مشكلات المدن

يرتبط نشوء المدن تاريخياً بالعوامل السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية التي تؤثر في تشكيل البيئات الحضرية، إذ يعتقد أن المدن تشكلت بفعل قوى اقتصادية اجتماعية سياسية مشتركة، نتيجة لانتقال الإنسان من الجمع والالتقاط إلى الصيد ثم الزراعة ثم التجميع والتنظيم. فالمدينة بنية معمارية تخضع لعوامل جغرافية في علاقتها بالمحيط، وعوامل اقتصادية بحكم انتمائها لنمط إنتاج معين، وعوامل اجتماعية نتيجة موضعها في النظام الاجتماعي الذي تختص به التشكيلة الاجتماعية المحتوية لها. وتعاني المدينة من مشكلات متعددة بعضها مرتبط بعدم مواءمة تخطيطها مع الظروف المناخية السائدة، وبعضها الآخر مرتبط بالبنية الوظيفية للمدينة ومدى كفاءة الخدمات التي تقدمها مؤسساتها الحضرية إلى ساكنيها.

في الوقت الذي ازداد فيه سكان المدن (*) وتطورت استعمالات الأرض فيها برزت إلى السطح جملة من المشاكل التي أرخت بظلالها على الواقع الاجتماعي لسكان المدن، ومنها المشكلات الديموغرافية و الازدحامات المرورية والتلوث والإسكان ومشاكل التخطيط وتنظيم المدينة، وتفاقمت المشكلات والأزمات وأصبحت معضلات حقيقية تعانيها المدينة. وتختلف حدة هذه المشاكل تبعاً لأحجام المدن وتنوع استعمالات الأرض فيها كما يتضح من الجدول (1) الذي يبين الأحجام السكانية لبعض مدن العالم لعام 2011. ومن الملاحظ أن سكان المدن الصناعية في أي بلد هم أكثر الناس عرضة للإصابة ببعض الأمراض الناتجة عن بعض الغازات السامة مثل الزئبق والكاديوم، كذلك تسبب المياه الملوثة ببعض النفايات المشعة كثيراً من الأمراض الخطيرة، وهذا الوضع المتردي آخذ في الازدياد، مما يؤدي بالطبع إلى مزيد من تردي الوضع البيئي. ولهذا فإنه لابد من مكافحة التلوث، لأنه قد غدا مشكلة خطيرة تهدد الإنسانية بالفناء.

لا شك أن مشكلات المدن بدأت مع بدء تكوين هذه المدن ونموها. غير أن هذه المشكلات لم تتضح معالمها بشكل ملموس إلا في نهاية القرن الثامن عشر، ولم تتخذ أبعاداً مقلقة إلا خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، أو بعبارة أخرى، عندما بدأت الثورة الصناعية وبدأ الانفجار السكاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) أكدت الدراسات أن نصف سكان العالم سوف يسكنون في المدن عام 2008. وبحلول منتصف القرن الحادي والعشرين ستتضاعف الكثافة السكانية في المناطق الحضرية، لترتفع من 4.3 مليار نسمة في عام 2009 إلى 6.4 مليار تقريبا عام2050وعلى النقيض من ذلك سيتضاءل سكان الريف في جميع أنحاء العالم في نفس هذا الإطار الزمني، ومن المتوقع أن يكون كل النمو السكاني تقريبا الذي تشهده المناطق الحضرية من نصيب البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل

World health organization and the WHO centre for) health development and United Nations human settlements programme, (2010), UN-HABITAT, pp.16., p.16)