكرها في الفهرست[77]، ولكنَّ النسخ الموجودة من الفهرست لا تحتوي على ترجمة للغضائريّ، وقد احتمل السيّد الخوئيّ سقوطها منها، وأنّها كانت موجودة في نسخة الأصل، فإنّ جلالة مقام الشيخ تأبى أن يخبر بشيء لا أصل له[78].
أقول: ما ذهب إليه السيّد الخوئيّ من سقوط ترجمة الغضائريّ من الفهرست يحلّ لنا إحدى الإشكاليّات التي ابتُلينا بها في بعض الرجال الذين لم يُتطرّق إليهم في الموسوعات الرجاليّة، أعني إشكاليّة إعراض الأُصول الرجاليّة عن ترجمة عدد كبير من الرواة والشخصيّات العلميّة، إذ من المحتمل أن تكون قد سقطت تراجمهم من النسخ الأصليّة للأُصول، كما سقطت ترجمة الغضائريّ من رجال الشيخ، وفي ضوء هذا الاحتمال لا يكون عدم الترجمة للراوي, بالضرورة, مساوياً للتقليل من شأنه والحطّ من أهمّيّته.
2ـ الدوريّ
هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن جُلّين الدّوريّ. أبو بكر الوّراق 299ـ379هـ، من أهل بغداد[79]، قال فيه النجاشيّ: "كان من أصحابنا، ثقة في حديثه، مسكوناً إلى روايته. لا نعرف له إلّا كتاباً واحداً، في طرق ردّ الشمس..."[80].
3ـ أحمد بن محمّد بن سعيد
وهو المعروف بـابن عُقدة 249ـ 233هـ، وهذا رجل جليل القدر، معظّم عند جميع فرق المسلمين، مشهور بالحفظ، وكان كوفيّاً زيديّاً جاروديّاً بقي على ذلك حتّى مات[81].
قال عنه الطوسيّ في الفهرست: "وأمره في الثقة والجلالة وعِظم الحفظ أشهر مِن أن يُذكر"[82]، وقال النعمانيّ في غيبته: "وهذا الرجل ممَّن لا يُطعن عليه في الثقة، ولا في العِلم بالحديث والرجال الناقلين له"[83].
4ـ أحمد بن يوسف الجعفيّ... - بعد271 هـ [84]
وهو من أهل الكوفة ومن شيوخ ابن عُقدة، وقد ذكر النجاشيّ اسمه ونسبه بشكل مفصّل في ترجمة الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة البطائنيّ قال: "وله (يعني للبطائنيّ) كتاب فضائل القرآن، أخبرناه أحمد بن محمّد بن هارون، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب بن حمزة بن زياد الجعفيّ القصبانيّ، يُعرف بابن الجلا الحلا بعرزم..."[85].
5ـ محمّد بن يزيد النخعيّ
لم يعنون له النجاشيّ، وهو شيخ أحمد بن يوسف، وتلميذ أحمد بن الحسين، كما يبدو من هذا السند، وقد روى عن سيف بن عميرة، كما في ترجمة أبان بن تغلب من رجال النجاشيّ[86]. أما الشيخ الطوسيّ، فقد ذكر عشرة أشخاص بعنوان محمّد بن يزيد، سبعة منهم يمكن تمييز بعضهم من البعض الآخر، كما يمكن تمييزهم من المترجَم له، وذلك من خلال ملاحظة الصفات والأحوال التي ذكرها في تراجمهم[87]، والثلاثة الباقون وإن كان يمكن تمييز أحدهم من الآخر بوضوح، إلّا أنّ كلّ واحد منهم إذا قارنّاه بصاحبنا فإنّنا لا نجد ما يميّزه منه، فسواء اعتمدنا على المؤشّرات اللفظيّة، أو المؤشّرات الخارجيّة لا ينفعنا ذلك. وعليه، فيمكن القول: إنّه مشترك بين هؤلاء الثلاثة[88].
وخلاصة الكلام في محمّد بن يزيد النخعيّ: أنّه مشترك بين مجهول الحال ومهمَليَن.
