أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
2059
التاريخ: 27-09-2015
1661
التاريخ: 9-10-2014
1891
التاريخ: 31-3-2016
2529
|
قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة : 260]
نحن الآن أمام الأقصوصة الثالثة التي تسلسلت ، متحدثة واحدة بعد الأخرى : عن الاماتة والإحياء...
القصة اتي سبقتها ، ونعني بها قصة [المار على القرية الخاوية] ، كانت تتحدث عن بطل مر على احدى المدن فوجدها أنقاضا ، فانفعل بهذا المشهد ، وتساءل :
{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ؟} [البقرة : 259]
وكان هدفه من هذا التساؤل هو : هل هناك من أمل في ان يعيد الله الحياة الى هذه المدينة !!
وجاءت الاجابة من الله ، سريعة على هذا التساؤل ، فأمات البطل من لحظته ، وابقاه مائة عام ، ثم بعثه : حتى يطمئن إلى ان الله قادر على كل شيء.
أمأ الاقصوصة التي تلتها [فيما نتحدث عنها الآن] ، فتتحدث عن بطل آخر ، أكسبه الله مقاما خاصا هو إبراهيم ـ عليه السلام ـ خليل الله... انه صاحب (الحنيفية) التي لم تنسخ إلى يوم القيامة...
هذه الشخصية ، ترسم الآن (بطلا) لأقصوصة تتحدث عن الإماتة والإحياء أيضا...
انها تتعرض لاختبار الإماتة والأحياء أيضا ، ولكن ليس ذاتها الشخصية ، بل عضوية أخرى هي : الطيور.
لنقرأ الأقصوصة أولا :
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ؟
قَالَ بَلَى .. وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
هذه الاقصوصة تتضمن (موقفا) هو : الاطمئنان ، واليقين بقدرات الله ـ عز وجل ـ في احياء الموتى ، عمليا.
وتتضمن (واقعة) هي : تقطيع الطيور وتفريقها على عدة جبال ، ثم : عودة الحياة إليها.
وتتضمن نمطين من (الأبطال) ، أحدهما : ابراهيم عليه السلام ، والآخر من عضوي الطير ، متمثلا في أربعة منها.
الاقصوصة بما تتضمنه من وقائع ثلاث [تقطيع الطير ، تفريقها على الجبال ، عودتها الى ابراهيم عليه السلام]... هذه الاقصوصة بما تتضمنه من وقائع : تظل من النوع الممتع ، المدهش ، المثير...
الموقف نفسه : ممتع ومثير ايضا... ابراهيم ـ عليه السلام ـ يريد أن يطمئن إلى عملية (الاحياء)... مع انه ابراهيم عليه السلام!!
لكن : لنتابع تفصيلات الموقف...
إن أول سؤال يثار في هذا الموقف هو : لماذا سأل ابراهيم ـ عليه السلام ـ عن كيفية إحياء الموتى؟ أو لم يعلم ان الله محيي الموتى؟.. انه يعلم ذلك كل العلم... انه أراد ان يتيقن... ولكن : ألم يكن ابراهيم ـ عليه السلام ـ متيقنا من ذلك؟
لنتجه أولا الى النصوص المفسرة ، ثم نصل بينها وبين الصياغة الفنية للأقصوصة. يقول احد النصوص بما مؤداه : ان ابراهيم ـ عليه السلام ـ سأل عن [كيفية الاحياء] وهو أمر يجهله كل البشر طالما لم يشاهد تجريبيا.
وبكلمة أخرى ، يمكننا ان نصوغ القضية على هذا النحو :
الموتى يبعثون يوم القيامة ، أي في زمن لم يحن بعد... وإبراهيم ـ عليه السلام ـ يطلب من الله ـ عز وجل ـ أن يريه كيفية عودة الروح الى العظام ، أو كيفية عودة العظام والتحامها في تركيبة جسمية بعد تفرقها أو تلاشيها...
هنا ، ينبغي أن نتذكر أن القصة السابقة [قصة المار على القرية الخاوية] تضمنت كيفية عودة العظام واللحم المتلاشيين أو المتفرقين ، لتركيبة المار على القرية أو دابته...
هذا التجانس ـ فنيا ـ أو وحدة الموقف من خلال تماثل العمليتين ، له إمتاعه الجمالي والفكري فيما يتصل بالبناء الهندسي للأقصوصتين...
ولكن... لنتابع النصوص التفسيرية الاخرى...
النص التفسيري الاول ، أوضح بان ابراهيم ـ عليه السلام ـ طلب أمرا مجهولا لا غبار عليه أبدا... بل على العكس من ذلك ،... انه مفصح عن ثقته ـ عليه السلام ـ بالله ـ عز وجل ـ الى الدرجة التي يطلب من خلالها عملية لم يجيء زمانها بعد... وهذا منتهى الثقة بالله : في تصورنا. بمعنى : انه واثق بان الله يجيبه الى طلبه... وهل هناك ثقة بالله ، اكبر من هذه الثقة التي تطلب مالم يتحقق زمنه بعد!!
هناك نص تفسيري آخر يقول بما معناه :
إن الله اوحى إلى ابراهيم ـ عليه السلام ـ إلى انه سيصبح (خليل) الله ، والى انه إذا سأل إحياء الموتى ، لأجابه الله...
هذا النص بدوره ، يشكل سمة ايجابية لها أهميتها دون أدنى شك.
إن عباد الله المخلصين ، المتفانين في محبة الله ، المنخلعة أفئدتهم من مهابة الله ، الذين ما راموا منه بدلا ، ولا ابتغوا عنه حولا... هؤلاء الذين يقف ابراهيم ـ عليه السلام ـ في مقدمتهم... عندما يوحى إليه بأنه سيصبح (خليل) الله... عندئذ : ماذا نتوقع من استجابة ابراهيم ، ورد فعله حيال هذه المنحة العظيمة التي اغدقها الله على ابراهيم عليه السلام... وهل هناك منحة أعظم من ان يكون ابراهيم خليلا لله عز وجل...؟؟
اذن : كيف لا يطلب ابراهيم من الله ان يريه احياء الموتى ، حتى يكون ذلك شاهدا يطمئن به قلبه إلى ان الله قد اتخذه خليلا...
إن المصطفين من العباد ، كلما اوغلوا في محبة الله ، وعبادته ،... يحسون بالتقصير ، وبانهم لم يؤدوا ما لله من حق في العبادة...
اذن : كم هي فرحتهم من الشدة ، حين يوحى إليهم بأنهم (احياء) الله؟؟ اليس هذا بمسوغ لأن يطمئنوا بذلك ، ويطلبوا ما يحقق هذه المعطيات ؟
ولنتقدم الى نص تفسيري ثالث.
يقول هذا النص بما مؤداه : ان ابراهيم ـ عليه السلام ـ شاهد على ساحل البحر ، جيفة تأكلها وحوش البر والبحر ، ويثب بعضها على بعض ، آكلا بعضه البعض الآخر... فاخذته الدهشة ، وطلب اراءة إحياء الموتى...
هذا النص بدوره ، يسوغ طلب ابراهيم ـ عليه السلام ـ على نحو ما عقبنا عليه في النص التفسيري الاول.
وهناك نص تفسيري رابع ، يضيف الى ما تقدم : ان ابراهيم ـ عليه السلام ـ شاهد أعمالا منكرة لبعض الاشخاص ، فدعا عليهم ،... واستجيب دعاؤه ،... فأوحي إليه عندئذ : لا تدع على عبادي... وبعدها : شاهد قضية الوحوش السابق ذكرها.
وهناك اكثر من نص تفسيري ـ سوى ما تقدم ـ يشير الى ان العملية تتصل بمجرد الاطمئنان واليقين [من خلال تجربة حسية] مفصحة عن مفروضية [اليقين بالغيب] ، أي : الزيادة في اليقين ، وليس مسح الشك وإبداله بيقين... اذ ثمة فارق بين (شاك) يطلب دليلا يمسح عنصر الشك لديه ، وبين (مؤمن) يريد أن يزداد ايمانا الى ايمان...
والمهم ، أيا كان الأمر... فان القضية تظل متصلة بطبيعة التركيبة الآدمية التي يصل (اليقين) لديها الى درجة ، تطلب من خلالها زيادة على ذلك...
اما اذا انسقنا مع النصوص التفسيرية السابقة ، فإن الامر يظل ذا وضوح أشد ، وبخاصة : اذا اخذنا بنظر الاعتبار ، ما سبق ان قلناه : من ان التطلع الى رضى الله عز وجل ، والتلهف الى مشاهدة ما يشير الى انه ـ عز وجل ـ في صدد ان يتخذ ابراهيم (خليلا) له ،... حينئذ ، فان (المحبين) لله خالصا ، (المريدين) له ، (العارفين) به... تظل فرحتهم بهذه المعطيات ، لا حد لها... بحيث تدفعهم إلى المطالبة بما يطئمن به القلب : من ان الله يحبهم...
وأيا كان الامر ، فاننا حين ندع الجانب (الفكري) من الاقصوصة ونتجه الى جانبها الفني ، نجد ان رسم الحادثة قد تميز بملامح متنوعة ، منها :
1ـ التقطيع : {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } [البقرة : 260]
2ـ التفريق : {اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا}
3ـ الاحياء : {ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا}
ومع الاستعانة بالنصوص المفسرة ، تواجهنا تفصيلات للملامح الثلاثة المذكورة أو لبعضها. فقد ورد عن عملية التفريق بانها تمثلت في توزيع الشرائح على عشرة جبال. وعن عملية الإحياء ، ان ابراهيم ـ عليه السلام ـ اخذ بمناقيرهن ، فائتلف لحم كل منها الى رأسه اليه...
وبالرغم من ان مجرد فصم الرأس مثلا ، ووضع الطيور في مكان واحد ، وإحياهها في المساحة الزمنية والمكانية قربا وسرعة ، مفصح عن عملية (الاعجاز) ، الا ان رسم التباعد مكانا وتكثيرة عددا : جبالا وشرائح ، لينطوي على معطى جمالي وفكري يتحسسه القارئ بوضوح. اما المعطى الجمالي فيتمثل في الابعاد الثلاثة لكل من قطيع الطير والجبال وعددها : حيث يأخذ الامتاع نصيبا ضخما حيال تصورنا لعشرة جبال تتجاور أو تتباعد ، تتعالى أو تقصر ،... والامر نفسه فيما يتصل بقطع الطير المتناثرة ،... ثم : التصور لعملية التحام الاجزاء واجتماعها لحما وعظما ودما... كل اولئك يصبح ذا معطى يساهم ـ من خلال جمالية الحدث ـ في تصعيد لحظات الانبهار والرهبة والتأمل نحو السماء وامكاناتها التي لا حدود لها.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|