أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-25
309
التاريخ: 2023-04-04
1282
التاريخ: 12-10-2021
2226
التاريخ: 12-2-2022
1407
|
(جمال الرجال في عقولهم، وعقول النساء في جمالهن).
تلك هي إحدى الحكم التي ورثناها من أئمة أهل البيت عليهم السلام، فجمال الرجل ليس حتماً بمظهره، وملبسه، وملامح وجهه، ولون بشرته، وطوله، ووزنه..
وإنما جماله بمقدار معرفته، وعلمه، وإبداعاته. فالتقييم الصحيح للرجال لا يأخذ مظاهرهم الجميلة بعين الاعتبار، فكم من أحمق جميل المنظر ليست له قيمة عند أحد؟
وكم ممن ليست في سحنته أية سحنة من الجمال، ولكن الناس يعشقونه ويحبونه نظراً لمواقفه الحكيمة وعلمه الجم. وحتى المرأة فإنها لا تقيم الرجل على أساس مقدار جماله الظاهر.. فكم من النساء تعلقن برجل ليس لكونه جميلاً في المظهر، ولا أنيقاً في الملبس، بل لأنه بطل يحقق إنجازات عظيمة، في مجالات الحياة المختلفة.
من هنا فإن الاهتمام الشديد بالملبس عند الرجل ليس إلا دليلاً على قلة جماله الحقيقي.
وبالطبع فأنا لا أدعو أن يخرج الرجال إلى الشوارع من غير أن يهتموا بما يلبسون، فالله تعالى «يبغض البؤس والتباؤس»(1) كما يقول الحديث الشريف. فالأناقة بقدر معقول مطلوبة للرجل والمرأة على حد سواء «فالله جميل يحب الجمال»(2). و«النظافة من الإيمان»(3) إلا أن الإفراط في الاهتمام بالمظهر على حساب العقل والعلم يؤدي إلى تفريط في الاهتمام بالقضايا العقلية والعلمية، التي هي الأساس في إنسانية الإنسان.
هذا غاندي - الذي يعتبر من عظماء عصره ـ لم يكن ليهتم بمظهره إلا بمقدار ما يستر به بدنه الضعيف. ولم يمنع ذلك من تعلق الملايين به، بل مات الكثيرون منهم دفاعاً عن آرائه، وكان البعض يستهزئ به لتصرفه ذلك، ولكنه لم يكن يرى جمالاً إلا في العقل والإرادة والعزيمة التي كان يتميز بها.
ولدى زيارة غاندي للعاصمة البريطانية، كان الجميع ينتظر ليرى ما سيرتديه الرجل عند لقائه الملك في قصره. وأخيراً ظهر غاندي في القصر الملكي البريطاني، وهو يرتدي لباسه التقليدي البسيط، بينما ظهر الملك جورج الخامس في استقباله وقد لبس حلته الملكية، وعشرات الأوسمة تتدلى منها.
وبعد انتهاء الوليمة التي رتبها الملك لغاندي، سأل أحد الصحفيين محرر الهند عن ثوبه ذاك والفرق بينه وبين بزة الملك؟ فأجاب - والبسمة تعلو شفتيه - : «إن الملك قد لبس تلك الملابس الفخمة نيابة عني وعن نفسه».
وهكذا فإن بساطة غاندي في ملبسه، لم تقلل من جماله وقيمته، كما أن ملابس الملك جورج الخامس لم تزده أبّهة وجلالاً.
ولعله لا يليق بالرجال العظام إلا ملابس بسيطة، لأن الاهتمام الكثير بالملبس دليل خفة العقل، وإهمال التعقل.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: «إنما يُدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لاعقل له)(4).
ويقول الإمام الكاظم عليه السلام: «يا هشام! إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول»(5).
وهكذا فإن العقل هو الأساس، واستثارته هي مهمة الرجال الكبار، وبه يدرك الإنسان منابع الخير ويحصل على الثواب على تدينه.