6ـ أحمد بن الحسين
لا يوجد له ذكر في الرجال، بل ليس له ذكر في غير هذا الموضع على الإطلاق، وقال الأبطحيّ في تهذيب المقال: "وأحمد بن الحسين مشترك بين الضعيف وغيره"[89]، إلّا أنّنا لا نوافقه على ذلك، فإنّ الذين يشتركون مع المترجَم له في اسمه واسم أبيه ممّن عنونت لهم الأُصول الرجاليّة كلّهم معروفون بصفات وأحوال ومؤشّرات خارجيّة، نستبعد معها احتمال الاتحاد بين المترجَم له وكلّ واحد منهم.
فالصحيح ما ذكرناه: من عدم عنونة المترجَم له في كتب الرجال، وأخمّن أنّه كان زيديّاً جاروديّاً من أتباع أبي الجارود، وقد لا يكون له نشاط علميّ سوى نقله لهذا المقتل، ولهذا السبب أعرضوا عن ترجمته.
7ـ أبو الجارود
وهو زياد بن المنذر الهمدانيّ الكوفيّ، وإليه تُنسب الزيديّة الجاروديّة، قال عنه النجاشيّ: "كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد الله عليه السلام، وتغيّر لما خرج زيد رضي الله عنه"[90].
وهذا الذي ذكره النجاشيّ يؤكّده الطوسيّ بقوله: "زياد بن المنذر أبو الجارود الهمدانيّ، الحوفيّ الكوفيّ، تابعيّ زيديّ أعمى، إليه تُنسب الجاروديّة منهم"[91].
فإنّ هذا النصّ الذي نقلناه عن الشيخ وإن لم يُشر إلى إماميّته قبل خروج زيد، ولكنّه يؤكّد على ما ذكره النجاشيّ من اعتناقه لمذهب الزيديّة، ويظهر منهما استمراره على هذا الحال إلى آخر عمره.
وقد أورد الصدوق روايتين تدلّان دلالةً واضحة على رجوع أبي الجارود إلى مذهب الإماميّة في آخر حياته[92].
نتائج مترتّبة على البحث في رجال السند
حينما نتأمّل في سلسلة هذا السند نستنتج الأُمور التالية:
1ـ أنّ هذا المقتل قد كُتب في الكوفة، وأملاه الأصبغ فيها، حيث تلقاه زياد بن المنذر من الأصبغ، وهو من أهل الكوفة، ومن الغريب ألّا يروي هذا المقتل عن الأصبغ غير هذا الرجل، لا سيّما أنّ القاسم بن الأصبغ بن نباتة كان مهتمّاً, على ما يبدو, بموضوع روايات كربلاء كما سنُشير.
2ـ من المرجّح أنّ هذا المقتل قد بقي محبوساً في الكوفة يتوارثه تلاميذ الأصبغ، فمن أبي الجارود إلى أحمد بن الحسين، إلى محمّد بن يزيد النخعيّ، إلى أحمد بن يوسف الجعفيّ الذي كان حيّاً عام271هـ، بمعنى أنّه قد بقي حوالي170عاماً في الكوفة، أي: أربعة أجيال تقريباً.
3ـ أنّ الذي نقل هذا المقتل إلى بغداد هو ابن عُقدة الذي كان زيديّاً جاروديّاً حتّى مات، وهذا ما يجعلنا نرجّح بأنّ الواقعين في السند بين أبي الجارود وابن عُقدة كلّهم من الزيديّة الجاروديّة، ممّا قد يفسّر لنا عدم النقل عن هذا المقتل خلال تلك الفترة، فقد كان هذا المقتل محبوساً في الكوفة عند أتباع أبي الجارود، وهؤلاء بدورهم كانوا مُنشغلين عن نشره بالدفاع عن مذهبهم الذي كان لا يزال فتيّاً في تلك الفترة، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإنّ انتماءهم الفكريّ والمذهبيّ سيكون مانعاً من الاتصال بهم لدى الكثير من المؤرّخين، ممّن يختلف معهم في المذهب.
وعلى أيّة حال، فقد انتقل هذا المقتل إلى بغداد قبل عام333هـ، وهي سنة وفاة ابن عقدة، وقد بقي متداولاً هناك إلى أن وصل إلى يد شيخ الطائفة الطوسيّ ت460هـ.
