أقرأ أيضاً
التاريخ: 23/9/2022
1265
التاريخ: 4-10-2021
2348
التاريخ: 2023-09-22
1244
التاريخ: 2023-05-28
963
|
يرى العلامة الطباطبائي أن حقيقة القرآن هي أعلى من أن تنالها أيدي الأفهام العادية ، أو أن تمسها أيادي غير المطهرين ، وهذه الحقيقة هي إنما تنزّل إلى مرتبة الذكر بلسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهدف أن يبشر بها المتقون من عباده وتنذر بها قوماً لدّاً خصماء ، كما قال الله تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ . والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يُسر القرآن بلسانه لكونه نال الحقيقة التي هي عين المعرفة ، هذه المعرفة التي جعلته يحظى بتلقّي حقيقة الوحي ، كما قال تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل : 6] .
إن حقيقة القرآن ، كما يرى العلامة ، لا تنفصل عن المعرفة التي تحققت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يسّره الله تعالى له ليكون مبشراً ونذيراً ، وهذه الحالة التي انتهى إليها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أهل بيته (عليهم السلام) في القوس الصعودي والتي قال فيها الوحي ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ . . . ﴾ ، هي أول درجات ومراتب المعرفة التي تم تيسيرها للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته ، ذلك أن معنى التلّقي قد ترافق مع التيسير لهذه الحقيقة المنزّلة ، على اعتبار أنها حقيقة ، كما يرى الطباطبائي ، ما كانت متيسرة قبل أن تنزّل ، يقول العلامة : «إن التيسير بما هو تسهيل ينبىء عن حالة سابقة ما كان يسهل معها التلاوة أو الفهم (1) ، وقد أنبأ عن مثل هذه الحالة لكتابه في قوله تعالى : ﴿ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف : 2-4] .
فالتَّلقي إنما هو المماهاة في المعرفة مع مَن بلغ قوس الصعود ليحظى بهذه الدرجة من المعرفة ، وهو الذي حتم أن تكون ، كما يرى العلامة الآملي في فهمه للطباطبائي ، حقيقة الولاية وحقيقة القرآن متحدتان ومتطابقتان من حيث المصداق والصدق ، وإن كانتا منفصلتين من حيث المفهوم (2) ، وهذه الحقيقة التي تلقاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسّرت له ما كانت لتُعرف قبل أن تنزّل ، لكونها في أم الكتاب ، وقد تجلت لمن تلقاها من لدن حكيم عليم لتعبر عنه ويُعبر عنها ، باعتباره المُتلقي لها والكاشف عنها لمن لا يعرفها ، وهي بهذا المعنى تكون حقيقة المعرفة التي أراد الله تعالى لعباده أن يهتدوا بها من خلال القرآن ، كما قال علي (عليه السلام) : «فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته» (3) .
وإذا كان الطباطبائي يرى بأن هذه الحقيقة هي أعلى من أن تنالها الأفهام العادية ، أو الأيادي غير المطهرة ، فذلك إنما يكشف عما لهذه الحقيقة من معنى سواء في قوس الصعود ، أو في قوس النزول ، هذا فضلاً عما خصت به هذه الحقيقة من طهارة لا تمس إلاّ من المطهرين ، وهم الذين خصوا بها وخصّت بهم ، كما قال الله تعالى : ﴿ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة : 79] ، ما يعني أن أولى تجليات المعرفة العميقة ، إنما تكون بدايتها لمن تجلّت له ويسّرت بلسانه للإنذار والتبشير على نحو ما بيّن الطباطبائي . وهكذا ، فإن معنى أن يتجلى القرآن لأهله أن يكون لهم معنى حقيقته ، بحيث لا يرون شيئاً إلاّ ويرون الله تعالى قبله ومعه وبعده ، كما قال علي (عليه السلام) ، وهذا الكلام من علي (عليه السلام) هو الذي يؤسس لمنهجية التفسير ، تماماً كما يعبر عن حقيقة التسهيل والتيسير للذكر ، وذلك من حيث هو منهج ﴿ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، هذا فضلاً عما تحتمه هذه المنهجية القويمة من تيسير لفهم حقيقة القرآن ، بما هو كتاب منزل وميسّر بلسان النبي وأهل بيته (عليهم السلام) الذين أرشدوا العباد ، كما يرى العلامة إلى أن أول المعرفة إنما يكون بحقيقة الوحي والتوحيد ، كما قال علي (عليه السلام) : «أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به» (4) . وعليه ، فإن معنى سلوك طريق المعرفة أن يرى المؤمن بأم عينه وروحه الحقيقة القرآنية التي جسّدها مَن نطق بهم الوحي وباشروا روح اليقين ، وعرف بهم الكتاب وعرفوا به ، وهذا ما يمكن تلمسه من منهجية الطباطبائي في عملية التفسير من خلاف العقل والنقل معاً بالإرتكاز إلى مَن تلقوا الوحي واتحدوا معه ، وبلغوا كنه معنى حقيقة التفسير ، وهذا ما لم يكن متيسراً لأحد قبل عملية التلقي التي خصّ بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ليكون لسانهم لسان الذكر ، وقلبهم قلب الحقيقة ، وروحهم روح الوحي ، كما قال علي (عليه السلام) : «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبِليل نزلت أم بِنهار ، في سهل أو جبل ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً» (5) .
