المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الجهاز التناسلي الذكري في الدجاج الجهاز التنفسي للدجاج محاسبة المسؤولية في المصرف (الإدارة اللامركزية والعلاقات الإنسانية ـــ الإدارة اللامركزية في المصرف) أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون المدني أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون الإداري دور التشريعات والسلطات الرقابية في تسعير المنتجات والخدمات المصرفية موضوع الملاحظة في الاستنباط القضائي ملكة الاستنباط القضائي الجهاز الهضمي للدجاج إستراتيجيات تسعير المنتجات والخدمات المصرفية في الاطار الرقابي (انواع المنتجات والخدمات المصرفية) طـرق تـحديـد سعـر الفـائـدة علـى القـروض السـكـنـيـة (العـقاريـة) تـحليـل ربحيـة العميـل من القـروض الاستـهلاكيـة (الشخصيـة) المـقـسطـة الدجاج المحلي العراقي معجزة الدين الاسلامي موضوع الإعجاز

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16365 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (19-24) من سورة فصلت  
  
3409   06:21 مساءً   التاريخ: 1-10-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة فصلت /

قال تعالى : {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُو خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } [فصلت : 19 ، 24] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أخبر الله سبحانه عن أحوال الكفار يوم القيامة فقال {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرقوا والمعنى إذا حشروا وقفوا {حتى إذا ما جاءوها} أي جاءوا النار التي حشروا إليها {شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه ولم يقبلوه وأبصارهم بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية الله فلم يؤمنوا وسائر جلودهم بما باشروه من المعاصي والأفعال القبيحة .

 وقيل : في شهادة الجوارح قولان ( أحدهما ) أن الله تعالى يبنيها بنية الحي (2) ويلجئها إلى الاعتراف والشهادة بما فعله أصحابه ( والآخر ) أن الله يفعل فيها الشهادة وإنما أضاف الشهادة إليها مجازا وقيل في ذلك أيضا وجه ثالث وهو أنه يظهر فيها أمارات دالة على كون أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان بسهرك وقيل أن المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس والمفسرين .

ثم حكى سبحانه عنهم بقوله {وقالوا} يعني الكفار {لجلودهم لم شهدتم علينا} أي يعاتبون أعضاءهم فيقولون لها لم شهدتم علينا {قالوا} أي فتقول جلودهم في جوابهم {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} أي مما ينطق والمعنى أعطانا الله آلة النطق والقدرة على النطق وتم الكلام .

ثم قال سبحانه {وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} في الآخرة أي إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي سواه تعالى وليس هذا من جواب الجلود {وما كنتم تستترون أن يشهد} أي من أن يشهد {عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} معناه وما كنتم تستخفون أي لم يكن يتهيأ لكم أن تستروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنكم كنتم بها تعملون فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة وقيل معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما كنتم تظنون ذلك .

{ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون} لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذاك وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا وقالوا أ ترى الله يسمع سرارنا .

ويجوز أن يكون المعنى إنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله كما يقال أهلكت نفسي أي عملت عمل من أهلك النفس وقيل : إن الكفار كانوا يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر عن ابن عباس .

{وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} ذلكم مبتدأ وظنكم خبره وأرداكم خبر ثان ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم ويكون المعنى وظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي وأدى بكم إلى الكفر {فأصبحتم من الخاسرين} أي فظللتم من جملة من خسرت تجارته لأنكم خسرتم الجنة وحصلتم في النار قال الصادق (عليه السلام) ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة أن الله تعالى يقول {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم} الآية ثم قال إن الله عند ظن عبده به إن خيرا فخير وإن شرا فشر .

ثم أخبر سبحانه عن حالهم فقال {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم} أي فإن يصبر هؤلاء على النار وآلامها وليس المراد به الصبر المحمود ولكنه الإمساك عن إظهار الشكوى وعن الاستغاثة فالنار مسكن لهم {وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين} أي وإن يطلبوا العتبي وسألوا الله تعالى أن يرضى عنهم فليس لهم طريق إلى الإعتاب فما هم ممن يقبل عذرهم ويرضى عنهم وتقدير الآية أنهم إن صبروا وسكتوا أو جزعوا فالنار مأواهم كما قال سبحانه : {اصلوها فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم} والمعتب هو الذي يقبل عتابه ويجاب إلى ما سأل وقيل معناه وإن يستغيثوا فما هم من المغاثين .

_____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص15-18 .

2- وفي نسخة : ينبهها تنبيه الحي .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ويَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} . هذه الآيات التي نحن بصددها تتصل بالآية السابقة ، وهي : فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ . . وأيضا قل لهم يا محمد : ان ملائكة العذاب تسوق غدا المجرمين إلى جهنم بانتظام ، فمن تأخر زجروه ، ومن حاول الهرب صدّوه ، والقصد انه لا مفر لهم من عذاب الحريق .

{حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأَبْصارُهُمْ وجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} .

لا شيء في اليوم الآخر إلا الحساب والجزاء . . وتدل بعض الآيات ، ومنها هذه الآية التي نفسرها ان اللَّه لا يعاقب المجرم في ذاك اليوم إلا بعد أن يقتنع هو بأنه مذنب يستحق العقاب ، وهذا بعض الفروق بين حكم الحاكم في الدنيا حيث ينفذه الحاكم على كل حال سواء اقتنع به المحكوم عليه أم لم يقتنع ، وبين حكم اللَّه في الآخرة فإنه تعالى لا ينفذه حتى يقنع المحكوم عليه بأنه يستحق العقاب . . ومن أجل هذا تتراكم الشهود على المجرم ، فحملة الدين يشهدون عليه بأنهم قد بلغوه حلال اللَّه وحرامه ، والملائكة يشهدون بأنه عصى وتمرد ، وصحيفة أعماله تسجل عليه كل قول وفعل ، فإذا أظهر المجرم عدم الاقتناع بكلّ هذه الشواهد أقام اللَّه عليه شاهدا من نفسه ، فيشهد عليه جلده بأنه لامس الحرام كالزنا ومقدماته ، ويشهد عليه سمعه بأنه سمع الحق فأعرض عنه ، ويشهد بصره بأنه رأى دلائل الوحدانية فجحدها ، وما إلى ذلك من الرذائل والموبقات .

وتومئ الآية إلى معنى دقيق ، وهوان الشرط في الشاهد أن لا يتحيز ، وربما توهم المجرم ان المبلغين والملائكة قد مالوا بشهادتهم إلى اللَّه لأنهم لا يعصونه وبأمره يعملون ، فأقام سبحانه شهودا على نفس المجرم من نفسه دفعا لهذا التوهم وان كان باطلا . وفي بعض الروايات ان العبد غدا يخاطب ربه ويقول : ألم تجرني من الظلم ؟ فيأتيه الجواب بلى . فيقول العبد : انّي لا أجيز على نفسي إلا شاهدا من نفسي ، وعندئذ يأمر تعالى أعضاءه أن تشهد عليه . فيقول العبد المذنب لأعضائه : بعدا لكنّ وسحقا ، فكم ناضلت عنكنّ .

{وقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا} ؟ وفي قولهم هذا اشعار بأن بعض المجرمين لم يقبلوا شهادة المبلغين والملائكة ، وانهم توهموا ان هذا الرفض يجديهم نفعا لولا أن يقيم اللَّه عليهم شهودا من أنفسهم { قالوا - أي الجلود - أنطقنا اللَّه الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة واليه ترجعون } . أعضاؤهم تنطق في الدنيا بلسان الحال ، ويشهد ما فيها من حكمة وإتقان بأن اللَّه هو المبدئ والمعيد ، وتنطق بذلك صراحة في الآخرة أيضا . واختلف المفسرون في كيفية شهادة الأعضاء على أصحابها غدا ، فمن قائل : ان اللَّه يظهر عليها علامات تشير إلى الجرائم التي ارتكبوها . وقائل : ان اللَّه ينطقها حقيقة . وهذا هو الصحيح لأن ظاهر الآية يدل عليه ، والعقل لا يأباه .

{وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ولا أَبْصارُكُمْ ولا جُلُودُكُمْ ولكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهً لا يَعْلَمُ كَثِيراً} - أي ما تخفون - {مِمَّا تَعْمَلُونَ} . ظننتم أي اعتقدتم ، انكم أيها المجرمون ارتكبتم الذنوب والجرائم وراء الستار خوفا من الناس ، لا خوفا من اللَّه حيث اعتقدتم ان اللَّه لا يعلم ما تفعلون في الخفاء ، وان أعضاءكم لن تشهد عليكم يوم الحساب لأنكم لا تؤمنون به {وذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} . ان هذا الاعتقاد الباطل هو الذي قادكم إلى جهنم وبئس المصير . . وهذا ينطبق أيضا على الذين يؤمنون باليوم الآخر نظريا ، ويكفرون به عمليا حيث يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللَّه ، بل هو أسوأ حالا ممن أنكر البعث وقدرة اللَّه لأنهم عصوا وهم على يقين بأن اللَّه معهم يسمع ويرى ، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء .

{فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} . ان يصبر المجرمون على النار فهي نصيبهم ومسكنهم ، ولا خلاص لهم منها ، وان يطلبوا الرضا من اللَّه فلن يرضى عنهم : {وإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهً بِئْسَ الشَّرابُ وساءَتْ مُرْتَفَقاً} - 29 الكهف .

______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص484-486 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها .

كذا قال الراغب ، و{يوزعون} من الوزع وهو حبس أول القوم ليلحق بهم آخرهم فيجتمعوا .

قيل : المراد بحشرهم إلى النار إخراجهم إلى المحشر للسؤال والحساب ، وجعل النار غاية لحشرهم لأن عاقبتهم إليها ، والدليل عليه ما ذكره من أمر شهادة الأعضاء فإنها في الموقف قبل الأمر بهم إلى النار .

وقيل : المراد حشرهم إلى النار نفسها ومن الممكن أن يستشهد عليهم مرتين مرة في الموقف ومرة على شفير جهنم وهوكما ترى .

والمراد بأعداء الله - على ما قيل - المكذبون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مشركي قومه لا مطلق الكفار والدليل عليه قوله الآتي : {وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم} الآية .

قوله تعالى : {حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} {ما} في {إذا ما جاءوها} زائد للتأكيد والضمير للنار .

وشهادة الأعضاء أو القوى يوم القيامة ذكرها وإخبارها ما تحملته في الدنيا من معصية صاحبها فهي شهادة أداء لما تحملته ، ولولا التحمل في الدنيا حين العمل كما لو جعل الله لها شعورا ونطقا يوم القيامة فعلمت ثم أخبرت بما عملته أو أوجد الله عندها صوتا يفيد معنى الإخبار من غير شعور منها به لم يصدق عليه الشهادة ، ولا تمت بذلك على العبد المنكر حجة وهو ظاهر .

وبذلك يظهر فساد قول بعضهم : إن الله يخلق يوم القيامة للأعضاء علما وقدرة على الكلام فتخبر بمعاصي صاحبيها وهو شهادتها وقول بعضهم : إنه يخلق عندها أصواتا في صورة كلام مدلوله الشهادة ، وكذا قول بعضهم : إن معنى الشهادة دلالة الحال على صدور معصية كذائية منهم .

وظاهر الآية أن شهادة السمع والبصر أداؤهما ما تحملاه وإن لم يكن معصية مأتيا بها بواسطتهما كشهادة السمع أنه سمع آيات الله تتلى عليه فأعرض عنها صاحبه أو أنه سمع صاحبه يتكلم بكلمة الكفر ، وشهادة البصر أنه رأى الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى فأعرض عنها صاحبه أو أنه رأى صاحبه يستمع إلى الغيبة أو سائر ما يحرم الإصغاء إليه فتكون الآية على حد قوله تعالى : {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36] .

وعلى هذا يختلف السمع والأبصار والجلود فيما شهدت عليه فالسمع والأبصار تشهد على معصية العبد وإن لم تكن بسببهما والجلود تشهد على المعصية التي كانت هي آلات لها بالمباشرة ، وهذا الفرق هو السبب لتخصيصهم الجلود بالخطاب في قولهم : {لم شهدتم علينا} على ما سيجيء .

والمراد بالجلود على ظاهر إطلاق الآية مطلق الجلود وشهادتها على أنواع المعاصي التي تتم بالجلود من التمتعات المحرمة كالزنا ونحوه ، ويمكن حينئذ أن تعمم الجلود بحيث تشمل شهادتها ما شهدت الأيدي والأرجل المذكورة في قوله : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ } [يس : 65] على بعد .

وقيل : المراد بالجلود الفروج وقد كني بها عنها تأدبا .

قوله تعالى : {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} اعتراض وعتاب منهم لجلودهم في شهادتها عليهم ، وقيل : الاستفهام للتعجب فهو سؤال عن السبب لرفع التعجب وإنما خصوها بالسؤال دون سمعهم وأبصارهم مع اشتراكها في الشهادة لأن الجلود شهدت على ما كانت هي بنفسها أسبابا وآلات مباشرة له بخلاف السمع والأبصار فإنها كسائر الشهداء تشهد بما ارتكبه غيرها .

وقيل : تخصيص الجلود بالذكر تقريع لهم وزيادة تشنيع وفضاحة وخاصة لوكان المراد بالجلود الفروج وقيل غير ذلك .

قوله تعالى : {قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} إلخ إرجاع ضمير أولي العقل إلى الجوارح لمكان نسبة الشهادة والنطق إليها وذلك من شئون أولي العقل .

