أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2016
3253
التاريخ: 8-02-2015
3869
التاريخ: 10-4-2016
3294
التاريخ: 9-4-2016
3358
|
حركة عائشة ومسيرها نحو البصرة :
مضت عائشة في خطّتها لإثارة الفتنة والدخول في المواجهة المسلّحة مع الإمام عليّ ( عليه السّلام ) الخليفة الشرعي ، فحشدت أعدادا من الناس يدفعهم الحقد والكراهية للإسلام وللإمام عليّ ( عليه السّلام ) ويحدوهم الطمع بالدنيا ونيل السلطان ، وجهّزهم يعلى بن منية بمستلزمات الحرب من السيوف والإبل التي سرقها من اليمن عندما عزله الإمام عنها ، وقدم عليهم عبد اللّه بن عامر بمال كثير من البصرة سرقه أيضا[1]. وجهّزوا لعائشة جملها المسمّى ( عسكر ) وقد احتفّ بها بنو اميّة وهي تتقدّم أمام الحشد الزاخر متوجّهين نحو البصرة ، تسبقهم كتبهم التي أرسلوها إلى عدد من وجوه البصرة ، يدعونهم فيها للخروج على بيعة الإمام ( عليه السّلام ) بدعوى المطالبة بدم عثمان[2].
وبدرت سمة المكر والخداع - التي تكاد تكون ملازمة لكلّ من ناوأ الإمام عليّا ( عليه السّلام ) - من زعماء الفتنة ، فلمّا خرجوا من مكّة أذّن مروان بن الحكم للصلاة ، ثمّ جاء حتّى وقف على طلحة والزبير محاولا إثارة الوقيعة بين الرجلين وغرس فتنة ليستغلّها إن تمكّن من الأمر ، فقال : على أيّكما اسلّم بالإمرة واؤذّن بالصلاة ، فتنافس أتباع الرجلين كلّ يريد تقديم صاحبه ، فأحسّت عائشة بوقوع التفرقة فأرسلت أن يصلّي بالناس ابن أختها عبد اللّه بن الزبير .
وحين وصل جيش عائشة إلى منطقة « أوطاس » ؛ لقيهم سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة ، وحين علم سعيد بدعوى عائشة « الطلب بدم عثمان » استهزأ ضاحكا وقال : فهؤلاء قتلة عثمان معك يا امّ المؤمنين[3]! .
وروي : أنّ سعيدا قال : أين تذهبون وتتركون ثأركم وراءكم على أعجاز الإبل[4] ؟ ! ، يقصد بذلك طلحة والزبير وعائشة ، ووصل الجيش إلى مكان يقال له :
« الحوأب » فتلقّتهم كلاب الحيّ بنباح وعواء ، فذعرت عائشة وسألت محمد بن طلحة عن المكان فقالت : أيّ ماء هذا ؟ فأجابها : ماء الحوأب يا امّ المؤمنين . .
فهلعت وصرخت : ما أراني إلّا راجعة ، قال : لم ، قالت : سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) يقول لنسائه : كأنّي بإحداكنّ قد نبحها كلاب الحوأب وإيّاك أن تكوني يا حميراء[5]. ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت : ردّوني ، أنا واللّه صاحبة ماء الحوأب ، فأناخوا حولها يوما وليلة ، وجاءها عبد اللّه بن الزبير فحلف لها باللّه أنّه ليس ماء الحوأب ، وأتاها ببيّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك[6]. فكانت أوّل شهادة زور في الإسلام .
مناوشات على مشارف البصرة :
حين شارف جيش عائشة مدينة البصرة ؛ قام عثمان بن حنيف والي الإمام ( عليه السّلام ) على البصرة موضّحا أمر الجيش المتقدم إليهم ، ومحذّرا الناس من الفتنة وبطلان وضلالة موقف زعماء الجيش ، وأعلن المخلصون للإسلام وللإمام ( عليه السّلام ) استعدادهم للدفاع عن الحقّ والشريعة المقدّسة وصدّ الناكثين عن الاستيلاء على البصرة[7].
وفي محاولة من عثمان بن حنيف - الذي يتأسّى بأخلاق الإسلام ويطيع إمامه ( عليه السّلام ) - سعى أن يثني عائشة ومن معها من غيّهم لتجنّب وقوع القتال ، فأرسل إليهم عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي ليحاججوا عائشة ومن معها ببطلان موقفهم ، ولكن محاولات الرجلين باءت بالفشل ، فقد كانت عائشة ومعها طلحة والزبير مصرّين على نيّتهم في إثارة الفتنة وإعلان الحرب[8].
وأقبلت عائشة ومن معها حتى انتهوا إلى « المربد » فدخلوا من أعلاه وخرج إليهم عثمان بن حنيف ومن معه من أهل البصرة ، فتكلّم طلحة والزبير وعائشة يحرّضون الناس على الخروج على بيعة الإمام ( عليه السّلام ) بدعوى الثأر لعثمان ، فاختلف الناس بين معارض ومؤيّد .
وأقبل جارية بن قدامة السعدي لينصح عائشة عسى أن يردّها عن تأجيج الفتنة ، فقال : يا امّ المؤمنين ! واللّه لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون ، عرضة للسلاح ، إنّه قد كان لك من اللّه ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنّه من رأى قتالك ؛ فإنّه يرى قتلك ، لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس[9].
الاقتتال - الهدنة - الغدر :
افتتن الناس بقدوم عائشة على البصرة ، فبين منكر ومؤيّد ومصدّق ومكذّب افترقت جماهير البصرة ، وتأزّم الموقف ، فاصطدم الناس واقتتلوا على فم السكّة ، ولم يحجز بينهم إلّا الليل ، وكان عثمان بن حنيف لا يريد إراقة الدماء ويجنح للسلم وينتظر قدوم الإمام عليّ ( عليه السّلام ) إلى البصرة ، فلمّا عضّت الحرب الطرفين ؛ تنادوا للصلح ، فكتبوا كتابا لعقد هدنة مؤقّتة على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسأل أهلها ، فإن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة ؛ خرج ابن حنيف عن البصرة ، وإلّا خرج عنها طلحة والزبير[10].
وعاد كعب بن مسور رسول الطرفين إلى المدينة بادّعاء أسامة بن زيد أنّ طلحة والزبير بايعا مكرهين ومخالفة أهل المدينة لرأي اسامة فاستغلّها زعماء جيش عائشة ، فهجموا في ليلة ذات رياح ومطر على قصر الإمارة حيث يتواجد عثمان بن حنيف فقتلوا أصحابه وأسروا ونتفوا لحيته ورأسه وحاجبيه ، ولكنّهم خافوا من قتله لأنّ أخاه سهل بن حنيف والي الإمام على المدينة[11].
حركة الإمام ( عليه السّلام ) للقضاء على التمرّد[12]:
حين استلم الإمام عليّ ( عليه السّلام ) زمام الحكم كانت هناك عقبة أمام استقرار الأمن وسيطرة الحكومة الشرعية المركزية ، وهي إعلان معاوية بن أبي سفيان تمرّده على خلافة الإمام ، فشرع ( عليه السّلام ) بالاستعداد العسكري والسياسي لإيقاف التمزّق في كيان الامّة ومنع سفك الدماء .
وما أن أحيط الإمام ( عليه السّلام ) علما بحركة عائشة وطلحة والزبير نحو البصرة وإعلانهم العصيان عدل عمّا كان يخطّط لمعالجة موقف معاوية والشام ، فاتّجه ( عليه السّلام ) نحو البصرة بجيش يضمّ وجوه المهاجرين والأنصار .
وصل الإمام ( عليه السّلام ) إلى منطقة « الربذة » فكتب إلى الأمصار يستمدّ العون ويوضّح الأمر ، كي يتوصّل إلى إخماد نار الفتنة وحصرها في أضيق نطاق ، فأرسل إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر ، فأبى أبو موسى الأشعري الاستجابة للإمام ومارس دور المثبّط عن مناصرة الإمام ( عليه السّلام ) في موقفه ، ثمّ أرسل عبد اللّه بن عباس ولم يتمكّن من إقناع أبي موسى بالانصياع والكفّ عن تثبيط الناس عن نصرة الإمام ، فأرسل ( عليه السّلام ) ولده الحسن وعمار بن ياسر ثمّ تبعهم مالك الأشتر فعزلوا أبا موسى ، وتحرّكت الكوفة بكلّ ثقلها تنصر أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) ، فلحقت به في « ذي قار » .
