أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
7950
التاريخ: 7/12/2022
1279
التاريخ: 2023-08-08
2460
التاريخ: 20-10-2014
2476
|
الكافية- اسماء الاشارة : ما وضع لمشار اليه وهي ذا للمذكّر، ولمثنّاه ذان وذين، وللمؤنّث تا وذي وتي وته وذه وتهي وذهي، ولمثنّاه تان وتين، ولجمعهما أولاء مدّا وقصرا، ويلحقها حرف التنبيه، ويتّصل بها حرف الخطاب، ويقال ذا للقريب وذلك للبعيد، وذاك للمتوسّط.
مصبا- ذي : اسم اشارة لمؤنّثة حاضرة، يقال ذي فعلت، ويدخلها ها التنبيه فيقال هذى فعلت، وهذه أيضا. ويقال تيك فعلت ولا يقال ذيك فعلت. قال الأخفش وجماعة من البصريّين : الأصل (في ذا) ذي بياء مشدّدة، فخفّفوا ثمّ قلّبوا الياء ألفا، لأنّه سمع امالتها. وأمّا جعلهم- اللام ياء : فلوجود باب حييت دون حيوت. وذهب بعضهم : الى أنّ الأصل ذوى فحذف الياء التي هي ياء الكلمة اعتباطا، وقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.
التهذيب 15/ 32- ذا : يكون بمعنى هذا، ومعه قوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} [البقرة : 255]. ويكون بمعنى الّذى. وعن أبى الهيثم : ذا، اسم كلّ مشار اليه معاين يراه المتكلّم والمخاطب. قال : والاسم منها الذال وحدها مفتوحة، وقالوا : الذال وحدها هو الاسم المشار اليه، وهو اسم مبهم لا يعرف ما هو حتّى يفسّر بما بعده، كقولك- ذا الرجل، وجعلوا فتحة الذال فرقا بين التذكير والتأنيث- ذا أخوك، وذي أختك، وزادوا مع فتحة الذال في المذكّر ألفا، ومع كسرتها للأنثى ياء، كما قالوا- أنت، أنت. قال أبو العبّاس : ذي معناه ذه، يقال ذا عبد اللّه، وذي أمة اللّه، وذه أمة اللّه، وته أمة اللّه، وتا أمة اللّه. وإذا صغّرت ذه : قلت تيّا، تصغيرته أوتا، ولا تصغّر ذه على لفظها، لأنّك إذا صغّرت ذا قلت ذيّا، ولو صغّرت ذه لقلت ذيّا، فالتبس المذكّر، فصغّروا ما يخالف فيه المؤنّث المذكّر. وإذا بعد المشار اليه من المخاطب وكان المخاطب بعيدا ممّن يشير اليه : زادوا كافا، فقالوا ذاك، وهذا الكاف ليست في موضع خفض ولا نصب، انّما أشبهت كاف أخاك فتوهّم السامعون كأنّها في موضع خفض ، فزادوا فيها لاما فقالوا ذلك فلمّا ثنّوا زادوا نونا، فأبقوا الألف فقالوا ذان وذانك- {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص : 32] - ومن العرب من يشدّد هذه النون فيقول ذانّك اخواك- فجعلوا هذه التشديد بدل اللّام (في ذلك).
كليّات- وذا في من ذا قائما : اسم اشارة لا غير. ويحتمل في- مَنْ ذَا الَّذِي* : أن يكون زائدة، وأن يكون اسم اشارة، كما في قوله- {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي} [الملك: 20] *، فانّ هاء التنبيه لا تدخل الّا على اسم الاشارة. وقد يستعمل ذلك في موضع ذلكم، كقوله تعالى- {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ...} [النساء : 25] ، {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } [النساء : 3] ، كما قد يشار بها للواحد الى الاثنين- {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة : 68]
والى الجمع نحو- { كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ} [الإسراء : 38] ، بتأويل المثنّى والمجموع بالمذكور، وقد يطلق ذلك للفصل بين الكلامين- {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ} [الحج : 29، 30] ، أي الأمر ذلك، أو افعلوا ذلك. وما لا يحسّ بالبصر فالإشارة اليه بلفظ ذلك وهذا سواء. وذلك في- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة : 143] اشارة الى مصدر الفعل المذكور بعده.
[قد مرّ قولنا في ذو : أنّ الظاهر رجوع الموصول- الّذى والتي، وذا بمعنى الصاحب، الى أسماء الاشارة- ذا وتا.
وأمّا صيغ التأنيث- تا ، تي، ذي ، ذه ، ته : فعلى القاعدة، فانّ التاء والياء والكسرة والهاء المبدلة من التاء : من علامات التأنيث كما في ضربت وضربت واضربي وضاربة وضاربه بالوقف ، وأمثالها.
و أمّا البناء في مفرداتها : فعلى ظاهر ما يتراءى منها في الاستعمال حيث انّها لا تتغيّر في مختلف الحالات ، ولا حاجة لنا الى تقدير اعراب فيها، مضافا الى وجود المقتضى للبناء فيها وهو مفهوم الاشارة الّذى هو كالمعانى الحرفيّة.
وأمّا المثنّى منها : فالأعراب فيها هو الظاهر، لاعتوار التغير عليها، ولا حاجة لنا الى تأويل وتصحيح بالقول بوضع متعدّد في حالات الرفع وغيره.
وأمّا استعمال المفرد في مقام التثنية أو الجمع : فالحقّ أنّ هذا الاستعمال صحيح إذا كان النظر الى كلّ واحد، لا الى المثنّى والمجموع، أو كان الخطاب أوّلا الى شخص معيّن مفرد، ثمّ يتوجّه ويلتفت الى غيره.
ولنختم الكلام بتأييده وتوفيقه، على حرف الذال، ومنه تعالى نستمدّ ونستعين في إتمام بقيّة الحروف، و{هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة : 255]*، ولا حول ولا قوّة الّا منه.
مستدرك ج 3 ص 25 س 13- أخدود- ابن الوردي ج 1 ص 58- ثمّ ذو شناتر ثمّ ذو نواس، وكان من لا يتهوّد ألقاه في أخدود مضطرم فسمّى صاحب الأخدود، ثمّ ذو جدن آخر ملوك حمير، ومدّة ملكهم على ما قيل ألفان وعشرون سنة، ثمّ ملك اليمن بعدهم من الحبشة والفرس.
تاريخ المختصر لأبى الفداء ج 1 ص 68- يروى نظيرها.
المروج 1/ 280- ثمّ ملك بعده ذو شناتر، ولم يكن من أهل بيت الملك فغرى بالأحداث من أبناء الملوك، وطالبهم بما يطالب به النسوان، وأظهر الفسق باليمن واللواط، وعدل مع ذلك في الرعيّة وأنصف المظلوم، وكان ملكه ثلاثين سنة، وقتله يوسف ذو نواس وكان من أبناء الملوك خوفا على نفسه وأنفة أن يفسق به، ثمّ ملك بعده يوسف ذو نواس بن زرعة بن تبّع الأصغر ابن حسّان بن كليكرب، وكان من أمره مع أصحاب الأخدود وتحريقه أياهم بالنار، وهم الّذين أخبر اللّه تعالى عنهم في كتابه- {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [البروج : 4، 5] ، واليه عبرت الحبشة من بلاد ناصع والزيلع وهو ساحل الحبشة الى بلاد زبيد من أرض اليمن، فغرق يوسف نفسه بعد حروب طويلة خوفا من العار، وكان ملكه مائتي سنة وستّين سنة وقيل أقلّ من ذلك.
البدء والتاريخ 3/ 179- ثمّ ملك بعده تبّع بن حسّان الأصغر ثمانيا وسبعين سنة، وهو الّذى قتل يهود يثرب في أصحّ الروايات ... ص 182 ... انّه بلغ ذا شناتر من ذي نواس ظرافة وملاحة، فبعث اليه فاحضر وهو على دين اليهود وهو صاحب الأخدود، وكان قد خبّأ سكّينا صغيرة تحت ثيابه، فلمّا راوده على الفاحشة وخلا به وثب عليه ذو نواس وبعج بطنه وقتله فحمدت حمير مذهبه وملّكوه على أنفسهم ... ص 183 ... فسار ذو نواس اليهم بجنوده فحاصرهم زمانا ثمّ آمنهم فأعطاهم عهدا لا يغدر بهم ان هم نزلوا، فلمّا نزلوا خدّ بهم الأخدود وأوقد فيه النار، ثمّ جعل يجاء بفوج بعد فوج ويخيّرون بين اليهوديّة والنار، فمن أبى عليه قذفه في النار.
الأخبار الطوال ص 63- قالوا وفي ملك قباذ بن فيروز مات زمعة بن نصر اللخمي، ورجع الملك الى حمير، فوليهم ذو نواس واسمه زرعة بن زيد بن كعب، وانّما سمّى ذا نواس لذؤابة كانت تنوس على رأسه، قالوا وكان لذي نواس بأرض اليمن نار يعبدها هو وقومه ... حتّى انطفأت، فهودّ- ذو نواس، ودعا أهل اليمن الى الدخول فيها، فمن أبى قتله، ثمّ سار الى نجران ليهوّد من فيها من النصارى، وكان بها قوم على دين المسيح، فدعاهم الى ترك دينهم والدخول في اليهوديّة، فأبوا فأمر بملكهم وكان اسمه عبد اللّه بن الثامر فضربت هامته بالسيف، ثمّ ادخل في سورة المدينة فضم عليه وخدّ للباقين أخاديد فأحرقهم فيها، فهم أصحاب الأخدود الّذين ذكرهم اللّه عزّ اسمه في القرآن.
[فظهر من هذه الكلمات أن الإحراق في الأخاديد كانت في زمان التبابعة من ملوك اليمن، وكانوا مقتدرين، ويقال انّ ذا القرنين كان من هذه الطائفة- راجع- التبع، ذا القرنين.
و يظهر ممّا في كتب التواريخ أنّ الإحراق بالنار كان معمولا به في تلك الدورة ص 130 س 11- ففي هذه الآية الكريمة إشارات ولطائف :
1- التعبير بالخمر دون ما يرادفه : لأنّ مفهوم التستر مأخوذ فيه.
2- اضافة الخمر الى الضمير- هنّ : اشارة الى أنّ الخمر من لوازم النساء وممّا يلازمهنّ، فكأن الخمر ثابتة لهنّ ولا تنفكّ عنهنّ، كما في {جُيُوبِهِنَّ}.
3- جُيُوبِهِنَّ : قلنا في الجيب انه بمعنى ما يتحصّل ويتراءى من انخراق القميص في جهة الصدور والجيد، فلا بدّ من ستره بالخمار، فيحكم بلزوم تستره به، فانّ القميص لا يستره غالبا، وهذا النحو من التستر معمول بالخمار فقط وبوسيلته.
4- {عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور: 31]: التعبير بكلمة- على، اشارة الى احاطة الخمر واستيلائه على الجيوب بحيث لا يخلو موضع خال لا يسترّ بها.
5- ولْيَضْرِبْنَ : التعبير بالضرب، اشارة الى شدّة الستر واستحكامه بأي طريق يمكن، بشدّ أو عقد أو وصل، حتّى لا تزول الخمر عن الجيوب.
6- التعبير بصيغة الأمر- {وَلْيَضْرِبْنَ} [النور: 31] : اشارة الى الأمر وتأكّده.
7- ذكر هذه الجملة بعد الأمر بالغضّ وستر الزينة واخفائها : يدلّ على شدّة في هذا الأمر وتأكيد فيه، فانّ الجيب أو الجيد الخارج عن اللباس يمكن ان لا يصدق عليه مفهوم الزينة.
فغضّ البصر عنهنّ يوجب رفع التمايل وفقدان التوجّه الى الأجنبي، فانّ توجّهها يوجب توجّه الأجنبي ويبعث تمايله.
و قد سبق في مادّة- خلى : أنّ الوجه من المرأة من مصاديق الزينة، فيلزم ستره بحكم- { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31]. فيبقى الجيد الخارج عن القميص وهو الواقع فوق الصدر، فيلزم ستره بقوله تعالى- ولْيَضْرِبْنَ.
وقد سأل منّى بعض فضلاء الأصدقاء المعظّمين أن أشرح لهم بعض موضوعات مذكورة في الكتاب، وأوضح بعض مطالب من تنبيهات آخر المجلّد الثاني ، فامتثلت أمره وأنجحت مأموله وأجبت مسئوله بقدر الميسور، ومنه التأييد.
الاشتقاق ينقسم على أقسام :
1- الاشتقاق الصغير أو الأصغر- هو أن يشتمل الفرع على اصول حروف الأصل مع محفوظيّة الترتيب بينها، كاشتقاق الأفعال والصفات عن المصدر، كما في الضرب وضرب ويضرب واضرب وضارب.
2- الاشتقاق الكبير، وقد يعبّر عنه بالصغير : وهو أن يشتمل الفرع على اصول الأصل فقط ولا يلاحظ فيه ترتيب الحروف ، كما في حمد ومدح ، وجذب وجبذ ، وغرو ورغد.
3- الاشتقاق الأكبر، وقد يعبّر عنه بالكبير : وهو ما لا يشتمل على شيء منهما، فليس حروف الأصل مضبوطة في الفرع ولا محفوظ الترتيب، ولكن يوجد تناسب بينهما في اللفظ والمعنى ، كما في خبت وخبط وخفت وخفى وخبل ، وهكذا في الغور والغوض والغوص والغوط والغيب، فيستفاد منها مفهوم الدخول والورود، ومن القسم الأوّل مفهوم الانخفاض.
والبحث في علم الصرف انّما هو في الاشتقاق الصغير.
4- الاشتقاق الانتزاعىّ : وهو اشتقاق عن موادّ جوامد تعبير فيها جهة حدث انتزاعيّة عن جهة من الجهات توجب صحّة الاشتقاق منها، كالخروج عن شيء والورود والدخول فيه والعروض لشيء والاتّصاف به.
والقاعدة الكليّة في جعل مصدر انتزاعىّ : هو الحاق ياء مشدّدة مع هاء المصدريّة في آخر الكلمة، وتفيد حينئذ انتساب شيء الى نفسه، وبذلك تخرج عن الجمود ويتحصّل في مفادها تحليل وتفكيك، كالرجليّة.
فهذه أنحاء الاشتقاق، وفي التوجّه اليها، وملاحظة خصوصيّة كلّ منها تأثير كلّى في معرفة حقائق المعاني، ولا يتم الوصول اليها الّا بالاطلاع التامّ والمعرفة الكامل بخصايصها وآثارها.
فيلزم لمن يريد السلوك في هذه المرحلة : أن يعرف خصوصيّات كلّ نوع من أنواع الاشتقاق وأن يتوجّه الى خصوصيّات الصيغ ومعانيها.
الأصل الواحد :
الأصل الواحد هو المعنى الحقيقي والمفهوم الأصيل المأخوذ في مبدأ الاشتقاق والساري في تمام صيغ الاشتقاق.
وممّا ينبغي أن يتوجّه اليه : أنّ مفاهيم صيغ المشتقّات لا يصح أن يكون مخالفا أو ضدّا أو مغايرا هذا الأصل الواحد الثابت الأصيل في مبدئها، فانّ تطوّر الهيئات واختلافها لا يوجب تغايرا واختلافا في أصل المعنى الحقيقي، وانّما- يضاف اليه ما يستفاد من تطوّر الهيئة.
وقد أشرنا الى خصوصيّات معاني الهيئات المشتقّة في خلال المجلد الأوّل.
وهذا المعنى أصل مسلّم قطعىّ لمن يريد التحقيق في تعيين الأصل الواحد، وردّ جميع مشتقّات الكلمة وفروعها الى ذلك الأصل، وقد خفى هذا المعنى على أغلب أهل التأليف من اللغويّين والأدباء والمفسّرين.
وأمّا تعيين الأصل الواحد وانتخابه في كلمة : فأوّلا- بالمراجعة الى كتب في اللغة تتعرّض وتتوجّه الى المعاني الحقيقيّة، وتميّزها عن المجازيّة ولو اجمالا، كما في مقاييس اللغة وأساس البلاغة.
وثانيا- بالمراجعة الى معاني اللغة في المعاجم المعتبرة وتمييز ما هو الغالب والشايع استعمالا في صيغه المشتقّة وما هو يكون مرادا عند الإطلاق.
وثالثا- بالمراجعة الى جميع موارد استعمالها واستقصاء معانيها، ثمّ استخراج ما هو الجامع بينها والضابط لها وما يناسب جميعها.
ورابعا- بالمراجعة الى كلمات يراد فها ظاهرا والتمييز بينها وتعيين خصوصيّة كلّ منها، حتّى تتعيّن خصوصيّة كلّ لغة منها وامتيازها من بينها.
وخامسا- بالمراجعة الى موارد استعمال المادّة في القرآن الكريم والدقّة والنظر الخالص فيها، وتحصيل ما هو الجامع بينها والصادق حقيقتا على جميعها، بحيث لا يبقى تجوّز ولا التباس، فانّ الألفاظ القرآنيّة انّما استعملت في المعاني الحقيقيّة.
ولا يخفى أنّ المهمّ الأصيل في جميع هذه المقامات : هو التوجّه الخالص والذهن الصافي والقلب المنوّر والنفس المطهّر من الأرجاس والكدورات، حتّى يهدى اللّه بفضله ورحمته ومنّه الى ما هو الحقّ، ويرشد الى الحقائق واللطائف المكنونة.
وقد يهدى الذوق السليم والفطرة المطهّرة الى كشف ما هو الحقيقة، بناء على ما ذكرنا في تنبيهات المجلّد الثاني من التناسب بين الألفاظ والمعاني.
الدلالة الذاتيّة :
ومنظورنا من هذه الكلمة هو وجود تناسب بين حروف الكلمة وتركيبها وهيئتها و بين معناها المفهوم منه حقيقتا ، وهذا التناسب ارتباط مخصوص بينهما، كتناسب مخصوص بين الروح والجسد، والصفات النفسانيّة والصورة ، وصورة البدن وحركاته وخصوصيّة صوته، وهكذا جميع المراحل الوجوديّة.
ويدلّ على هذا المعنى امور :
الأوّل- تحقّق النظم الكامل في جميع مراتب العالم، وللألفاظ سهم من الوجود، والنظم سار في قاطبة مراحل الوجود، والتناسب سنخ من النظم.
الثاني- انّ وضع اللفظ لمعنى امّا بأمر معنوىّ الهىّ أو بارادة الواضع، فالتناسب في الصورة الاولى لا بدّ منه، وفي الثانية أيضا : لا ينفكّ ارادته عن ارادة اللّه بالكليّة، فانّ الأمر بين الأمرين.
الثالث- أنّ انتخاب لفظ لمعنى مخصوص لا بدّ أن يكون بعد تصوّر المعنى ثم وضع لفظ مناسب راجح في مقابله، لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.
الرابع- سريان نفوذه تعالى وجريان سلطانه وقدرته وحكمه في جميع أطوار الوجود وفي جميع مظاهر التكوين ومجالي الخلقة، والألفاظ من مجالي الخلقة.
الخامس- هذا المعنى مرتبط بتوحيد الأفعال أيضا.
ولا يخفى أنّ المراد هو التناسب في الواقع وفي نفس الأمر، وليس بلازم أن نطّلع عليه وأن نعرفه، كما في سائر موارده ثمّ انّ هذا الامر جار في كلمات سائر انواع الحيوان، فهي أيضا تجليات من مقاصدهم الباطنيّة وممّا يريدون تفهيمه وإظهاره، وأنّها مضبوطة غير مختلّة، وجارية على قوانين كليّة، ولذا ترى تحقّق التفهيم والتفهّم بينهم.
ويدلّ على هذا المعنى : ما في الاشتقاق الكبير والأكبر، من تقارب المعاني وتشابه المفاهيم واشتراكها في جامع، كما في الخسر والخسّ والخسق، المشتركة في المحدودية والضعف، والخبن والخبأ والخدر والخلب والخمن والخفي، المشتركة في السرّ والخفاء.
وقد أشرنا في مطاوي ما سبق من تفسير الكلمات : أنّ ذوات الحروف وكيفيّة تركيبها وحركاتها وهيأتها لها تأثير مخصوص في خصوصيّات المعاني، وكثيرا ما يفترق ويختلف معاني الكلمات المتشابهة بهذه الخصوصيّات اللفظيّة، وهذا المعنى ظاهر جدّا في الكلمات المشتقّة بالاشتقاق الصغير. وهذا بحث طويل.
فظهر اجمالا : أنّ للذوق والتدبّر والدقّة في ظواهر الكلمات تأثيرا في تشخيص الأصل الواحد وتعيينه وتمييز خصوصيّاته.
وأمّا حصر استعمال- كلمات القرآن في الحقائق :
فانّ اللّه عزّ وجلّ محيط حكيم عالم، وعلمه حضوري لا يحتاج الى تحصيل وفكر وحصول وإحضار، والأبعاد الزمانيّة والمكانيّة والحدود الشخصيّة والتشخّصات المميّزة في ساحة جبروته تعالى منتفية، سبحانه وتعالى عمّا يوصف - { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ...} [البقرة : 255]{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } [البقرة : 255].
فجميع الكلمات عنده تعالى حاضر، وليس واحد منها أقرب ولا آنس في مقام علمه واحاطته من كلمة اخرى.
فإذا شاء تعالى أن يتكلّم بألفاظ وينزل أي ات منه على صورة كلمات وجملات : فيقتضى حكمته وإتقانه أن يختار ما هو الحقيقة ويستعمل ما هو أدلّ على المراد، فيعرف المنظور على ما هو عليه من الخصوصيّات والدقائق واللطائف.
فانّ تبديل كلمة عن مورده الحقّ ومقامه الصحيح، يوجب محو ما فيه من اللطف والخصوصيّة الفارقة، فينحرف الحقّ عن مقامه، ويختلط الحق بالباطل، ويشتبه المراد على العبيد، ويوجب الضلال والخسران والغواية.
ففي هذه الصورة : لا يزيد القرآن الّا مزيد ريب وضلال، ولا ينتج الّا توارد الاشكال والاعتراض، فيستدلّ كلّ قوم على ما يريده بتأويله، ويتمسّك كلّ فرقه باطلة على طبق رأيه بتفسيره، وليس هذا الّا إغراء بالجهل. ولا يثمر الّا إسقاط القرآن عن الإحكام والحجّيّة.
فظهر أنّ كلّ كلمة في القرآن الكريم : انّما استعمل في معناه الحقيقي ويراد منه ما هو المدلول الحقّ الأصيل ليس الّا.
وبهذا ينكشف حقيقة اعجاز القرآن المجيد : فانّ استعمال الألفاظ على هذا النحو خارج عن عهدة البشر وقدرته، لعدم إمكان احاطته وحضوره وعلمه بالجزئيّات علما حضوريّا واحاطة فعليّة، حتّى يأتى بكلّ كلمة في مورده ويستعمل كلّ جملة في مقامها الحقيقيّة، من دون تجوّز.
هذا في جهة الألفاظ، وكذلك في بيان الحقائق والمعارف الالهيّة، وتبيين ما يرتبط بالأخلاقيّات وتهذيب النفس، وفي جعل الأحكام والتكاليف المتعلّقة بالوظائف والأعمال البدنيّة.
فهو تعالى محيط وعالم وحكيم ومدبّر بالاحاطة الحضوريّة الفعليّة بجميع أرقام الكلمات وبكلّ المعاني والمعارف والحقائق، فيضع كلّ كلمة في موردها الّذى اقتضاها ، ولا يصح تبديلها وتغييرها عنه، وهكذا في المعاني.
والى هذه الحقيقة يرجع كلّ ما ذكروه في موضوع اعجاز القرآن.
التجوّز والاشتراك : فظهر أنّ الحكمة تقتضي أن لا يكون في القرآن تجوّز ولا اشتراك لفظىّ ، حذرا من الإغراء بالجهل، وإضلال الناس ، وإسقاط الحجّيّة والأحكام من كتاب اللّه الكريم .
وقد أثبتنا هذه الحقائق عملا من أوّل حروف الهمزة الى آخر حروف الذال المعجمة ، بتوفيق اللّه المتعال وتأييده، وأساله أن يوفّقني بحول منه وقوّة في إتمام سائر الحروف، انّه ولىّ التوفيق.
وقد ذكرنا في مقدّمة الكتاب : انّا راعينا الامانة التامّة في النقل والرواية عن الكتب المستندة، من جهة المفهوم والمعنى ، وان احتجنا الى التلخيص والاختصار (حذف ما لا يرتبط بالموضوع) في المفصّلات ، أو حذف مختصر من الألفاظ، ممّا لا يخلّ بالمقصود، في المختصرات، فلا يحمل على خلاف الامانة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|