أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2014
950
التاريخ: 20-11-2014
918
التاريخ: 20-11-2014
613
التاريخ: 20-11-2014
1436
|
اختلف العقلاء في هذه المسألة، فذهب النظّام إلى أن الحيّ المكلّف إنّما هو روح منساب في البدن. وأثبته معمّر جزءا في القلب وابن الإخشيد يثبته جسما منسابا في البدن متدرعا متقمصا به ويقول انّه إذا قطع بعض اطراف البدن، كاليد أو الرجل أو غيرهما، فانّه يتقلّص في الغالب فلا يتلف وربما لم يتقلّص فيتلف، وإذا وسّط البدن أو جزّت رقبته لا يتقلّص فيتلف، وكانّه يقول: لا يمكنه التقلّص عند التوسيط ولا عند جزّ الرقبة.
وعند الفلاسفة المثبتين للنفس أنّ الحيّ العاقل الذي
يحسن ويوافق الحكمة أن يخاطب ويوجّه نحوه التكليف هو النفس، وهي عندهم ليست منطبعة
في البدن ولا حالة في جزء منه، بل وليست هي حالة في جسم ما أصلا ولا موجودة في
جهة. ويقولون إنّها تستعمل البدن بواسطة قوى في البدن يذكرون تفصيلها، فهي الفاعلة
وهي العاقلة ويقولون إنّها لا تموت ولكنّها تفارق البدن عند موت البدن، بمعنى
انّها بعد موته تفرغ من استعماله.
و ذهب أكثر المحققين من المتأخرين المتكلّمين إلى أنّ
الحيّ الفعّال المكلّف من الناس إنّما هو هذه الجملة المبنيّة ببنية بني آدم، وهو
الصحيح.
و الذي يدلّ على صحّته ما قد علمنا من أنّ عند صحّة هذا
البدن واعتدال مزاجه يصحّ أن يدرك الانسان ويقدر ويعلم، وعند فساد اعتدال مزاجه
بالكلية يبطل جميع ذلك على طريقة واحدة، ولا مقتضي لما زاد على اعتدال مزاجه وصحته
ولا دلالة عليه، فوجب نفيه إذ بمثل هذا الطريقة نعلم المؤثّر في الشيء بأن يتبعه
التأثير نفيا وإثباتا، ولا يكون هناك مقتض للزائد عليه. ولو لا صحّة هذه الطريقة
لما علم إضافة مسبّب إلى سبب ولا مضادّة شيء لشيء ما.
وقد نصرنا هذه الطريقة وبسطنا القول فيها، إذا تقرر هذا
فاعتدال مزاج هذا البدن وصحته هو صفة البدن، فإذن الموصوف بهذه الصفة هو الحيّ
القادر المطيع والعاصي.
ونقول للفلاسفة الذين يقولون: «إن النفس ليست منطبعة في
هذا البدن»، إن كانت النفس تستعمل هذا البدن، والبدن آلة لها، لزم أن يضاف أفعال
البدن إلى النفس دون البدن، لأنّ الفعل يضاف إلى الفاعل بالآلة لا الى الآلة، والعقلاء
يعلمون علما ضروريّا، أنّ الفاعل والمدرك والعالم هو هذا البدن، لأنّهم يستحسنون
ذمّه على القبيح من أفعاله ومدحه على الحسن منها.
ولو كان الفاعل غيره وهو آلة له لكان بمنزلة الحجر الذي
يرمي به الإنسان غيره فيوله به، فانّهم لا يستحسنون ذمّ الحجر وإن كان آلة للرامي.
فلمّا استحسنوا ذمّ البدن ومدحه وآمره ونهيه، علمنا أنهم مضطرون إلى العلم بأنّه
الفاعل. وكلّ ما يلزم المجبّرة الذين يضيفون أفعال البدن إلى اللّه تعالى، يلزم
هؤلاء الفلاسفة، فانّهم أيضا مجبّرة وقدريّة، لا فرق بينهم وبين أولئك المجبّرة في
إضافة أفعال البدن إلى غيره.
ونقول لهم: إذا كانت النفس غير منطبعة في البدن، فلم
كانت بأن تستعمل بدنا أولى من أن تستعمل غيره، مع انّ نسبة ذاتها إلى سائر الأبدان
نسبة واحدة، إذ ليست حالّة ولا منطبعة في شيء منها ولا مجاورة من حيث انّ
المجاورة مستحيلة عليها، وإنّما يلزمهم ما ذكرناه لأنّ النفس موجبة عندهم لاستعمال
البدن غير مختارة، بخلاف القادر عندنا.
وقد زعموا أنّ لها تعلّقا ببدن دون بدن وشغفا به دون
غيره ، كالأمّ ترؤف ولدها دون ولد غيرها، قالوا: وذلك التعلّق والشغف سببهما
أنّهما حدثت مع حدوث ذلك البدن وتكوّنه.
فنقول لهم: إنّ سبب رأفة الأمّ بولدها وشفقتها عليه أنّه
مخلوق منها وفيها وهو بعضها، وتره وتربيه، وتعتقد أنّه ينفعها، وشيء من هذا لا
يثبت للنفس مع البدن، فانّها عندكم ليست في مادّة.
وفي الجملة شفقة الأم على الولد من فعل اللّه تعالى
القادر المختار الذي يفعل ما يعلمه مصلحة للعباد ويراه إحسانا إليهم، وهذا ممّا لا
تقولونه. وإن أضفتم تعلّقها ببدن دون بدن إلى موجب آخر، يلزمكم في ذلك الموجب ما
ألزمناكم في النفس وقلنا ولم أوجب ذلك الموجب تعلّقها بذلك البدن، دون بدن آخر، إذ
لا اختصاص لذلك الموجب بإيجاب تعلّق دون تعلّق، ثم ولم لم يوجب ذلك التعلّق لنفس
أخرى، لأنّه لا اختصاص له بنفس دون نفس.
أمّا قولهم: «إنّها حدثت مع حدوث ذلك البدن وتكوّنه»،
فليس ذلك شيئا يوجب الاختصاص والتعلّق ، سيما إذا لم يكن بينهما مجاورة ولا إحساس
أحدهما بصاحبه ألا ترى انّ شخصين من الأشخاص الإنسانيّة قد يولدان في لحظة واحدة ومع
ذلك فانّ أحدهما لا يحبّ الآخر بل ربّما أبغضه ثمّ وقد يتفق تكوّن جنينين وثلاثة وأكثر
في لحظة واحدة : فالنفس الحادثة في تلك اللحظة يجب على مقتضى تعليلكم هذا أنّ
تستعمل جميع تلك الأبدان وأن لا يكون لها من الاختصاص ببعضها ما ليس لها بغيره
منها ، وملزوم هذا أن لا تختلف أفعال تلك الأبدان وان يقع تصرّفهم بحسب قصد وداع
واحد، وخلافه معلوم.
فإن قالوا: تلك الأجنّة وإن تكوّنت في وقت واحد، فإنها
تختلف في أمزجتها، وبسبب اختلاف أمزجتها يختلف استعدادها لقبول أثر النفوس، فكلّ
جنينين انّما يستعدّ لقبول أثر نفس مخصوصة دون غيرها، فيستعمله تلك النفس لا غير.
قلنا: وقد يتفق تساوي أجنّة كثيرة في المزاج والاستعداد
المشار إليهما فيلزم ما ذكرناه.
و قد أوردت على بعضهم هذا الإلزام فالتجأ إلى الاختلاف
في المزاج والاستعداد.
فلمّا قلت له في الجواب: قد يتفق تساوى أجنّة كثيرة في
المزاج والاستعداد وتكوّنها في لحظة واحدة، إذ ليس ذلك بمحال.
قال هذا تقدير محال.
قلت: ولم قلت إنّ هذا محال.
قال: لأنّ وجود مثلين متشابهين في سائر الوجوه بحيث لا
يكون بينهما تباين وتمايز محال، إذ ذلك رفع الاثنينية والتغاير بينهما، وإذا ارتفع
التغاير بطلت المماثلة، لأنّها إنّما تثبت بين شيئين غيرين.
قلت: فمقتضى هذا الذي ذكرته أن يثبت بينهما تباين وتمايز،
وأنا أقول به فأقول إنّهما يتباينان بالمكان، وهذا كاف في التميّز ويشتهيان ويتفقان
في المزاج والاستعداد، فلا يكون محالا.
قال: إذا أقررت بمباينتهما في المكان فكيف يلزم أن لا
يكون للنفس الحادثة معهما من الاختصاص بأحدهما ما ليس لها بالآخر وأن يستعملهما.
قلت: ومباينتها في المكان إنّما كانت نافعة في دفع
الإلزام إذ لو كانت النفس مكانيّة فحينئذ كنت تقول بأن النفس تستعمل البدن الذي في
أقرب الأماكن إلى مكانها والذي يكون في مكانه أولى من أن تستعمل غيره من الأبدان.
فأمّا إذا لم تكن النفس في مكان، لا مستقلا ولا تبعا، فانّ مباينة الأبدان في
المكان لا تنفع في دفع الإلزام.
و بما أوردناه من
الدلالة يبطل قول كلّ من خالف في هذه المسألة من النظّام ومعمّر وابن الإخشيد،
لأنّ هذه الأفعال تابعة لصحّة هذا البدن الظاهر، والإدراك يحصل بأبعاضه وظاهر
بشرته. فلو جاز إضافته إلى شيء فيه للزم أيضا تجويز شيء ثالث في هذا البدن أو في
ذلك الجسم المنساب فيه أو في الجزء الذي في القلب، فلا يثبت إضافتها إلى معيّن، ولزم
أيضا أن يحصل تعلّق لهذه الأفعال بذلك الشيء كتعلّقها بهذا البدن وأن يضاف إليه وفي
ذلك حصول الاستغناء عن الإضافة إلى هذا البدن.
و يخصّ النظّام بأن يقال له: إن أردت بالروح: النفس
المتردّد في تجاويف البدن ومخارفه الذي هو الهواء، فمعلوم أنّ ما يكون بهذه الصفة
يستحيل أن يكون حيّا عالما فاعلا قادرا.
ويقال لابن الاخشيد: هب أنّ الجسم لا يمكنه التقلّص عند
التوسيط وجزّ الرقبة ولكنّه يمكن عند قطع اليد والرجل، إذ قد شاهدنا كثيرا قطعت
أيديهم أو أرجلهم أو أيديهم وأرجلهم معا ولم يهلكوا وبقوا أحياء فلم يتقلّص في بعض
المواضع عند قطع اليد والرجل، ولم يتقلّص في البعض إذ قدر أينا أيضا من هلك عند
قطع اليد أو الرجل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|