أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-10-2021
1147
التاريخ: 17-10-2021
1635
التاريخ: 12-7-2021
1523
التاريخ: 10-7-2021
1035
|
يمكن تلمُس البدايات الأولى لمضامين واهتمامات الجغرافية الطبية المُعاصرة إلى تلك الإشارات التي ظهرت في الكتابات المسمارية في بلاد الرافدين والهيروغليفية في بلاد النيل والى الكتابات لمفكري وأطباء بلاد اليونان وعلى رأسهم الطبيب الشهير ابقراطHippocrates. أشار ابقراط الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، إلى العلاقة بين البيئة وصحة الإنسان ، حيث كانت له مدرسة تدعى مدرسة ابقراط للعلاج وصف فيها ثلاث متغيرات جغرافية وهي (المناخ والمكان والعمل) على صحة الإنسان وقد أوضح بان المتغيرين الأولين يتعلقان بعوامل جغرافية طبيعية ، أما المتغير الثالث فهو يرتبط بالجانب الجغرافي الاجتماعي للإنسان. لقد اعتقد ابقراط أن الأمراض ذات منشأ طبيعي، وذات منشأ بيئي اجتماعي، ينشأ في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان والعادات الاجتماعية في ذلك الوسط البيئي وتأثيره في توطن المرض ، أما الأوبئة عند ابقراط فأنها تقترن بالمتغيرات الجوية بصورة خاصة.
ومع كل إسهامات ابقراط والمدرسة الإغريقية في هذا السياق ، كان لا بد من الإشارة إلى دور الأطباء والمفكرين العرب والعراقيين القدماء في التنويه عن ذلك ، وتراثهم الطبي الذي اشتقت منه الجغرافية الطبية ، حيث كان للعرب إضافات وكتابات عن مدى تأثير العوامل أو التغيرات البيئية على صحة الإنسان ونشأة المرض والانتشار المكاني للمرض.
إن دور إسهامات الفلاسفة والأطباء العرب والمسلمين في دراسة تأثير البيئة على صحة الإنسان كان واضحاً وجليا على يد إعلام مثل المسعودي وابن حوقل وابن خلدون أو أطباء مثل ابن إسحاق وابن سينا والرازي ، فقد أشار المسعودي في كتابه " مروج الذهب " في القرن العاشر الميلادي إلى دور البيئة وعلاقتها بصحة الإنسان ، أما ابن حوقل الذي جاء في نفس القرن حيث أشار في كتاب " المسالك والممالك "إلى العلاقة بين المناخ والأجناس البشرية ، كما أشار ابن خلدون في مقدمته الشهيرة (مقدمة ابن خلدون) عن العلاقة بين المناخ وسلوك الإنسان. ويعد حنين ابن إسحاق ذات حضورا في المواضيع التي تؤلف اليوم الجغرافية الطبية ، حيث ركز على البيئة وتأثيرها على الإنسان، وقسم العوامل الجغرافية البيئية المؤثرة على صحة الإنسان إلى عوامل طبيعية وبشرية. ومن المؤلفات في هذا الحقل كتاب القانون في الطب لابن سينا الذي ذكر فيه العلاقة بين المناخ وصحة الإنسان منها على سبيل المثال ،اثر ارتفاع درجات الحرارة على نشاط الإنسان وفعالياته وارتفاع نسبة الرطوبة في الجو وأحوال واتجاه الرياح، إضافة إلى تأثير اختلاف الفصول على صحة الإنسان.
لقد أشار الأطباء المسلمين إلى اثر التباين الفصلي على نشأة الأمراض مثل الجدري والحصبة في الصيف وأمراض المفاصل والسرطان والأورام والرئة والسعال في الخريف ، وأمراض الزكام في الشتاء وغيرها ، كذلك تأثير الهواء في نقل الملوثات التي تسبب الأمراض، وأشار الرازي في كتابه " فردوس الحكمة " إلى المياه والرياح والفصول وذلك لعلاقتها بصحة الإنسان. هكذا برزت الجغرافية الطبية في العديد من كتابات المفكرين القدماء في بلاد الرافدين والنيل وبلاد الإغريق وفي كتابات العرب والمسلمين في القرون الوسطى ، وهم وإن لم يقصدوا الجغرافية الطبية لكنهم ذوي فضل في وضع أسس مضمونها.
والخلاصة فان الأفكار التي ظهرت في بلاد الحضارات القديمة، العراق ومصر وتبلورت على يد ابقراط ، عادت مرة أخرى لتغنى بالبيئة الفكرية التي أوجدها الإسلام ، ومع ذلك فأننا لا نستطيع أن ننسى تلك المساهمات الجادة التي جاء بها Parcolsus وBacot و Sdnham في التأكيد على دور العوامل الطبية وأثـرها فـي نشأة المرض وكانت آرائهم عند محسن المظفر متأثره بآراء ابقراط.
أما مولد الجغرافية الطبية الحديثة فقد ترجع البدايات الأولى التي أسهمت في بلورة اتجاهات الجغرافية الطبية عندما بدأت الأمراض تتوضح على الخرائط وتوزع توزيعاً جغرافياً، حيث نشرت عام 1837 في أطلس هاوس الألماني لتوزيع الأمراض في العالم، فقد زاد الاهتمام برسمها منذ أواسط القرن التاسع عشر، وعلى حد قول جلبرت Gilbert "إن الاهتمام برسم الخرائط الطبية والدراسات الجغرافية للأمراض الوبائية يمثل بحثاً جديداً للجغرافية الطبية ". بعد تزايد السكان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وزيادة المشاكل الصحية، أدى هذا بدوره إلى تطور المعرفة بالعوامل الجغرافية على توزيع الأمراض في كل من روسيا وفرنسا وألمانيا وإنكلترا. ويذكرMcglashan أن الجغرافية الطبية أصبحت في نهاية القرن التاسع عشر فرعاً من فروع الطب المستقلة لأنها تؤكد على تأثير العوامل البيئية الجغرافية في صحة الإنسان .
وكان للتقدم المستمر للعلوم الطبية الأخرى عاملاً آخر ساعد على نمو وتطور الجغرافية الطبية إذ كانت بداية القرن العشرين هي بداية التطور الفعلي لمفردات الجغرافية الطبية، حيث ظهرت دراسات عديدة في هذا المجال وسار بعض الباحثين على نهج معين، فمنهم من درس الأمراض بصورة عامة كما في دراسة الباحث الانكليزي كليمو Clemaw ، حيث نشر له كتاباً 1903 عن الأمراض من الناحية الجغرافية وأطلق عليه " جغرافية الأمراض " وأشار فيه إلى مجموعة من الأمراض وتحدث عن تاريخهاً وانتشارها ومسبباتها في جهات من العالم.
كذلك نبه باحثون كثيرون إلى البيئة الطبية ومنهم هاكيت Haggett ودعاها " البيئة الطبية " Medical Ecology ،حيث بحث في علاقة المتغيرات البيئية ونشأة المرض واعتبرها بأنها من المواضيع الأساسية في الجغرافية الطبية، ونشر ليرمونت Learmonth سنة 1961 بحثاً عن البيئة الطبية وأشار فيه إلى العوامل الجغرافية والباثولوجية المسببة للأمراض. وقد ظهرت بحوث عالجت بعض الأمراض في مناطق معينة من العالم، مثلاً دراسة تيفاأوف G-Tivaov إذ اختار منطقة صغيرة من الاتحاد السوفيتي ودرسها من وجهة نظر الجغرافية الطبية ، بينما اختار الكاتب السوفيتي كاازارسكي Kassirsky L. المناطق الحارة من العالم في كتابه "أمراض المناطق الحارة "، وعلى ضوء الدولة الواحدة دراسة هيلمونت كانتر Kanter للجغرافية الطبية في ليبيا، حيث قسمها إلى أقاليم بيئية، وأنواع الأمراض السائدة في كل إقليم . ومن الدراسات الأخرى على ضوء الدولة الواحدة دراسة مرض السرطان في الاتحاد السوفيتي من قبل جاكلن Chaklin سنة 1962 ودراسة ارمسترونكArmstvong لنفس المرض في ماليزيا. ودراسة ترومب Tromp التوزيع الجغرافي لسرطان المعدة في هولندا، والتوزيع الجغرافي للاضطرابات النفسية في اسكتلندا من قبل شيلابين Gilabream عام 1971 .
كما جرت دراسات حول وفيات سرطان الدم في انكلترا وويلز من قبل وايت White ومدى احتمالية استخدام الخرائط في تمثيلها، كذلك دراسة ماكلاشان حول سرطان المعدة في جنوب أفريقيا من ناحية جغرافية ، كذلك أكد جيليس Gillis دراسة الأورام الخبيثة واختار بعض الأورام الشائعة منها سرطان القولون والثدي والرئة والكبد والدم والغدد اللمفاوية بصورة عامة ثم درس هذه الحالات في اسكتلندا من ناحية جغرافية ،ودراسة دينت Dent وزميله عام 1984 في جغرافية السرطان عن التوزيع الجغرافي للسرطان كمسبب للوفاة في سدني ،هذا بالنسبة للأبحاث والدراسات الأجنبية التي كتبت عن الجغرافية الطبية – سواء تضمنت دراسة مرض السرطان أو أمراض أخرى. أما عن الأبحاث والدراسات العربية التي كتبت عن الجغرافية الطبية، منها دراسة محمد جابر في افريقيا وضمت دراسة مرض السرطان في القارة الأفريقية ، وقدم غانم سلطان امان بحث عن السرطان في الكويت ، دراسة تحليلية في الجغرافية الطبية ، أشار فيه إلى عوامل المرض المسببة للسرطان ،وقام بتحليل بعض المؤشرات الإحصائية لمرض السرطان في الكويت.
وفي العراق كانت دراسة محسن المظفر التحليل المكاني لأمراض متوطنة في العراق هي أول دراسة في الجغرافية الطبية ، درسها على مستوى القضاء، كذلك من الدراسات الحديثة الأخرى في العراق دراسة مرض الملاريا لمحافظة البصرة من قبل الباحثة امال صالح عبود سنة 1990 ،حيث أشارت في بحثها الى اثر العلاقة بين العوامل الجغرافية والعوامل المرضية على انتشار المرض. وتبرز هذه الدراسة في كونها خطوة متطورة في فهم مدى علاقة العوامل البيئية التي تجعل من هذه الأمراض تتخذ أنماطا زمانية - مكانية متباينة على الرغم من أنها عالمية الانتشار. يتضح من هذا ان دراسة العوامل البيئية الجغرافية في الجغرافية الطبية أن لا تقتصر على وصف عناصرها او اكتشاف العلاقات بين البيئة وصحة الإنسان ، بل يجب معالجتها بالأسلوب الذي يتضمن أساليب صحية لحماية البيئة من كل مسببات الأمراض وعوامل انتشارها .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|