المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



الشباب في خط العلم والمعرفة  
  
2429   09:30 صباحاً   التاريخ: 2-3-2022
المؤلف : حسين أحمد الخشن
الكتاب أو المصدر : مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم
الجزء والصفحة : ص39ــ53
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-12-2021 3744
التاريخ: 2023-04-26 1808
التاريخ: 2023-03-09 1131
التاريخ: 12-10-2021 2776

ان مسؤولية الشباب تكمن في العلم والعمل، وهي مسؤولية جليلة وعظيمة، وإذا أحسن الشباب القيام بها كان ذلك مؤشراً صحياً على تعافي الأمة وسلامتها، صحيح أن العلم والعمل ليسا حكراً على الشباب وحدهم، وإنما هما من مسؤولية الجميع، بيد أن الشباب بما أنهم عنصر القوة في الأمة وسر طاقتها وحيويتها فإذا ساروا في خط العلم والعمل كان ذلك مؤذنا بتقدم الأمة ورقيها، وهذا ما دفع الدول المتمدنة إلى الاهتمام بعنصر الشباب وإيلائهم أهمية خاصة فأنشأت هذه الدول وزارة خاصة باسم وزارة الشباب.

ونحن نخصص هذه الفقرة للحديث عن مسؤولية العلم ودور الشباب في ذلك، ونخصص الفقرة اللاحقة للحديث عن مسؤولية الشباب في العمل، وإليك تفصيل الكلام في الفقرة الأولى:

1ـ العلم واجب إلهي

إن المسؤولية الأساس والأولى التي تقع على عاتق الشباب ـ بما أنهم أمل الأمة ومستقبلها ـ هي مسؤولية الأخذ بأسباب العلم والمعرفة في شتى المجالات، فالمستقبل لا يُبنى إلا بالعلم، وهل تتخلف الأمم إلا عندما يبتعد أبناؤها عن الأخذ بأسباب العلم؟ يقول الإمام الصادق (عليه السلام) فيما روي عنه: "الست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالتين: إما عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرط، فإن فرط ضيع، وإن ضيع أثِم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق"(1).

ومن هنا، فإن على الإنسان المسلم ولا سيما الشاب أن يعيش همّ العلم وقلق المعرفة، ليفكر على الدوام، ليس فقط في إخراج نفسه من ظلمة الجهل، بل وفي كيفية إخراج أمته من هذه الظلمة، وكيف يساهم في تقدمها، لترتقي إلى مستواها اللائق بها كأمة أراد لها الله تعالى أن تكون شاهدة على سائر الأمم قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [ البقرة: 143].

وإن ذلك لن يحصل بالتأكيد إلا إذا قدنا معركة ضد الجهل واعتبرناه أعدى أعدائنا، كما هو كذلك بالفعل، ورد في الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "صديق كل امرء عقله وعدوه جهله"(2)، إن ضريبة الجهل هي التخلف، وهو بيئة حاضنة وملائمة لكل أشكال العنف والإفراط، في الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): "الا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرطاً(3)"، وكذلك فإن ثمرة الجهل ونتيجته هي انتشار العداوة والبغضاء بين الناس، لأن "الناس أعداء ما جهلوا"،(4) وإذا اقترن الجهل بالتدين فتلك المصيبة الكبرى، لأنه سوف يزيد الشخص تشدداً وتزمتاً وعدوانية، وأخطر ما في الأمر أنه سوف يمارس عدوانيته باسم الدين! ولهذا قال علي (عليه السلام): "ما قصم ظهري إلا رجلان: عالم متهتّك وجاهل منتسّك، هذا ينفّر عن حقه بتهتكه وهذا يدعو إلى باطله بنسكه "(5).

وأعتقد أننا لا نبالغ في القول: إن باب العلم هو من أهم الأبواب التي تقود الإنسان إلى الإيمان؛ لأن العالم يدرك ما لا يدركه الجاهل، واحترامه لعلمه سيدفعه إلى البحث والنظر وعدم الوقوف عند ما ورثه عن الآباء والأجداد، وعندما يسرح النظر في آفاق السماوات والأرض، فإنه سيرى الله تعالى في كل آية، صغيرة كانت أو كبيرة، وعندما يتأمل في نظام هذا الكون وأسراره فسيخر خاشعاً لله تعالى، وهذا يعني أنه كلما ازداد الإنسان علما ازداد إيمانا والتزاماً، وكلما ازداد جهلاً ازداد تزمناً وبعداً عن الله سبحانه وتعالى، وفي ضوء هذا، تعرف السر في اعتماد القرآن الكريم على الشواهد والآيات الآفاقية، أكثر من غيرها في استدلاله على وجود الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}  [فصلت: 53].

٢- العلم وتنمية العقل

وعندما نتحدث عن العلم، فلا يمكننا أن نُغفل الحديث عن العقل، باعتباره مصدر المعرفة الأساسي ووسيلة الإبداع، وهو دليل الإنسان ومرشده إلى ربه وخالفه، كما هو وسيلة اكتشاف الكون، والمفروض بالإنسان أن يبقى عقله على الدوام يقظاً متحركاً، لأن سكون العقل يعني سكون الحياة، ومن هنا تعرف لماذا استعاد على طلب من سبات العقل كما يستعيد المؤمن من شر الشيطان الرجيم، يقول (عليه السلام): نعوذ بالله من سُبات العقل وقيح الزلل (6).

 وما يريده الإسلام للشاب أن يعمل دائماً على تنمية عقله وتغذيته بكل جديد نافع، ولا سيما أن عقل الشاب هو بطبيعته عقل متحفز للمعرفة، ومتطلع إلى الحقيقة، وعلى الشاب أن لا يكون من الذين يؤجرون عقولهم للآخر ليفكر عنهم، أو من الذين تتحكم بهم عواطفهم وانفعالاتهم، فيميلون مع كل ريح، ويتساقون مع كل (موضة) جديدة؛ إن عقولنا أمانة الله عندنا، ولا يجوز لنا أن نبدد هذه النعمة، ففي الحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام): "قل خيراً وأبلغ خيراً ولا تكن إمعة، قال: وما الامعة؟ قال: تقول: أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس، إن رسول الله (ص) قال: يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من تجد الخير"(7).

وعلينا أن نعلم أن سبباً أساسياً لدخول أهل النار في النار، هو في أنهم لم يحركوا عقولهـم وتفكيرهم، بـل ركنوا إلى تقليد الآباء والأجداد، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].

إن على الشاب أن يعي جيداً أن قوة الإنسان ليست فقط في عضلاته، بل هي قبل كل شيء في عقله، وأن إيمانه ـ أيضاً ـ هو على قدر عقله، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قلت له: "فلان في عبادته ودينه وفضله، فقال: كيف عقله؟ قلت: لا أدري، فقال: إن الثواب على قدر العقل، إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر، خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء، ملكاً من الملائكة مر به فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا فأراه الله تعالى ذلك فاستقله الملك، فأوحى الله إليه أن اصحبه، فأتاء الملك في صورة إنسي فقال (أي العابد) له: من أنت ؟ قال: أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك، فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك: إن مكانك لنزه وما يصلح إلا للعبادة، فقال له العابد: إن لمكاننا هذا عيباً، فقال له وما هو؟ قال: ليس لربنا بهيمة، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع، فإن هذا الحشيش يضيع، فقال له الملك: وما لربك حمار ؟ فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش، فأوحى الله إلى الملك: إنما أثيبه على قدر عقله!"(8).

والروايات المؤكدة على أهمية العقل وامتداح الإسلام له كثيرة جدا وتحتاج إلى كتاب مستقل لإحصائها.

الطيران بجناحين

أيها الشباب.. إن الإنسان إنما تأهل ليكون خليفة الله على الأرض لأنه يمتلك عقلاً، ومتى تجمد العقل أو كف عن الحراك أو حوصر بالأغلال والأهواء سقط الإنسان وأخلد إلى الأرض.. وإن مهمة العقل هي أن يطرح الأسئلة ويجد الأجوبة والحلول لها، وأن يدرس التجربة الإنسانية بكل أبعادها ويضعها على مشرحة البحث، أين تقدمت وأين تعثرت؟ وأين تخلقت وتأخرت؟ ولماذا؟ إن العقل لا يفترض به أن ينهمك في تبرير ما هو كائن بل عليه التبصر فيما ينبغي أن يكون.

وقلق المعرفة هذا هو الذي يصنع المثقف الحقيقي، فالثقافة ليست جمع معلومات وحشو الدماغ بها، وإنما الثقافة منهج في التفكير واكتساب مهارات تمكن من تنسيق المعلومات والبناء عليها في عملية التغيير وفي التقدم نحو الأفضل.

لقد ابتليت الإنسانية بعقلين على طرفي نقيض:

1- عقل غيبي (عرف به أهل الشرق) أوغل في التجريد والجمود على المعنويات، والبحث حصراً في أمر المعاد، وابتعد عن التفكير في شؤون المعاش.

2ـ وعقل آخر مادي بحت (عرف به أهل الغرب) أوغل في العمل لأجل تحقيق الوسائل، وابتعد عن التفكير في الغايات والأهداف. إن عقل الإنسان في الغرب شغله سؤال (كيف؟) ولا يعنيه سؤال: (لماذا؟)، إنه يفكر على الشكل التالي: كيف أكون قوياً؟ كيف أستطيع السيطرة على العالم؟ كيف أبلغ الذروة العلمية؟ كيف أحقق الرفاهية؟ ولكنه لا يسأل نفسه: لماذا؟ وما هي الغاية من القوة؟ وما هو هدف الرفاهية؟ وماذا بعد كل هذا الجاه؟

وأعتقد أن هذين العقلين إذا انفكا وانفصلا فستكون البشرية أمام مشكلة حقيقية، لأنهما كجناحي طائر لا يستطيع الإنسان أن يتقدم ويصل إلى السعادة المنشودة إلا بهما.

وإن المتأمل في النصوص القرآنية يجدها قد أكدت بشكل واضح لا لبس فيه على أهمية هذين الجناحين وضرورتهما معا لنجاح الإنسان في مهمة إعمار الأرض التي أوكل بها، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]. والعمران المطلوب هو عمرانها المعنوي والمادي، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77]، إن هذين الجناحين يجمعان الخير كله، خير الدنيا والآخرة، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) كلمة هي من جوامع كلماته: "إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة"(9).

والتجربة الإسلامية التاريخية قد أوضحت وأكدت بشكل جلي أن المسلمين عندما طاروا بهذين الجناحين حلقوا في العالم بأجمعه وتقدموا وأصبحوا حاجة للأمم جميعاً، فقد (عَرَفَ روادُ الإسلام الأوائل بفضل انفتاحهم الفكري هذا، الذي دعا إليه القرآن في كل صفحة من صفحاته، كيف يترجمون ويفهمون ويتمثلون أرفع المساهمات العلمية للهند وبيزنطة وفارس، من الرياضيات إلى الطب، وعرفوا أيضاً كيف يعيدون التفكير فيها بهدف إعطائها معنى جديداً انطلاقاً من معتقداتهم الإسلامية، فلم يصبحوا بذلك مجرد نقلة لمجمل العلم القديم، بل خلاقين لثقافة جديدة جعلتهم معلمي العالم لعدة قرون) (10).

وأما عندما غلب على المسلمين العقل التجريدي الغيبي الذي فهم الزهد في الدنيا بطريقة خاطئة ما جعلهم يعزفون عن علوم الحياة ولا يعيرونها أهمية، بل ربما اعتبر بعضهم أن الانشغال في علوم الحياة غير مناسب للأشخاص الربانيين والإلهتين، لدرجة لاحظنا معها أن صدر المتألهين الشيرازي يعيب على ابن سينا اشتغاله بالطبيعيات، ويُرجع ما يراه أخطاءً عند الأخير في الإلهيات إلى صرف وقته في العلوم الطبيعية أكثر من صرفه في الإلهيات(11)، إن اختلال النظرة المتوازنة إلى الدنيا والآخرة وإلى الروح والمادة أورثت المسلمين فائضاً من الزهد غير المبرر، وهو ما دفعهم إلى أحضان التخلف وجعلهم يتأخرون عن ركب التطور العلمي، ويحضرني هنا نص لأحد علماء المسلمين وهو الشيخ محمد القرشي المعروف بابن الأخوة المتوفى عام 729هـ في كتابه "معالم القربة في أحكام الحسبة» حيث يتحدث عن عزوف المسلمين عن علم الطب مع أنه من فروض الكفاية، بل لم يجد في مرحلته الزمنية تلك طبيباً في بلاد المسلمين إلا وهو من اهل الكتاب! ويضيف: (ولا ترى أحدا يشتغل به (علم الطب) ويتهافتون (يقصد طلاب العلم المسلمين) على علم الفقه، ولا سيما الخلافيات والجدليات، والبلد مشحون من الفقهاء ممن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع، فليت شعري كيف يرخص الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة (يقصد علم الفقه) وإهمال ما لا قائم به!) ويقصد علم الطلب، وبعد أن يطرح سؤالاً عن سبب إهمال علم الطب، فإنه يقدم جواباً صريحاً عن ذلك، مفاده أن علم الطلب لا يشكل وسيلة للسلطة، وفحوى كلامه أن علم الفقه قد أصبح آلة للدنيا ووسيلة للسلطة! يقول: (هل لهذا سبب؟ إلا أن الطب ليس يتيسر التوصل به إلى تولي القضاء والحكومة والتقدم به على الأقران، والتسلط به على الأعداء)(12).

3- الشباب وثقافة السؤال

ولا يسعنا المرور على قضية العلم دون أن نتوقف عند واحد من أهم مفاتيح المعرفة الإنسانية، وأعظم مدخل للعلم وسبيل التطور، ألا وهو السؤال. والسؤال ينطلق من حالة فطرية، وهي فطرة حب المعرفة والاستطلاع والاكتشاف لدى الإنسان، وأكثر ما نجد هذه الغريزة أو الفطرة لدى الطفل الصغير، حيث نراه يسأل عن كل ما يجهله مما تراه عيناه، ولولا هذه الفطرة لديه لما تعرف على الأشياء ولما نما عقله ولا تراكمت معرفته، والملاحظ أن هذه الفطرة تستمر بوتيرة معينة إلى مرحلة الشباب الأولى، ثم إنه وبصرف النظر عن الدافع الفطري نحو السؤال، فإن السؤال بما أنه جسر العبور من ظلمة الجهل إلى نور العلم يكون ضرورياً لكل إنسان.

ولهذا فلا يصح للشاب أو غيره أن يعزف عن السؤال، أو يخجل من طرحه أو يشعر بالحرج من أن يقال له: إنك جاهل، فقد ورد في الحديث الشريف: (دواء العي السؤال)(13)، والعي بمعنى: التحير والجهل، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (العلم خزائن ومفاتحه السؤال، فاسألوا رحمكم الله فإنه يؤجر أربعة: السائل والمتكلم والمستمع والمجيب له)(14).

وفي الوقت الذي نؤكد على ضرورة السؤال، فلا بد أن تملك ثقافة السؤال لنعرف كيف نسأل؟ وماذا نسأل؟ ومن نسأل؟

1ـ من نسأل؟

ولنبدأ بالإجابة عن النقطة الأخيرة (من نسأل؟)، ونترك الإجابة للقرآن الكريم، قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهذه الآية كما أمرت بالسؤال، فإنها حددت لنا من نسأل، إذ ليس كل شخص يُسأل، وإنما علينا أن نسأل (أهل الذكر)، وأهل الذكر هم أهل الاطلاع والمعرفة، ولئن كان بعض المفسرين ذكر أن المراد بأهل الذكر في الآية (أهل الكتاب) بملاحظة سباق الآية، أو أن المراد بهم أهل البيت (عليهم السلام) فقد ورد في بعض روايات الأئمة (عليهم السلام): "نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون"(15)، بيد أن ذلك لا يمنع من التمسك بعموم لفظ الآية، لكل من يملك علماً ومعرفة، ويملك تقوى تحجزه عن القول بغير علم، أو الإفتاء تبعاً للهوى، ويلاحظ أن الآية قد وصفت المسؤولين (من يتوجه إليهم السؤال) بأهل الذكر، وأهل الذكر هم أهل العلم والورع، وقد سأل الحواريون عيسى بن مريم: من نجالس؟ قال: "من يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقُه ويُرغبكم في الآخرة عَمَلُه"(16).

ومن هنا، كان السؤال مسؤولية، وكان الاستماع أيضاً مسؤولية، ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): "من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان"(17).

ب - كيف نسال؟

وكما عليك أن تحدد من هو الشخص المسؤول، فإن عليك أن تُحسن طرح السؤال، لتعرف ما تسأل؟ وما لا تسأل؟ ولا شك أن حسن السؤال له دور كبير في وصولك إلى مرادك، بينما إذا لم تحسن السؤال فإنك قد تَتعَبُ كثيراً وتُتعِبُ المسؤول منه، ولذا ورد في الحديث عن رسول الله  (صلى الله عليه وآله): "احسن السؤال نصف العلم"(18).

وإن حسن السؤال ضروري، سواء سألت الله تعالى وطلبت إليه أمراً ما أم سألت العبد، فإن من لا يعرف ماذا يسأل قد يُضيّع عليه الفرص، أسمعتم بقصة(19) ذلك الشخص الذي ألهم في ليلة القدر أن الله تعالى قد استجاب لك ثلاثة أدعية، فاسأل ما يحلو لك؟ أتدرون ماذا فعل؟ لقد ضيّع هذه الفرصة الذهبية، كيف؟ أخبر زوجته بالأمر، فقالت له بإلحاح: أريد منك دعاء واحداً من الأدعية الثلاثة، قال: وما هو طلبك؟ قالت: طلبي أن يجعلني الله أجمل امرأة في الدنيا، ففعل الرجل ودعا لزوجته واستجيب دعاؤه، فلما صارت زوجته أجمل امرأة أخذت تتكبر عليه بسبب ما رأته من جمالها، فغضب الرجل وانزعج لسوء تصرفها، فدعا الله تعالى بأن يجعلها أقبح امرأة في الدنيا، وبذلك ضاع منه دعاء آخر على شيء تافه، وبقي لديه دعاء واحد فماذا حصل؟ لما رأى أولاد المرأة أمهم على هذه الحالة القبيحة قالوا لأبيهم: هذه أمنا وإننا تكره رؤيتها على هذه الحال، وقد أصابنا العار مما جرى لها، فادع الله أن يعيدها إلى سيرتها الأولى، وأمام إلحاح الأولاد استجاب الرجل لهم، فطلب من الله تعالى أن يعيدها إلى حالتها السابقة، فاستجيب طلبه، وهكذا ضيع الدعاء الثالث أيضاً، وأضاع الفرصة الذهبية التي لا تعوض! والكثيرون منا يضيعون فرصاً لا تعوض.

وإذا كان هذا الرجل لم يحسن سؤال الله تعالى، فإن الكثيرين منا لا يحسنون سؤال أهل الذكر أيضاً، كما كان يحصل مع ذاك الرجل الإلهي العظيم عنيت به علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والذي كان لديه مخزون من العلم الإلهي إلى الحد الذي يدفعه للقول: "سلوني قبل أن تفقدوني"، يقول سعيد بن المسيب: "ما كان في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب"(20)، وكانت المأساة أنه وبدل أن يغتنم معاصروه هذه الفرصة، ليسألوه أسئلة تنفعهم وتنفع الإنسانية جمعاء، أسئلة تغني الحياة بالفكر والروح والمعنى، إذا ببعضم ـ على ما يذكر ـ يتوجه إليه بأسئلة تافهة، كأن يقوم بعضهم ويسأله كم شعرة في رأسي! وهنا كانت مأساة علي (عليه السلام) وغربته الحقيقية، لأنه لم يجد من يفهمه ومن يعي مشروعه ويحمل علمه، ولذا كان يقول بحسرة وألم: "إن ههنا (ويشير إلى صدره) لعلماً جما لو أصبت له حَمَلَة، بل أصبت لقنا غير مأمون عليه ..."(21).

ج ـ ماذا نسأل؟ وماذا لا نسأل؟

سل عما ينفعك في دينك ودنياك وآخرتك، وما يثري عقلك وروحك، ويغني تجربتك، سل عما يدخل في نطاق مسؤوليتك، وما سوف تُسأل عنه يوم القيامة يوم ينادي المنادي: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: ٢٤]، ولكن ما الذي سوف نُسأل عنه يوم القيامة يا ترى؟

هذا ما أجاب الله تعالى عنه في قوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر 8]، والنعيم هو كل ما أولاك الله من صحة أو من قوة أو شباب أو مال، وقد حدد لنا الحديث النبوي الشريف بعضاً من نعم الله تعالى التي سوف تسأل عنها يوم القيامة، قال (صلى الله عليه وآله) ـ بحسب ما جاء في الرواية -: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت (عليهم السلام)"(22).

 أما ما كان من مسؤولية غيرك فلا تتكلف السؤال عنه والبحث فيه، ففي ذلك مضيعة للوقت دون جدوى، قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134].

وفي المقابل، فثمة أسئلة علينا تجنب طرحها، إما لأنها تتعلق بقضايا غير ذات فائدة، أو لأنها أسئلة وطلبات عن أمور مستحيلة فلا جدوى من طرحها، وإليك بعض نماذج الأسئلة التي ينبغي اجتنابها:

أولاً: السؤال عما لا يقع في نطاق مسؤوليتك الدينية والإيمانية، ولا في نطاق شؤونك الدنيوية، ولا يكون في معرفة هذا الشيء أي فائدة تذكر، كالكثير من الأسئلة التي يطرحها بعض الناس، فقد يسألك البعض ما هو اسم والدة أو جدة النبي لوط (عليه السلام)؟! أو ما جنس الهدهد الذي كان مع سليمان (عليه السلام) هل هو ذكر أم أنثى؟ أو نظائر ذلك من الأسئلة التي لا تنفع مَن علمها ولا تضر مَن جهلها.

ثانياً: السؤال على نحو تعنتي، وقد وجه أحدهم وهو ابن أبي الكوّا سؤالا تعجيزياً لأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له علي (عليه السلام): "سل تفقهاً ولا تسل تعنتاً، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعسّف شبيه بالجاهل"(23).

ومن أبرز الأمثلة على السؤال التعنتي، ما جاء في أسئلة بني إسرائيل بشأن البقرة التي أمروا بذبحها، قال تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 69 - 71].

ومن ذلك أيضاً سؤالهم ـ أعني بني إسرائيل ـ لموسى (عليه السلام) وطلبهم منه أن يروا الله جهرة، قال تعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153].

ونحوه السؤال الذي وجهه بعضهم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام): «هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ فقال: "ان الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون"(24).

 ثالثاً: السؤال عن القضايا التي يكون في كشفها محذور ما، كما لو كانت الإجابة عليها تتطلب كشف عورات الناس وفضح عيوبهم وأسرارهم، أو إحراجهم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101].

د ـ القرآن وترشيد الأسئلة

ويلاحظ أن ظاهرة السؤال منتشرة في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: ٢٢٠]، وقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩] وقال عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ..} [البقرة: ۲۱۷]، إلى غير ذلك من الموارد.

ونلاحظ ـ أيضاً ـ أن القرآن الكريم، وفي أكثر من مورد قد عمل على ترشيد الأسئلة الخاطئة أو غير المفيدة التي كانت توجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بذلك طريقة طرح السؤال وأن تكون أسئلتنا نافعة ومفيدة، وإليك مثالان على، ليعلمنا ذلك:

المثال الأول: سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن ظاهرة الشهر القمري، لماذا يبدأ هلالاً، ثم يكبر إلى أن يصبح بدراً ثم يبدأ العد العكسي؟(25)، فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... } [البقرة: ١٨٩]، فقد ركزت الآية المباركة في الإجابة عن سؤالهم على بيان فائدة وثمرة هذه الوضعيات المختلفة للقمر، وتجاهلت سؤالهم عن الظاهرة التكوينية التي قد لا تكون بمستوى فهمهم تلك المرحلة.

المثال الثاني: وسألوه (صلى الله عليه وآله) ماذا ينفقون؟ فأجابهم الله جواباً تم التركيز فيه على مصرف الإنفاق، ومر سبحانه مرور الكرام على نوعية النفقة المسؤول عنها؛ لأن ما ينبغي إنفاقه معلوم، وهو كل ما ينفع الفقير والمجتمع، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، فنلاحظ أنه بينما كان سؤالهم متجهاً إلى معرفة نوعية النفقة (ماذا ينفقون؟)، فإن الجواب جاء ليركز على أمر آخر، وهو مصارف الإنفاق وموارده، فعدد لهم أصناف الناس التي ينبغي أو يلزم الإنفاق عليها، مع إشارة عابرة إلى نوعية النفقة، وقد جاءت بشكل عرضي في قوله: {ما أنفقتم من خير}.

______________________________

(1) أمالي الطوسي ص303.

(2) المحاسن البرقي ج 1ص 194، والكافي ج 1 ص 11، وعلل الشرائع للصدوق ج۱ ص 101.

(3) نهج البلاغة ج 4 ص 15.

(4) المصدر السابق ص 42.

(5) عيون الحكم والمواعظ في 479.

(6) نهج البلاغة ج 2 ص218

(7) آمالي المفيد ص 211 وروى المقطع الأول منه في معاني الأخبار ص 266 وأما في مصادر السنة فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) "لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا" انظر: سنن الترمذي ج 3 من 246.

(8)  الكافي ج 1 ص 12، وأمالي الصدوق من 504.

(9) الأمالي للشيخ الطوسي من 583. وكنز العمال ج 3 ص 114، وتاريخ الطبري ج 2 ص 63.

(10) غارودي، روجيه، الإسلام الحي، ترجمة: دلال بواب ضاهر، ومحمد كامل ضاهر، دار البیروني، بيروت - لبنان الطبعة الأولى، 1995، ص 86.

(11) انظر: نص صدر المتألهين في كتابه: (الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية) دار إحياء التراث العربي، بيروت ط 2، 1981، ج9، ص 199. ولاحظ التوسعة حول هذا الموضوع ما ذكرناه في كتاب أصول الاجتهاد الكلامي (دراسة في المنهج) ص 58.

(12) ابن الأخوة، محمد بن محمد بن أحمد القرشي (648 هـ - 729هـ) معالم القربة في أحكام الحسبة، تحقيق: محمد محمود شعبان، وصديق أحمد عيسى المطبعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، القاهرة 1976 م ص 254.

(13) الكافي ج1 من 40.

(14) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج1 ص 32.

(15) تفسير الصافي ج 3 ص 331.

(16)  الكافي ج1 ص39.

(17) الكافي ج6 ص 435.

(18) تحف العقول من 56 ومجمع الزوائد ج 1 ص 160.

(19) هي قصة نوردها للعبرة دون ضمان واقعيتها.

(20) الاستيعاب لابن عبد البرج 3 ص 1104، ومناقب آل أبي طالب ج1 ص318.

(21) نهج البلاغة ج 4 ص 37، والخصال للصدوق ص 187.

(22) الخصال للصدوق ص 253، وهو مروي من طرق السنة باستثناء الفقرة الأخيرة، فقد رواه الترمذي بالاسناد الى ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال (لا تزول قدما ابن ادم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما ابلاه وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه وماذا عمل فيما علم" سنن الترمذي ج4 ص35.

(23) نهج البلاغة: ج4 ص76.

(24) التوحيد للصدوق ص 130.

(25) قال الطبرسي في تفسير قوله تعالى: {ويستلونك عن الأهلة} أي: «أحوال الأهلة في زيادتها ونقصها»، انظر: مجمع البيان: ج2 ص27. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.