أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-11-2016
1820
التاريخ: 15-11-2016
1482
التاريخ: 21-5-2021
2008
التاريخ: 2023-10-18
807
|
أبو بكر في العريش ، وشجاعة أبي بكر :
لقد رووا : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» سأل عن أشجع الناس ، فقالوا له : أنت ، فرفض ذلك ، وقرر هو نفسه : أنه لما كان يوم بدر جعلوا للنبي «صلى الله عليه وآله» عريشا ، فقالوا : من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟.
«فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر ، شاهرا بالسيف على رأس رسول الله ، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه ، فهو أشجع الناس» (١).
قال الحلبي الشافعي : «وبه يرد قول الشيعة والرافضة : أن الخلافة لا يستحقها إلا علي ، لأنه أشجع الناس». ثم استدل هو ودحلان على أشجعية أبي بكر : بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر عليا بأنه يقتل على يد ابن ملجم ، فكان إذا دخل الحرب ، ولاقى الخصم ، علم أنه لا قدرة له على قتله ، فهو معه كالنائم على فراشه. أما أبو بكر ؛ فلم يخبر بقاتله ، فكان إذا دخل الحرب لا يدرون هل يقتل أو لا ، ومن هذه حالته يقاسي من التعب ما لا يقاسيه غيره.
ومما يدل على شجاعته تصميمه على حرب مانعي الزكاة ، مع تثبيط عمر له عن ذلك.
وأنه حين توفي الرسول «صلى الله عليه وآله» طاشت العقول ، وأقعد علي ، وأخرس عثمان ، وكان أبو بكر أثبتهم.
وأما كونه لم يشتهر عنه في الحروب ما اشتهر عن علي ؛ فلأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يمنعه عن مبارزة الشجعان (2).
ويقول دحلان : «إن الشجاعة والثبات في الأمر هما الأهمان في أمر الإمامة ، لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم» (3).
وقالوا أيضا : «أبو بكر كان مع النبي «صلى الله عليه وآله» على العريش يوم بدر ، مقامه مقام الرئيس ، والرئيس ينهزم به الجيش ، وعلي مقامه مقام مبارز ، والمبارز لا ينهزم به الجيش» (4).
هذا كل ما عند القوم من الأدلة على أشجعية أبي بكر من سائر الصحابة ، حتى علي «عليه السلام».
عدم صحة ما تقدم :
ونحن نقطع بعدم صحة كل ما تقدم ، أو عدم دلالته ، وبيان ذلك عدا عما تقدم من عدم صحة قضية العريش من أساسها ما يلي :
ألف : فرار أبي بكر في المواقف :
لقد أقر دحلان بأن الشجاعة والثبات هما الأهمان في أمر الإمامة. ونحن نجد أبا بكر يفر في غير مشهد. وفراره في خيبر وحنين وأحد معروف ، ولسوف يأتي ذكر مصادره في تلك الغزوات ، وعن فراره في غزوة خيبر (5) قال ابن أبي الحديد المعتزلي المعترف بخلافة أبي بكر يذكر فراره هو وعمر :
وما أنس لا أنس اللذين تقدما
وفرهما والفر قد علما حوب
وللراية العظمى وقد ذهبا بها
ملابس ذل فوقها وجلابيب
إلى أن قال :
أحضرهما أم حضر أخرج خاضب
وذان هما أم ناعم الخد مخضوب
عذرتكما إن الحمام لمبغض
وإن بقاء النفس للنفس مطلوب
ليكره طعم الموت والموت طالب
فكيف يلذ الموت والموت مطلوب
وقال أيضا :
وليس بنكر في حنين فراره *** ففي أحد قد فر قدما وخيبرا
ونقول لابن أبي الحديد : بل يلذ الموت لمن بلغ الدرجات العالية من اليقين والمعرفة بجلال وعظمة الله ، وما أعده لعباده الصالحين والمجاهدين في سبيله ، والناصرين لدينه. وكلمات أمير المؤمنين «عليه السلام» حول الموت في سوح الجهاد خير شاهد على ذلك.
وفر أبو بكر أيضا في أحد.