ولا شك في أن مَن تكون لديه هذه الإحاطة بعملية الوحي ، سواء في دائرة التلّقي ، أم في دائرة العقل ، أم في دائرة الفهم والسؤال ، هو الذي يملك أعلى درجات المعرفة في تفسير كنه الحقيقة القرآنية . لأنه طابقها واتحد معها إلى حد أنها أصبحت وإياه شيئاً واحداً ، ومن هذه المعرفة تتنزّل كل المعارف ، وتتحقق كل البراهين التي يحتاج إليها الإنسان في استيعابه وفهمه لحقيقة القرآن . ولهذا ، نرى الطباطبائي يتحدث عن مراتب للمعرفة فيما يتعلق بعملية التفسير ، ويميز بين أن يكون الإنسان المؤمن مستدلاً في هذه العملية ، وبين أن يكون مشاهداً لجمال الله وجلاله ، الذي لا يتيسّر إلاّ بجذب خاص ، وبين مَن تكون له حقيقة الوحي بما هي عين المعرفة ، وقد تيسّرت هذه الحقيقة ، المعرفة للذكر بعد أن لم تكن ممكنة ، إلا للمطهرين ، وهو إنما ألبس ، كما يقول الطباطبائي ، لباس القراءة والعربية ليعقله الناس (6) . وإلا فإنه ـ وهو في أُم الكتاب ، عند الله ، عليّ لا تصعد إليه العقول ، حكيم لا يوجد فيه فصل وفصل ، ويأتي في هذا المساق ، قوله تعالى : ﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الواقعة : 80] .
لقد أوضح الطباطبائي في تفسيره ، أن حقيقة القرآن لا يعلمها إلاّ المطهرون ، الذين خوطبوا بالقرآن ، وجعلت لهم كرائمهُ ، كما جاء عن الباقر (عليه السلام) ، «ولنا كرائم القرآن» (7) ، إلى غير ذلك مما يقيد تيسير القرآن للذكر على لسان الأئمة المطهرين (عليهم السلام) ، لكونهم أعرف الناس بحقيقة القرآن وأدرى الناس به لقوله (عليه السلام) : «إنما يعرف القرآن من خوطب به» (8) ، ومن هنا يتأيّد لنا ، كما يرى الطباطبائي ، معنى تيسيره بلسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنزيله على اللسان العربي ، الذي كان هو لسانه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتيسر له التبشير والانذار . وطالما أن للنبي وأهل بيته (عليهم السلام) هذا المعنى القرآني فيما خُصوا به من خطاب ، وجُعل لهم من كرائم قرآنية ، فإن الذي يصدر عنهم هو كمال المعرفة بهذه الحقيقة القرآنية المتجلية بهذا اللسان العربي (9) ، ومنهم تتنزّل معرفة القرآن إلى مَن سواهم ممَّن لم يتحصّل لهم الترقي إلى مستوى أن يكون على المعرفة وعلى الحقيقة . وهذا ما يجعل مراتب المعرفة ومذاهب الفهم والتفسير عند البشر مختلفة ومتمايزة فيما يكون منهم من فهم وتفسير لهذه الحقيقة القرآنية ، ومن هنا تتأتى لنا عظمة المنهج التفسيري الذي اعتمده الطباطبائي في تبيان حقيقة القرآن ومراتب المعرفة ، واختلاف الأفهام في فهم هذه الحقيقة ، باعتبار أن من يتلقى الوحي له من حقيقة ومعرفة القرآن ، غير ما يكون لغيره ممن يعتصم بحبله الممدود من السماء إلى الأرض ، فلكل منهما مرتبته ودرجته ، ومن يضل عمن جعلت له حقيقة القرآن ، لا تتحقق له الهداية باللسان العربي الذي تنزّل به ليكون مقروءاً ومبشراً به على نحو ما بيّن الطباطبائي في تفسيره . إن معرفة القرآن لها مراتبها وتجلياتها في قوسي الصعود والهبوط ، وما لم يهتد الإنسان بالمقربين والمطهرين ، فلن تكون له إمكانية الصدور ، أو الفهم لما تيسر على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما خص به من وحي الكلام ليكون شاهداً ومبشراً ونذيراً (10) .
