نظريات التطور الحضري

لعل من أكثر الأسئلة إلحاحا في جغرافيا المدن، هو فيما يتعلق بأسباب اختيـار الناس للسكن والعيش في المدن والبلدات، وعن الطرق والأساليب التي تساهم في تطوير ونمو تلك المدن.

بالرغم من أن هناك منافع اقتصادية واجتماعية يمكن الحصول عليها من السكن داخل المدن، بحكم قرب المتجاورات السكنية من بعضها البعض، إلا أن هناك بعـض السلبيات Draw Backs، كالاحتقان Congestion الإزعاج Noise والتلوث، وقلة الخصوصية Privacy. وكلها أمور تشير إلى أن ظهور المدن كمستوطنات رئيسية، قد لا تكون منطقية بالضرورة وتطور متعذر اجتنابه Inevitable أو حتى مقبول. ولهذا السبب تسعى النظريات جاهدة بالبحث عن القوى التي تقف وراء التطور الحضـري لإبرازها، والتي تسمح بدورها في تشجيع الأعداد الهائلة السكان للاستقرار والتركز في مناطق صغيرة نسبيا في مساحتها وتباعدها. وتظهر بهذا الصدد، وجهتا نظر متغايرتان في الأدب، تحاولان تفسير هذه الظاهرة وهما:

أولا: أهمية المتطلبات Prerequisites الاقتصادية وأساسيات Imperatives التطـور الحضري.

ثانيا: تؤكد على الأدوار والصلات الاجتماعية Social Bond، وتضع التفسيرات الاقتصادية المتعلقة بالتطور الحضـري - الكثير من الضغوط على عملية المدخرات المالية لهذا التجمع في المراكز الحضرية، وعلى الإنتاج الصناعي، وتوزيع النفقات على أكبر عدد من هذا التجمع، والتي يمكن الحصول عليهـا من خلال التمركز في مكان واحد. لقد ناقشوا ظهور ظاهرة التطور الحضـري كنتيجة للبحث عن معظم الأشكال الاقتصادية للاستقرار.

فالاقتصاديون يدافعون عن وجهة نظرهم بقولهم: إن الضرورة والاستعجال ونمو المدن هي نتائج البحث المتعلق بشكل من الأشكال الاقتصادية لتلك المستوطنات البشرية. ويلاحظ في الاقتصاديات البدائية القائمة على الزراعة الكثيفة أن السكان يتجمعون في قرى نموذجية مرتبة ومتناثرة، والذي يعطي الأفضلية الكبرى لاستغلال أکبر مساحة من الأراضي الزراعية. أما المدن والبلدات، فسوف تظهـر وتنشـأ حيثما كان الإنتاج الزراعي السنوي يعطي فائضا في الغذاء Food Surplus. وهذا التطـور الحرج والمهم يسمح بإعطاء الحرية لنسبة من القوى العاملة Workforce في الحرفة الزراعية، للعمل في الوظائف التجارية والحرف اليدوية، والتي تتجمع بدورها معا بشكل عنقودي Cluster في المكان الحضـري (الموضع)؛ لجني أكـبر عائد من تلك الاقتصاديات داخل التجمع الحضري وبالتالي يؤدي بالرقي لتلك الحرفة إلى المكانة الاجتماعية المثلى. وحالما يصبح سكان المدينة Dewllers غير منتجين للغـذاء، فإن مستوى فائض الإنتاج الزراعي يصبح . عائقا أمام التطور الحضري وتقدمه .

ويلاحظ أن المدن التي تحقق أكبر وأضخم حجم، هي الواقعة معظمها في مناطق زراعية منتجة، أو التي تقع على أراض شاسعة أو الواقعة على طرق بحرية، وبالتـالي تستطيع استيراد اكبر قدر من الموارد الزراعية لسكانها من مسافات بعيدة.

وبمجرد تطور الصناعة والزيادة في الإنتاج الزراعي، والوصول إلى المواد الخام الخارجية والأسواق؛ لأجل تصنيع السلع، كل ذلك يؤدي إلى تقليل واستبدال حجـم

الواردات الغذائية، كلما زاد السكان في الأماكن الحضرية كمقرر رئيسي للتطـور الحضري. وحينما تصبح نسبة قليلة من القوة العاملة تعمل في الإنتاج الزراعـي فقـط في اقتصاد أية دولة، فإن حجم أية مدينة وتطورها يتحدد من قبل بنية تنظيم النشـاط الصناعي فيها.