الموقع والظروف السياسية

لا شك في أن للظروف السياسية دوراً حاسماً في مصير المدينة ونموها، خاصـة اذا كانت هذه الظروف، قد حدثت فجأة بقرار سياسي، وتؤكد هذه الحقيقـة مـدن العواصم. وذلك أن التغير السياسي لدولة ما، يؤدي إلى ازدياد أهميـة عاصمتها أو اختيار مدينة جديدة عاصمة لتلك الدولة، كما حدث لجمهورية باكستان الإسلامية في شبه القارة الهندية عام 1947م. واختارت مدينة كراتشي عاصمة مؤقتة لها، إلى أن وقع الاختيار على مدينة إسلام أباد عام 1960م. فأصبحت راولبندي – اسلام آباد، هـي العاصمة الرسمية للدولة الإسلامية في شبه القارة الهندية. وبذلك ارتفع عدد سكانها من 360 ألف نسمة عام 1960، لنحو ثلاثة ملايين نسمة عام 2003م.

كذلك قد يؤدي الموقع المتوسط، لمدينة ما إلى اختيارها عاصمة للبلاد. ولعـل في اختيار مدينة أنقره مثل واضح على ذلك، حيث اختارهـا مصـطفى اتاتورك عاصمة لتركيا الحديثة عام 1923م، بعد تأسيس تركيا الحديثة بعيـد الحرب العالمية الأولى. وكانت قبل ذلك بلدة متواضعة يبلغ عدد سكانها نحو 30 ألف نسمة، ولكنها نمت بعد ذلك نمواً كبيراً حتى قاربت أن تكون مدينة مليونية. وذلك كله نتيجة التغير في ظروف الموقع، واختيارها بقرار سياسي عاصمة، مما أدى لتعدد وظائفها وقـوى مـن صـلاتها بالعالم الخارجي.

وما يقال عن أنقره يندرج على مدينة بتروغـراد (ليننغراد)، والتي اختارها بطرس الأكبر قيصر روسيا عاصمة للدولة الروسية بدلاً من موسكو. ولكـن في عهـد السوفييت رجعت وظيفة العاصمة لمدينة موسكو. كما اختيرت مدينة بيونيس آيرس عاصمة لدولة الأرجنتين عام 1880م؛ بعد أن كانت مدينة متواضعة وميناء صغيراً على المحيط الأطلسي، وازدادت أهميتها بعد ذلك حتى أصبحت مدينة مليونيـة عـام 1909م وتعدى حجمها الـ 13.2 مليون نسمة عام 2003م.