المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
نظرية زحزحة القارات وحركة الصفائح Plate Tectonic and Drifting Continents
2024-11-24
نظرية ثاني اوكسيد الكاربون Carbon dioxide Theory
2024-11-24
نظرية الغبار البركاني والغبار الذي يسببه الإنسان Volcanic and Human Dust
2024-11-24
نظرية البقع الشمسية Sun Spots
2024-11-24
المراقبة
2024-11-24
المشارطة
2024-11-24

Source and Abundance of Tellurium
5-1-2019
الحقائق عن ميكانيكا الكم
17-9-2019
المسجد وتنشئة الجيل الاسلامي
19-1-2016
تميّز الجزاء الجنائي الإجرائي عن الجزاء الجنائي الموضوعي
17-4-2017
المحكم والمتشابه
26-04-2015
Liquid Lasers
9-3-2020


تفسير الأية (90-98) من سورة طه  
  
5722   03:27 مساءً   التاريخ: 9-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الطاء / سورة طه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-9-2020 2661
التاريخ: 7-9-2020 4477
التاريخ: 5-9-2020 7129
التاريخ: 9-9-2020 4020

 

قال تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا  } [طه: 90 - 98]

 

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل عود موسى إليهم { يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} يعني أن الله تعالى شدد عليكم التعبد فاعلموا إلهكم واعبدوه ولا تعبدوا العجل موعظة ونصحا ويحتمل أن يكون أراد فتنكم السامري به وأضلكم { وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي} أي: اتبعوني فيما أدعوكم إليه { وَأَطِيعُوا أَمْرِي} في عبادة الله ولا تتبعوا السامري ولا تطيعوا أمره في عبادة العجل { قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} معناه لا نزال مقيمين على عبادته { حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فننظر أيعبده كما عبدناه أم لا فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا فلما رجع موسى (عليه السلام) وهو ممتلىء غيظا منهم ومن عبادتهم العجل وسمع الصياح والجلبة إذ كانوا يرقصون حول العجل ويضربون الدفوف والمزامير واستقبله هارون فألقى الألواح وأخذ يعاتب هارون .

{ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} أي: هلا تتبعني بمن أقام على إيمانه عن ابن عباس وقيل معناه هلا قاتلتهم إذ علمت أني لوكنت فيهم لقاتلتهم وقيل هلا لحقت بي حين رأيتهم ضلوا بعبادة العجل قبل استحكام الأمر والأصل أن لا مزيدة وتقديره ما منعك أن تتبعني { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} فيما أمرتك به يريد قوله اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم نسبه إلى عصيانه وقيل إن صورته صورة الاستفهام والمراد به التقرير لأن موسى (عليه السلام) كان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره.

 (سؤال) متى قيل إن الظاهر يقتضي أن موسى كان أمره باللحاق به فعصى هارون أمره قلنا يجوز أن يكون أمره بذلك بشرط المصلحة ورأى هارون الإقامة أصلح والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ويجوز أن يكون لم يأمره بذلك وإنما أمره بمجاهدتهم وزجرهم عن القبيح وإنما عاتبه مع أن اللوم توجه على القوم لأن أمره بمفارقتهم لوم عليهم وقيل إن موقع الذنب ممن عظمت رتبته أعظم فلما كان هارون أجل من خلفه موسى خصه باللائمة وهذا إنما يتجه إذا ثبت لهارون ذنب فأما وهو نقي الجيب من جميع الذنوب بريء الساحة من العيوب فالقول الأول هو الوجه.

 {قال} هارون { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} قد فسرناه في سورة الأعراف وقيل كانت العادة جارية في القبض عليهما في ذلك الزمان كما أن العادة في زماننا هذا القبض على اليد والمعانقة وذلك مما تختلف العادة فيه بالأزمنة والأمكنة وقيل إنه أجراه مجرى نفسه إذا غضب في القبض على لحيته لأنه لم يكن يتهم عليه كما لا يتهم على نفسه ثم بين (عليه السلام) عذره في مقامه معهم فقال { إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} يعني إني لو فارقتهم أو قاتلتهم لصاروا أحزابا وتفرقوا فرقا ففريق يلحقون بك معي وفريق يقيمون مع السامري على عبادة العجل وفريق يتوقفون شاكين في أمره مع أني لم آمن إن تركتهم أن يصيروا بالخلاف إلى تسافك الدماء وشدة التصميم والثبات على اتباع السامري فإنهم كانوا يمتنعون بعض الامتناع بمكاني فيهم وكنت أوجه إليهم من الإنكار مقدار ما يتحمله الحال وذلك قوله {يا قوم إنما فتنتم به} فاعتذر بما يقبل مثله لأنه وجه واضح من وجوه الرأي.

 وقوله { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } معناه: ولم تحفظ وصيتي ولم تعمل به حين قلت اخلفني في قومي وأصلح ولما ظهرت براءة ساحة هارون أقبل على السامري {قال} له { فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} أي: ما شأنك وما دعاك إلى ما صنعت فكأنه قال ما هذا الخطب والأمر العظيم الذي أحدثت وما حملك عليه {قال} السامري { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أي: رأيت ما لم يروه وقيل معناه علمت ما لم يعلموا من البصيرة { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أي: قبضت قبضة تراب من أثر قدم جبرائيل {فنبذتها} في العجل {وكذلك} أي وكما حدثتك يا موسى { سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} أي: زينت لي نفسي من أخذ القبضة وإلقائها في صورة العجل وقيل معناه حدثتني نفسي فأما حديث العجل وما الذي قبضه السامري وكيفية ذلك واختلافهم فيه فقد سبق ذكره .