والمتيقن من معنى النطق إذا استعمل على الحقيقة من غير تجوز هو إظهار ما في الضمير من طريق التكلم فيتوقف على علم وكشفه لغيره ، قال الراغب : ولا يكاد يستعمل النطق في غير الإنسان إلا تبعا وبنوع من التشبيه وظاهر سياق الآيات وما فيها من ألفاظ القول والتكلم والشهادة والنطق أن المراد بالنطق ما هو حقيقة معناه .

فشهادة الأعضاء على المجرمين كانت نطقا وتكلما حقيقة عن علم تحملته سابقا بدليل قولها : {أنطقنا الله} .

ثم إن قولها : {أنطقنا الله} جوابا عن قول المجرمين : {لم شهدتم علينا}؟ إراءة منها للسبب الذي أوجب نطقها وكشف عن العلم المدخر عندها المكنون في ضميرها فهي ملجؤه إلى التكلم والنطق ، ولا يضر ذلك نفوذ شهادتها وتمام الحجة بذلك فإنها إنما ألجئت إلى الكشف عما في ضميرها لا على الستر عليه والإخبار بخلافه كذبا وزورا حتى ينافي جواز الشهادة وتمام الحجة .

وقوله : {الذي أنطق كل شيء} توصيف لله سبحانه وإشارة إلى أن النطق ليس مختصا بالأعضاء حتى تختص هي بالسؤال بل هو عام شامل لكل شيء والسبب الموجب له هو الله سبحانه .

وقوله : {وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} من تتمة الكلام السابق أو هو من كلامه ، وهو احتجاج على علمه بأعمالهم وقد أنطق الجوارح بما علم .

يقول : إن وجودكم يبتدىء منه تعالى وينتهي إليه تعالى فعند ما تظهرون من كتم العدم – وهو خلقكم أول مرة - يعطيكم الوجود ويملككم الصفات والأفعال فتنسب إليكم ثم ترجعون وتنتهون إليه فيرجع ما عندكم من ظاهر الملك الموهوب إليه فلا يبقى ملك إلا وهو لله سبحانه .

فهو سبحانه المالك لجميع ما عندكم أولا وآخرا فما عندكم من شيء في أول وجودكم هو الذي أعطاكموه وملكه لكم وهو أعلم بما أعطى وأودع ، وما عندكم من شيء حينما ترجعون إليه هو الذي يقبضه منكم إليه ويملكه فكيف لا يعلمه ، وانكشافه له سبحانه حينما يرجع إليه إنطاقه لكم وشهادتكم على أنفسكم عنده .

وبما مر من البيان يظهر وجه تقييد قوله : {وهو خلقكم} بقوله : {أول مرة} فالمراد به أول وجودهم .

ولهم في قوله : {قالوا أنطقنا الله} في معنى الإنطاق نظائر ما تقدم في قوله : {شهد عليهم} من الأقوال فمن قائل : إن الله يخلق لهم يومئذ العلم والقدرة على النطق فينطقون ، ومن قائل : إنه يخلق عند الأعضاء أصواتا شبيهة بنطق الناطقين وهو المراد بنطقهم ، ومن قائل : إن المراد بالنطق دلالة ظاهر الحال على ذلك .

وكذا في عموم قوله : {أنطق كل شيء} فقيل : هو مخصص بكل حي نطق إذ ليس كل شيء ولا كل حي ينطق بالنطق الحقيقي ومثل هذا التخصيص شائع ومنه قوله تعالى في الريح المرسلة إلى عاد : {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف : 25] .

وقيل : النطق في {أنطقنا} بمعناه الحقيقي وفي قوله : {أنطق كل شيء} بمعنى الدلالة فيبقى الإطلاق على حاله .

ويرد عليهما أن تخصيص الآية أو حملها على المعنى المجازي مبني على تسلم كون غير ما نعده من الأشياء حيا ناطقا كالإنسان والحيوان والملك والجن فاقدا للعلم والنطق على ما نراه من حالها .

لكن لا دليل على فقدان الأشياء غير ما استثنيناه للشعور والإرادة سوى أنا في حجاب من بطون ذواتها لا طريق لنا إلى الاطلاع على حقيقة حالها ، والآيات القرآنية وخاصة الآيات المتعرضة لشئون يوم القيامة ظاهرة في عموم العلم .

 

بحث إجمالي قرآني

كررنا الإشارة في الأبحاث المتقدمة إلى أن الظاهر من كلامه تعالى أن العلم صار في الموجودات عامة كما تقدم في تفسير قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [الإسراء : 44] فإن قوله : {ولكن لا تفقهون} نعم الدليل على كون التسبيح منهم عن علم وإرادة لا بلسان الحال .

ومن هذا القبيل قوله : {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين} وقد تقدم تفسيره في السورة .

ومن هذا القبيل قوله : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف : 5] فالمراد بمن لا يستجيب الأصنام فقط أوهي وغيرها ، وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا } [الزلزلة : 4 ، 5] .