إن الله سبحانه وتعالى تجلى لعباده في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته ، كما بين الإمام علي (عليه السلام) ، وظهر للعقول بما أراها من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم (11) ، والناس تتراوح مراتبهم ومعرفتهم بين أن يكونوا على معارف وتجليات مختلفة ، تبدأ من الأنفس والآفاق ، وتنتهي إلى حقيقة الإتحاد بحقيقة القرآن المنزلة ، وقد يتخلل ذلك مراتب ومعارف بحسب ما يكون عليه الناس من قرب أو بعد من الحبل الذي أمر الله تعالى بالإعتصام به ، كما في قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، هما حبل الله ممدود بينكم وبين الله عز وجل» (12) ، وهكذا فإن المتدبر في الآيات القرآنية ، كما يرى الطباطبائي ، لا يجد مناصاً من الاعتراف بكون هذا القرآن المتنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدريجياً هو متكىء على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار العقول العامة ، وأن تلك الحقيقة أُنزلت على النبي إنزالاً فعلّمه الله بذلك حقيقة ما عناه بكتابه (13) . . . والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدوره علّم مَن أرسل إليهم معنى أن يكون القرآن هادياً ومبشراً ونذيراً ، بما تأيَّد به من لسان عربي ، له ثباته في اللوح المحفوظ ، وفي أُم الكتاب لا يطرأ عليه تغيّر ولا تبديل ، وهو إنما يكون له ذلك في تنزله للهداية . أما من حيث ما له من أصل ، فإنه الكتاب المبين الخالي من التفصيل ، ولهذا قال تعالى : ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾ ليكون له معنى الإنذار والتبشير بعد أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تلقاه من لدن حكيم عليم ، ذلك هو معنى أن يكون القرآن منزلاً ، وأن يكون له معنى الاتحاد والتطابق مع من تنزلّ عليه وكانت له حقيقته ، خلافاً لمن يزعم أنه بعد التلقي لم يعد هناك معنى لحقائق ومعارف مختلفة ، فهؤلاء تحسّسوا القرآن بحسب أفهامهم وقصور عقولهم لدرجة أنهم لم يميزوا بين أن تكون للقرآن حقيقة وأصل ، وبين أن تكون له حقيقة التنزيل ليكون ميسراً بلسان النبي ومبشراً ومنذراً ، ما أدى بهم إلى التجرد بالألفاظ على نحو الجحود عند المعنى الحسي أو المجازي ، وكما قال الطباطبائي : «إن الغالب من هؤلاء ، من أرباب حديث ، ومن متكلمين وحسيين من باحثي هذا العصر لما أنكروا أصالة ما وراء المادة المحسوسة اضطروا إلى حمل هذه الآيات الدالة على كون القرآن هدى ورحمة ، ونوراً ، ومواقع نجوم وكتاباً مبيناً ، وفي لوح محفوظ ونازلاً من عند الله ، وفي صحف مطهرة إلى غير ذلك من الحقائق على أقسام الاستعارة والمجاز فعاد القرآن بذلك شعراً منثوراً» (14) .
__________________________
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|