ثم حكى سبحانه عن موسى (عليه السلام) {قال} للسامري { فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} واختلف في معناه فقيل أنه أمر الناس بأمر الله أن لا يخالطوه ولا يجالسوه ولا يؤاكلوه تضييقا عليه والمعنى لك أن تقول لا أمس ولا أمس ما دمت حيا قال ابن عباس لك ولولدك والمساس فعال من المماسة ومعنى لا مساس لا يمس بعضنا بعضا فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه أحد عاقبه الله تعالى بذلك وكان إذا لقي أحدا يقول {لا مساس} أي: لا تقربني ولا تمسني وصار ذلك عقوبة له ولولده حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإن مس واحد من غيرهم واحدا منهم حم كلاهما في الوقت وقيل إن السامري خاف وهرب فجعل يهيم في البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده عن الناس كالقائل لا مساس عن الجبائي .

{ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ} أي: وعدا لعذابك يعني يوم القيامة لن تخلف ذلك الوعد ولن يتأخر عنك قال الزجاج المعنى يكافيك الله على ما فعلت يوم القيامة.

 { وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} معناه: وأنظر إلى معبودك الذي ظلت على عبادته مقيما يعني العجل {لنحرقنه} بالنار { ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} أي: لنذرينه في البحر قال ابن عباس فحرقه ثم ذرأه في البحر وهذا يدل على أنه كان حيوانا لحما ودما وعلى القراءة الأخرى لنحرقنه أي لنبردنه بالمبرد يدل على أنه كان ذهبا وفضة ولم يصر حيوانا ونبه (عليه السلام) بذلك على أن ما يمكن سحقه أوإحراقه لا يصلح للعبادة وقال الصادق (عليه السلام) إن موسى (عليه السلام) هم بقتل السامري فأوحى الله سبحانه إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي.

 ثم أقبل موسى على قومه فقال { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي: هو الذي يستحق العبادة { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أي: يعلم كل شيء علما تاما وهي لفظة عجيبة في الفصاحة وفي ذلك دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا لكونه معلوما.

______________

1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج7،ص49-55.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ولَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي } . حين ذهب موسى إلى الطور قال لأخيه هارون : « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ » - 142 الأعراف . وأصلح هارون كما أمره موسى ، فنصح منذرا ومحذرا بني إسرائيل من السامري وعجله ، وقال لهم فيما قال : ما الذي غركم من هذا العجل حتى افتتنتم به هذا الافتتان ، وانصرفتم إليه عن خالق السماوات والأرض ! فاتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ، فما كان جواب قومه إلا أن { قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى } لنرى رأيه في ذلك . . وكأنهم ينتظرون من موسى ان يسفه هارون في نهيه ، ويصوبهم في عبادة العجل لأنه من ذهب . . وكل من آثر المال على دينه وضميره ، أو اتبع ضالا على ضلاله فهو من أتباع السامري وحزبه . . وقد ابتلى اللَّه عباده في كل عصر بعجل له خوار مصنوع من ذهب ، أو من نسل آدم ، يميز به صفوة خلقه من الهمج الرعاع أتباع كل ناعق .

{ قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } . هذا في ظاهره لوم أو عتاب لهارون ، أما في واقعه فهو توبيخ وتقريع للذين عبدوا العجل ، لأن موسى على علم اليقين بأن أخاه هارون لم ولن يخالفه في شيء ، وانه قام بواجب الإرشاد على أكمل الوجوه لأنه شريكه في النبوة والعصمة { قال يا ابن أم  تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي } تقدم في الآية 150 من سورة الأعراف .

{انِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } قال موسى لهارون : لما ذا لم تترك بني إسرائيل ، وتلحق بي إذ رأيتهم يعصونك ويتبعون السامري ؟ فأجابه هارون بأني توقعت إذا تركتهم ان تقع فتنة يسفك فيها الدماء بين الفئة المؤمنة منهم والفئة التي ارتدت عن دينها بعبادة العجل ، وعندها تنعكس الآية ، ويحق لك ان تلومني على تركهم ، وان تقول لي : أتتركهم كي يحدث ما حدث ! وخلاصة الجواب ان الذي يراه الشاهد لا يراه الغائب .

فاقتنع موسى وقال : { رَبِّ اغْفِرْ لِي ولأَخِي وأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } - 151 الأعراف . ثم اتجه موسى إلى السامري و { قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ } ؟ ما الذي دعاك إلى ما صنعت { قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } قيل : المراد بالرسول

هنا جبريل ، وباثره التربة التي وطئها هو برجله ، أو فرسه بحافره . وقيل :

بل المراد بالرسول موسى ، وبأثره سنته . وقيل : ان السامري كاذب في قوله ، وانه ما بصر بشيء ، ولا قبض شيئا من اثر الرسول ، وانما أراد التهرب من تبعة ما حدث . وهذا أرجح الأقوال ، وأقربها إلى الافهام من رجل جبريل وحافر فرسه . . ومن صنع العجل بيده ، ودعا إلى عبادته من دون اللَّه يهون عليه الكذب والافتراء . . أما الخوار فمن الجائز أن يكون السامري صنع العجل على هيئة بحيث يخرج منه صوت الثيران بواسطة الريح أو غيرها ، كما قلنا في ج 3 ص 395 .

ومهما يكن فان المعنى الذي دل عليه ظاهر القرآن ان السامري هو الذي أفسد وأضل بني إسرائيل في عبادة العجل ، أما كيف صنعه فنحن غير مكلفين بمعرفة ذلك ، ولا صلة له بعقيدتنا وحياتنا .

{ قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ } . هذا هو جزاؤك في الدنيا ، الطرد والعزل عن الناس ، كل الناس . . لا تخالط أحدا ، ولا أحد يخالطك في قول أو فعل ، أما عقابك في الآخرة فأدهى وأمر . وقيل : ان السامري عاش مدة حياته في البرية مع الوحوش والسباع { وإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ } . لا محيص عنه ولا مفر منه ، وهو لقاؤك مع اللَّه ، وحسابك على ما أسلفت وافتريت ، وجزاؤك عليه بالعذاب الأليم ، وحريق الجحيم .

{ وانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً } .

هذه هي نهاية كل مزيف ماكر . . الخزي والهوان ، والنسف في البحر ، أو الطرح مع القمامة { إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهً إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } . هو وحده الإله الحق ، ولا معبود سواه ، وسعت رحمته كل شيء ، وأحاط علمه بكل شيء ، وما من شيء إلا يعبده ويسبّح بحمده .

غرائب إسرائيل :

من المفيد ان نختم تفسير هذه الآيات بما جاء في تفسير الرازي :

« قال أبو القاسم الأنصاري : كان السحرة مشركين ، ولما رأوا آية واحدة هي انقلاب العصا ثعبانا آمنوا باللَّه وبموسى ، وتحملوا من أجل ايمانهم العذاب الشديد في الدنيا ، ولم يرجعوا عن الايمان ، أما بنو إسرائيل فقد رأوا ما رآه السحرة ، وأيضا رأوا اعتراف السحرة وايمانهم بموسى ، ثم رأوا الآيات التسع مدة مديدة ، ثم رأوا انفلاق البحر اثني عشر طريقا سلكوها بأنفسهم ، ورأوا هلاك عدوهم بأعينهم ، ومع هذا كله لما خرجوا من البحر ورأوا قوما يعبدون البقر قالوا لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، وما إن سمعوا صوتا من عجل حتى عكفوا على عبادته » .

وكم تمنيت ،وأنا أفسر الآيات التي نزلت في بني إسرائيل ، وحكت شذوذهم وغرائبهم ، كم تمنيت أن تتألف لجنة من العلماء بالإنسان وغرائزه لدراسة الإسرائيليين وطبيعتهم في ضوء سيرتهم وتاريخهم القديم والحديث لنعلم هل هم من البشر ظاهرا وواقعا ،أو انهم لا يشبهون الناس في شيء ، ولا أحد من الناس يشبههم في شيء إلا في الشكل والصورة ؟ كما يومئ إلى ذلك الكثير من آي القرآن الكريم .

أنظر ج 1 ص 122 وج 2 ص 337 وص 389 .

_____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 238-241.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} تأكيد لتوبيخهم وزيادة تقرير لجرمهم، والمعنى: أنهم مضافا إلى عدم تذكرهم بما تذكرهم به ضرورة عقولهم وعدم انتهائهم عن عبادة العجل إلى البصر والعقل لم يعتنوا بما قرعهم من طريق السمع أيضا، فلقد قال لهم نبيهم هارون إنه فتنة فتنوا به وإن ربهم الرحمن عز اسمه وإن من الواجب عليهم أن يتبعوه ويطيعوا أمره.

فردوا على هارون قائلين: لن نبرح ولن نزال عليه عاكفين أي ملازمين لعبادته حتى يرجع إلينا موسى فنرى ما ذا يقول فيه وما ذا يأمرنا به.

قوله تعالى:{ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } رجع (عليه السلام) بعد تكليم القوم في أمر العجل إلى تكليم أخيه هارون إذ هو أحد المسئولين الثلاثة في هذه المحنة استخلفه عليهم وأوصاه حين كان يوادعه قائلا:{ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ }.

وكأن قوله:{منعك} مضمن معنى دعاك أي ما دعاك، إلى أن لا تتبعن مانعا لك عن الاتباع أوما منعك داعيا لك إلى عدم اتباعي فهو نظير قوله:{قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك}: الأعراف: 12.

والمعنى: قال موسى معاتبا لهارون: ما منعك عن اتباع طريقتي وهو منعهم عن الضلال والشدة في جنب الله أ فعصيت أمري أن تتبعني ولا تتبع سبيل المفسدين؟.

قوله تعالى:{قَالَ يا بن أم لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي } إلخ،{يا بن أم} أصله يا بن أمي وهي كلمة استرحام واسترآف قالها لإسكات غضب موسى، ويظهر من قوله:{لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} إنه أخذ بلحيته ورأسه غضبا ليضربه كما أخبر به في موضع آخر:{وأخذ برأس أخيه يجره إليه:} الأعراف: 150.

وقوله:{ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} تعليل لمحذوف يدل عليه اللفظ ومحصله لو كنت مانعتهم عن عبادة العجل وقاومتهم بالغة ما بلغت لم يطعني إلا بعض القوم وأدى ذلك إلى تفرقهم فرقتين: مؤمن مطيع، ومشرك عاص، وكان في ذلك إفساد حال القوم بتبديل اتحادهم واتفاقهم الظاهر تفرقا واختلافا وربما انجر إلى قتال وقد كنت أمرتني بالإصلاح إذ قلت لي:{أصلح ولا تتبع سبيل المفسدين} فخشيت أن تقول حين رجعت وشاهدت ما فيه القوم من التفرق والتحزب: فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي.

هذا ما اعتذر به هارون وقد عذره موسى ودعا له ولنفسه كما في سورة الأعراف بقوله:{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ:} الأعراف: 151.

قوله تعالى:{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ } رجوع منه (عليه السلام) بعد الفراغ من تكليم أخيه إلى تكليم السامري وهو أحد المسئولين الثلاثة وهو الذي أضل القوم.