ومن هذا القبيل الآيات الدالة على شهادة الأعضاء ونطقها وتكليمها لله والسؤال منها وخاصة ما ورد في ذيل الآيات الماضية آنفا من قوله : {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} الآية .

لا يقال : لوكان غير الإنسان والحيوان كالجماد والنبات ذا شعور وإرادة لبانت آثاره وظهر منها ما يظهر من الإنسان والحيوان من الأعمال العلمية والأفعال والانفعالات الشعورية .

لأنه يقال : لا دليل على كون العلم ذا سنخ واحد حتى تتشابه الآثار المترشحة منه فمن الممكن أن يكون ذا مراتب مختلفة تختلف باختلافها آثارها .

على أن الآثار والأعمال العجيبة المتقنة المشهودة من النبات وسائر الأنواع الطبيعية في عالمنا هذا لا تقصر في إتقانها ونظمها وترتيبها عن آثار الأحياء كالإنسان والحيوان .

 

بحث إجمالي فلسفي

حقق في مباحث العلم من الفلسفة أن العلم وهو حضور شيء لشيء يساوق الوجود المجرد لكونه ما له من فعلية الكمال حاضرا عنده من غير قوة فكل وجود مجرد يمكنه أن يوجد حاضرا لمجرد غيره أو يوجد له مجرد غيره وما أمكن لمجرد بالإمكان العام فهوله بالضرورة .

فكل عالم فهو مجرد وكذا كل معلوم وينعكسان بعكس النقيض إلى أن المادة وما تألف منها ليس بعالم ولا معلوم .

فالعلم يساوق الوجود المجرد ، والوجودات المادية لا يتعلق بها علم ولا لها علم بشيء لكن لها ، على كونها مادية متغيرة متحركة لا تستقر على حال ، ثبوتا من غير تغير ولا تحول لا ينقلب عما وقع عليه .

فلها من هذه الجهة تجرد والعلم سار فيها كما هوسار في المجردات المحضة العقلية والمثالية فافهم ذلك .

قوله تعالى : {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} إلخ لا شك أن الله سبحانه خالق كل شيء لا موجد غيره فلا يحول بين خلقه وبينه شيء ولا يحجب خلقه من حاجب فهو تعالى مع كل شيء أينما كان وكيفما كان قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [الحج : 17] وقال : {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب : 52] .

فالإنسان أينما كان كان الله معه ، وأي عمل عمله كان الله مع عمله ، وأي عضو من أعضائه استعمله وأي سبب أو أداة أو طريق اتخذه لعمله كان مع ذلك العضو والسبب والأداة والطريق قال تعالى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد : 4] ، وقال : {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد : 33] ، وقال : {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر : 14] .

ومن هنا يستنتج أن الإنسان – وهو جار في عمله - واقع بين مراصد كثيرة يرصده من كل منها ربه ويرقبه ويشهده فمرتكب المعصية وهو متوغل في سيئته غافل عنه تعالى في جهل عظيم بمقام ربه واستهانة به سبحانه وهو يرصده ويرقبه .

وهذه الحقيقة هي التي تشير إليه الآية أعني قوله : {وما كنتم تستترون} إلخ على ما يعطيه السياق .

فقوله : {وما كنتم تستترون} نفي لاستتارهم وهم في المعاصي قبلا وهم في الدنيا وقوله : {أن يشهد} إلخ منصوب بنزع الخافض والتقدير من أن يشهد إلخ .

وقوله : {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم} استدراك في معنى الإضراب عن محذوف يدل عليه صدر الآية ، والتقدير ولم تظنوا أنها لا تعلم أعمالكم ولكن ظننتم إلخ والآية تقريع وتوبيخ للمشركين أو لمطلق المجرمين يوجه إليهم يوم القيامة من قبله تعالى .

ومحصل المعنى وما كنتم تستخفون في الدنيا عند المعاصي من شهادة أعضائكم التي تستعملونها في معصية الله ولم يكن ذلك لظنكم أنها لا إدراك فيها لعملكم بل لظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون أي لم تستهينوا عند المعصية بشهادة أعضائكم وإنما استهنتم بشهادتنا .

فالاستدراك ومعنى الإضراب في الآية نظير ما في قوله تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال : 17] ، وقوله : {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة : 57] .

وقوله : {كثيرا مما تعملون} ولم يقل : لا يعلم ما تعملون ولعل ذلك لكونهم معتقدين بالله وبصفاته العليا التي منها العلم فهم يعتقدون فيه العلم في الجملة لكن حالهم في المعاصي حال من لا يرى علمه بكثير من أعماله .

ويستفاد من الآية أن شهادة الشهود شهادته تعالى بوجه قال تعالى : {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس : 61] .

ولهم في توجيه معنى الآية أقوال أخر لا يساعد عليها السياق ولا تخلو من تكلف أضربنا عن التعرض لها .

قوله تعالى : {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} الإرداء من الردى بمعنى الهلاك ، و{ذلكم ظنكم} مبتدأ وخبر و{أرداكم} خبر بعد خبر ، ويمكن أن يكون {ظنكم} بدلا من ذلكم .

ومعنى الآية على الأول وذلكم الظن الذي ذكر ظن ظننتموه لا يغني من الحق شيئا والعلم والشهادة على حالها أهلككم ذلك الظن فأصبحتم من الخاسرين .

وعلى الثاني وظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي وأدى بكم إلى الكفر فأصبحتم من الخاسرين .

قوله تعالى : {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين} في المفردات ، : الثواء الإقامة مع الاستقرار .

انتهى ، وفي المجمع ، الاستعتاب طلب العتبى وهي الرضا وهو الاسترضاء ، والإعتاب الإرضاء ، وأصل الإعتاب عند العرب استصلاح الجلد بإعادته في الدباغ ثم استعير فيما يستعطف به البعض بعضا لإعادته ما كان من الألفة .

انتهى .

ومعنى الآية فإن يصبروا فالنار مأواهم ومستقرهم وإن يطلبوا الرضا ويعتذروا لينجوا من العذاب فليسوا ممن يرضى عنهم ويقبل أعتابهم ومعذرتهم فالآية في معنى قوله : { اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ } [الطور : 16] .

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص307- 313 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

كانت الآيات السابقة تتحدث عن الجزاء الدنيوي للكفار المغرورين والظالمين والمجرمين . أمّا الآيات التي نبحثها الآن فتتحدث عن العذاب الأخروي ، وعن مراحل مختلفة من عقاب أعداء الله .

يقول تعالى : {ويوم يحشر أعداء الله إلى النّار} .

 وكي تتصل الصفوف ببعضها يتمّ تأخير الصفوف (2) حتى تلتحق بها الصفوف الأُخرى : {فهم يوزعون} .

وحينذاك : {حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} (3) .

يا لهم من شهود ؟ فأعضاء الإنسان تشهد بنفسها عليه ولا يمكن إنكار شهادتها ، لأنّها كانت حاضرة في جميع المشاهد والمواقف وناظرة لكل الأعمال ، وهي إذ تتحدث فبأمر الله تعالى .

وهنا يثار سؤال : هل تعني شهادة هذه الأعضاء من جسم الإنسان أنّ الله تبارك وتعالى يخلق فيها قدرة الإحساس والإدراك والشعور ، وبالتالي القدرة على الكلام ؟

أم أنّ آثار الذنوب سوف تظهر في ذلك اليوم (يوم البروز) لأنّها مطبوعة عليها طوال عمر الإنسان ، كما نقول في تعبيراتنا الشائعة : إن صفحة وجهه تحكي وتخبر ما يخفيه فلان في سرّه ؟

أو أنّ الأمر يكون كما في حال الشجرة التي أوجد الله تعالى فيها الصوت وأسمعه موسى (عليه السلام) ؟

في الواقع يمكن قبول كلّ هذه التفاسير ، وقد جاءت مبثوثة في تفاسير المفسّرين .

طبعاً لا يوجد مانع من أن يقوم تعالى بخلق الإدراك والشعور في الأعضاء ، فتشهد في محضر الله تعالى عن علم ومعرفة ، خصوصاً وأن ظاهر الآيات يشير للوهلة الأولى إلى هذا المعنى . وهوما يعتقده البعض فيما يخص تسبيح وحمد وسجود ذرات العالم وكائنات الوجود بين يدي الله تبارك وتعالى .

والمعنى الثّاني محتمل أيضاً لإننا نعلم أنّ أي كائن في هذا العالم لا يفنى من الوجود ، وأنّ آثار أقوالنا وأفعالنا سوف تبقى في أعضائنا وجوارحنا ، ومن الطبيعي أن تعتبر «الشهادة التكوينية» هذه من أوضح الشهادات وأجلاها ، إذ لا مجال لإنكارها ، كما في إصفرار الوجه ـ الذي يعتبر عادةً دليلاـ على الخوف لا يمكن إنكاره ، واحمراره دليل على الغضب أو الخجل .

وإطلاق النطق على هذا المعنى يكون مقبولا أيضاً .

