المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17393 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
عدة الطلاق
2024-09-28
{وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم}
2024-09-28
الايمان في القلوب
2024-09-28
{نساؤكم حرث لكم}
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون اللبناني
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون العراقي
2024-09-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آيات التحدّي‏  
  
6470   06:07 مساءاً   التاريخ: 23-04-2015
المؤلف : الشيخ محمد فاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : مدخل التفسير
الجزء والصفحة : ص27-38.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

ليس في الكتاب العزيز ما يدلّ بظاهره على توصيفه بالإعجاز الاصطلاحي بهذه اللفظة، بل وقع فيه التحدّي به ، الذي هو الركن الأعظم للمعجزة، وتتقوّم به حقيقتها، والآيات الدالّة على التحدّي بمجموع القرآن أو ببعضه لا تتجاوز عن عدّة آيات : أوّلها : الآية الكريمة الواردة في سورة الإسراء : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء : 88]

والظاهر من الآية الكريمة الإخبار عن عدم الإتيان بمثل القرآن؛ لأجل عدم تعلّق قدرتهم به، وأنّ القرآن يشتمل على خصوصيّات ومزايا من جهة اللفظ والمعنى لا يكاد يقدر عليها الإنس والجنّ، وإن اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيراً، فاتّصاف القرآن بأنّه معجز إنّما هو من جهة الخصوصيّة الموجودة في نفسه، البالغ بتلك الخصوصيّة حدّاً يعجز البشر عن الإتيان بمثله.

وعليه : فما ذهب إليه من وصف بأنّه شيطان المتكلِّمين ‏(1) من القول بالصرف في إعجاز القرآن، وأنّ اللَّه صرف الناس عن الإتيان بمثله مع ثبوت وصف القدرة لهم، وتوفّر دواعيهم عليه‏(2).منافٍ لما هو ظاهر الآية الشريفة، المعتضد بما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة من بلوغ القرآن علوّاً وارتفاعاً إلى حدٍّ لا تصل إليه أيدي الناس، ولا محيص لهم إلّا الاعتراف بالعجز والقصور والخضوع لديه.

فهذا القول باطل من أصله وإن استصوبه الفخر الرازي في تفسيره، واختاره، خصوصاً بالإضافة إلى السور القصيرة، كسورتي العصر والكوثر؛ زاعماً أنّ دعوى خروج الإتيان بأمثال هذه السور عن مقدور البشر مكابرة، والإقدام على أمثال هذه المكابرات ممّا يطرق التّهمة إلى الدين ‏(3) .

وسيأتي‏ (4) . البحث معه في اتّصاف السورة القصيرة بالإعجاز.

ثانيها : ما ورد في سورة يونس من قوله- تعالى- : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [يونس : 38]

ثالثها : ما ورد في سورة هود من قوله- تعالى- :{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود : 13، 14]

وهذه السور الثلاث على ما رواه الجمهور نزلت بمكّة متتابعات‏ (5). وفي رواية عن ابن عبّاس : أنّ سورة يونس مدنيّة، والرواية الاخرى عنه الموافقة لقول الجمهور ولأسلوبها؛ فإنّه اسلوب السور المكّية (6).

وها هنا إشكال ، وهو : أنّ الترتيب الطبيعي في باب التحدّي يقتضي التحدّي أوّلًا بالقرآن بجملته، ثمّ بعشر سور مثله، ثمّ بسورة واحدة مثله، مع أنّه على رواية الجمهور وقع التحدّي بالعشر متأخّراً عن التحدّي بسورة واحدة.

نعم، لا مجال لهذا الإشكال بناءً على إحدى روايتي ابن عبّاس من كون سورة يونس بتمامها مدنيّة.

وحكي عن بعض ‏(7) . في مقام التقصي عن هذا الإشكال أنّ الترتيب بين السور ونزول بعضها قبل بعض لا يستلزم الترتيب بين آيات السور، فكم من آية مكّية موضوعة في سورة مدنيّة وبالعكس، فمن الجائز حينئذٍ أن تكون آيات التحدّي من هذا القبيل؛ بأن تكون آية التحدّي بعشر سور نازلةً بعد آية التحدّي بالقرآن في جملته، وقبل آية التحدّي بسورة واحدة، بل جعل الفخر الرازي في تفسيره مقتضى النظم والترتيب الطبيعي قرينةً على هذا التقديم والتأخير (8) .

