إلى ان التطور الحضري قد مر في مرحلتين هما:

الثورة الصناعية الأولى وتأثيرها على التطور الحضري : لقد ظهرت هذه الثورة بين نهاية القرن الـ 18 م وبداية القرن الـ 19م، نتيجة اكتشاف قوة البخار عام 1769م واستخدامه في الصناعة. وتعني كلمة الثورة الصناعية، المصطلح الذي يشير إلى التغير الهائل الذي حدث في أوروبا خلال تلك الفترة.

وتعتبر المواصلات أهم انجازات تلك الثورة الصناعية، فأثرت في مورفولوجيـة المدينة وبيئتها الحضرية، وألغت لحد ما الحتمية المكانية القائمة، ثـم أدت إلى انتشـار المدن والمساكن في مناطق لم تكن مرغوبة للاستيطان قبل ثورة المواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية. وقد أدى كـل ذلـك لاتساع رقعة ظهير المدينة، وتشابكت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المدن وأقاليمها الوظيفية، فعانت بالتـالي بيئـة المدينـة مـن مشكلات التلوث الصـوتي والغـازي والمائي والأرضي، ومع تطـور المواصلات وطرقها المختلفة، تعقدت حياة سكان المدينة.

وفيما يتعلق بوسائط النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية، فقد حدث تطور كبير في هذا المجال ففي عام 1809م، أنشئت أول سفينة تجارية كبيرة تحمـل آلاف الأطنان. كما استعمل قطار السكة الحديدية في انجلترا عام 1825م، وفي عام 1832م استعملت السكة الحديدية بواسطة عربات تجرها الخيول في شوارع بعـض المـدن (أمستردام). كما تم إنشاء خط المترو في مدينة نيويورك وشيكاغو عـام 1885م، ونزل خط المترو تحت الأرض عبر الأنفاق المعدة لذلك عـام 1897م فيهما. كمـا اسـتعمل التلغراف عام 1890 لنقل الرسائل، وفي عام 1876م استعمل الهاتف.

ونتيجة لكل ما سبق من ابتكارات واختراعات، فقد تمخض عـن تلـك الثـورة الصناعة الأولى في مجالات الإنتاج والتوزيع والاتصال، أن تحـول العمـل اليـدوي إلى عمل ميكانيكي آلي، فحلت الآلات محل الأيدي العاملة، وتحول الشعب الأوروبي من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي، كما تحولت حياة الناس من حياة الريف إلى حياة الحضر. وبالتالي أدى هذا كله لتضخم المدن والبلدات معاً.

وقد بدأت الثورة الصناعية في المملكة المتحدة حيث تهيأت الظروف فيهـا أكـثـر من غيرها من الدول الأوروبية لهذا الوضع، وذلك بسبب توفر الفحم والحديد فيها. أما باقي المواد فكانت تستوردها من مستعمراتها في الهند ومصـر، كالقطن والصـوف من نيوزلندا واستراليا، والجوت والشاي من الهند. كما كان لها أسواق داخلية واسعة وأسواق خارجية في مستعمراتها الإفريقية والآسيوية، بالإضافة إلى التحسينات التي شهدتها شبكة المواصلات البرية والبحرية. وقد أدى كـل ذلـك لانتشار الصناعة إلى الدول الأوروبية المجاورة مثل فرنسا وألمانيا. ومن ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كما أدى استخدام الآلة إلى زيادة الإنتاج وخفض التكاليف، ومن ثم إلى البحـث عـن الأسواق لتصريف المنتجات الصناعية عبر وسائل النقل المتاحة حينذاك. وأصبح إنتاج السلع والبضائع يركز على زيادة الربح، وإشباع الحاجة. كما ظهر بين المنتج والمستهلك شخص آخر، يدعى الموزع أو المتسبب. وأصبح الاقتصاد يسمى بالاقتصاد القومي للدولة.