أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2018
![]()
التاريخ: 9-08-2015
![]()
التاريخ: 20-11-2014
![]()
التاريخ: 9-08-2015
![]() |
إن قال قائل: أ تقولون إنّ اللّه تعالى قضى أعمال العباد وقدّرها؟ أم تقولون إنّها خارجة عن قضائه وقدره؟ إن قلتم بالأوّل ففيه إبطال قولكم في المخلوق، وإن قلتم بالثاني، ففيه مخالفة الامّة.
قلنا: القضاء قد يكون بمعنى الخلق والإتمام
كقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] ، أي خلقهنّ وتمّمهنّ. وقد يكون بمعنى
الإلزام والإيجاب كقوله تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:
23] ، وقد يكون بمعنى الإعلام والإخبار
كقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ
مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] ،
أي أعلمناهم وأخبرناهم.
والقدر قد يكون بمعنى الخلق كقوله تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10] أي خلق فيها أقواتها. وقد يكون بمعنى
الكتابة كقوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] ، أي كتبنا ذلك، قال الشاعر:
وأعلم بأنّ ذا الجلال قد قدر في الصّحف الأولى التي كان سطر
فإن أردت، بأنّه تعالى قضى أعمال
العباد وقرها، انّه أعلم بها الملائكة والرسل وأخبرهم بأنّهم فاعلون لها وكتبها في
اللوح المحفوظ فهي بقضاء اللّه تعالى وقدره بهذا المعنى ولا يخرج بشيء منها من
قضائه وقدره، فقد وافقنا الأمّة فيما تقوله: وان أردت بالقضاء الإيجاب والإلزام،
فاللّه تعالى ما ألزم وما أوجب إلّا الواجبات من أفعال العباد دون المباحات والقبائح.
وإن أردت أنّه أوجدها وفعلها، فمعاذ اللّه أن يوجد الفواحش والكفر والفسوق والعصيان،
سبحانه وتعالى وتقدّس عنها. أمّا الطاعات، فلو أوجدها لما استحقّ فاعلوها ثوابا ولما
كانوا مطيعين للّه تعالى بها.
روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أنّه
قال: «يقول اللّه عزّ وجلّ: من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتّخذ ربّا
سوائي». فلو كان الكفر والفسوق بقضاء اللّه تعالى على معنى أنّه فعلهما لوجب الرضا
بهما. فأجمع المسلمون على أنّه لا يجوز الرضا بمعاصي اللّه تعالى.
وروى الأصبغ بن نباتة: «أنّ شيخا قام إلى
أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن صفين، فقال: أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام،
أكان بقضاء اللّه وقدرة؟
فقال: والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ما
وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا إلّا بقضاء وقدر
فقال الشيخ: عند اللّه تعالى أحتسب عناي ما
أرى لي منّ الأجر شيئا فقال له: مه! أيّها الشّيخ! لقد عظم اللّه أجركم في مسيركم
وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا
إليها مضطرّين.
فقال الشيخ: فكيف والقضاء والقدر ساقانا؟
فقال ويحك! لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا
حتما، لو كان كذلك لبطل الثواب
والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنّهي ولم تأت الائمة من انّه لمذنب ولا محمدة
لمحسن، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء، ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن،
تلك مقالة عبّادة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب، وهم
قدريّة هذه الامّة ومجوسها، إنّ اللّه أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، وكلّف يسيرا، ولم
يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا، ولم يخلق السماوات والأرض
وما بينهما باطلا {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ
النَّارِ} [ص: 27].
فقال الشيخ: فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا
إلّا بهما؟
فقال: هو الأمر من اللّه تعالى والحكم، وتلا
قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } [الإسراء: 23].
فنهض الشيخ مسرورا، وهو يقول:
أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته يوم
النشور من الرحمن رضوانا
أو ضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربّك عنا فيه إحسانا (1)
وقد روي في القضاء والقدر ما يوافق مذهبنا
عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
فروي عن ابن عبّاس، وقد سئل عن القدر أنّه
قال: «الناس فيه على ثلاث منازل، من جعل للعبد في الأمر مشيّة فقد ضادّ اللّه في
أمره، ومن أضاف الى اللّه تعالى ما تبرأ منه وتنزّه عنه فقد افترى على اللّه
افتراء عظيما. ورجل قال: إن رحم فبفضل، وإن عذّب فبعدل، فذلك الذي سلّم اللّه له
دينه ودنياه جميعا ولم يظلّمه في خلقه ولم يجهّله في علمه .
وروي أنّ أبا هر سأل محمّد بن
سيرين عن القدر، فقال: «قد بيّن اللّه سبحانه سبيل الخير وأمر به وبين سبيل الشّرّ
وحذّره» ثمّ قال: «اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير» .
وروي عن الحسن البصري أنّه كان يقول: «لأن
أسقط من السماء إلى الأرض أحبّ إلي من أن أقول: هو مفوّض إليه، ولكنّي أقول: إن
أذنب الرجل فلا يحمل ذنبه على اللّه ولكن يستغفر اللّه منه وينيب إليه» .
وروي عنه أيضا أنّه قال: «الخلق والرزق والموت
والحياة والبلاء والعافية بقدر. فأمّا المعاصي فليست بقدر» .
و روي عن القاسم بن زياد الدمشقيّ أنّه قال:
«كنت في حرس عمر بن عبد العزيز فدخل عليه غيلان، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ أهل
الشّام يزعمون أنّ المعاصي قضاء اللّه وأنّك تقول ذلك. فقال: ويحك يا غيلان! أ ولست
تراني أسمّي مظالم بني مروان ظلما وأردّها؟ أ فتراني أسمّي قضاء اللّه ظلما وأرده؟»
(2) .
فإن قيل: إذا كان الأمر في القضاء والقدر ما
ذكرتموه فمن الذي عناهم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بقوله: «القدريّة مجوس هذه
الأمّة»(3) .
قلنا: عنى، صلّى اللّه عليه وآله، بهذا
القول من يقول في القدر بخلاف الحقّ، لأنّ هذا القول والتشبيه خرجا فخرج الذمّ والتوبيخ
والزجر عن القول بالقدر. وهو، صلى اللّه عليه وآله، لا يذمّ من قال بالحقّ ولا
يزجر عن القول به، فانّما عنى به من قال بخلاف الحقّ في القدر، وهم المجبّرة ...
ومن وجه آخر يتبيّن أنّهم
المعنيّون بهذا القول، وهو الرجوع إلى اللغة وأهلها. وذلك لأنّهم يشتقّون الاسم
لمن نسب نفسه إلى المصدر الذي يشتقّ منه الاسم دون من لم ينسب إلى نفسه ذلك. ألا
ترى أنّ من نسب نفسه إلى القول بالعدل يسمّى عدليّا، وهو بهذه التسمية أولى بمقتضى
اللغة ممّن لم ينسب إلى نفسه القول بالعدل.
و اسم الجبريّة يطلق على من وصف نفسه بأنّه
يقول بالجبر، وهو أولى بهذا الاسم ممّن لا يصف نفسه بذلك. وكذلك فانّ الاسم يشتقّ
من المصدر لمن يلهج بذكره ويردّده ويكثر ذكره. ألا ترى أنّ الخوارج يسمّون محكمة
لمّا لهجت بذكر التحكيم. ولا يجوز أن يقال: انّهم إنّما وصفوا بذلك من حيث كانوا
راضين به، لأنّه لو كان كذلك لكان أصحاب معاوية بهذا الاسم أولى، لأنّهم رضوا
بالتحكيم ولم يسخطوه قطّ، والخوارج بعد الرضا به سخطوه...
إذا تقرّر هذا، فمن المعلوم أنّ المجبّرة هم
الذين يصفون أنفسهم بأنهم يقولون بالقدر، ويضيفون كلّ قليل وكثير وحقّ وباطل وطاعة
ومعصية إلى قدر اللّه، وإن وقعت منهم جناية يعتذرون ويقولون: كان ذلك قضاء اللّه وقدره،
ما أمكننا ردّه، ويلهجون بذكر القدر على ما هو معلوم، فهم القدريّة بحكم هذا
الاشتقاق.
إن قالوا: لو كنّا قدريّة للعلّة التي
ذكرتموها، لوجب أن تكونوا قدريّة، لأنّكم تقولون إنّ اللّه تعالى قدّر أفعال نفسه
وأفعال عباده، بمعنى أنّه كتبها في اللوح المحفوظ.
قلنا: وكلّ مسلم يقول بهذا، فيجب ان يكون
جميع المسلمين قدريّة، فإنّ قالوا: أنتم القدريّة، وذلك لأنّكم تضيفون أفعالكم إلى
قدركم، وتقولون إنّا نقدّر أفعالنا.
قلنا: لو كان القدريّ من أثبت
نفسه مقدّرا، لوجب أن يسمّي اللّه تعالى قدريّا، لأنّه وصف نفسه بذلك، بقوله: فقدر
فيها أقواتها، وكذا وصف غيره في قوله: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر: 18].
وحكي عن بعض رؤساء المجبّرة أنّه قال يوما
لأصحابه: «هل علينا عين؟
فقالوا: لا، فقال: كنّا نسمّي القدريّة
فقلّبناها عليهم وأعاننا السلطان على ذلك فانقلبت».
وما حكيناه- من كلام أمير المؤمنين عليه
السلام في جواب من سأله عن مسيره إلى الشام، وأنّه كان بقضاء وقدر من اللّه- يدلّ
أيضا على أنّ القدريّة هم المجبّرة.
ومما يدلّ على أنّ القدريّة هم المجبّرة
تشبيهه صلّى اللّه عليه وآله، القدريّة بالمجوس، وقد علمنا أنّ المجوس تضيف إلى
اللّه تعالى وإلى إرادته الزنا واللواط ونكاح المحارم من الأمّهات والبنات والأخوات
واستماع المعازف وهذا بعينه مذهب المجبّرة، لأنّهم يقولون: إنّ جميع ذلك بإرادة
اللّه تعالى وقضائه وقدره، وهي خلقه وفعله.
فإن قالوا: مذهبكم يضاهي مذهب المجوس،
لأنّهم ينفون الشرور عن اللّه تعالى. وكذا تفعلون أنتم، فأنتم القدريّة.
قلنا: وما الشّرور التي نفاها المجوس عن
اللّه تعالى؟.
إن قالوا: هي الأمراض والآلام والمصائب والمحن
وخلق المؤذيات من الهوامّ والسباع.
قلنا: نحن لا ننفي عن اللّه تعالى هذه
الأمور، بل نضيفها إليه ونقول إنّه تعالى يفعلها لمصالح متعلّقة بها للمكلّفين.
وإن قالوا: المراد بالشرور هي
القبائح والأفعال التي لو وقعت منه لما كانت حسنة.
قلنا: فأنتم أيضا تنفون عن اللّه تعالى
القبائح بهذا المعنى بل تنفون قدرته عليه بقولكم: إنّه غير منهيّ عن شيء فلا يقبح
منه شيء، فليس هذا شيئا يختصّنا.
فإن قالوا: المراد بالشرور المعاصي.
قلنا: فالمجوس لا تختصّ بهذا المذهب، بل
اليهود والنصارى يشاركانها في هذا المذهب، لأنّ اليهود والنصارى ينفون عن اللّه
تعالى المعاصي.
وروى الحسن، عن حذيفة، عن النبيّ صلى اللّه
عليه وآله أنّه قال: «لعنت القدريّة والمرجئة على لسان سبعين نبيّا. قيل: ومن
القدريّة يا رسول اللّه؟
فقال: قوم يزعمون انّ اللّه سبحانه وتعالى
قدّر عليهم المعاصي وعذّبهم عليها».(4) والمرجئة يزعمون إنّ الإيمان قول بلا عمل.
وعن جابر بن عبد اللّه قال: «يكون في آخر
الزمان قوم يعملون المعاصي، ثمّ يقولون: إنّ اللّه عزّ وجل قدرها علينا. الراد
عليهم كالشاهر سيفه في سبيل اللّه»(5)
وعن الحسن البصريّ «إنّ اللّه تعالى بعث
محمدا، صلّى اللّه عليه وآله إلى العرب، وهم قدريّة مجبّرة، يحملون ذنوبهم على
اللّه. وتصديقه قوله تعالى:
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا
آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28] .
وروى أبو الحسن، عن محمد بن علي المكيّ
بإسناده عن النّبي صلى اللّه عليه وآله «إنّ رجلا قدم عليه من فارس، فقال له عليه
السلام: «أخبرني بأعجب شيء رأيت» قال: رأيت أقواما ينكحون أمّهاتهم وبناتهم وأخواتهم.
وإذا قيل لهم: لم تفعلون؟ قالوا: قضاء اللّه تعالى علينا وقدره. فقال عليه السلام:
سيكون في آخر أمّتي أقوام، يقولون مثل
مقالهم، أولئك مجوس أمّتي».
__________________
(1) شرح نهج البلاغة: ج 18 ص 227 ط. دار إحياء التراث العربي .
(2) الطوائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاوس. ص 344.
(3)
سنن أبي داود: ج 4 ص 222 كتاب السنة باب 16 ح 4691.
( 4) البحار: ج 5 ص 47 ح 73.
( 5) البحار: ج ص 47 ح 75.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|