أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-8-2020
1943
التاريخ: 2-8-2022
2851
التاريخ: 10-2-2022
1569
التاريخ: 18-9-2019
1658
|
قال (عليه السلام) : - وقد سمع رجلا يذم الدنيا - :
أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها ، المخدوع بأباطيلها ثم تذمها ، اتغتر بالدنيا ثم تذمها ، أنت المتجرم عليها ام هي المتجرمة عليك ؟
متى استهوتك ام متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟
أم بمضاجع امهاتك تحت الثرى ؟
كم عللت بكيفك ، وكم مرضى بيديك ، تبغي لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم ينفع احدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، ولم تدفع عنهم بقوتك ، قد مثلت لك به الدنيا نفسك ، وبمصرعه مصرعك(1).
إن للدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن اتعظ بها ، مسجد احباء الله ، ومصلى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ، اكتسبوا فيها الرحمة ، وربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد آذنت بينها ، ونادت فراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها البلاء ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور ، راحت بعافية ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا ، وتخويفا وتحذيرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فتذكروا ، وحدثتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا (2).
الدعوة إلى ان يصدق الإنسان مع نفسه ، فلا يعدد مساوئ الدنيا ، مع انها قد اعلنت عنها بوضوح ، وذلك بعد ان لم تبق قريبا ، برحيلهم جميعا ، مما يعد رسالة واضحة موجهة لمن يهمه الامر ، فإذا لم يقرأها احد ، فليس من حقه ذم الدنيا ، لعدم المبرر بعد فراق الاحبة ، فلم تخفي حالها ، بقدر ما خدع الإنسان بها ، وتوهم معاملة خاصة ، ولم يتبين ان ذلك شأنها وطبعها ، الذي لا يتغير ولا يزول ، فلم تدم للأنبياء والأوصياء ، مع عظيم منزلتهم ، وأهمية وجودهم الدنيوي الأطول ، ومع ذلك لم يتغير حالها ، فكيف تعامل معها الإنسان على أساس البقاء والدوام ؟!
أليس قد مرض من مرض ومات ؟
ألم ينبئ ذلك عن زوالها وتحولها ؟
فبالتالي لم تستر هي واقعها ، ليذمها الإنسان ، وانما لم يتلق رسائلها المتواصلة بجدية ، بل على أساس كون الموت حالة طبيعية تمر بها الكائنات الحية ، او ان للإنسان حدا في الدنيا ، فإذا انتهى تعطل عن اداء دوره ، او غير ذلك من الاعذار ، مما يعطل لديه المجسات العاملة على تنبيهه ، فيتحسس من خلالها قرب قدوم الموت ، ويستشعر دنوه ، فلم يفسر المرض على انه علامة التدني الصحي ، فعليه ان لا يغتر بالعافية والنشاط ، كما لم يفسر الفقر على انه علامة تحول الدنيا ، بل توهمه مجرد إفلاس وتصفير الحسابات ، وهكذا غيرها كتحول المنصب ، وفقد الحبيب ، والاغتراب عن الوطن ، وتحكم الذليل الدنيء ، وذلة العزيز الرفيع ، وسواها مما تحتاج إلى دقة القراءة ومعرفة الدلالة ، وعندها فالدنيا :
أ- حقل لإنتاج الخير بأنواعه كافة ، لو استخدمها الإنسان كذلك.
ب- كما انها أمينة على أخبار من مضى ، ففيها آثارهم تدل عليهم ، وتخبر عن مستوى ادائهم ، فهي صادقة ولو كانت خداعة ، حيث لا تستطيع تزوير الحقائق او تغييبها .
ت- وأيضا فهي سخية تفسح المجال لمن يريد التبضع مما يحتاجه في مستقرة الاخروي ، ففيها انشطة عديدة ، يستطيع اختيار اكثر من واحد ليتحول إلى رصيد نافع في حالات العسر والحاجة ، فهي تعطيه فرصة كافية مع انها زوال وانقضاء.
ث- وكذلك هي محل ملائم للطاعات باختلافها ، ففيها العبادة بأشكالها من صلاة ، وصلة ، ودعاء ، ومناجاة، وغيرها مما لا يتهيأ له في دار الآخرة ، ولا غرابة في ذلك بعد ان كانت:
1- محطة نزول الملائكة، رسل الله تعالى الى انبيائه وصفوته من خلقه.
2- مركزا ينطلق منه أولياؤه وعباده الصالحون ، فيستثمروا اموالهم بما يعود عليهم بالنفع والربح الحلال ، والذكر الحسن بين الناس ، مما يكسبهم المال والاجر معا ، كاستنماء الاموال واستثمارها ، فيحركوا عجلة الاقتصاد ، ويدفعوا بأولئك العاملين إلى بلوغ الآمال والأماني ، فنمت أموالهم، كما يفتهم تحصيل الثواب – لو تقربوا بذلك لله تعالى - ، والسمعة الحسنة بين الناس – لتشغيلهم الايدي العاملة - .
ثم ماذا خفي ليذمها الإنسان ؟ أليس :
أ- بدا لكل احد زوالها ؟
ب- وأخبرت بحالها عن أنها دار تفتقد فيها الاحبة ؟.
ت- ويمسي فيها الإنسان بغير ما سيصبح عليه ؟
نعم إنما يذمها النادم ، الذي لم يستفد من رسائل التحذير المتكررة ، بينما هناك صالحون عملوا فيها فربحوا، فكانوا قد استفادوا من تقلباتها ، وانتفعوا من أحوالها ، ففازوا بالجنة والنعيم المقيم ، فعلى العاقل الاتعاظ ، وان يصدق مع نفسه في حالة تحديد من المقصر ، لئلا يفوته الاوان ، وإلا كيف استفاد أفاضل البشر من هذه الدار ، ووصلوا إلى ما بلغوه من الدرجات العلى رضوان الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المتجرم : المدعي للجرم على غيره ، البلى بكسر الباء مصدر الفعل بلي بيلي فهو بال : اخلاق الشيء وتحوله إلى حالة اخرى.
(2) البين : الزوال والفراق ، ابتكرت : أصبحت.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|