ويرد على هذا البعض : أنّ مجرّد الاحتمال لا يحسم مادّة الإشكال ، وعلى الفخر :

أنّ صيرورة ذلك قرينة إنّما تتمّ على تقدير عدم إمكان التوجيه بما لا يخالف الترتيب الطبيعي، وهو لم يثبت بعد.

وحكي عن بعض آخر (9) . في مقام الجواب عن أصل الإشكال ما حاصله- على ما لخّصه بعض من مفسِّري العصر- : أنّ القرآن الكريم معجز في جميع ما يتضمّنه من المعارف، والأخلاق، والأحكام، والقصص وغيرها، وينعت به من الفصاحة والبلاغة وانتفاء الاختلاف، وإنّما تظهر صحّة المعارضة والإتيان بالمثل عند إتيان عدّة من السور يظهر به ارتفاع الاختلاف، وخاصّة من بين القصص المودعة فيها مع سائر الجهات، كالفصاحة والبلاغة والمعارف وغيرها. وإنّما يتمّ ذلك بإتيان أمثال السور الطويلة التي تشتمل على جميع الشؤون المذكورة، وتتضمّن المعرفة والقصّة والحجّة وغير ذلك، كسورتي الأعراف والأنعام.

والتي نزلت من السور الطويلة القرآنية ممّا يشتمل على جميع الفنون المذكورة قبل سورة هود - على ما ورد في الرواية (10) - هي : سورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة مريم ، وسورة طه، وسورة الشعراء، وسورة النمل، وسورة القصص، وسورة القمر، وسورة ص، فهذه تسع من السور عاشرتها سورة هود، وهذا هو الوجه في التحدّي بأمرهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات ‏(11) .

واورد عليه - مضافاً إلى عدم ثبوت الرواية التي عوّل عليها- بأنّ ظاهر الآية أنّ رميهم النبيّ صلى الله عليه و آله بالافتراء قول تقوّلوه بالنسبة إلى جميع السور القرآنيّة، طويلتها وقصيرتها، فمن الواجب أن يجابوا بما يحسم مادّة الشبهة بالنسبة إلى كلّ سورة قرآنيّة، لا خصوص الإتيان بعشر سور طويلة جامعة للفنون القرآنيّة، مع أنّ الضمير في «مثله» الواقع في الآية الشريفة إن كان راجعاً إلى القرآن- كما هو ظاهر هذا القائل- أفاد التحدّي بإتيان عشر سور مفتريات مثله مطلقاً؛ سواء في ذلك الطوال والقصار، فتخصيص التحدّي بعشر سور طويلة جامعة؛ تقييد من غير مقيّد، وإن كان عائداً إلى سورة هود كان مستبشعاً من القول، خصوصاً بعد عدم اختصاص الرمي بالافتراء بسورة هود؛ لأنّه كيف يستقيم في مقام الجواب عن الرمي بأنّ مثل سورة الكوثر من الافتراء أن يقال : ائتوا بعشر سور مفتريات مثل سورة هود؟ كما هو واضح ‏(12) .

وقد تقصى عن هذا الإشكال بعض الأعاظم في تفسيره الكبير، المعروف ب «الميزان في تفسير القرآن» بكلام طويل يرجع حاصله إلى : «أنّ كلّ واحدة من آيات التحدّي تؤمّ غرضاً خاصّاً في التحدّي؛ لأنّ جهات القرآن وما به تتقوّم حقيقته وهو كتاب إلهيّ- مضافاً إلى ما في لفظه من الفصاحة، وفي نظمه من البلاغة- إنّما ترجع إلى معانيه ومقاصده، لا ما يقصده علماء البلاغة من قولهم : «إنّ البلاغة من صفات المعنى»؛ لأنّهم يعنون به المفاهيم من جهة ترتّبها الطبعيّ في الذهن؛ من دون فرق بين الصدق والكذب والهزل والفحش وما جرى مجراها، بل المراد من المعنى ما يصفه تعالى بأنّه كتاب حكيم، ونور مبين، وقرآن عظيم، وهادٍ يهدي إلى الحقّ، وإلى طريق مستقيم، وما يضاهي هذه التعبيرات.

وهذا هو الذي يصحّ أن يتحدّى به بمثل قوله- تعالى‏- : {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور : 34], فإنّا لا نسمّي الكلام حديثاً إلّا إذا اشتمل على غرض هامّ يتحدّث به، وكذا قوله- تعالى‏- : {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس : 38] فإنّ اللَّه لا يسمّي جماعة من آيات كتابه- وإن كانت ذات عدد- سورةً إلّا إذا اشتملت على غرض إلهيّ تتميّز به عن غيرها.

ولولا ذلك لم يتمّ التحدّي بالآيات القرآنيّة، وكان للخصم أن يختار من مفردات الآيات عدداً ذا كثرة.

.. ثمّ يقابل كلّاً منها بما يناظرها من الكلام العربي من غير أن يضمن ارتباط بعضها ببعض.

فالذي كلّف به الخصم في هذه التحدّيات هو أن يأتي بكلام يماثل القرآن، مضافاً إلى بلاغة لفظه في بيان بعض المقاصد الإلهيّة.

والكلام الإلهي- مع ما تحدّى به في آيات التحدّي- يختلف بحسب ما يظهر من‏ خاصّته، فمجموع القرآن الكريم يختصّ بأنّه كتاب فيه ما يحتاج إليه نوع الإنسان إلى يوم القيامة من معارف أصليّة، وأخلاق كريمة، وأحكام فرعيّة، والسورة من القرآن تختصّ ببيان جامع لغرض من الأغراض الإلهيّة.

.. وهذه خاصّة غير الخاصّة التي يختصّ بها مجموع القرآن الكريم، والعدّة من السور كالعشر والعشرين منها تختصّ بخاصّة اخرى، وهي بيان فنون من المقاصد والأغراض والتنوّع فيها؛ فإنّها أبعد من احتمال الاتّفاق، إلى أن قال : إذا تبيّن ما ذكرنا ظهر أنّ من الجائز أن يكون التحدّي بمثل قوله- تعالى- : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الإسراء : 88] الآية وارداً مورد التحدّي بجميع القرآن لما جمع فيه من الأغراض الإلهيّة، ويختصّ بأنّه جامع لعامّة ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة.

وقوله- تعالى‏- : {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ } [يونس : 38] لما فيها من الخاصّة الظاهرة، وهي : أنّ فيها بيان غرض تامّ جامع من أغراض الهدى الإلهي بياناً فصلًا من غير هزل.

وقوله - تعالى‏- : {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} [هود : 13] تحدّياً بعشر من السور القرآنيّة؛ لما في ذلك من التفنّن في البيان، والتنوّع في الأغراض من جهة الكثرة.

والعشرة من ألفاظ الكثرة كالمائة والألف، قال اللَّه- تعالى- : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة : 96]

إلى أن قال : وأمّا قوله- تعالى‏- : {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ } فكأنّه تحدٍّ بما يعمّ التحدّيات الثلاثة السابقة؛ فإنّ الحديث يعمّ السورة، والعشر سور، والقرآن كلّه، فهو تحدٍّ بمطلق الخاصّة القرآنيّة، وهو ظاهر (13) .

ويرد عليه : أنّ ما أفاده وحقّقه وإن كان في نفسه تامّاً لا ينبغي الارتياب فيه، إلّا أنّه يصلح وجهاً لأصل التحدّي بالواحد والكثير، والتفنّن والتنوّع في هذا المقام.

وأمّا التحدّي بالعشر بعد الواحد، المخالف للترتيب الطبيعي الذي يبتني عليه الإشكال، فما ذكره لا يصلح وجهاً له؛ ضرورة أنّه بعد التحدّي بالواحد بما فيه من الخاصّة الظاهرة الراجعة إلى غرض تامّ جامع من الأغراض الإلهيّة، كيف تصل النوبة إلى التحدّي بما يتضمّن التفنّن في البيان والتنوّع في الأغراض؟ فإنّ العاجز من الإتيان بما فيه غرض واحد جامع، كيف يتصوّر أن يقدر على ما فيه أغراض كثيرة متنوّعة؟ بداهة أنّ التنوّع فرع الواحد، فمجرّد اختلاف الغرض في باب التحدّي، وكون كلّ واحدة من الآيات الواردة في ذلك الباب مترتّباً عليها غرض خاصّ في مقام التحدّي، لا يوجب تصحيح الترتيب والنظم الطبيعي، أترى أنّ هذا الذي أفاده يسوّغ أن يكون التحدّي بمجموع القرآن متأخِّراً عن التحدّي بسورة واحدة، مع أنّ الغرض مختلف؟ فانقدح أنّ مجرّد الاختلاف لا يحسم مادّة الإشكال، وأنّ التحدّي بالعشر بعد الواحدة لا يكاد يمكن توجيهه بما ذكر.