أمّا الإحتمال الاخير في أن تنطق الأعضاء بإذن ا لله تعالى دون أن يكون لها شعور بذلك أو يظهر منها اثر تكويني ، فإنّ ذلك بعيد ظاهراً ، لأنّه في مثل هذه الحالة لا تعتبر الحالة مصداقاً للشهادة التشريعية ولا مصداقاً للشهادة التكوينية ، فلا عقل هناك ولا شعور ولا الأثر الطبيعي للعمل ، وسوف تفقد قيمة الشهادة في المحكمة الإلهية الكبرى .

ومن الضروري الانتباه إلى أنّ قوله تعالى : (حتى إذا ما جاءوها) يبيّن أنّ شهادة أعضاء الإنسان تتمّ في محكمة النّار ، فهل مفهوم ذلك أنّ الشهادة تتمّ في النّار ، في حين أنّ النّار هي نهاية المطاف ، أم أنّ المحكمة تنعقد بالقرب من النّار ؟

الإحتمال الثّاني هو الأقرب كما يظهر .

ثمّ ما هو المقصود من (جلود) بصيغة الجمع ؟

الظاهر أنّ المقصود بذلك هو جلود الأعضاء المختلفة للجسم ، جلد اليد والرجل والوجه وغير ذلك .

أمّا الروايات التي تفسّر ذلك بـ «الفروج» فهي في الحقيقة من باب بيان المصداق ، وليس حصر مفهوم الجلود في ذلك .

ومن جانب آخر ربّ سائل يسأل : لماذا تشهد العين والأذن والجلود فقط ، دون أعضاء الجسم الأُخرى؟ وهل الشهادة مقتصرة على هذه الأعضاء ، أوأنّ هناك أعضاء اُخرى تشهد ؟

ما نستفيده من الآيات القرآنية الأُخرى أنّ هناك أعضاء اُخرى في جسم الإنسان تشهد عليه ، إذ نقرأ في الآية (65) من سورة «يس» قوله تعالى : {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس : 65] .

وفي الآية (24) من سورة «النور» قوله تعالى : {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم} .

وهكذا يتضح أنّ هناك أعضاء اُخرى تقوم بالإدلاء بالشهادة ، إلاّ أنّ ما تذكره الآية التي بين أيدينا من أعضاء تعتبر في الدرجة الأولى ، لأن معظم أعمال الإنسان تتم بمساعدة العين والأذن ، وإنّ الجلود هي أول من يقوم بملامسة الأعمال .

المجرمون يستغربون هذه الظاهرة ، وآية استغرابهم قوله تعالى : {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} .

لسان حالهم يقول : لقد كنّا لسنين مديدة نحافظ عليكم من الحر والبرد ونعتني بنظافتكم ، فلماذا أنتم هكذا ؟

وفي الجواب يقولون : {قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء} .

لقد أعطانا الله مهمّة القيام بالشهادة على أعمالكم في هذه المحكمة العظيمة ، ولا نملك نحن سوى الطاعة ، فالذي أعطى غيرنا من الكائنات قابلية النطق أعطانا ـ أيضاً ـ هذه القابلية (4) .

والطريف هنا أن أُولئك يسألون جلودهم دون باقي الأعضاء من الشهود كالعين والأذن .

قد يكون السبب في ذلك أنّ شهادة الجلود هي أغرب وأعجب من جميع الأعضاء الأُخرى ، وأوسع منها جميعاً ، فتلك الجلود التي يجب عليها أن تذوق طعم العذاب الإلهي ـ قبل غيرها من الأعضاء ـ تقوم بمثل هذه الشهادة ، وهذا الأمر محيّر حقاً !

ثم تستمر الآية بقوله تعالى : {وهو خلقكم أول مرّة وإليه ترجعون} .

ومرة اُخرى تضيف : {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} .

وإنّ سبب إخفائكم لأعمالكم هو : {ولكن ظننتم أنّ الله لا يعلم كثيراً ممّا تعملون} .

كنتم غافلين عن أنّ الله يسمع ويرى ، يشهد أعمالكم في كلّ حال ومكان ، ويعلم أسراركم ما بطن منها وما ظهر ، ثمّ هناك عناصر الرقابة التي ترافقكم وهي معكم في كلّ مكان ، فهل تستطيعون إنجاز عمل مخفي عن أعينكم وآذانكم وجلودكم؟

إنّكم في قبضة القدرة الإلهية وتحت نظر الشهود المستترين والظاهرين حتى أدوات ذنبكم تشهد ضدكم ؟!

يروي المفسّرين أنّ الآية أعلاه نزلت في ثلاثة نفر من كفار قريش وطائفة من بني ثقيف ذوي بطون كبيرة ورؤوس صغيرة اجتمعوا بجوار الكعبة وهم يتسارّون ، فقال أحدهم : أتظنون أن الله يسمع كلامنا وحديثنا هذا ؟

فأجاب آخر : تكلّم بهدوء واخفض صوتك ، فإذا تحدثنا بصوت عال فهو(أي الله جلّ جلاله) يسمعه ، وإذا خفضنا أصواتنا فلا يسمعنا .