وكلُّ من قرأ التأريخ يبدو له السبب واضحاً في انتقال هذا المقتل إلى بغداد في هذه الفترة بالذات، ففيها, وتحديداً عام 320هـ, كان مبدأ قيام الدولة البويهيّة الشيعيّة، فكانت لهم السلطة في العراق وبعض بلاد إيران: كفارس، وكرمان، وبلاد الجبل، وهمدان، وأصفهان، والري[93]، وفي هذه الفترة أيضاً أظهر الشيعة ما كان مدفوناً من تراثهم، واستطاعوا أن يُعيدوا الحياة لهذا التراث، وقام العلماء ببذل جهود جبّارة في تنظيم ونشر وترويج فكر أهل البيت عليهم السلام في تلك الفترة.
بقاء مقتل الأصبغ لأكثر من ثلاثة قرون قبل فقدانه
ذكرنا فيما تقدّم أنّ مقتل الأصبغ قد بقي إلى أيّام شيخ الطائفة الطوسيّ ت460هـ، أي: ما يزيد على ثلاثة قرون، وقد بقي حوالي نصف هذه المدّة في الكوفة، منحصراً بين تلامذة أبي الجارود من الزيديّة، ثمّ نقله ابن عُقدة إلى بغداد في بدايات الحكم البويهيّ، ثمّ وصل إلى الدوريّ، فابن الغضائريّ، فالطوسيّ، وربما كانت هناك نسخة من هذا المقتل في المكتبة العامّة التي أنشأها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير، وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، وكانت من دُور العلم المهمّة في بغداد، بناها هذا الوزير الجليل في محلّة بين السورين في الكرخ سنة 381 هـ، على مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون العبّاسيّ.
قال ياقوت الحمويّ: "وبها كانت خزانة الكتب التي أوقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير، وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة، ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها، كانت كلّها بخطوط الأئمّة المعتبرة وأُصولهم المحرّرة"[94].
وعند مجيء طغرل بيك السلجوقيّ أُحرقت هذه المكتبة العظيمة في جملة ما أُحرق من محال الكرخ، ثمّ توسَّعت الفتنة، فدخلوا دار شيخ الطائفة، فأحرقوا كتبه وكرسيّه الذي كان يجلس عليه للتدريس[95].
قال ابن الجوزيّ في حوادث سنة 449 ه: "وفي صَفر هذه السنة كُبست دار أبي جعفر الطوسيّ متكلّم الشيعة في الكرخ، وأُخذ ما وُجِد من دفاتره وكرسيّ يجلس عليه للكلام، وأُخرج إلى الكرخ وأُضيف إليه ثلاث مجانيق بيض، كان الزوّار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إن قصدوا زيارة الكوفة، فأُحرق الجميع"[96]. من هنا، فنحن نرجّح أن مقتل الأصبغ قد أُتلِف فيما أُتلِف في الحملة السلجوقيّة التي تسبّبت بتدمير عدد هائل من الأُصول الشيعيّة، وفي مقدّمتها الأُصول الأربعمائة التي كانت موجودة في هذه المكتبة.
وقد كان الطوسيّ, بعد انتقاله إلى النجف, منهمكاً بإعادة ما يمكن إعادته من هذا التراث التالف. ولا ريب في أنّ الشغل الشاغل له هو التركيز على الجانب العقديّ والفقهيّ من هذا التراث، وسيكون التركيز على الجانب التاريخيّ تركيزاً هامشيّاً، وممّا يدعم ذلك أنّ الطوسيّ نفسه كان له مقتل، كما صرّح بذلك في الفهرست عند ترجمته لنفسه[97]، وقد فُقِد هذا المقتل أيضاً، ولعلّه أيضاً ممّا أُتلف في هذه الحملة، إلّا أنّ الوقت لم يكن يسمح للشيخ الطوسيّ رحمه الله بإعادة كتابته.
هل بقي شيء من مقتل الأصبغ؟
ذكر السيّد محمّد طاهر الياسريّ الحسينيّ روايتين عن القاسم بن الأصبغ، روى إحداهما الطبريّ والأُخرى أبو الفرج، واحتمل كونهما ممّا نقله القاسم عن مقتل والده[98]، فتكون الروايتان, بحسب هذا الاحتمال, هما بقيّة هذا المقتل، وسنورد الروايتين ثمّ نناقش في ذلك:
الرواية الأُولى: روى الطبريّ، عن هشام الكلبيّ، بسنده عن القاسم بن الأصبغ بن نُباتة، قال: "حدّثني مَن شهد الحسين عليه السلام في عسكره أنّ حسيناً حين غُلِب على عسكره ركب المسنّاة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم! حُولوا بينه وبين الماء لا تتام إليه شيعته. قال: وضرب فرسه، واتّبعه النّاس حتّى حالوا بينه وبين الفرات، فقال الحسين: اللهمّ، أظمه. قال: وينتزع الأباني بسهم، فأثبته في حنك الحسين، قال: فانتزع الحسين السهم، ثمّ بسط كفّيه فامتلأت دماً، ثمّ قال الحسين: اللهمّ، إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك. قال: فو الله، إن مكث الرجل إلّا يسيراً حتّى صبّ الله عليه الظمأ، فجعل لا يروى. قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيتني فيمَن يروح عنه والماء يُبرَّد له فيه السكَّر وعساس فيها اللبن، وقلال فيها الماء، وإنّه ليقول: ويلكم! اسقوني، قتلني الظمأ! فيُعطى القلَّة أو العِسّ كان مروّياً أهل البيت فيشربه، فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثمّ يقول: ويلكم! اسقوني، قتلني الظمأ، قال: فو الله، ما لبث إلّا يسيراً حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير"[99].
الرواية الثانية: روى أبو الفرج الأصفهانيّ، عن المدائنيّ، بسنده إلى القاسم بن الأصبغ بن نباتة، قال: "رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً، شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفك! قال: إنّي قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلّا أتاني فيأخذ بتلابيبي، حتّى يأتي جهنّم، فيدفعني فيها، فأصيح، فما يبقى أحد في الحيّ إلّا سمع صياحي. قال: والمقتول العبّاس بن عليّ عليه السلام"[100].
والمتأمّل في سند الروايتين لا يرى وجهاً لما احتمله الحسينيّ، من كون هاتين الروايتين ممّا تبقَّى من آثار مقتل الأصبغ بن نباتة رضوان الله عليه.
أمّا رواية الطبريّ، فهي صريحة في كون منبع الرواية هو أحد الرواة الذين كانوا في الطفّ، وظاهر الرواية أنّ القاسم يروي عن هذا الراوي مباشرة، ولا علاقة لأبيه بالموضوع، لا من قريب ولا من بعيد.
وأمّا رواية المقاتل، فهي أشدّ صراحة في ذلك، حيث ذكر فيها أنّ القاسم هو الراوي المباشر لهذا الخبر.
نعم يمكن أن يقال: إنّ القاسم نفسه كان أحد المصادر التي اغترف منها الأصبغ في مقتله، وحينئذٍ يتّجه هذا الاحتمال، وهو ما يُسمّى عند علماء الدراية بـرواية الأكابر عن الأصاغر224، ولكن هذا الكلام هو بمثابة ارتفاع المانع لا بمنزلة المقتضي، أي: أنّه لا مانع من رواية الوالد عن ولده، وإن كان ذلك نادراً، ولكن وقوع ذلك وتحقّقه بالفعل يحتاج إلى دليل، وهو مفقود في مورد بحثنا.
ومهما يكن، فإنّ في هاتين الروايتين إشارة إلى اهتمام آل الأصبغ بجمع أخبار كربلاء، وملاحقتها من منابعها ومصادرها الأُولى.
نتائج البحث
في نهاية المطاف نأمل أن نكون قد أعطينا هذا الموضوع ما يستحقّه من البحث والدراسة، ونرجو أن تكون هذه السطور قد أضاءت بعض الزوايا المظلمة المرتبطة بالأصبغ ومقتله، وقد كانت أهمّ النتائج التي توصَّلنا إليها في هذه الجولة هي:
أوّلاً: أنّ الأصبغ بن نباتة هو من كبار محدّثي الإماميّة في القرن الأوّل وبدايات القرن الثاني، وقد كان له شرف الريادة والمبادرة إلى الكتابة حول واقعة كربلاء.
ثانياً: أنّ مقتله هو أقدم المقاتل الحسينيّة، وكان يتضمّن أقدم مادّة تاريخيّة حول هذه الواقعة.