والخطب: الأمر الخطير الذي يهمك، يقول: ما هذا الأمر العظيم الذي جئت به؟.

قوله تعالى:{ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} قال الراغب في المفردات،: البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله:{كلمح البصر}{وإذ زاغت الأبصار} وللقوة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله:{ فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} وقال:{ما زاغ البصر وما طغى} وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر، قال تعالى:{ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ} ولا يكاد يقال للجارحة: بصيرة، ويقال من الأول: أبصرت، ومن الثاني: أبصرته وبصرت به، وقلما يقال في الحاسة بصرت إذا لم تضامه رؤية القلب. انتهى.

وقوله:{فقبضت قبضة} قيل: إن القبضة مصدر بمعنى اسم المفعول وأورد عليه أن المصدر إذا استعمل كذلك لم تلحق به التاء، يقال: هذه حلة نسج اليمن، ولا يقال: نسجه اليمن، فالمتعين حمله في الآية على أنه مفعول مطلق.

ورد بأن الممنوع لحوق التاء الدالة على التحديد والمرة لا على مجرد التأنيث كما هنا، وفيه أن كون التاء هنا للتأنيث لا دليل عليه فهو مصادرة.

وقوله:{من أثر الرسول} الأثر شكل قدم المارة على الطريق بعد المرور، والأصل في معناه ما بقي من الشيء بعده بوجه بحيث يدل عليه كالبناء أثر الباني والمصنوع أثر الصانع والعلم أثر العالم وهكذا، ومن هذا القبيل أثر الأقدام على الأرض من المارة.

والرسول هو الذي يحمل رسالة وقد أطلق في القرآن على الرسول البشري الذي يحمل رسالة الله تعالى إلى الناس وأطلق بهذه اللفظة على جبريل ملك الوحي، قال تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ:} التكوير: 19، وكذا أطلق لجمع من الملائكة الرسل كقوله:{ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ:} الزخرف: 80، وقال أيضا في الملائكة:{ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ}: فاطر: 1.

والآية تتضمن جواب السامري عما سأله موسى (عليه السلام) بقوله:{فما خطبك يا سامري} وهو سؤال عن حقيقة ذاك الأمر العظيم الذي أتى به وما حمله على ذلك، والسياق يشهد على أن قوله:{ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } جوابه عن السبب الذي دعاه إليه وحمله عليه وأن تسويل نفسه هو الباعث له إلى فعل ما فعل وأما بيان حقيقة ما صنع فهو الذي يشير إليه بقوله:{ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } ولا نجد في كلامه تعالى في هذه القصة ولا فيما يرتبط بها في الجملة ما يوضح المراد منه ولذا اختلفوا في تفسيره.

ففسره الجمهور وفاقا لبعض الروايات الواردة في القصة أن السامري رأى جبريل وقد نزل على موسى للوحي أو رآه وقد نزل راكبا على فرس من الجنة قدام فرعون وجنوده حين دخلوا البحر فأغرقوا فأخذ قبضة من تراب أثر قدمه أو أثر حافر فرسه ومن خاصة هذا التراب أنه لا يلقى على شيء إلا حلت فيه الحياة ودخلت فيه الروح فحفظ التراب حتى إذا صنع العجل ألقى فيه من التراب فحيي وتحرك وخار.

فالمراد بقوله:{ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} إبصاره جبريل حين نزل راجلا أو راكبا رآه وعرفه ولم يره غيره من بني إسرائيل، وبقوله:{ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا} فقبضت قبضة من تراب أثر جبريل أو من تراب أثر فرس جبريل - والمراد بالرسول جبريل - فنبذتها أي ألقيت القبضة على الحلي المذاب فحيي العجل فكان له خوار!.

وأعظم ما يرد عليه مخالفة هذه الروايات - وستوافيك في البحث الروائي التالي - للكتاب فإن كلامه تعالى ينص على أن العجل كان جسدا له خوار والجسد هو الجثة التي لا روح لها ولا حياة فيها، ولا يطلق على الجسم ذي الروح والحياة البتة.

مضافا إلى ما أوردوه من وجوه الإشكال على الروايات مما سيجيء نقله في البحث الروائي الآتي.

ونقل عن أبي مسلم في تفسير الآية أنه قال ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكروه، وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى (عليه السلام) وأثره سنته ورسمه الذي أمر به ودرج عليه فقد يقول الرجل فلان يقفو أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه.

وتقرير الآية على ذلك أن موسى (عليه السلام) لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم بالعجل قال: بصرت بما لم يبصروا به أي عرفت أن الذي عليه القوم ليس بحق وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أي شيئا من دينك فنبذتها أي طرحتها ولم أتمسك بها وتعبيره عن موسى بلفظ الغائب على نحوقول من يخاطب الأمير: ما قول الأمير في كذا؟ ويكون إطلاق الرسول منه عليه نوعا من التهكم حيث كان كافرا مكذبا به على حد قوله تعالى حكاية عن الكفرة:{يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} انتهى ومن المعلوم أن خوار العجل على هذا الوجه كان لسبب صناعي بخلاف الوجه السابق.

وفيه أن سياق الآية يشهد على تفرع النبذ على القبض والقبض على البصر ولازم ما ذكره تفرع النبذ على البصر والبصر على القبض فلو كان ما ذكره حقا كان من الواجب أن يقال: بصرت بما لم يبصروا به فنبذت ما قبضته من أثر الرسول أو يقال: قبضت قبضة من أثر الرسول فبصرت بما لم يبصروا به فنبذتها.

