أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016
1356
التاريخ: 1-9-2016
1546
التاريخ: 1-9-2016
2752
التاريخ: 8-8-2016
1372
|
الإتيان بالمأمور به على وجهه وبلا زيادة ونقيصة موجب لسقوط الأمر، ولا يعقل مع ذلك بقائه؛ لكونه طلبا لتحصيل الحاصل من دون فرق في ذلك بين التوصّلي والتعبّدى، وأمّا وجوب الإتيان ثانيا في التعبّديّات لو أخلّ بقصد القربة فإمّا من جهة اعتبار ذلك في المأمور به، وإمّا من جهة تعلّق الأمر بالإتيان بالفعل ثانيا بعد سقوط الأمر الأوّل؛ لعدم حصول الغرض الأصلي، وقد عرفت تفصيل ذلك فيما تقدّم.
ولا بين العناوين الأوّليّة للمكلّف والثانويّة، ولا في الثانية بين ما يكون من قبيل الاضطرار كفقدان الماء بالنسبة إلى الأمر بالتيمّم وما يكون من قبيل الشكّ، كالشكّ في وجوب السورة بالنسبة إلى الأمر بالصلاة بلا سورة، ويسمّى الأوامر المتعلّقة بالاولى بالواقعيّة الثانوية، لكون موضوعها هو العاجز عن الإتيان بالواقع الأوّلي، والأوامر المتعلّقة بالثانية بالظاهريّة؛ لكون موضوعها هو الجاهل بالواقع والشاك فيه.
فمن كان تكليفه الصلاة قاعدا إذا أتى بها كذلك فلا شكّ في سقوط الأمر بالصلاة قاعدا عنه، ولا إشكال لأحد في ذلك كلّه، سوى ما مرّ من تصوير عدم السقوط في التعبّدي لكون الغرض متعلّقا بالأخصّ، وعرفت دفعه وأنّه لا محيص عن الإشكال إلّا بالالتزام بتعدّد الأمر أو بتقيّد متعلّقه بأحد الوجهين السابقين.
وإنّما الكلام في أنّ امتثال الأوامر المتعلّقة بالعناوين الثانويّة أعمّ من الواقعيّة الثانويّة والظاهريّة مسقط للأوامر الواقعيّة ومجز عنها أولا؟
فمن فقد الماء وتيمّم ثمّ وجده إمّا في الوقت بناء على عدم اعتبار استيعاب الفقدان لتمام الوقت أو في خارجه مطلقا، فهل يقتضي دليل وجوب الوضوء أداء أو قضاء أدائه على الأوّل وقضائه على الثاني أو لا؟ تحقيق ذلك يقتضي الكلام في موضعين:
الأوّل: في إجزاء الامتثال للأوامر المتعلّقة بالقسم الأوّل من العناوين الثانوية عن الواقع وعدمه وهو يتمّ بالبحث في مقامين:
الأوّل: في تصوير أنحاء تعلّق الأمر بهذا القسم من العناوين بحسب مقام اللبّ والثبوت اللازم من بعضها الإجزاء ومن البعض الآخر عدمه
والثاني في أنّ الأوامر الشرعيّة المتعلّقة بهذه العناوين يكون على أيّ نحو من هذه الأنحاء بحسب ما يستفاد من أدلّتها.
المقام الأوّل: اعلم أنّه يتصوّر تعلّق الأمر بهذه العناوين على أنحاء.
الأوّل: أن تكون المصلحة التي تحصل من الفعل التام بالنسبة إلى الفاعل المختار حاصلة بعينها من الفعل الناقص بالنسبة إلى الفاعل العاجز.
الثاني: أن يكون المصلحة التي تحصل من الأوّل والتي تحصل من الثاني متغايرتين بالسنخ.
الثالث: أن يكونا متّحدتين بالسنخ، لكن كانت الاولى مرتبة شديدة كاملة منه، والثانية مرتبة ضعيفة ناقصة وهذا يتصوّر على نحوين:
الأوّل: أن تكون زيادة المصلحة الاولى على الثانية لازم الاستيفاء، وإنّما لم يستوفها الآمر من العاجز لعجزه عمّا يحصل هذه الزيادة به من الفعل التامّ.