ثالثاً: أنّ هذا المقتل قد بقي إلى منتصف القرن الخامس الهجريّ، وقد رجّحنا أنّه قد أُتلِف في الحملة السلجوقيّة التي قضت على الدولة البويهيّة.
رابعاً: أنّنا لم نعثر على منقولات من هذا المقتل في المدوّنات التاريخيّة التي تأخّرت عنه، ممّا يعني أنّ هذا المقتل قد ضاع بشكل نهائيّ.
[1] الشيخ عامر الجابريّ. (مجلة الإصلاح الحسيني, الصادرة عن مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية, التابعة للعتبة الحسينية).
[2] الدارميّ، عبد الله بن الرحمن، سنن الدارميّ: ج1، ص110.
[3] الخطيب البغداديّ، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: ج2، ص280.
[4] نعم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه نهى عن الكتابة، وهي روايات إمّا مقيّدة بزمن معيّن، أو مورد خاصّ، وإمّا أنّها موضوعة ، لوجود روايات كثيرة عنهصلى الله عليه وآله وسلموعن أهل بيته تأمر بالكتابة، ولانتشار كتابة الحديث وسائر العلوم عند كثير من المسلمين كشيعة أهل البيت عليهم السلام.
[5] الطبرانيّ، المعجم الأوسط: ج1، ص259.
[6] الكلينيّ، الكافي: ج1، ص52.
[7] ممّن عنون له بالألف واللام من الشيعة: الطوسيّ في اختيار معرفة الرجال رجال الكشّي: ج1، ص220 برقم164. والنجاشيّ في كتابه رجال النجاشيّ: ص68 برقم5. والطوسيّ في فهرست الطوسيّ: ص58 برقم911. ومعالم العلماء: ص63 برقم38. والبرقيّ في كتابه رجال البرقيّ: ص6. والعلّامة الحلّي في إيضاح الاشتباه: ص80 برقم2، وفي الخلاصة: ص24 برقم9 أيضاً. وابن داود في كتابه رجال ابن داود: ص52 برقم204. والشيخ حسن صاحب المعالم في التحرير الطاووسيّ: ص77 برقم47. والسيّد الخوئيّ في معجم رجال الحديث:ج4، ص132 برقم1517. وأمّا من العامّة فنذكر: ابن سعد في كتابه طبقات ابن سعد: ج6، ص229. وابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة: ج1، ص347 برقم471. والنسائيّ في الضعفاء والمتروكين: ج1، ص156 برقم64. وابن شاهين في تاريخ أسماء الضعفاء والكذّابين: ص82 برقم642.
[8] ممّن عنون له بتعريته من الألف واللام من الشيعة: الطوسيّ في رجال الطوسيّ: ص34 برقم2 عنونه بـدون ألف ولام بخلاف ما فعل في الفهرست، وأحمد بن عبد الرضا البصريّ في فائق المقال في الحديث والرجال: برقم55.
ومن العامّة: البخاريّ في التاريخ الكبير: ج2، ص35 برقم1595. الرازيّ في الجرح والتعديل: ج2، ص319 برقم1213. والعقيليّ في كتابه ضعفاء العقيليّ: ج1، ص129. وابن عدي في كتابه الكامل في الضعفاء: ج1، ص407. وابن حبّان في كتابه المجروحين: ج1، ص173. والمزّي في تهذيب الكمال: ج3، ص308 برقم537. وابن حجر في تهذيب التهذيب: ج1، ص362 برقم658. والذهبيّ في ميزان الاعتدال: ج1، ص271 برقم1014. والعجليّ في الثقات: ص233برقم 113.
[9] اُنظر: ابن سعد، طبقات ابن سعد: ج6، ص247 برقم2232.
[10] اُنظر: المزّي، تهذيب الكمال للمزّي: ج3، ص308 برقم537.
[11] اُنظر: السمعانيّ، أنساب السمعانيّ: ج1، ص478.
[12] اُنظر: السيوطيّ، العرف الورديّ في أخبار المهدي: ص99. والمجلسيّ، بحار الأنوار: ج53، ص35.
[13] اُنظر: ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب: ج1، ص396.
[14] اُنظر: المصدر السابق: ج1، ص484.
[15] اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص164.
[16] ابن دريد، الاشتقاق: ص243.
[17] المنقريّ، وقعة صفّين: ص443.
[18] ابن عساكر، تاريخ ابن عساكر: ج36، ص138.
[19] اُنظر: المصدر السابق: ج30، ص50ـ53. ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة: ج4، ص150.
[20] اُنظر: ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة: ج1، ص347.
[21] المنقريّ، وقعة صفّين: ص443.
[22] اُنظر: الزبيديّ، تاج العروس من جواهر القاموس: ج7، ص286، مادّة شيخ.
[23] اُنظر ـ حول حضوره الجمل ـ: المدنيّ، ضامن بن شدقم، وقعة الجمل: ص46. واُنظر ـ حول حضوره صفّين ـ: المنقريّ، وقعة صفّين: ص604.
[24] المجلسيّ، بحار الأنوار: ج41، ص146.
[25] اُنظر: المصدر السابق: ج22، ص374. وفيه يقول الأصبغ: "كنت مع سلمان الفارسي رحمه الله وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام".
[26] اُنظر: المصدر السابق: ج42، ص193. وفيه يقول الأصبغ: "خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام في الشهر الذي قُتل فيه فقال: أتاكم شهر رمضان وهو سيّد الشهور...".
[27] اُنظر: الطوسيّ، الأمالي: ص123.
[28] اُنظر: المفيد، الاختصاص: ص65.
[29] ابن شهر آشوب، معالم العلماء: ص38.
[30] اُنظر: الأبطحيّ، تهذيب المقال: ج1، ص93 في الهامش.
[31] اُنظر: الطوسيّ، رجال الطوسيّ: ص34ـ65.
[32] اُنظر: ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1، ص107.
[33] اُنظر: الخوئيّ، معجم رجال الحديث: ج4، ص135ـ136.
[34] اُنظر: الخوئيّ، معجم رجال الحديث: ج4، ص135. المزي، تهذيب الكمال: ج3، ص308 برقم537.
[35] الطوسيّ، الفهرست: ص37ـ38.
[36] اُنظر: الجلاليّ، تدوين السنّة الشريفة: ص140.
[37] الصدوق، كمال الدّين وتمام النعمة: ص259ـ260.
[38] النجاشيّ، رجال النجاشيّ: ص68.
[39] المفيد، الاختصاص: ص2.
[40] اُنظر: المصدر السابق: ص2ـ3.
[41] الطوسيّ، اختيار معرفة الرجال رجال الكشّي: ص320.
[42] اُنظر: ابن قتيبة، المعارف: ص624.
[43] ابن سعد، طبقات ابن سعد: ج6، ص247.
[44] ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1، ص113.
[45] العقيليّ، الضعفاء: ج1، ص129.
[46] ابن حبّان، المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين: ج1، ص174.
[47] اُنظر: الخركوشيّ، شرف المصطفى: ج5، ص358.
[48] الكلباسيّ، سماء المقال في علم الرجال: ج2، ص248.
[49] ممّن نصّ على ذلك ـ بالإضافة إلى المفيد في الاختصاص ـ: الطوسيّ، اختيار معرفة الرجال رجال الكشّي: ص320. ابن سعد، طبقات ابن سعد: ج6، ص225. المنقريّ، وقعة صفّين: ص406.
[50] اُنظر: الخوئيّ، معجم رجال الحديث: ج4، ص134.
[51] اُنظر: الغفّاريّ، دراسات في علم الدراية: ص115. قال ـ حول دلالة هذا اللفظ ـ: "وأمّا قولهم: خاصّي، فإن أُريد به ما يراد من قولهم من خاصّة الإمام الفلانيّ عليه السلام، دلّ على المدح المعتدّ به وأفاد الحُسن، وإن أُريد ما قابل قولهم: عامّي كما هو الأظهر، لم يُفد إلّا كونه إماميّاً، وعند الإطلاق يكون الأمر فيه مشتبهاً، وتعين الأخذ منه بالقدر المتيقّن...".
[52] الحلّي، خلاصة الأقوال: ص77.
[53] اُنظر: الداماد، الرواشح السماويّة: ص53.
[54] اُنظر: الصدر، نهاية الدراية: ص399.
[55] البصريّ، أحمد بن عبد الرضا، فائق المقال: برقم155.