وثانيا: أن لازم توجيهه أن يكون قوله تعالى:{وكذلك سولت لي نفسي} إشارة إلى سبب عمل العجل وجوابا عن مسألة موسى{ما خطبك}؟ ومحصله أنه إنما سواه لتسويل من نفسه أن يضل الناس فيكون مدلول صدر الآية أنه لم يكن موحدا ومدلول ذيلها أنه لم يكن وثنيا فلا موحد ولا وثني مع أن المحكي من قول موسى بعد:{ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ } إلخ إنه كان وثنيا.

وثالثا أن التعبير عن موسى وهو مخاطب بلفظ الغائب بعيد.

ويمكن أن يتصور للآية معنى آخر بناء على ما ذكره بعضهم أن أوزار الزينة التي حملوها كانت حلي ذهب من القبط أمرهم موسى أن يحملوها وكانت لموسى أو منسوبة إليه وهو المراد بأثر الرسول فالسامري يصف ما صنعه بأنه كان ذا بصيرة في أمر الصباغة والتقليب يحسن من صنعة التماثيل ما لا علم للقوم به فسولت له نفسه أن يعمل لهم تمثال عجل من ذهب فأخذ وقبض قبضة من أثر الرسول وهو الحلي من الذهب فنبذها وطرحها في النار وأخرج لهم عجلا جسدا له خوار، وكان خواره لدخول الهواء في فراغ جوفه وخروجه من فيه على ضغطة بتعبئة صناعية. هذا.

ويبقى الكلام على التعبير عن موسى وهو يخاطبه بالرسول، وعلى تسمية حلي القوم أثر الرسول، وعلى تسمية عمل العجل وكان يعبده تسويلا نفسانيا.

قوله تعالى:{ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ } هذه مجازاة له من موسى (عليه السلام) بعد ثبوت الجرم.

فقوله:{قال فاذهب} قضاء بطرده عن المجتمع بحيث لا يخالط القوم ولا يمس أحدا ولا يمسه أحد بأخذ أو عطاء أو إيواء أو صحبة أو تكليم وغير ذلك من مظاهر الاجتماع الإنساني وهو من أشق أنواع العذاب، وقوله:{فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} - ومحصله أنه تقرر وحق عليك أن تعيش فردا ما دمت حيا - كناية عن تحسره المداوم من الوحدة والوحشة.

وقيل: إنه دعاء من موسى عليه وأنه ابتلي إثر دعائه بمرض عقام لا يقترب منه أحد إلا حمي حمى شديدة فكان يقول لمن اقترب منه: لا مساس لا مساس، وقيل: ابتلي بوسواس فكان يتوحش ويفر من كل من يلقاه وينادي لا مساس وهو وجه حسن لو صح الخبر.

وقوله:{وإن لك موعدا لن تخلفه} ظاهره أنه إخبار عن هلاكه في وقت عينه الله وقضاه قضاء محتوما ويحتمل الدعاء عليه، وقيل: المراد به عذاب الآخرة.

قوله تعالى:{وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا} قال في المجمع،: يقال: نسف فلان الطعام إذا ذرأه بالمنسف ليطير عنه قشوره.انتهى.

وقوله:{ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا } أي ظللت ودمت عليه عاكفا لازما، وفيه دلالة على أنه كان اتخذه إلها له يعبده.

وقوله:{ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا } أي أقسم لنحرقنه بالنار ثم لنذرينه في البحر ذروا، وقد استدل بحديث إحراقه على أنه كان حيوانا ذا لحم ودم ولو كان ذهبا لم يكن لإحراقه معنى، وهذا يؤيد تفسير الجمهور السابق أنه صار حيوانا ذا روح بإلقاء التراب المأخوذ من أثر جبريل عليه.

لكن الحق أنه إنما يدل على أنه لم يكن ذهبا خالصا لا غير.

وقد احتمل بعضهم أن يكون لنحرقنه من حرق الحديد إذا برده بالمبرد، والمعنى: لنبردنه بالمبرد ثم لنذرين برادته في البحر وهذا أنسب.

قوله تعالى:{ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} الظاهر أنه من تمام كلام موسى (عليه السلام) يخاطب به السامري وبني إسرائيل وقد قرر بكلامه هذا توحده تعالى في ألوهيته فلا يشاركه فيها غيره من عجل أو أي شريك مفروض، وهو بسياقه من لطيف الاستدلال فقد استدل فيه بأنه تعالى هو الله على أنه لا إله إلا هو وبذلك على أنه لا غير إلههم.

قيل: وفي قوله:{وسع كل شيء علما} دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا لكونه معلوما وفيه مغالطة فإن مدلول الآية أن كل ما يسمى شيئا فقد وسعه علمه لا أن كل ما وسعه علمه فهو يسمى شيئا والذي ينفع المستدل هو الثاني دون الأول.

_____________

1- تفسير الميزان ،الطباطباطئي،ج14،ص156-161.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لا شكّ أنّ هارون، خليفة موسى ونبي الله الكبير، لم يرفع يده عن رسالته في هذا الصخب والغوغاء، وأدّى واجبه في محاربة الإنحراف والفساد قدر ما يستطيع، كما يقول القرآن: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ } ثمّ أضاف: {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ}.

لقد كنتم عبيداً فحرّركم، وكنتم أسرى فأطلقكم، وكنتم ضالّين فهداكم، وكنتم متفرّقين مبعثرين فجمعكم ووحدّكم تحت راية رجل ربّاني، وكنتم جاهلين فألقى عليكم نور العلم وهداكم إلى صراط التوحيد المستقيم، فالآن {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}.

أنسيتم أنّ أخي موسى قد نصّبني خليفة له وفرض عليكم طاعتي؟ فلماذا تنقضون الميثاق؟ ولماذا ترمون بأنفسكم في هاوية الفناء؟

إلاّ أنّ بني إسرائيل تمسكّوا بهذا العجل عناداً، ولم يؤثّر فيهم المنطق السليم القوي لهذا الرجل، ولا أدلّة هذا القائد الحريص، وأعلنوا مخالفتهم بصراحة: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}(2).

والخلاصة: إنّهم ركبوا رؤوسهم وقالوا: الأمر هو هذا ولا شيء سواه، ويجب أن نعبد العجل حتّى يرجع موسى ونطلب منه الحكم والقضاء، فلعلّه يسجد معنا

للعجل! وعلى هذا فلا تتعب نفسك كثيراً، وكفّ عنّا يدك!

وبهذا لم يذعن بنو إسرائيل لأمر العقل ولا لأمر خليفة قائدهم وزعيمهم أيضاً.

ولكن، كما كتب المفسّرون ـ والقاعدة تقتضي ذلك أيضاً ـ فإنّ هارون لمّا أدّى رسالته في هذه المواجهة، ولم يقبل أكثر بني إسرائيل كلامه، إبتعد عنهم بصحبة القلّة الذين اتّبعوه، لئلاّ يكون إختلاطهم بهؤلاء دليلا على إمضاء طريقهم المنحرف.

والعجيب أنّ بعض المفسرين ذكروا أنّ هذا التبدّل والإنحراف في بني إسرائيل قد حدث في أيّام قليلة فحسب، فبعد أن مضت (35) يوماً على ذهاب موسى (عليه السلام) إلى ميقات ربّه، شرع السامري بعمله، وطلب من بني إسرائيل أن يجمعوا كلّ أدوات الزينة التي أخذوها كعارية من الفراعنة وما أخذوه منهم بعد غرقهم، ووضعوها جميعاً في اليوم السادس والثلاثين والسابع والثلاثين والثامن والثلاثين في موقد النّار، وأذابوها ثمّ صنعوا منها تمثال العجل، وفي اليوم التاسع والثلاثين دعاهم السامري إلى عبادته، فقبلها جماعة عظيمة ـ وعلى بعض الرّوايات ستمائة ألف شخص ـ وفي اليوم التالي، أي في نهاية الأربعين يوماً، رجع موسى(3).

ولكن إفترق عنهم هارون مع القلّة من المؤمنين الثابتين، والذين كان عددهم قرابة إثني عشر ألفاً، في حين أنّ الأغلبية الجاهلة كادوا أن يقتلوه!

نهاية السّامري المريرة:

تعقيباً على البحث الذي تناولته الآيات السابقة حول تقريع موسى وملامته لبني إسرائيل الشديدة على عبادتهم العجل، تعكس هذه الآيات التي نبحثها ـ في البداية ـ محاورة موسى (عليه السلام) مع أخيه هارون (عليه السلام)، ثمّ مع السامري.

فخاطب أوّلا أخاه هارون {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ}أفلم أقل لك أن {أخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين}(الاعراف،142)؟ فلماذا لم تهب لمحاربة عبادة العجل هذه؟

بناءً على هذا، فإنّ المراد من جملة (ألاّ تتّبعن) هو: لماذا لم تتّبع طريقة عملي في شدّة مواجهة عبادة الأصنام؟ أمّا ما قاله بعض المفسّرين من أنّ المراد هو: لماذا لم تثبت معي على التوحيد مع الذين ثبتوا، ولم تأت معي إلى جبل الطور، فيبدو بعيداً جدّاً، ولا يتناسب كثيراً والجواب الذي سيبديه هارون في الآيات التالية.

ثمّ أضاف: (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)؟ لقد كان موسى (عليه السلام) يتحدّث بهذا الكلام مع أخيه وهو في فورة وسَورة من الغضب، وكان يصرخ في وجهه، وقد أخذ برأسه ولحيته يجرّه إليه. فلمّا رأى هارون غضب أخيه الشديد قال له ـ من أجل تهدئته وليقلّل من فورته، وكذلك ليبيّن عذره وحجّته في هذه الحادثة ضمناً .. {قَالَ ياَبْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.

كان هارون في الحقيقة يُشير إلى كلام موسى (عليه السلام) الذي وجّهه إليه عند توجّهه إلى الميقات، وكان محتواه الدعوة إلى الإصلاح ـ الآية (142) من سورة الأعراف ـ فهو يريد أن يقول: إنّي إذا كنت قد أقدمت على الإشتباك معهم كان ذلك خلاف أمرك، وكان من حقّك أن تؤاخذني. وبهذا أثبت هارون براءته، وخاصّةً مع ملاحظة الجملة الاُخرى التي وردت الآية (150) من سورة الأعراف: { إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي}.

وهنا ينقدح السؤال التالي وهو: لا شكّ أنّ كلاًّ من موسى وهارون نبي، فكيف يوجّه موسى (عليه السلام) هذا العتاب واللهجة الشديدة إلى أخيه، وكيف نفسّر دفاع هارون عن نفسه؟!

ويمكن القول في الجواب: إنّ موسى (عليه السلام) كان متيقّناً من براءة أخيه، إلاّ أنّه أراد أن يثبت أمرين بهذا العمل.

الأوّل: أراد أن يُفهم بني إسرائيل أنّهم قد ارتكبوا ذنباً عظيماً جدّاً، وأي ذنب؟! الذنب الذي ساق هارون الذي كان نبيّاً عظيماً إلى المحكمة، وبتلك الشدّة من المعاملة، أي إنّ المسألة لم تكن بتلك البساطة التي كان يتصوّرها بنو إسرائيل. فإنّ الإنحراف عن التوحيد والرجوع إلى الشرك، وذلك بعد كلّ هذه التعليمات، وبعد رؤية كلّ تلك المعجزات وآثار عظمة الحقّ، أمر لا يمكن تصديقه، ويجب الوقوف أمامه بكلّ حزم وشدّة.