لقد ذهب موسى بن عمران عليه السلام ذات مرة إلى جزيرة، فرأى فيها راهباً يعبد الله، وعلامات الزهد بادية عليه، فسأله موسى: «منذ كم سنة لك وأنت تعبد الله في هذا المكان»؟
فقال العابد: «منذ مدة طويلة». فأراد موسى عليه السلام أن يعرف ثواب عبادته، فسأل الله عن ذلك، ولما أخبره ربه تعجب من قلة ما يحصل الرجل على الثواب مع تلك العبادة الطويلة.
فسأل ربه عن السبب؟
فأوحى الله تعالى إليه أن: سله عن حاجته لتعرف. وعندما مر موسى عليه السلام على العابد سأله: هل لك من حاجة؟
قال: «نعم، حاجتي أن يُنزل الله حماره إلى هذه الأرض، ليأكل هذا العشب النابت في الصحراء».
فعرف موسى عليه السلام أن الله إنما يثيب العباد على قدر عقولهم.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: «العقل دليل المؤمن»(6).
وقد مدح بعضهم رجلاً أمام الإمام الصادق عليه السلام لعبادته ودينه، فقال له الإمام عليه السلام: كيف عقله؟
قال الراوي: لا أدري.
فقال الإمام عليه السلام: «إن الثواب على قدر العقل»(7).
ويقول النبي صلى الله عليه وآله: «إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها»(8).
أي إن الله عز وجل يثيب بمقدار العقل في العبادات وليس بمقدار حجمها.
***
ثم إن العقل كالنبات يكون واهناً وخمولا عند الولادة، كما النبتة التي تتهاوى عند بدايتها، وهو مثلها بحاجة إلى تغذية، وتغذية العقل بالتفكر، ذلك أن كل إنسان يولد ومعه عقل صغير كما هو الأمر بالنسبة إلى الطفل، فإذا توفرت له تغذية سليمة بالتعليم والتربية والتفكر نما عقله وازدهر، وإلا بقي في حدوده الأولى: مجرد بذرة صغيرة.
فلابد أن تغذي العقل بالتفكير، وتنميه بالتعلم، وتنشطه بالحوار، وتلقحه بالمطالعة.
فالعقل مثل جهاز كمبيوتر عظيم قد وضع الخالق برامجه بحكمة عالية. ويبقى على الإنسان أن يخزن فيه الأفكار الصحيحة، والرؤى الصائبة، والتصورات المعقولة حتى يستفيد منه. وكما أن جهاز الكمبيوتر لا يعطي نتيجة، من دون تغذيته بالمعلومات، كذلك العقل لا يثمر من دون تغذيته بالمعرفة.
والعقل الفطري الذي يولد مع ولادة الإنسان هو الآخر قد لا يستفيد منه صاحبه، لأن فطرته قد تحجبها الحجب المختلفة التي ترين عليها.
فمن يغذي عقله أكثر، يكون بالطبع أفضل من غيره. ومن يترك عقله ولم يغذه، ولم ينهض بفطرته، فهو يميل ذات اليمين وذات الشمال، ويكون القسم الثالث الذي قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام: «الناس ثلاث: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح»(9).
إن الحكيم يهتدي بعقله في معرفة موقعه في هذا العالم، وموقفه الذي لابد أن يتخذه، والطريق الذي لابد أن يسلكه. أما الذي يهمل عقله وفطرته، فهو بمرور الزمن يتخلف عن ركب الإنسانية شاء ذلك أم أبى.
فالعاقل الحكيم هو مثل من يقف على قمة جبل، أما الجاهل المهمل لعقله وفطرته، فهو مثل الذي ينحدر إلى واد سحيق، أما الفطرة فهي مثل جهاز إستقبال عالي التوتر يتفاعل مع كل خير وحق، ولكن قد يصيبه الضعف والخور فيحتاج إلى الشحن من جديد والإيقاظ والصحوة، وذلك لا يتم إلا بالتذكير المستمر، والتفكر الدائم، والاهتمام بالحق.
إن إثارة الفطرة تكون بالتفكير، وإثارة العقل تكون بالتفعيل، فالتفكر منهج ذاتي لزيادة رصيد العقل واتساع مداه، ولذلك فإننا نرى أن العقلاء هم دائموا التفكر، بينما الجهال فهم يهملون ذلك ويعيشون في حالة شرود عقلي، ولا مبالاة فكرية.
وهذه العادة عقبة كبرى في سبيل تقدم الإنسان ونجاحه في مختلف مجالات الحياة. يقول ربنا: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 219].
ويقول: {هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50].
ويمدح المؤمنين قائلاً: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191].
ويطلب من النبي أن يذكر للناس القصص، لكي تكون حافزاً لهم على التفكير، فيقول: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
ويعتبر الله الهدف من إنزال الكتاب هو تذكير الإنسان، وتفعيل عقله، لعله يتفكر. فيقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
ويضرب الله الأمثال في كتابه الكريم لعل الناس يتفكرون فيها، فيقول ربنا: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].
ويقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «رحم الله امرءاً تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر»(10).
ويقول عليه السلام: «إنما البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر»(11).
ويبين كيف أن الإنسان بالتفكير يستطيع أن يرى الأشياء، فيقول: «من تفكر أبصر»(12).
وفي الحقيقة فإن التفكير يركز عمل العقل. ويجمع شتات حواس الانسان ويسلطها على قضية معينة فينفذ معها وينبثق منه طاقات يصعب تصورها، تماماً كما أن أشعة الشمس مهما كانت ضعيفة حين يتم جمعها من خلال عدسة مكبرة وتسلط على نقطة معينة، فإن الحرارة تتضاعف في تلك النقطة حتى تحرق ما تتسلط عليه.
وكما أن تجميع البخار وتركيزه في مكان مغلق، يعطيه قوة دفع هائلة يمكنها تحريك قطار ثقيل يزن الألوف من الأطنان، كذلك الطاقة العقلية في الإنسان، فإنها إذا تركزت على نقطة واحدة انبثقت عنها قدرات هائلة تكاد أن تبصر ما وراء الأشياء.
وكلما كانت النقطة التي يركز الإنسان عليها عقله أهم، كلما إتسعت قدرته على الفهم والإدراك. أما الذي لا يشغل عقله إلا بالتوافه، ولا يوجه حواسه إلا إلى كل ما هو عابر، فهو يبدد قدراته العقلية، ولا ينمي أي شيء في نفسه، وبذلك يصبح بليد الفكر شارد الذهن، وتنكمش قدراته الفكرية وتتضاءل، وكما يقول الشاعر: من لم تفده عِبَر أيامه كان العمى أولى به من الهدى
وهذا ما يفعله كل أبله يندفع بكل ما أوتي من قوة جسدية وراء قطعة من الحلوى، أو لحظة من اللهو. في الوقت الذي يندفع المفكر نحو قضايا كبرى في هذه الحياة. فمن أراد النجاح في هذا الجانب، فعليه أن يكون دائم التفكير في مختلف الأمور، وأن يهتم بعقله.
______________________________
(1) الكافي، ج ٦، ص ٤٤٤، باب كراهية الشهرة.
(2) الكافي، ج ٦، ص ٤٣٨، باب التجمل.
(3) مستدرك الوسائل، ج ١٦، ص ٣١٩، باب ٩٢.
(4) تحف العقول، ص٤٤.
(5) المصدر السابق ص ٣١٥.
(6) الكافي، ج ١، ص ٢٥.
(7) المصدر السابق ص١٢.
(8) بحار الأنوار، ج ٨٤، ص ٢٤٩.
(9) نهج البلاغة، باب قصار الحكم.
(10) نهج البلاغة، خ١٠٣.
(11) المصدر السابق، خ١٥٣.
(12) نهج البلاغة، كتاب رقم ٣١.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|