[56] الخوئيّ، معجم رجال الحديث: ج4، ص132 برقم1517.
[57] وهذا الوجه سمعته من أُستاذنا سماحة السيّد مرتضى الشيرازي دام ظله في خارج الفقه.
[58] وهذا الوجه أيضاً من إفادات سماحة السيّد الأُستاذ دام ظله.
[59] ابن حبّان، المجروحين: ج1، ص174.
[60] اُنظر: الطوسيّ، اختيار معرفة الرجال رجال الكشّي: ج1، ص315.
[61] المصدر السابق: ص320.
[62] المفيد، آمالي المفيد: ص5ـ6. الطوسيّ، آمالي الطوسيّ: ص626ـ627.
[63] اُنظر: ابن حجر، تهذيب التهذيب: ج1، ص362 برقم658.
[64] العجليّ، ثقات العجليّ: ج1، ص233 برقم233.
[65] ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال: ج1، ص401.
[66] ابن حبّان، المجروحين: ج1، ص174.
[67] الأمين، أعيان الشيعة: ج3، ص466.
[68] اُنظر: النجاشيّ، رجال النجاشيّ: ص8 برقم5. الطوسيّ، الفهرست: ص37 برقم109.
[69] اُنظر: الذهبيّ، تاريخ الإسلام: ج7، ص7ـ28.
[70] اُنظر: ابن حجر، تقريب التهذيب: ج1، ص26
[71] اُنظر: الطهرانيّ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج15، ص362.
[72] المصدر السابق: ج25، ص105.
[73] اُنظر: المصدر السابق: ج22، ص24.
[74] الطوسيّ، الفهرست: ص38.
[75] النجاشيّ، رجال النجاشيّ: ص69 برقم166.
[76] اُنظر: حول ذلك الخوئيّ، معجم رجال الحديث: ج1، ص50.
[77] اُنظر: الطوسيّ، رجال الطوسيّ: ص470 برقم52.
[78] اُنظر: الخوئيّ، معجم رجال الحديث: ج7، ص23.
[79] اُنظر: ـ حول سكناه بغداد وتحديثه بها ـ: الذهبيّ، ميزان الاعتدال: ج1، ص109. ابن حجر، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: ج2، ص510.
[80] النجاشيّ، رجال النجاشيّ: ص85 برقم205.
[81] اُنظر: المصدر السابق: ص94 برقم233.
[82] الطوسيّ، الفهرست: ص28 برقم76.
[83] النعمانيّ، الغيبة: ص25.
[84] يدلّنا على ذلك ما نقله النجاشيّ في رجاله: ص11 في ترجمة أبان بن تغلب، عن أبي الحسن أحمد بن الحسين أنّه قال: "وقع إلي بخطّ أبي العبّاس بن سعيد، قال: حدّثنا أبو الحسين أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفيّ، من كتابه في شوّال سنة إحدى وسبعين ومائتين".
[85] اُنظر: النجاشيّ، رجال النجاشيّ: ص37.
[86] اُنظر: المصدر السابق: ص11.
[87] اُنظر: الطوسيّ، رجال الطوسيّ: ص304 ـ 305 ـ 359 ـ 360 ـ 361.
[88]اُنظر: المصدر السابق: ص304ـ 359ـ361.
[89] الأبطحيّ، تهذيب المقال: ج1، ص196.
[90] النجاشيّ، رجال النجاشيّ: ص170.
[91] الطوسيّ، رجال الطوسيّ: ص122.
[92] اُنظر: الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2، ص52 الحديث 6و7.
[93] اُنظر: السبحانيّ، أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة: ص94.
[94] الحمويّ، معجم البلدان: ج1، ص534.
[95] اُنظر: السبحانيّ، أضواء على عقائد الشيعة الإماميّة: ص56.
[96] ابن الجوزيّ، المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم: ج16، ص17.
[97] اُنظر: الطوسيّ، الفهرست: ص161.
[98] اُنظر: الياسريّ، محمّد طاهر، مقدّمة في مقتل الحسين عليه السلام المبحث الأوّل: مصادر النصّ التاريخيّ النسخة المعتمدة على الموقع الرسميّ له.
[99] الطبريّ، تاريخ الطبريّ: ج5، ص450.
[100] الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين: ص118.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|