قد يشقّ الإنسان جيبه، ويلطم على رأسه عندما تقع حادثة عظيمة أحياناً، فكيف إذا وصل الأمر إلى عتاب أخيه وملامته، ولا شكّ أنّ هذا الاُسلوب مؤثّر في حفظ الهدف وترك الأثر النفسي في الاُناس المنحرفين، وبيان عظمة الذنب الذي إرتكبوه. كما لا شكّ في أنّ هارون ـ أيضاً ـ كان راضياً كلّ الرضى عن هذا العمل.

الثّاني: هو أن تثبت للجميع براءة هارون من خلال التوضيحات التي يبديها، حتّى لا يتّهموه فيما بعد بالتهاون في أداء رسالته.

وبعد الإنتهاء من محادثة أخيه هارون وتبرئة ساحته، بدأ بمحاكمة السامري: لماذا فعلت ما فعلت، وما هدفك من ذلك؟: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}؟ فأجابه و {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.

تُرى ما كان مقصود السامري من كلامه هذا؟! للمفسّرين قولان مشهوران ...

الأوّل: إنّ مراده هو: إنّني رأيت جبرئيل على فرس، عند مجيء جيش فرعون إلى ساحل البحر، يرغّب ذلك الجيش في المسير في تلك الطرق اليابسة في البحر، وكان يسير أمامهم، فقبضت شيئاً من تراب قدمه، أو «مركبه» وأدّخرته لهذا اليوم، فألقيته داخل العجل الذهبي، وما هذا الصوت إلاّ من أثر ذلك التراب الذي أخذته.

الثّاني: إنّني آمنت ـ بداية الأمر ـ بقسم من آثار الرّسول (موسى)، ثمّ شككت فيها فألقيتها بعيداً وملت إلى عبادة الأصنام، وكان هذا عندي أجمل وأحلى.

فعلى التّفسير الأوّل فإنّ كلمة «الرسول» تعني جبرئيل، وعلى التّفسير الثّاني تعني «موسى» (عليه السلام). «والأثر» في التّفسير الأوّل بمعنى تراب القدم، وفي الثّاني يعني بعض تعليمات موسى (عليه السلام). و «نبذتها» على التّفسير الأوّل بمعنى إلقاء التراب داخل العجل، وعلى الثّاني ترك تعليمات موسى (عليه السلام). وأخيراً فإن {بصرت بما لم يبصروا} تشير ـ طبق التّفسير الأوّل إلى جبرئيل الذي كان قد تجلّى في هيئة فارس ـ وربّما رآه بعض آخر لكنّهم لم يعرفوه ـ إلاّ أنّها تشير ـ وفقاً للتفسير الثّاني إلى ما كان لديه من معلومات خاصّة عن دين موسى (عليه السلام).

وعلى كلّ حال، فإنّ لكلّ واحد من هذين التّفسيرين أنصاراً، وله نقاط واضحة أو مبهمة، لكن ـ كمحصّلة نهائية ـ يبدو أنّ التّفسير الثّاني هو الأفضل والأنسب من عدّة جهات، خاصّة وأنّا نقرأ في حديث ورد في كتاب (الإحتجاج) إنّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) لمّا فتح البصرة أحاط الناس به ـ وكان من بينهم «الحسن البصري» وقد جلبوا معهم ألواحاً يكتبون فيها ما يقوله أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقال له أمير المؤمنين بأعلى صوته: «ما تصنع؟» قال: أكتب آثاركم لنحدّث بها بعدكم، فقال أمير المؤمنين: «أما إنّ لكلّ قوم سامرياً، وهذا سامري هذه الاُمّة! إلاّ أنّه لا يقول: لا مساس، ولكنّه يقول: لا قتال»(4).

ويستفاد من هذا الحديث أنّ السامري كان رجلا منافقاً، فإن توسّل لإغواء الناس وإضلالهم ببعض المطالب والمقولات الصحيحة التي تعلّمها سابقاً، وهذا المعنى ينسجم والتّفسير الثّاني أكثر.

من الواضح أنّ جواب السامري عن سؤال موسى (عليه السلام) لم يكن مقبولاً بأي وجه، ولذلك فإنّ موسى (عليه السلام) أصدر قرار الحكم في هذه المحكمة، وحكم بثلاثة أحكام عليه وعلى عجله، فأوّلا: (قال فاذهب فإنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس) أي يجب عليك الإبتعاد عن الناس وعدم الإتّصال بهم إلى آخر العمر، فكلّما أراد شخص الإقتراب منك، فعليك أن تقول له: لا تتّصل بي ولا تقربني. وبهذا الحكم الحازم طرد السامري من المجتمع وجعله في عزلة تامّة. منزوياً بعيداً عنهم!

قال بعض المفسّرين: إنّ جملة (لا مساس) إشارة إلى أحد القوانين الجزائية في شريعة موسى (عليه السلام) التي كانت تصدر في حقّ من يرتكب جريمة كبيرة، وكان ذلك الفرد يبدو كموجود شرّير نجس قذر، فلا يقربه أحد ولا يقرب أحداً(5). فاضطرّ السامري بعد هذه الحادثة أن يخرج من جماعة بني إسرائيل ويترك دياره وأهله، ويتوارى في الصحراء، وهذا هو جزاء الإنسان الذي يطلب الجاه ويريد إغواء جماعة عظيمة من المجتمع ببدعه وأفكاره الضالّة، ويجمعهم حوله، ويجب أن يُحرم مثل هذا ويعزل، ولا يتّصل به أيّ شخص، فإنّ هذا الطرد وهذه العزلة أشدّ من الموت والإعدام على مثل السامري وأضرابه. لأنّه يعامل معاملة النجس الملوّث فيطرد من كلّ مكان.

وقال بعض المفسّرين: إنّ موسى دعا على السامري ولعنه بعد ثبوت جرمه وخطئه، فإبتلاه الله بمرض غامض خفي جعله ما دام حيّاً لا يمكن لأحد أن يمسّه، وإذا مسّه فسيبتلى بالمرض. أو أنّ السامري قد اُبتلي بمرض نفسي ووسواس شديد، والخوف من كلّ إنسان، إذ كان بمجرّد أن يقترب منه أي إنسان يصرخ {لا تمسّني}(6).

والعقاب الثّاني: إنّ موسى (عليه السلام) قد أسمعه وأعلمه بجزائه في القيامة فقال: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ}(7).

والثالث: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}.

وهنا يأتي سؤالان:

الأوّل: إنّ جملة (لنحرقنّه) تدلّ على أنّ العجل كان جسماً قابلا للإشتعال، وهذا يؤيّد عقيدة من يقولون: إنّ العجل لم يكن ذهبيّاً، بل تبدّل إلى موجود حي بسبب تراب قدم جبرئيل.

ونقول في الجواب: إنّ ظاهر جملة {جسداً له خوار} هو أنّ العجل كان جسداً لا روح فيه، كان يخرج منه صوت يشبه خوار العجل بالطريقة التي قلناها سابقاً. أمّا مسألة الإحراق فمن الممكن أن تكون لأحد سببين:

أحدهما: إنّ هذا التمثال لم يكن ذهبيّاً خالصاً، بل يحتمل أن يكون من الخشب، ثمّ طلي بالذهب.

والآخر: إنّه على فرض أنّه كان من الذهب فقط، فإنّ إحراقه كان للتحقير والإهانة وتعرية شكله الظاهري وإسقاطه، كما تكرّر هذا الأمر في تماثيل الملوك المستكبرين الجبابرة في عصرنا!

بناءً على هذا فإنّهم بعد حرقه كسروه قطعاً صغيرة بآلات معيّنة، ثمّ ألقوا ذرّاته في البحر.

والسؤال الآخر هو: هل يجوز إلقاء كلّ هذا الذهب في البحر، ألا يُعدّ إسرافاً؟

والجواب: قد يكون مثل هذا التعامل مع الأصنام واجباً في بعض الأحيان، إذا اُريد منه تحقيق هدف أهمّ وأسمى، كتحطيم وسحق فكرة عبادة الأصنام، لئلاّ يبقى بين الناس مادّة الفساد، وتكون باعثاً للوسوسة في صدور بعض الناس.

وبعبارة أوضح: فإنّ موسى (عليه السلام) لو أبقى الذهب الذي استُعمل في صناعة العجل، أو قسّمه بين الناس بالسويّة، فربّما نظر إليه الجاهلون يوماً ما نظرة تقديس، وتحيا فيهم من جديد فكرة عبادة العجل، فيجب أن تتلف هذه المادّة الغالية الثمن فداءً لحفظ عقيدة الناس، وليس هناك اُسلوب آخر لذلك وبهذا فإنّ موسى بطريقته الحازمة وتعامله الجازم الذي إتّخذه مع السامري وعجله إستطاع أن يقطع مادّة عبادة العجل، وأن يمحو آثارها من العقول، وسنرى فيما بعد كيف أثّر هذا التعامل القاطع مع عبّاد العجل في عقول بني إسرائيل(8).

وشخّص موسى في آخر جملة، ومع التأكيد الشديد على مسألة التوحيد، حاكمية نهج الله، فقال: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا }فليس هو كالأوثان المصنوعة التي لا تسمع كلاماً، ولا تجيب سائلا، ولا تحلّ مشكلة، ولا تدفع ضرّاً.

في الواقع، إنّ جملة { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } جاءت في مقابل وصف العجل وجهله وعجزه الذي ذكر قبل عدّة آيات.

_____________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص179-189.

2ـ (لن نبرح) من مادّة (برح) بمعنى الزوال، وإنّ ما نراه في أنّ معنى جملة (برح الخفاء) أي الظهور والوضوح لأنّ زوال الخفاء ليس إلاّ الظهور، ولمّا كانت (لن) تدلّ على النفي، فإنّ معنى جملة (لن نبرح) أنّنا سنستمر في هذا العمل.

3- مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث.

4- نور الثقلين الجزء3 ص392.

5- تفسير في ظلال القرآن. المجلّد الخامس ص494.

6- تفسير القرطبي، الجزء6، ص4281.

7ـ (لن تخلفه) فعل مبني للمجهول نائب فاعله السامري، وضميره مفعول ثان، وفاعل الفعل في الأصل هو الله، ومعنى الجملة في الجملة: إنّ لك موعداً لا يخلفه الله لك.

 8ـ نقرأ نظير هذا التعامل القاطع من أجل قلع جذور الأفكار المنحرفة في شأن مسجد ضرار في القرآن كإشارة سريعة، وفي التاريخ والحديث بصورة مفصّلة، بأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر أوّلا بحرق مسجد ضرار، وأن يهدموا الباقي منه، ويجعلوا مكانه محلاًّ لأوساخ وقاذورات وفضلات الناس (ولمزيد التوضيح راجع التّفسير الأمثل في ذيل الآيات 107 ـ 110 من سورة التوبة).

 

 

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .