أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2021
1458
التاريخ: 13-8-2022
1107
التاريخ: 24-5-2021
1523
التاريخ: 18-8-2022
1097
|
أهمية الجغرافيا العسكرية كخلفية علمية للجيوستراتيجية
يتمتع الجغرافي في أوروبا بمكانة هامة في مجتمعه، ليس لأن كلمة "جغرافي" توقع نوع من الرهبة في عقول السكان بل لأن الثقافة العامة لهؤلاء السكان ساعدتهم على إدراك دور هذا الجغرافي في صياغة المكان وبالتالي في نشؤ وتطور عظمة الأمة، وكذلك لإدراكهم في نفس الوقت، بأن الجغرافي كان له الدور الأكبر في توثيق مواقع وحركات جيوشهم الاستعمارية وتوثيقها خرائطياً بدقة عالية، متتالية مع الزمن. أي أنهم يستشعرون من وراء الجغرافي تلك المهنة التي هيكلت ماضيهم البعيد والقريب، وساهمت في غناء أوروبا الاستعمارية وأدت إلى تكوين عظمتها العسكرية والاقتصادية حتى منتصف القرن العشرين.
والجغرافي الأوروبي بعد انقضاء الفترات الاستعمارية، شكل أصول الحضارة التي يحمل سطح الأرض أشكال بصماتها وتعكس باع الجغرافي الذي مهد هذا السطح، كونه مهندسا للمجال، لتحضير القاعدة التي سمحت لتلك المجتمعات بتطوير مرافق اقتصادهم الزراعي والصناعي والخدمي.
فالجغرافيا ليست هدفاً بحد ذاتها، بل هي وسيلة أداة، وهي تحتوي على الكل، والكل المرئي والملموس والمحسوس من سطح الأرض الذي يعيش عليه الإنسان ويحيا، يشكل الجغرافيا. ومع بداية عصر النهضة دعيت الجغرافيا بعلم "الجغرافيا الأم" لأنها أم العلوم السائدة التي اهتم بها الإنسان حيث كانت جميع الدراسات والأبحاث المتعلقة بالأرض هي "جغرافيا" وذلك حتى أواسط القرن التاسع عشر، الذي عرف البدايات الحقيقية لتخصص العلوم وتميزها وتفردها عن بعضها البعض بالتسمية، وبحقل الدراسة، وبالمنهجية، والأهداف.
فإذا كان حقل الدراسة الجغرافية هو "المكان SPACE(1) ، فإن الجغرافيا إذن هي القاعدة الأرضية لكل أعمال البشر منذ بداية الحضارات القديمة، وسطح الأرض يحمل آثار عمل البشر التي تعكس مقدار تطورهم في مختلف العلوم وبراعتهم الحربية والبنائية.
فالجغرافيا كانت منذ أن بدأت الحضارات الأولية ولازالت هي البوتقة الأساسية للاستراتيجية العسكرية للإنسان في صياغة خططه الهجومية أو خططه التكنيكية. لقد استعرض أحد الضباط الجغرافيين الفرنسيين وهو )جوستاف ليون ينوكس (,GUSTAVE-LEON NIOX 1921 – 1890 في كتابه عن الجغرافيا الحربية بإسهاب دور الجغرافيا في الحروب، وهو الذي أرسى مفاهيم وأسس ومبادئ الجغرافيا الحربية، وبدأت هذه المبادئ بالتطور مع نهاية الحروب العسكرية في الفترة النابليونية، وبدأت باقي الدول الأوروبية كإيطاليا، والنمسا، والبرتغال، وسويسرا، وروسيا تستفيد من الفكر الجغرافي الحربي الفرنسي القاضي بالتعرف الجيد على مختلف عناصر جغرافية المكان من أجل استخدامها والاستفادة منها للأعراض العسكرية، فأشكال التضاريس، والمناخ، والهيدرولوجيا "جغرافية المجارى المائية السطحية"، وجغرافية النبات، تشكل قواعد العمل الرئيسة في التحليل الحربي للأغراض الدفاعية والهجومية على حد سواء.
ولأجل أن تؤدي الجغرافيا دورها، فقد قامت المدارس والكليات العسكرية الكبرى بتدريس الجغرافيا الحربية وأصولها وقواعدها وهذا الأمر يعني ويعكس أهمية العلوم الجغرافية للأغراض العسكرية! كيف لا، والجميع قادر الشعور بالكيفية التي قامت بها مختلف وزارات الدفاع في العالم القديم بتطوير أهم تابع لها وهي التوابع المتمثلة في الخدمات الطبغرافية، التي تدعى بإدارات المساحة العسكرية، أو المديريات الطبوغرافية، أو المعاهد القومية الجغرافية كما في العاصمة باريس، وكيف قامت هذه الإدارات والمعاهد المساحية ( الجيوديزية) الطبغرافية بأداء دورها في تمثيل مختلف عناصر سطح الأرض خرائطيًا وبمقاييس عدة، وضعت بداية لخدمة الأغراض العسكرية وأصبحت في الوقت الحاضر تخدم مختلف النشاطات المدنية للإنسان.
ولكي يتمكن العسكريون من تنفيذ خططهم، فكان لابد من السيطرة على جغرافية سطح الأرض، فكيف يمكن السيطرة على جغرافية السطح دون التمكن منه بواسطة الخرائط العلمية الفنية عالية الدقة في التنفيذ، الأمر الذي أضفى ويضفي على العلوم الجغرافية، هذا البعد الفني الرائع الذي طورته الجغرافيا بواسطة علومها الكارتوجرافية المختلفة.
لقد سيطرت الجغرافيا على الفكر العسكري للغرب طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وكانت الجغرافيا الحربية توحد هذا الفكر العسكري الغربي، وكذلك الشرقي، أي كانت تشكل عامل مشترك للفكر الاستراتيجي العسكري للقوى الكبرى في العالم. ولأسباب تتعلق بأساليب الكشف المتطورة فيما وراء الحدود التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الكشف الراداري المحمول بواسطة الطائرات والأقمار الصناعية، تطور المسح الأرض بواسطة الأقمار الصناعية، وتطورت آليات المسح الفضائي والجوي الرقمي واستخدام الحواسيب في آليات الكشف والتحليل، جعلت الجغرافيا بداية تتجرد من أهميتها الحربية، ولتصبح "جغرافيا مدنية" وتحولت الدراسات والأبحاث الجغرافية من أهدافها لتستقر عند تطوير واستخدام سطح الأرض الاستخدام الأمثل، وتحول الجغرافي من مهندس حربي للمكان الى مهندس تخطيطي للمجال، وفي نفس الوقت أدى إلى ترجيح كفة العلوم الجغرافية باتجاه التطبيقات الحضرية عوضًا عن التطبيقات الحربية التي كانت سائدة في القرنين 18 و 19 وبداية القرن العشرين.
لقد عرفت الجغرافيا الحربية ذروتها في القرن التاسع عشر، ففي إيطاليا تؤكد دراسات " Ferrucio Botti " ذلك بأن الجغرافيا كانت اهم مركبة يجب انتدرك في الفنون العسكرية، وفي الواقع وتأثرت المدرسة الفرنسية العسكرية بالمدرسة الايطالية واشتهر في فرنسا عدد في كبار الضباط الذين تخصصوا في الجغرافية الحربية خاصة بعد الحرب الفرنسية (1870 – 1871م) ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر Niox و Marga الذين قاما بتأليف موسوعة هامة في الجرافيا الحربية الفرنسية وقاما بتدريسها حتى نهاية الثلاثينات من القرن العشرين.
أما سويسرا فقد كان لها باع كبير في الجغرافيا العسكرية الحربية التي طورها وساهم في بلورة اهميتها في المعارك الحديثة العقيد Arnold Keller الذي رئيساً لأركان الجيش السويسري، قام بدوره بتأليف مرجع في الجغرافيا العسكرية لسويسرا وهو مكون من 34 كتاب) جزء)بين عامي 1906 و 1922 م، وكان يعتقد بأن الدول الأوروبية لن تحترم كون سويسرا دولة محايدة غير حربية وغير عدوانية، وبأنها ستتعرض للعدوان المباشر أو ستستخدم أراضيها لعبور الجيوش المتحاربة.
وهكذا نجد بأن لكل دولة أوروبية عدد من الجغرافيين العسكريين الذين ساهموا في وضع استراتيجيات دفاعية هامة عن بلادهم أخذ بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية داخل المجال الوطني، وكذلك أخذا بعين الاعتبار شروط الموقع وخصائصه، ونستطيع أن نجد في السويد أعمال Aselius Gunnar وفي رومانيا أعمال Tudorel Ene وفي البرتغال أعمال Borges Toao Vieira.
ولا يستطيع أحد الجزم بأن الجغرافيا الحربية هي جغرافيا أوروبية فإن عدد كبير من الدراسات الجغرافية العسكرية ظهرت في كندا بين عامي 1867 و 2002 م والتي تؤكد بأن المدرسة الجغرافية العسكرية الكندية بعد تأثرها بالفكر الفرنسي تحولت إلى التأثير بالفكر الأنكلوساكسوني الأميركي.
وبالرغم من تراجع كفة الجغرافيا الحربية في الغرب لتحل محلها الجغرافيا المدنية أو الحضرية، فقد بقيت الجغرافيا الحربية ذات أهمية خاصة في مجموعة الدول الأسيوية وخاصة لدى المفكرين العسكريين في اليابان، والصين وكوريا واندونسيا، دراسات "Kyoichi Tachi Kawa" في اليابان تثبت بأن من اهم اهداف الجغرافيا الحربية في اليابان تكمن في تنظير المجال "Space". لأغراض إستراتيجية تطبيقية دفاعية أو هجومية وأقرت قيادة أركان الجيش الياباني أهمية الجغرافيا الحربية من خلال هذا التعريف منذ عام 1941.
الدراسات والأبحاث في الجغرافيا الحربية أو العسكرية التي عرفت ذروتها في القرن 19 أدت إلى تطوير علوم عسكرية هامة منشقة أو متفرعة منها وخاصة علم الجيوستراتيجية " Geostrategy" أو الجغرافيا الاستراتيجية – فما هي أصول هذه الجغرافيا ومفاهيمها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|