فقال الثّالث : إذا كان الله يسمع الكلام العالي فهو حتماً يسمع الصوت الضعيف أيضاً .

وهنا نزلت الآية الكريمة : {وما كنتم تستترون أن . . .} (5) .

ثم يقول تعالى : {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} (6) (7) .

هل أن هذا الحديث هومن قبل الله تعالى ، وأن كلام الأعضاء والجوارح ينتهي إلى قوله تعالى : (أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء) ، أم أنّ ما يليه استمرار له ؟

المعنى الثّاني يبدو أكثر توافقاً ، وعبارات الآية تتلاءم معه أكثر ، بالرغم من أن أعضاء الجسم وجوارحه إنّما تتحدث هنا بأمر الله تعالى وبإرادته ، والمعنى في الحالتين واحد تقريباً .

 

وقوله تعالى : {فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنَّارُ مَثْوىً لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَاهُمْ مِّنَ الْمُعْتَبِينَ

 

قرناء السوء :

في أعقاب البحث السابق الذي تحدثت في الآيات الكريمة عن مصير «أعداء الله» جاءت الآيتان أعلاه لتشيران إلى نوعين من العقاب الأليم الذي ينتظر هؤلاء في الدنيا والأخرة .

يقول تعالى : {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم} (8) ولا يمكنهم الخلاص منها لأنّها مصيرهم سواء صبروا أولم يصبروا .

«مثوى» من «ثوى» على وزن «هوى» وتعني المقر ومحل الإستقرار .

والآية الكريمة هذه تشبه الآية (16) من سورة «الطور» حيث قوله تعالى : {اصلوها فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم} .

وكذلك تشبه الآية (21) من سورة «إبراهيم» حيث قوله تعالى : {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } [إبراهيم : 21] .

وللتأكيد على هذا الأمر تضيف الآية : {وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين} .

«يستعتبون» مأخوذة في الأصل من (العتاب) وتعني إظهار الخشونة ، ومفهوم ذلك أنّ الشخص المذنب سيستسلم للوم صاحب الحق كي يعفو عنه ويرضى عنه ، لذلك فإنّ كلمة (استعتاب) تعني الإسترضاء وطلب العفو(9) .

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص168-177 .

2 ـ «يوزعون» من «وزع» وهي بمعنى المنع ، وعندما تستخدم للجنود أو الصفوف الأُخرى ، فإن مفهومها يعني أن يبقى المجموع إلى أن يلتحق بهم آخر نفر .

3 ـ «ما» في قوله تعالى : (إذا ما جاءوها) زائدة ، وهي هنا للتأكيد .

4 ـ هذا التّفسير وارد عندما يكون معنى الآية : (أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء ناطق) ولكن يحتمل أن يكون معنى أنطق كل شيء بالمعنى المطلق ، بمعنى أنّ الله الذي أنطق جميع الموجودات وهو يكشف عن جميع الأسرار اليوم ، هو الذي أنطقنا ، فلا تتعجبوا من كلامنا فجميع كائنات العالم ستنطق في هذا اليوم .

5 ـ نقل هذه الحادثة (باختلاف) الكثير من المفسّرين ، منهم : القرطبي ، الطبرسي ، الفخر الرازي ، الألوسي ، المراغي ، وكذلك نقل الحادثة كلّ من البخاري ومسلم والترمذي ، وما أوردناه أعلاه مأخوذ عن القرطبي مع التصرّف . المجلد الثامن ، صفحة 5795 .

6 ـ «ذلكم» مبتدأ و(ظنكم) خبر له . لكن البعض احتمل أنّ (ظنكم) بدل و(أرداكم) خبر (ذلكم) .

7 ـ «أرداكم» من «ردى» على وزن «رأى» وتعني الهلاك .

8 ـ يكون التقدير هكذا : «فإن يصبروا أولا يصبروا فالنار مثوى لهم» .

9 ـ يلاحظ «مفردات الراغب» و«لسان العرب» في مادة «عتب» .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تطلق مسابقة فن التصوير الفوتوغرافي الثانية للهواة ضمن فعاليات أسبوع الإمامة الدولي
لجنة البرامج المركزيّة تختتم فعاليّات الأسبوع الرابع من البرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسيّة
قسم المعارف: عمل مستمر في تحقيق مجموعة من المخطوطات ستسهم بإثراء المكتبة الدينية
متحف الكفيل يشارك في المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآثار بجامعة الكوفة