وفي هذا الأثناء لم يتوقّف الإمام ( عليه السّلام ) في مراسلة طلحة والزبير وإيفاد الرسل إليهم ، عسى أن يعودوا لرشدهم ويدركوا خطورة فتنتهم فيجنّبوا الامّة المصائب والبلايا وسفك الدماء ، فأوفد إلى عائشة زيد بن صوحان وعبد اللّه بن عباس وغيرهما ، فحاوروهم بالحجّة والدليل والعقل حتى أنّ عائشة قالت لابن عباس : لا طاقة لي بحجج عليّ ، فقال ابن عباس : لا طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق[13] ؟ !
آخر النصائح :
أكثر الإمام ( عليه السّلام ) من مراسلة طلحة والزبير بعد أن شارفت قواته على أبواب البصرة ، فخشيت عائشة ومن معها من اقتناع قادتها وجموع الناس معها بحجج الإمام ( عليه السّلام ) ؛ فخرجوا لملاقاته ، فلمّا توقّفوا للقتال أمر الإمام ( عليه السّلام ) مناديا ينادي في أصحابه : لا يرميّن أحد سهما ولا حجرا ولا يطعن برمح حتى اعذر القوم فأتّخذ عليهم الحجّة البالغة[14].
فلم يجد الإمام ( عليه السّلام ) منهم إلّا الإصرار على الحرب ، ثمّ خرج الإمام ( عليه السّلام ) إلى الزبير وطلحة فوقفوا ما بين الصفّين ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) لهما : لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ، إن كنتما أعددتما عند اللّه عذرا فاتّقيا اللّه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، ألم أكن أخاكما في دينكما ؟ تحرّماني دمي واحرّم دمكما فهل من حدث أحلّ لكما دمي ؟
ثمّ قال ( عليه السّلام ) لطلحة : أجئت بعرس رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) تقاتل بها وخبّأت عرسك في البيت ؟ ! أما بايعتني ؟ ثمّ قال ( عليه السّلام ) للزبير : قد كنا نعدّك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء عبد اللّه ففرّق بيننا ، ثمّ قال ( عليه السّلام ) : أتذكر يا زبير يوم مررت مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) في بني غنم ، فنظر إليّ فضحك وضحكت إليه فقلت له : لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال لك رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ليس بمزه - أي : ليس به زهو - لتقاتله وأنت له ظالم ؟ ! قال الزبير :
اللهم نعم .
وروي : أنّ الزبير اعتزل الحرب وقتل بعيدا عن ساحة الحرب بعد أن استعرت الفتنة[15]. كما أنّ طلحة قتله مروان بن الحكم في ساحة المعركة[16].
[1] الإمامة والسياسة : 79 ، والكامل في التأريخ : 3 / 207 .
[2] الإمامة والسياسة : 80 ، الكامل في التأريخ : 3 / 210 .
[3] الإمامة والسياسة : 82 .
[4] الكامل في التأريخ : 3 / 209 .
[5] الإمامة والسياسة : 82 ، وأخرج الحديث أحمد في مسنده : 6 / 521 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 497 .
[6] الإمامة والسياسة : 82 ، مروج الذهب : 2 / 395 .
[7] الإمامة والسياسة : 83 .
[8] تاريخ الطبري : 3 / 479 ط مؤسسة الأعلمي ، والكامل في التأريخ : 3 / 211 .
[9] تأريخ الطبري : 3 / 482 ط مؤسسة الأعلمي ، والكامل في التأريخ : 3 / 213 .
[10] الإمامة والسياسة : 87 ، والطبري : 3 / 483 و 484 ط مؤسسة الأعلمي ، وراجع الكامل في التأريخ : 3 / 215 .
[11] الإمامة والسياسة : 89 ، وتأريخ الطبري : 3 / 484 ط مؤسسة الأعلمي ، ومروج الذهب للمسعودي : 2 / 367 .
[12] الإمامة والسياسة : 74 ، وتأريخ الطبري : 5 / 507 .
[13] الإمامة والسياسة : 90 ، وبحار الأنوار : 32 / 122 .
[14] الإمامة والسياسة : 91 ، ومروج الذهب : 2 / 270 .
[15] الإمامة والسياسة : 91 ، ومروج الذهب 2 / 270 .
[16] الطبقات الكبرى : 3 / 158 ، والإمامة والسياسة : 97 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|