عناصر الرأي العام- القضية 

يقول " بلومر "  بأن جمهور الرأي العام يتكون بصورة تلقائية - بدون سابق تخطيط - استجابة لوضع محدد ويرتكز وجوده على وجود قضية. والقضية هي التي توجد وضعا لا يمكن التعامل معه من منظار حضارة واحدة من الحضارات العديدة التي تتألف منها المجموعة، ولكن لابد من التعامل معه بقرار جماعي يتم الوصول إليه بالنقاش. وبعض هذه القضايا تبقى معلقة لمدة طويلة لعدم إمكان الاتفاق فيها على رأي غالب .

ويمكن أن يضاف إلى قول " بلومر " بأن القضايا تختلف من حيث درجة الحاجة إلى التعامل معها. فهل هي من الأحداث الهامة ؟ وإلى أي درجة ترتبط بمصلحة الجمهور الذي يعلم لها ؟ فالقضية - في الأصل - ربما تكون مجرد خبر يصل إلى علمنا بواسطة قريب أو صديق ؛ أو بواسطة وسيلة من وسائل الاتصال ومنها الإعلام، مثل هجوم الصرب على دولة البوسنة التي اعترفت الأمم المتحدة باستقلالها.

ومثال ذلك أن تنوي الحكومة رفع رسوم بعض الخدمات الأساسية التي يستفيد منها قطاع كبير من الشعب. وتتوقع حدوث موجة كبيرة من التذمر، فتبث إشاعة حولها للتعرف على الرأي العام، تجاه ذلك القرار، لتحدد في ضوئه الوقت المناسب لإصدار القرار أو لتعديله. ومثاله أيضا المؤسسة الصحفية التي تنوي إدخال أجهزة حديثة ترفع من مستواها الإنتاجي وتقلل - على المدى البعيد - من مصروفاتها ولاسيما فيما يخص بند العمال. وتخشى أن ينتج عن القرار موجة إضرابات حادة قد تكون لها سلبياتها التي تفوق المكاسب من القرار على المدى القريب أو البعيد، فتبث إشاعة حول القرار لتري رد الفعل.

وكما سبقت الاشارة، فإن ظاهرة الرأي العام يتوقع وجودها ما دامت هناك قضية وهناك جمهور يزيد عن الاثنين، وسواء أكانت البيئة الني يوجد فيها الرأي العام بيئة يسود فيها - على وجه التغليب والإجمال - النظام الذي يتحكم فيه مجموعة من الأفراد غير منتخبة أو النظام الذي يعتمد على الانتخابات في اختيار كبار رجال الحكومة وفي اتخاذ القرارات الهامة.

ويلاحظ أن القضية كلما كانت أكثر تعقيدا كلما كثرت الآراء فيها. والقضية تكون عادة واسعة تحتمل آراء عديدة ولكنها لكي تكون جاهزة للنقاش الرسمي لا بد أن تصبح محددة، ويجب أن تكون أكثر تحديدا لتصبح جاهزة للتصويت. فالقضية قد تكون اختيار شخص محدد لمنصب محدد. وربما يخطر مئات الأشخاص في أذهان المواطنين. وقد يرشح أكثر من شخص واحد نفسه عن الحزب الواحد. ولكي تصبح القضية جاهزة على مستوى الحزب الواحد يحتاج الأمر إلى تضييق الخيارات داخل الأحزاب المختلفة. ولكي تصبح القضية جاهزة للتصويت على المستوى القومي فإن الخيارات يجب أن تحدد بحيث لا يترشح أكثر من شخص واحد عن كل حزب.

وحتى في حالة هذه القضية التي تبدو محددة جدا فإن الأمر ليس هذه البساطة.

فالغالب أن المرشح مرتبط بحزب معين والحزب له سياسته العامة ومبادئه التي يلتزم بها وله أنصاره، ومثال ذلك الحزب الديموقراطي (في الولايات المتحدة الأمريكية) وارتباطه باتحادات العمال والدفاع عن الحقوق المدنية، وصراعه مع حزب المحافظين وعلاقة ذلك بالتفرقة العنصرية ... والمرشح قد تكون له شخصية متميزة ارتبطت بقضية محددة مثل ارتباط شخصية أيزنهاور بالانتصارات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية. والقضية قد تكون مرتبطة بقضية أخرى وثالثة ورابعة ... فالانتخابات عملية معقدة جدا كما يقول " قولدينق " وزملاؤه . واتجاهات الناخبين وآرائهم ونواياهم يمكن أن يؤثر فيها عدد كبير من العوامل التي يغلب على معظمها صعوبة التحديد علميا وصعوبة التحليل. ومن هذه العوامل التصورات السياسية المسبقة لدى الأفراد، ودرجة بروز القضية، والتجارب الشخصية العديدة الني تؤثر في طريقة فهم القضية وتفسير ملابساتها. وكلها لا تنمو بين عشية أو ضحاها ولكن على مدى طويل من الزمن.

وعندما نتحدث عن الرأي العام بصفة عامة، لا ينبغي اقصار الحديث على القضايا التي تهم نسبة كبيرة من المواطنين. فقد لا تكون القضية ذات أهمية سوى لمجموعة من الناس يربطهم تنظيم محكم ويتصفون بدرجة عالية من الثقافة والعقلانية في التفكير والنقاش. ومثال ذلك الرأي العام بين هيئة أعضاء التدريس في كلية معينة أو جامعة أو أعضاء مجلس إدارة ...