أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016
3226
التاريخ: 6-4-2016
3300
التاريخ: 5-4-2016
3131
التاريخ: 5-03-2015
4029
|
بينما كان الإمام عليّ ( عليه السّلام ) يتهيّأ لمواجهة معاوية لمّا أعلن التمرّد على حكومته ورفض بيعته ، وبينما هو جادّ في تدبير الأمر إذ فاجأه الخبر عن هياج بعض أهل مكة للطلب بدم عثمان بتحريض من طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم من الأمويين ، فأشفق من انشقاق الكلمة واختلاف شمل المسلمين ورأى أنّ خطرهم أقوى من خطر معاوية ، وشرّهم أقوى من شرّه ، وإذا لم يبادر لإخماد هذه الفتنة فإنّها يوشك أن تتّسع ويكثر التمرّد والاختلاف ، فتجهّز للتحرك نحوهم ، وشمّرت لنصرته البقية الصالحة من المهاجرين والأنصار ، وخرجوا مسرعين ليلحقوا بهم قبل أن يدخلوا مصرا من الأمصار فيفسدوه ، فلمّا بلغوا الربذة علموا بسبقهم إلى البصرة وبالحوادث التي جرت فيها ، فأقام الإمام ( عليه السّلام ) بالربذة أيّاما يحكّم أمره ، وأرسل إلى جماهير أهل الكوفة يستنجد بهم ويدعوهم إلى نصرته والقيام معه لإخماد نار الفتنة ، وأوفد للقياهم محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر ، وزوّدهما برسالة جاء فيها : « أنّي اخترتكم على الأمصار ، وفزعت إليكم لما حدث ، فكونا لدين اللّه أعوانا وأنصارا ، وأيّدونا وانهضوا إلينا ، فالإصلاح ما نريد لتعود الامّة إخوانا ، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحق ، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وأغمضه »[1].
وعرض الرسولان رسالة الإمام عليّ ( عليه السّلام ) على أبي موسى الأشعريّ وإلي الكوفة ، إلّا أنّهما لم يجدا منه أيّة استجابة ، وإنّما وجداه يثبّط العزائم ويمنع الناس من الاستجابة لنداء الخليفة ، وبرّر عناده قائلا : « واللّه إنّ بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما ، فإن لم يكن بدّ من القتال لا نقاتل أحدا حتى يفرغ من قتلة عثمان . . . »[2].
فأوفد الإمام عليّ ( عليه السّلام ) للقيا الأشعري رسولا ثالثا هو هاشم المرقال ، وزوّده برسالة جاء فيها : « أنّي وجّهت هاشما لينهض بمن قبلك من المسلمين إليّ ، فأشخص الناس ، فإنّي لم اولّك إلّا لتكون من أعواني على الحقّ » .
إلّا أنّ الأشعري أصرّ على تمرّده ، فأرسل هاشم إلى الإمام رسالة يخبره فيها بفشله في مهمّته وإخفاقه في سفارته .
إيفاد الإمام الحسن ( عليه السّلام )
بعد أن عرف الإمام عليّ ( عليه السّلام ) إصرار أبي موسى وعدم إفلاح الرسل معه ؛ بعث إليه ولده الحسن ومعه عمار بن ياسر ، وأرسل معه رسالة فيها عزل أبي موسى عن منصبه وتعيين قرضة بن كعب مكانه ، وهذا نصّ رسالته : « أمّا بعد ، فقد كنت أرى أن تعزب عن هذا الأمر الذي لم يجعل اللّه لك نصيبا منه ، يمنعك عن ردّ أمري وقد بعثت الحسن بن عليّ وعمار بن ياسر يستفزّان الناس ، وبعثت قرضة بن كعب واليا على المصر ، فاعتزل عملنا مذموما مدحورا ، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك »[3].
ووصل الإمام الحسن ( عليه السّلام ) إلى الكوفة فالتأم الناس حوله زمرا ، وهم يعربون له عن انقيادهم وطاعتهم ، ويظهرون له الولاء والإخلاص ، وأعلن الإمام ( عليه السّلام ) عزل الوالي المتمرّد عن منصبه ، وتعيين قرضة محلّه ، ولكنّ أبا موسى بقي مصرّا على موقفه ، فأقبل على عمار بن ياسر يحدّثه في أمر عثمان علّه أن يجد في حديثه فرجة ، فيتّهمه بدم عثمان ليتّخذ من ذلك وسيلة إلى خذلان الناس عن الإمام فقال له :
« يا أبا اليقظان ! أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار ؟ » فأجابه عمّار : « لم أفعل ولم تسؤني » .
وعرف الإمام الحسن ( عليه السّلام ) غايته ، فقطع حبل الجدال ، وقال له : « يا أبا موسى ! لم تثبّط عنّا الناس ؟ » .
وأقبل الإمام يحدّثه برفق ولين لينزع روح الشرّ والعناد عن نفسه قائلا : « يا أبا موسى ! واللّه ما أردنا إلّا الإصلاح ، وليس مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء » .
فقال أبو موسى : صدقت بأبي أنت وأمي ، ولكنّ المستشار مؤتمن .
فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) : « نعم » .
فقال أبو موسى : سمعت رسول اللّه يقول : إنّها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الراكب ، وقد جعلنا اللّه عزّ وجلّ إخوانا ، وحرّم علينا أموالنا ودماءنا ، فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ، وقال عزّ وجل : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93].
فردّ عليه عمّار قائلا : « أنت سمعت هذا من رسول اللّه ؟ » .
قال : أبو موسى : « نعم ، وهذه يدي بما قلت » .
فالتفت عمّار إلى الناس قائلا : « إنّما عنى رسول اللّه بذلك أبا موسى ، فهو قاعد خير من قائم »[4].
وخطب الإمام الحسن ( عليه السّلام ) في الناس قائلا : « أيّها الناس ! قد كان في مسير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ورؤوس العرب ، وقد كان من طلحة والزبير بعد بيعتهما وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم ، وتعلمون أنّ وهن النساء وضعف رأيهنّ إلى التلاشي ، ومن أجل ذلك جعل اللّه الرجال قوّامين على النساء ، وأيم اللّه لو لم ينصره منكم أحد لرجوت أن يكون فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار كفاية ، فانصروا اللّه ينصركم »[5].
وبقي أبو موسى مصرّا على موقفه يثبّط العزائم ، ويدعو الناس إلى القعود وعدم نصرة الإمام ، فعنّفه الإمام الحسن ( عليه السّلام ) قائلا : « اعتزل عملنا أيّها الرجل ، وتنحّ عن منبرنا لا امّ لك » . وقام الإمام ( عليه السّلام ) خطيبا بالناس فقال لهم :
« أيّها الناس ! أجيبوا دعوة أميركم ، وسيروا إلى إخوانكم ، فإنه سيوجد إلى هذا الأمر من ينفر إليه ، واللّه لئن يليه أولو النهى أمثل في العاجل والآجل وخير في العاقبة ، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم ، وأنّ أمير المؤمنين يقول : قد خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما ، وأنّي أذكر اللّه رجلا رعى حقّ اللّه إلّا نفر ، فإن كنت مظلوما أعانني ، وإن كنت ظالما أخذ ، واللّه إنّ طلحة والزبير لأول من بايعني ، وأوّل من غدرا ، فهل استأثرت بمال أو بدّلت حكما ؟ فانفروا وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر »[6].
فأجابه الناس بالسمع والطاعة ، ولكن مالك الأشتر رأى أنّ الأمر لا يتمّ إلّا بإخراج أبي موسى مهان الجانب محطّم الكيان ، فأقبل مع جماعة من قومه فأحاطوا بالقصر ثم أخرجوا الأشعري منه ، وبعد أن استتبّ الأمر للإمام الحسن ( عليه السّلام ) ! أقبل يتحدّث إلى الناس بالخروج للجهاد قائلا : « أيّها الناس ، إنّي غاد ، فمن شاء منكم أن يخرج معي على الظهر ( أي على الدوابّ ) ومن شاء فليخرج في الماء » [7].
واستجابت الجماهير لدعوة الإمام ، فلمّا رأى ذلك قيس بن سعد غمرته الأفراح ، وأنشأ يقول :
جزى اللّه أهل الكوفة اليوم نصرة * أجابوا ولم يأبوا بخذلان من خذل
وقالوا عليّ خير حاف وناعل * رضينا به من ناقضي العهد من بدل
هما أبرزا زوج النبيّ تعمّدا * يسوق بها الحادي المخبّ على جمل[8]
وعجّت الكوفة بالنفير ونزحت منها آلاف كثيرة ، وقد بدا عليهم الرضا والقبول ، وساروا وهم تحت قيادة الإمام الحسن ( عليه السّلام ) ، فانتهوا إلى ذي قار[9] وقد التقوا بالإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) حيث كان مقيما هناك ، فسرّ بنجاح ولده ، وشكر له جهوده ومساعيه .
[1] الطبري : 3 / 393 و 394 .
[2] الطبري : 3 / 393 و 394 .
[3] حياة الإمام الحسن للقرشي : 1 / 434 .
[4] حياة الإمام الحسن للقرشي : 1 / 434 - 435 .
[5]،6،7 حياة الإمام الحسن : 1 / 436 ، 437 ، 438 .
[8] الغدير : 2 / 76 .
[9] ذيقار : ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة يقع بينها وبين واسط . معجم البلدان : 7 / 8 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|