ويمكن أن يقال في مقام التقصي عن الإشكال : إنّ تقييد العشر بكونها مفتريات، الوارد في هذه الآية فقط، يوجب الانطباق على ما يوافق النظم الطبيعي.

توضيح ذلك : أنّ الافتراء المدلول عليه بقوله - تعالى- : {مُفْتَرَياتٍ} يغاير الافتراء الواقع في صدر الآية في قوله - تعالى- : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ؛ فإنّ الافتراء

هناك افتراء بحسب نظر المدّعي، ولا يقبله الطرف الآخر بوجه، وفي الحقيقة يكون الافتراء المدّعى افتراءً واقعيّاً غير مطابق للواقع بوجه، ولكنّ الافتراء هنا افتراء مقبول للطرفين، والغرض - واللَّه أعلم - أنّ اتّصاف القرآن بالإعجاز وإن كان ركنه الذي يتقوّم به إنّما هو المقاصد الإلهية، والأغراض الربوبيّة التي تشتمل عليها ألفاظه المقدّسة، وعباراته الشريفة، إلّا أنّه لا ينحصر بذلك، بل لو فرض كون المطالب غير واقعيّة والقصص كاذبة، لكان البشر عاجزاً عن التعبير بمثل تلك الألفاظ، مع النظم الخاصّ والاسلوب المخصوص.

ففي الحقيقة : يكون التحدّي في هذه الآية- بعد الإغماض عن علوّ المطالب، وسموّ المعاني، وصدق القصص، وواقعيّة المفاهيم - بخلاف التحدّي الواقع في الآية الكريمة في سورة يونس؛ بالإتيان بسورة مثل سور القرآن؛ فإنّ ظاهره المماثلة من جهة المزايا الراجعة إلى المعنى والخصوصيّات المشتملة عليها الألفاظ معاً.

نعم، يبقى الكلام- بعد ظهور عدم كون المراد بالعشرة إلّا الكثرة لا العدد الخاصّ- في حكمة العناية بالكثرة، ولعلّها عبارة عن التنبيه على اشتمال الكتاب العزيز على خصوصيّة مفقودة في غيره، ولا يكاد يقدر عليها البشر، وإن بلغ ما بلغ، وهي الإتيان بقصّة واحدة بأساليب متعدّدة وتعبيرات مختلفة متساوية من حيث الوقوع في أعلى مرتبة البلاغة، وبذلك ترتفع الشبهة التي يمكن أن تخطر بالبال، بل بعض الناس أوردها على الإعجاز بالبلاغة والاسلوب.

وهي : أنّ الجملة أو السورة المشتملة على القصّة يمكن التعبير عنها بعبارات مختلفة تؤدّي المعنى، ولابدّ أن تكون عبارة منها ينتهي إليها حسن البيان، مع السلامة من كلّ عيب لفظيّ أو معنويّ، فمن سبق إلى هذه العبارة أعجز غيره عن الإتيان بمثلها؛ لأنّ تأليف الكلام في اللغة لا يحتمل ذلك، ولكنّ القرآن عبّر عن بعض المعاني وبعض القصص بعبارات مختلفة الاسلوب والنظم، من مختصر ومطوّل، والتحدّي في مثله لا يظهر في قصّة مخترعة مفتراة، بل لابدّ من التعدّد الذي يظهر فيه التعبير عن المعنى الواحد والقصّة الواحدة بأساليب مختلفة وتراكيب متعدّدة.

رابعها : ومن الآيات الدالّة على التحدّي قوله- تعالى- : { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور : 33، 34] والظاهر : أنّها ناظرة إلى التحدّي بمجموع القرآن؛ لأنّ المنساق من «الحديث» في مثل هذه الموارد هو الكتاب الكامل الجامع، ويؤيّده توصيفه بالمثل المضاف إلى القرآن الظاهر في مجموعه.

ولو تنزّلنا عن ذلك، فثبوت الإطلاق له بحيث يشمل ما دون سورة واحدة كجملة ونحوها في غاية الإشكال؛ وإن كان مقتضى ما حكيناه عن المفسّر المتقدّم ذلك، إلّا أنّه يبعّده- مضافاً إلى بعده في نفسه؛ فإنّ جملة واحدة من القرآن مشتملة على معنى ومقصود، كيف يكون البشر عاجزاً عن الإتيان بمثلها؟! وقد عرفت‏ (14) أنّ بعض المفسِّرين أنكر كون بعض السور كذلك، وإن استظهرنا من الكتاب خلافه- أ نّ التحدّي بسورة واحدة بعد ذلك، كما وقع في سورة البقرة المدنيّة، لا يبقى على هذا الفرض له مجال، فالإنصاف أ نّ تعميم «الحديث» بحيث يشمل ما دون سورة واحدة ممّا لا يرتضيه الذوق السليم، ولا يقتضيه التأمّل في آيات التحدّي في القرآن الكريم.

خامسها : قوله - تعالى‏ - : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة : 23]

واحتمل في ضمير «مثله» أن يكون راجعاً إلى «ما» الموصولة في‏ قوله- تعالى- : «ممّا نزّلنا» وأن يكون عائداً إلى العبد الذي هو الرسول الذي نزل عليه القرآن، فعلى الأوّل يوافق من حيث المدلول مع الآية الكريمة المتقدّمة الواقعة في سورة يونس، وعلى الثاني تمتاز هذه الآية من حيث ملاحظة من نزل عليه في مقام التحدّي.

والظاهر قوّة الاحتمال الأوّل؛ لأنّ المناسب بعد فرض الريب في الكتاب المنزل مع قطع النظر عمّن انزل عليه، كما هو الظاهر من قوله- تعالى- : {وَ إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى‏ عَبْدِنَا} الدالّ على أنّ متعلّق الريب نفس ما نزل هو التحدّي بخصوص ما وقع فيه الريب، مع عدم لحاظ الواسطة أصلًا.

ويؤيّده سائر آيات التحدّي، حيث كان مدلولها اشتمال نفس القرآن على خصوصيّة معجزة للغير عن الإتيان بمثله في جملته أو بسورة من مثله، مع أنّ لحاظ حال الواسطة، الذي نزل عليه الكتاب من حيث كونه امّيّاً ليس له سابقة تعلّم، ولم يتربَّ في حِجر معلِّم ومربٍّ أصلًا، ربّما يشعر بإشعار عرفيّ بأنّ الكتاب من حيث هو لا يكون بمعجز، بحيث لا يقدر البشر على الإتيان بمثله وإن كان بالغاً في العلم ما بلغ.

وبالجملة : فالظاهر عود الضمير إلى الكتاب، لا إلى من نزل عليه، وعلى تقديره، فالوجه في التعرّض له في هذه الآية يمكن أن يكون على ما في بعض التفاسير؛ من أنّه لمّا كان كفّار المدينة الذين يوجّه إليهم الاحتجاج أوّلًا وبالذات هم اليهود، وهم يعدّون أخبار الرسل في القرآن غير دالّة على علم الغيب؛ تحدّاهم بسورة من مثل النبيّ صلى الله عليه و آله في امّيته، ليشمل ذلك وغيره، مع بقاء التحدّي المطلق بسورة واحدة مثله على إطلاقه غير مقيّد بكونه من مثل محمّد صلى الله عليه وآله ‏(15) .

ولكن هذا الوجه مبنيّ على كون وجه التحدّي في الآية إرادة نوع خاصّ من الإعجاز، مع أنّه لم يثبت بل الظاهر من الآية خلافه، فتدبّر جيّداً.

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام : أنّ اتّصاف القرآن بأنّه معجز ممّا يدلّ عليه الآيات المشتملة على التحدّي، وأنّ مقتضاها اتّصاف كلّ سورة من سوره بذلك من دون فرق بين الطويلة والقصيرة، وأمّا ما دون السورة فلم يظهر من شي‏ء من هذه الآيات الكريمة كونه كذلك، وأمّا وجه الإعجاز، وأنّ إعجازه عامّ ومن جميع الجهات ، أو خاصّ ومن بعض الجهات، فسيأتي‏ (16) التعرّض له إن شاء اللَّه تعالى.

_________________________

1. وهو أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار النظّام ، شيخ الجاحظ؛ وهو من زعماء المعتزلة ، ونسبت إليه الفرقة النظاميّة، توفي سنة بضع وعشرين ومائتين في خلافة المعتصم العباسي أو الواثق.

ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي 9 : 213- 214 الرقم 1710.

وذكر الرافعي في إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة : 101، بأنّ النظّام شيطان المتكلّمين، وأنّه من شياطين أهل الكلام.

2. فقد ذهب إلى القول بالصرفة عددٌ من علماء المعتزلة وغيرهم وإن اختلفوا في المقصود منها.

فأبو إسحاق النظّام، ذهب إلى‏ أنّ إعجاز القرآن إنّما كان ب« الصِّرفة» أي : أنّ اللَّه - عزّ وجلّ- صرف البشر عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها، وخلق فيهم العجز عن محاكاته في أنفسهم وألسنتهم، ولولا أنّ اللَّه صرفهم عن ذلك لاستطاعوا أن يأتوا بمثله؛ أي كان مقدوراً لهم، ولكن عاقهم أمر خارجيّ.

.. وقد بالغ النظّام في القول بالصرفة حتى عُرِفت به، فصوّبه فيه قوم وشايعه عليه آخرون فيما خالفه جمع كثير، وكان من ردودهم عليه واعتراضاتهم أنّ قوله هذا يستلزم كون القرآن ليس معجزاً بذاته بل بأمر خارجي، بل الصرفة هي المعجزة لا القرآن.

...[ انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ت 671هـ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الجزء الأوّل : 75- 76] ، الإتقان في علوم القرآن 4 : 7 ، إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة : 101، التبيان في علوم القرآن للصابوني : 149.

وممّن ذهب إلى‏ هذا القول الشيخ المفيد؛ وهو من علماء الإماميّة، حيث قال في جهة إعجاز القرآن : إنّ جهة ذلك هو الصّرف من اللَّه - تعالى- لأهل الفصاحة واللّسان عن المعارضة للنبيّ صلى الله عليه وآله بمثله في النّظام عند تحدّيه لهم ، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله - وإن كان في مقدورهم - دليلًا على‏ نبوّته صلى الله عليه وآله، واللطف من اللَّه - تعالى‏ مستمرّ في الصّرف عنه إلى آخر الزمان، وهذا من أوضح برهان في الإعجاز وأعجب بيان، وهو مذهب النظّام ، وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال.

[ أوائل المقالات، المطبوع ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد 4 : 63].

3. التفسير الكبير للفخر الرازي : 1/ 349.

4. في ص 36- 38.

5. السور الثلاث( يونس وهود والإسراء) مكيّة إلّا بعض الآيات على‏ قول، لاحظ كتب التفاسير، منها : التفسير الكبير للفخر الرازي : 6/ 183 تفسير سورة يونس، و ص 312 تفسير سورة هود، و ج 7 : 291 تفسير سورة الإسراء.

والجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 8/ 304 تفسير سورة يونس، و ج 9/ 1 تفسير سورة هود، وج 10 : 203 تفسير سورة الإسراء.

6. عمدة القاري : 13/ 41، الإتقان في علوم القرآن : 1/ 47، روح المعاني : 11/ 79.

7. الحاكي هو الشيخ محمّد رشيد رضا في تفسير القرآن العظيم، المعروف ب« تفسير المنار» : 12/ 30 والعلّامة الطباطبائي في الميزان في تفسير القرآن : 10/ 168- 169.

8. التفسير الكبير للفخر الرازي : 1/ 349، الآية 23- 24 من سورة البقرة.

9. وهو الشيخ محمّد رشيد رضا في تفسير القرآن العظيم، المعروف ب « تفسير المنار» : 12/ 30- 34.

10. لم نعثر عليه عاجلًا.

11. هذا ما لخّصه صاحب تفسير الميزان : 10/ 169- 170.

12. المورد هو العلّامة الطباطبائي في الميزان في تفسير القرآن : 10/ 170.

13. الميزان في تفسير القرآن : 10/ 171- 174 تفسير الآية 13 من سورة هود.

14. في ص 28- 29.

15. تفسير القرآن العظيم ، المعروف ب « تفسير المنار» : 1/ 173.

16. في ص 41- 42.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .