الوظيفة الدينية

المدينة الدينية هي المدينة التي يحج إليها الناس؛ ليؤدوا شعيرة من شعائر دينهم. والمدن الدينية قديمة قدم الإنسانية. وذلك أن الدين كان هو المسؤول عن نشأة العديد من هذه المدن. فالسومريون أسسوا مدنهم للعبادة وليس للتجارة. واليونانيون أسسوا مدينة أثينا في أيامها الأولى كمعبد للآلهة أثينا. وكانت الكنيسة والدير بعد سقوط مدينة روما، هي البذور الأولى التي ساعدت على إحياء مدن العصور الوسطى. وقامت المدينة العربية الإسلامية حول المسجد الجامع.

كما ظهرت مدن الإسلام أول ما ظهرت ذات طابع ديني، ثم ما لبثت أن تحولت إلى مدن تجارية ومراكز للحكم والإدارة. وتميزت المدن الدينية في العصور الوسطى بتنوعها. ومنها مدن الحج ومدن الأديرة ومدن الزوايا والأضرحة ومدن الحكم الديني. وفيما عدا مدن الحج اختفت أغلب المدن الأخرى، ولم يعد يربطها بالماضي إلا خيط رفيع .

وتعتبر مدن الحج هي بالتأكيد المدن الدينية الحقيقية التي ترتبط حياتها بمواسم الحج. كما أن مظهرها الخارجي ديني صرف. وهي صغيرة الحجم بوجه عام، تمتلئ بمئات الآلاف من الحجاج القادمين إليها في أيام معدودة، ثم ما تلبث أن تعود لحياتها الهادئة الرتيبة بقية أيام السنة. وتعود مؤسساتها الدينية الثقافية إلى مواصلة الدرس وخدمة الدين.

وتوجد مدن الحج في كل الأقاليم الحضارية في العالم. فقد عرفتها الأديان السماوية وغير السماوية. فهي في الهند (بنارس والله آباد) وفي اليابان مدينة إيسا ISA وفي الشرق الأوسط مكة والقدس والمدينة المنورة، وفي شمال غرب فرنسا مدينة لوردز Lourdes. هذا إلى جانب عشرات المدن ذات الشهرة المحلية مثل مدينة القيروان في تونس وفاس في مراكش وطنطا في مصر والنجف وكربلاء في العراق ومشهد في إيران. وفي ركاب الدين تأتي التجارة. فمواسم الحج هي مواسم التجارة. ومع ذلك فهي مدن مؤقتة أساسا تشبه المدن الصحية والترفيهية. أي تعتمد على موضعها المقدس وليس على موقعها الجغرافي. وعادة ما تختار أماكن منعزلة أو متطرفة بعيدة عن صخب الحياة وضوضائها كمدينة اللورد في شمال غرب فرنسا. أما المدن السماوية فهي مقدسة بمشيئة الله سبحانه وتعالى كالمقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.