ويقول الإسكافي : إنه لم يبق معه حينئذ سوى أربعة بايعوه على الموت ، وليس أبو بكر من بينهم (6) وسيأتي ذكر ذلك في غزوة أحد مع مصادره الكثيرة إن شاء الله تعالى.
وجبن أيضا في الخندق عن مبارزة عمرو بن عبد ود ، وفر أيضا في حنين ؛ حيث لم يبق معه «صلى الله عليه وآله» سوى علي «عليه السلام» ، والعباس ، وأبي سفيان بن الحارث ، وابن مسعود (7).
والخلاصة : أن أبا بكر قد شهد المشاهد كلها ، وليس فقط لم تؤثر عنه أية بادرة تدل على شجاعة وإقدام ، ولم يبارز ، ولم يقتل ، ولا جرح أحدا ، بل ثبت عنه ما يدل على عكس ذلك تماما وهو الفرار في أكثر من موقف.
وكان يجبن الناس باستمرار ، ويشير بترك الحرب وبعد هذا ، فهل يعقل أن يكون رجل له هذه المواصفات شجاعا؟.
وإذ كان له عذر في بدر ، حيث جعلوه مع النبي «صلى الله عليه وآله» في العريش ـ المكذوب! ـ لا يفارقه ؛ فأين كان عنه في أحد ، وحنين ، وخيبر ، وغيرها؟ حينما كان النبي «صلى الله عليه وآله» يجد نفسه محاطا بالمشركين ، الذين يريدون إطفاء نور الله عز وجل. فهل كان أبو بكر في تلك الوقائع في عريش رئاسته ، وكان النبي «صلى الله عليه وآله» هو الجندي المحارب بين يدي رئيسه أبي بكر ، الذي ينهزم الجيش بانهزامه؟!.
وأين كان في خيبر حينما كشف ياسر اليهودي المسلمين ، حتى انتهى إلى موقف النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقاتل «صلى الله عليه وآله» بنفسه. وأرسل إلى علي «عليه السلام» الذي كان في المدينة لرمد عينيه ؛ فجاءه.
وقتل مرحبا ، وفتح الله على يديه خيبرا ، وكان ما كان مما هو معروف ومشهور.
وفي أحد خلص العدو إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فدثّ (8) بالحجارة حتى وقع لشقه ، وشج في وجهه ، إلى آخر ما جرى. إلى غير ذلك من أمور.
وأما قولهم : إنه «صلى الله عليه وآله» كان يمنعه من القتال ، فهل منعه في أحد وحنين ، وخيبر ، وسائر المشاهد؟ وهل كان يمنعه ، ثم يباشر هو بنفسه القتال ، حتى يتعرض للإصابة بجسده الشريف؟!. كل ذلك دفاعا عن الرئيس ، أبي بكر ابن أبي قحافة؟!.
وأخيرا ، فقد قال الإسكافي عن أبي بكر : إنه «لم يرم بسهم قط ، ولا سل سيفا ، ولا أراق دما ، وهو أحد الأتباع غير مشهور ولا معروف ، ولا طالب ولا مطلوب».
وخلاصة كلام الإسكافي الطويل : أنه لا يمكن قياس أبي بكر برسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ولا جعله رئيسا يهلك الجيش بهلاكه ؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله» هو صاحب الجيش ، والدين الجديد.
وهو الذي يراه عدوه وصديقه : أنه السيد والرئيس ، وهو الذي أحنق قريشا والعرب بدينه الجديد ، ثم وترهم بقتل رؤسائهم وأكابرهم. وهو الذي يرتبط به مصير الأمة ومصير المحاربين ..
أما أبو بكر ، فلا أثر له هنا ، ولا كان أعداء الإسلام يقصدونه بالقتل ، وإنما هو كأي مهاجري آخر ، مثل عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان ، وغيرهما. بل كان عثمان أبعد منه صيتا ، وأشرف مركبا ، فلم يكن قتله في إحدى تلك المعارك ليضعف الإسلام ، ولا تعفى آثاره ؛ فكيف يجعل كرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، الذي كان وقوفه وقوف رعاية وتدبير ، وظهر وسند ، يحرس أصحابه ، ويدبر أمورهم ، ويعين مواقفهم ، وتوجب سلامته الطمأنينة لهم؟
ولو كان في أول المحاربين ، لا نشغلت نفوسهم بمصيره ، وشغلهم الاهتمام به عن عدوهم ، ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها ، ومن يكون قوة وعدة لهم ، يعرف مواضع خللهم ، وإذا رأى مصلحة في إقدامه بنفسه أقدم.
ولو كان أبو بكر شريكا للنبي «صلى الله عليه وآله» بالنبوة وكانت العرب تطلبه مثله لصح قولهم. وأما وهو أضعف المسلمين جنانا ، وأقلهم عند العرب ترة ، ولا حارب أبدا ، بل هو أحد الأتباع ، فكيف يجوز أن يجعل بمقام ومنزلة رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!
ثم ذكر الإسكافي قصة مبارزته لولده عبد الرحمن في أحد ، واعتبر أن قول الرسول «صلى الله عليه وآله» له : أمتعنا بنفسك ، كان لعلمه بأنه ليس أهلا للحرب وملاقاة الرجال ، وأنه لو بارز لقتل. ثم ذكر قوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)(9) ، وآيات أخرى ، وأضاف أنه لو كان الجبان والضعيف يستحقان الرئاسة لتركهما الحرب ، لكان حسان بن ثابت أحق بها.
ولقد كانت قريش تريد قتل النبي «صلى الله عليه وآله» أولا وعلي «عليه السلام» ثانيا ، لأنه أشبه الناس به ، وأقربهم إليه ، وأشدهم دفعا عنه ، لأن قتل علي «عليه السلام» يضعف النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويكسر شوكته. وقد وعد جبير بن مطعم غلامه وحيشيا بالحرية إن هو قتل محمدا ، أو عليا ، أو حمزة ، ولم يذكر أبا بكر ، ولمقاربة حال علي «عليه السلام» لحال النبي «صلى الله عليه وآله» وجدنا النبي «صلى الله عليه وآله» يخاف ويحذر عليه ، ويدعو له بالسلامة والحفظ. إنتهى كلام الإسكافي باختصار (10).
وقد فات الإسكافي أن يذكر بحال أبي بكر حين رأى سراقة مقبلا يجر رمحه ، وسراقة رجل واحد لم تذكر عنه شجاعة (11).
وفاته أن يشير أيضا : إلى أنه لو صحت هذه المكرمة العظيمة لذكرها أبو بكر ، أو أحد مناصريه في السقيفة ، حيث كان في أشد الحاجة إلى ذلك آنئذ ..
ب : حراسة أبي بكر للنبي صلّى الله عليه وآله :
وأما حديث أنه وقف بالسيف على رأس رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يهوي أحد من المشركين بسيفه إلا أهوى إليه ؛ فلا يمكن أن يصح أيضا وذلك للأمور التالية :
١ ـ إنه رغم ضعف إسناد هذه الرواية (12) يكذبها قولهم المشهور : إن سعد بن معاذ كان مع جماعة من الأنصار يحرسون الرسول «صلى الله عليه وآله» في العريش ، ويضيف البعض إليهم عليا أيضا (13).
ولعلهم ذكروا عليا «عليه السلام» لما تقدم ، من أنه كان لا يغفل عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فكان يقاتل قليلا ثم يأتي إليه ليفتقده.
وإذا كان النبي وأبو بكر في داخل العريش ، وهؤلاء مع ابن معاذ يحرسونهما في خارجه ، فكيف وصل إليه المشركون ، وكان إذا أهوى أحدهم إليه أهوى إليه أبو بكر بالسيف؟.
ثم أليس حال هؤلاء الحراس أشد من حال أبي بكر ، الذي يوجد من يدافع عنه في الخارج ، وهو مطمئن البال في الداخل؟!.
٢ ـ يقول الأميني : أضف إلى ذلك : أن حراسة النبي لا تختص بأبي بكر ، ولا بابن معاذ ، فقد حرسه غيره في مواقع وغزوات أخرى ، كبلال ، وذكوان ، وسعد بن أبي وقاص بوادي القرى ؛ وابن أبي مرثد ليلة وقعة حنين ، والزبير يوم الخندق ، ومحمد بن مسلمة يوم أحد ، والمغيرة يوم الحديبية ، وأبي أيوب الأنصاري ببعض طريق خيبر. وقد استمرت هذه الحراسة إلى أن نزل قوله تعالى في حجة الوداع : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(14) ، فترك الحرس. هذا كله على فرض تسليم حراسة أبي بكر له (15).
وما تقدم وإن كان ربما يكون للنقاش في بعضه مجال ، إلا أن السمهودي قال وهو يتحدث عن «أسطوان المحرس» :
«قال يحيى : حدثنا موسى بن سلمة ، قال : سألت جعفر بن عبد الله بن الحسين عن أسطوان علي بن أبي طالب ، فقال : إن هذه المحرس ، كان علي بن أبي طالب يجلس في صفحتها التي تلي القبر ، مما يلي باب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، يحرس النبي صلى الله عليه وآله» (16).
٣ ـ ويقول الأميني أيضا : إنه لو كان حديث سيف أبي بكر في حراسته للنبي «صلى الله عليه وآله» صحيحا ، لكان أبو بكر أولى وأحق بنزول القرآن في حقه من علي ، وحمزة ، وعبيدة ، الذين نزل فيهم : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)(17) الآية.
وقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ)(18).
ولكان أحق من علي بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(19) ، وغير ذلك من الآيات.
وكان حقا على رضوان الذي نادى يوم بدر :
لا سيف إلا ذو الفقار
ولا فتى إلا علي
أن ينوه باسم أبي بكر وسيفه المشهور على رأس رسول الله ، حيث لم يجرؤ أحد سواه على القيام بذلك ، وبه حفظ رسول الله والدين (20).
ج : أبو بكر في ساحة الحرب :
قولهم : إنه كان في العريش ينافيه :
١ ـ قولهم الآخر : إنه كان على الميمنة ، أو في الميمنة ، يوم بدر (21).
٢ ـ وينافيه قولهم إن ولده عبد الرحمن قال له : يا أبت لقد أهدفت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك (22).
٣ ـ وينافيه أيضا قولهم : إن عبد الرحمن دعا يوم بدر إلى البراز ، فقام إليه والده أبو بكر ليبارزه ، فقال له الرسول : متعنا بنفسك (23). وقد تقدم تعليق الإسكافي على هذه القضية. وستأتي أيضا في واقعة أحد إن شاء الله تعالى.
د : حرب الناكثين والقاسطين :
وأما عن إخبار النبي «صلى الله عليه وآله» لأمير المؤمنين «عليه السلام» بمحاربته للناكثين والقاسطين ، وبقتل ابن ملجم له ؛ فهو مع خصمه كالنائم على فراشه كما يدعون ، فلا يفيدهم شيئا ، ونكتفي هنا بتسجيل النقاط التالية :
١ ـ إن الإسكافي يقول : إن إخباره «صلى الله عليه وآله» إياه بقتال الناكثين والقاسطين إنما كان بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، ووضعت الجزية ، ودان العرب قاطبة له (24).
٢ ـ وأما إخباره «صلى الله عليه وآله» بأنه سوف يستشهد على يد ابن ملجم ، فإنما قال له ذلك في غزوة العشيرة ، حينما كناه بأبي تراب : إن أشقى الأولين والآخرين يخضب لحيته من رأسه ، لكنه لم يعين له وقت ذلك ، فلعله بعد شهر ، ولعله بعد سنوات.
٣ ـ إن من الممكن أن يحصل البداء في هذا الأمر ، على اعتبار : أن الإخبار إنما كان عن تحقق المقتضي ، من دون تعرض للموانع.
٤ ـ ولو سلمنا ذلك ، فكيف يكون كالنائم على فراشه ، مع أنه يمكن أن يتعرض بل تعرض بالفعل للجراح الكثيرة في أحد وغيرها بالإضافة إلى إمكانية تعرضه «عليه السلام» لكسر ، أو لقطع بعض أعضائه؟
فهل تأكد لدى هؤلاء : أنه كان في مأمن من كل ذلك ، حتى أصبح عندهم مع خصمه كالنائم على فراشه؟!. ولماذا كان المسلمون يتمدحون شجاعته ، ويقرضها الله ورسوله في غير مقام ، كما في خيبر وأحد وبدر وغيرها. ولماذا يعتبرونها امتيازا له ، ومن أسباب فضله وعظمته عندهم؟ فلو كان ذلك صحيحا لكان الكل أشجع من علي حتى النساء.
٥ ـ إنهم يروون : أنه «صلى الله عليه وآله» قال للزبير : إنه سيقاتل عليا وهو له ظالم ، ونزل في حق طلحة قوله تعالى :
(وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ)(25).
ويروون أيضا قصة أحجار الخلافة التي يدّعون : أن أبا بكر كان في المقدمة فيها ، وغير ذلك من الروايات الكثيرة جدا في حق كثير من الصحابة.
كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه كان يعلم : بأن هذا الدين سيظهر ؛ ولسوف يدخل «صلى الله عليه وآله» مكة ظافرا ، وسيحصل المسلمون على كنوز كسرى وقيصر. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه. فهل بطل بذلك جهادهم؟! وذهب فضلهم ، وتقلصت شجاعتهم؟!
هـ : حرب مانعي الزكاة :
وأما حرب أبي بكر لمانعي الزكاة ، فلم يكن بنفسه ، وإنما بغيره ، ومن أجل الحفاظ على مكانته وموقعه في الحكم. وذلك لأنهم أنكروا عليه تصديه للخلافة ، وأخذه ما ليس له بحق ، وكذلك كان الحال في قتال من أطلقوا عليهم كلمة «أهل الردة».
وواضح : أن العناد في الرأي لا يدل على الشجاعة في القتال. فربما تجد الجبان يصر على رأيه الذي سوف ينفذه غيره أكثر من الشجاع.
و : ثباته حين وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله :
وأما عن ثباته حين وفاته «صلى الله عليه وآله» ، فنشير إلى ما يلي :
١ ـ يقول العلامة الأميني رحمه الله تعالى : إنه إذا كان الميزان في الشجاعة هو ما ذكر من ثباته عند موته «صلى الله عليه وآله» ، فإن أبا بكر يكون أشجع من النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، فإنه لم يثبت عند موت جماعة عاديين ، كعثمان بن مظعون ، حين قبله وهو يبكي ، وله شهيق ، والدموع تتحادر على خديه (26).
وعثمان أيضا كان أشجع من النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ لأن موت زوجته ، ابنة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يمنعه عن مقارفة النساء ليلة وفاتها ، وكان «صلى الله عليه وآله» يبكي على ابنته (27).
٢ ـ إن ما ذكروه من تخبيل عمر ، وإخراس عثمان ، وإقعاد علي الخ .. إن صح ، كان مانعا عن خلافتهم ـ على حد قول دحلان ـ لأنهم ما كان لهم تلك الشجاعة والثبات في الأمران ، اللذان هما الأهمان في أمر الإمامة ، فكيف قبلوا بخلافتهم ، وهم فاقدون لأهم أمر يحتاج إليه في الإمامة؟. وعن إقعاد علي «عليه السلام» نقول :
كيف؟ وقد قضى النبي «صلى الله عليه وآله» في حجره ، وهو الذي تولى غسله ، وكفنه ، ودفنه دونهم ، فنراه ما قعد عن ذلك ، ولا تقاعس عنه.
٣ ـ إن ما ذكر من ثبات أبي بكر حين موته «صلى الله عليه وآله» ، إنما يكون دليلا لو كان لموت النبي «صلى الله عليه وآله» أثر عليه ، وهو قد تحمل ذلك الأثر ، وقاوم تلك الصدمة.
مع أننا نجد أمير المؤمنين «عليه السلام» يواجهه بحقيقة : أن موت النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن يعنيه ، حتى اضطر أبو بكر إلى الاستشهاد بالناس على حزنه على النبي «صلى الله عليه وآله» (28).
وعلى كل حال ؛ فإن ما ذكروه لإثبات أشجعية أبي بكر لا يفيد شيئا في إثباتها ، ولا يسمن ولا يغني من جوع.
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٣٦ و٣٧ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٧ وقال : فيه من لم أعرفه ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧١ و٢٧٢ عن البزار وحياة الصحابة ج ١ ص ٢٦١ عنهما ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥٦ والفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج ١ ص ١٢٢ ، وعن الرياض النضرة ج ١ ص ٩٢.
(2) راجع فيما تقدم : الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج ١ ص ١٢٣ ـ ١٢٥ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥٦ ، وعن تفسير القرطبي ج ٤ ص ٢٢٢.
(3) الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج ١ ص ١٢٤ ـ ١٢٦.
(4) تاريخ بغداد للخطيب ج ٨ ص ٢١ ، والمنتظم لابن الجوزي ج ٦ ص ٣٢٧ ، وراجع : العثمانية للجاحظ ص ١٠.
(5) أما بالنسبة لفراره في غزوة أحد ، فسيأتي ذلك مع مصادره الكثيرة جدا في الجزء السادس من هذا الكتاب. وبالنسبة لفراره في حنين سيأتي أيضا في غزوة حنين.
وأما بالنسبة لفراره في غزوة خيبر ، فهو أيضا سيأتي مع مصادر كثيرة.
وقد رواه البزار بسند صحيح ، ورواه أيضا الطبراني ، والإيجي ، والبيضاوي ، وابن عساكر فراجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٤ ، والمواقف كما في شرحه ج ٣ ص ٢٧٦ ، وأقره شراحه ، والمطالع ص ٤٨٣ ، عن البيضاوي في طوالع الأنوار ، وترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ١ ص ٨٢ ، والغدير ج ٧ ص ٢٠٤. وسيأتي المزيد إن شاء الله تعالى.
(6) الغدير ج ٧ ص ٢٠٦ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٢٣.
(7) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٩٣.
(8) دث : رمي بالحجارة.
(9) الآية ٩٥ من سورة النساء.
(10) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٧٨ ـ ٢٨٤.
(11) تقوية الإيمان ص ٤٢.
(12) ضعف إسنادها الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٤٦١.
(13) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧١ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٥٦ و١٦١.
(14) الآية ٦٧ من سورة المائدة.
(15) الغدير ج ٧ ص ٢٠٢. ونقل ما ذكر عن : عيون الأثر ج ٢ ص ٣١٦ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ٣٨٣ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٤ ، وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ٢٠٤.
(16) وفاء الوفاء ج ١ ص ٤٤٨.
(17) الآية ١٩ من سورة الحج.
(18) الآية ٢٣ من سورة الأحزاب.
(19) الآية ٦٢ من سورة الأنفال.
(20) راجع : الغدير ج ٢ ص ٤٦ ـ ٥١ ، وج ٧ ص ٢٠٢ و٢٠٣ بتصرف.
(21) مغازي الواقدي ج ١ ص ٥٨ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧٥.
(22) الروض الأنف ج ٣ ص ٦٤ ، وفي مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٧٥ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٣٢ و٣٣٣ عن الكنز ج ٥ ص ٣٧٤ : أن ذلك كان يوم بدر.
(23) سنن البيهقي ج ٨ ص ١٨٦ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٣٢ و٣٣٣ عن الحاكم عن الواقدي.
(24) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٨٧.
(25) الآية ٥٣ من سورة الأحزاب.
(26) الغدير ج ٧ ص ٢١٤ عن : سنن البيهقي ج ٣ ص ٤٠٦ ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٠٥ ، والإستيعاب ج ٢ ص ٤٩٥ ، وأسد الغابة ج ٣ ص ٣٨٧ ، والإصابة ج ٢ ص ٤٦٤ ، وسنن أبي داود ج ٢ ص ٥٨ ، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٨١. وثمة مصادر أخرى ذكرها العلامة الأحمدي في كتابه : التبرك ص ٣٥٥ فراجع.
(27) الغدير ج ٢ ص ٢١٤ وج ٣ ص ٢٤ عن : الروض الأنف ج ٣ ص ٢٤ ، ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٤٧ ، والإستيعاب ج ٢ ص ٧٤٨ ، وصححه ، والإصابة ج ٤ ص ٣٠٤ و٤٨٩.
(28) حياة الصحابة ج ٢ ص ٨٤ ، وكنز العمال ج ٧ ص ١٥٩ عن ابن سعد.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|