الثاني: أن تكون راجح الاستيفاء بحيث لو أمكن للمختار تحصيل الأصل على حدة وتحصيل الفرع على حده كان الأوّل عليه واجبا والثاني مستحبّا، لكن حيث انحصر في حقّه تحصيل الأصل فيما يحصل بسببه الفرع أيضا كان هو الواجب عليه، وصورة كون الزيادة لازم الاستيفاء أيضا يكون على نحوين:
الأوّل: أن تكون الزيادة ممكن الاستيفاء بعد إتيان المكلّف بما يحصل بسببه الأصل من الفعل الناقص.
والثاني: أن تكون غير ممكن الاستيفاء بعد ذلك.
فلا شكّ على النحو الأوّل من هذه الأنحاء في حصول الإجزاء وعدم لزوم الإعادة عند زوال العذر؛ إذ لا وجه للزومها بعد إدراك عين المصلحة الحاصلة بالفعل التام بتمامها وكما لها، بل طلب الإعادة حينئذ لغو، بل يجوز حينئذ أن يزيل المختار القدرة والاختيار عن نفسه، وكذا يجوز البدار بأن يبادر الفاعل عند عدم التمكّن إلى الفعل الناقص مع العلم بحصول التمكّن في آخر الوقت أو رجاء حصوله، أو يبادر الآمر إلى الأمر به مع ذلك.
ولازم النحو الثاني أنّه متى تبدّل العنوان وصار المكلّف متمكّنا بعد الإتيان بالفعل الناقص وجب عليه الفعل التام؛ لأنّ المصلحة القائمة به مغايرة للمصلحة الاولى وملزمة، إلّا أن يكون إيجاد الفعل الناقص في حال عدم التمكّن مفنيا لموضوع هذه المصلحة.
ولازم النحو الثالث- وهو أن يكون المصلحتان من باب الزائد والناقص وكانت الزيادة لازم الاستيفاء وممكنة- عدم حصول الإجزاء بمعنى أنّه يجب عند التمكّن الإتيان بالفعل التام لتحصيل هذه الزيادة، بل يجوز حينئذ البدار للمكلّف إلى الإتيان وإن كان يرجو زوال عذره، بل وإن كان يقطع بذلك، وكذا الآمر إلى الإيجاب على المكلّف وإن كان ممّن يزول عذره في علم اللّه في الوقت، لعدم استلزامه لتفويت مصلحة لزوميّة بل لتفكيك مصلحتين لزوميّتين في التحصيل، هذا إذا كانت المصلحة مرتّبة على الاضطرار الفعلي، وأمّا لو كانت مرتبة على الاضطرار المستوعب في الوقت، فلا يتعلّق التكليف بالفعل الاضطراري إلّا على من كان في علم اللّه مضطرّا في تمام الوقت، فلو أتى بالفعل في أوّل الوقت ثمّ انقطع عذره في الأثناء يكشف عن عدم كون ما أتى به مأمورا به، وكذا الكلام في النحو الخامس.
ولازم النحو الرابع- وهو أن تكون الزيادة واجب الاستيفاء وغير ممكنة- حصول الإجزاء وعدم وجوب الإتيان بالفعل التام عند عود التمكّن؛ للغويّته بعد عدم إمكان إحراز المصلحة الفائتة به، وعلى هذا لا يجوز للآمر الأمر بالناقص بمجرّد حصول العجز في بعض الوقت مع العلم بزواله في آخره أو رجاء ذلك، ولا للمكلّف سلب التمكّن من نفسه لمنافاة جوازهما، للزوم الزيادة وعدم إمكان استيفائها.
ولازم النحو الخامس وهو أن تكون الزيادة غير لازم الاستيفاء واضح أنّه الإجزاء وجواز البدار؛ لعدم لزوم استيفاء الزيادة.
المقام الثاني: اعلم أنّه يمكن استظهار عدم وجوب إعادة الفعل كاملا على من أتى به ناقصا للعجز إذا تمكّن منه كاملا من قوله تعالى: «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا» الخ، وبيانه أنّه إذا توجّه من المولى الخطاب العام بالصلاة إلى جميع المكلّفين فقال: اقيموا الصلاة ثمّ قال بعد ذلك: إذا أردتم الصلاة فالواجد منكم للماء لا بدّ أن يتوّضأ والفاقد أن يتمّم والجنب أن يغتسل فلا شكّ أنّ الظاهر من هذا عرفا أنّ هذه الحقيقة الواحدة المطلوبة من الجميع يختلف كيفيّة امتثالها باختلاف الأشخاص، وأنّ الفعل الناقص من الفاقد يقوم مقام الكامل من الواجد ويفيد فائدته من إسقاط ذاك الأمر العام، وأنّ ذلك من باب قيام الركعتين من المسافر مقام الأربع ركعات من الحاضر، لا من باب ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.
وعلى هذا فأحد الحكمين ليس في طول الآخر بل كلاهما في عرض واحد ومرتبة واحدة، وتوصيف أحدهما بالأوليّة والآخر بالثانويّة إنّما هو باعتبار حال متعلّقهما لا نفسهما، حيث إنّ الاختيار والقدرة هو مقتضى الطبيعة الأوّلية لنوع المكلّفين، فيكون الاضطرار عنوانا ثانويّا على خلاف الأصل.
فيعلم ممّا استفيد من الآية من الإجزاء أنّ فعل المضطرّ لا يخلو إمّا أن يكون محصّلا لعين مصلحة فعل المختار كما هو النحو الأوّل، أو مع زيادة في الثاني غير لازم الاستيفاء كما هو النحو الخامس، أو مع زيادة فيه لازم الاستيفاء وغير ممكنة كما هو النحو الثالث.
وربّما يتمسّك لتعيّن أحد الأوّلين بأنّ مفاد الآية الشريفة بإطلاقها أنّ المكلّف لو لم يجد الماء سواء كان في تمام الوقت أم في أوّله يتيمّم، فيدلّ على جواز البدار عند عدم الوجدان في أوّل الوقت، ومن المعلوم أنّه لو كان في فعل الوضوء زيادة مصلحة غير ممكن الاستيفاء لما جاز ذلك، بل وجب الصبر إلى آخر الوقت.
ولكنّك خبير بأنّه لا إطلاق في الآية حتّى يتمسّك به على جواز البدار، وذلك لأنّ عدم الوجدان إذ اخذ في مقابل وقت موسّع كوقت الصلاة فلا شكّ أنّه لا يتحقّق إلّا بعدم الوجدان في تمام أجزاء هذا الوقت، ولا إطلاق به بالنسبة إلى عدم الوجدان في بعضه فقط وإن كان يصدق عليه عدم الوجدان لغة.
ثمّ على تقدير عدم الدليل على الإجزاء يتعيّن الرجوع إلى الأصل وهو هنا البراءة؛ لأنّ الشكّ في حدوث التكليف بعمل المختار عند حدوث الاختيار بعد العلم بعدمه في حال الاضطرار، بل يمكن استصحاب عدمه الثابت في تلك الحال بناء على ما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى، ولا فرق في ذلك بين الإعادة والقضاء.
لا يقال: مقتضى وجوب قضاء ما فات وجوب العمل التام عليه لصدق فوت العمل التام عنه
لأنّا نقول: يعتبر في صدق الفوت اشتمال العمل على المصلحة المقتضية للإيجاب عليه ولم يستوفها المكلّف، والمفروض احتمال استيفاء المكلّف العاجز تلك المصلحة بإتيان الناقص ومع هذا الاحتمال نشكّ في صدق الفوت الذي هو موضوع ادلّة القضاء.
الموضع الثاني: في أنّ الأحكام الظاهريّة المجعولة للشاكّ في الواقع هل هي مجزية عن الواقع لو انكشف للمكلّف في الوقت أو في خارجه أولا؟ مثلا لو قام على وجوب صلاة الجمعة أمارة وعمل بها المكلّف ثمّ صار في الوقت عالما بخطائها وأنّ الواجب هي الظهر فهل يجب عليه حينئذ الإتيان بالظهر؟ وكذا لو علم بذلك في خارج الوقت أولا؟
الكلام في ذلك مبنيّ على الوجهين في كيفيّة جعل الأمارات والتعبّد بها:
الأوّل وهو المنسوب إلى الشيخ قدّس سرّه أن يكون على وجه السببية وهي أن يكون قيام الأمارة سببا لحدوث مصلحة في مؤدّاها؛ فإنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها وهي تختلف باختلاف الوجوه والاعتبارات، وكوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا كالاضطرار، وكون الفعل ممّا أخبر بوجوبه الثقة مثلا صفة من صفاته، فيمكن أن يحدث فيه بواسطة هذه الصفة مصلحة تكون هي أقوى من مصلحة الواقع في نظر الشارع على تقدير مخالفته للواقع.
الثاني: أن يكون على وجه الطريقيّة بأن يكون المتعلّق للحكم والمصلحة أبدا هو الواقع من دون أن يكون في نفس سلوك الأمارة مصلحة، إلّا أنّه لمّا اقتضت الحكمة تسهيل الأمر على المكلّفين ونصب الطرق الموصلة إلى الواقع لهم جعل الشارع هذه الطرق طريقا إليه، فإن عمل بها المكلّف وكانت مؤدّية إلى الواقع فهو، وإن كانت مؤدّية إلى خلافه فالمكلّف صفر اليد عن المصلحة أصلا لكنّه معذور كالجاهل المركّب، وبناء العلماء في هذه الأزمنة على هذه الوجه كما يأتي إنشاء اللّه في جواب ابن قبة.
فعلى الأوّل الكلام هنا هو الكلام في الأحكام الواقعيّة الثانويّة بحسب مقام الثبوت، فيجري الأنحاء الخمسة السابقة هنا، والفرق بينهما في ثبوت الدليل هناك في مقام الإثبات وعدمه هنا؛ فإنّ الأصل أعني السببية لا دليل عليه والتكلّم فيه إنّما هو على وجه البناء، فالفرع وهو كونها على وجه يوجب الإجزاء وعدمه كذلك بطريق أولى، فيتعيّن الرجوع في مقام العمل إلى الأصل، وأمّا أنّه البراءة أو الاشتغال فسيأتي بيانه.
وأمّا على الثاني فلا وجه لسقوط الأمر الواقعي بموافقة الأمر الظاهري مع انكشاف المخالفة في الوقت؛ لوضوح أنّ سقوط الأمر إمّا أن يكون من جهة الإطاعة وهي مفروض الانتفاء في المقام وإمّا أن يكون من جهة العصيان وانقضاء الوقت وهو أيضا مفروض العدم هنا، وإمّا أن يكون من جهة عدم بقاء المحلّ للأمر الواقعي مع موافقة الأمر الظاهري، وهذا وإن كان محتملا، لكنّ الأصل وحكم العقل هو الاشتغال.
وذلك لأنّ العقل كما أنّه مستقلّ فيما إذا علم العبد بتوجّه الخطاب إليه في زمان علمه ثمّ شكّ في الزمان البعد في حصول المبرئ وعدمه بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة وعدم صلاحيّة احتمال خصوص المبرئ حجّة له عند مولاه على تقدير عدم حصوله واقعا، فكذلك هو مستقلّ بهذا الحكم فيما إذا علم في الزمان اللاحق بتوجّه الخطاب إليه في الزمان السابق، وشكّ في هذا الحال في بقاء الخطاب لاحتمال حصول المسقط قبل ذلك اتّفاقا بلا فرق، مثلا لو علم في أوّل الظهر بتوجّه خطاب توصّلي إليه قبل ذلك ممتدّ من أوّل الطلوع إلى الغروب ولكن احتمل أن يكون قد تبرّع بالفعل متبرّع فيكون التكليف عنه ساقطا، فهو وإن كان في زمان علمه شاكّا في فعليّة التكليف وبقائه، وفي زمان فعليّته وهو زمان ما قبل الظهر غير عالم به، لكنّ العقل يحكم عليه بوجوب الإتيان وعدم قبح العقاب على تقدير عدمه وعدم حصول التبرّع من الغير.
وبالجملة، فيكفي في حكم العقل بالاشتغال العلم بثبوت التكليف الفعلي في زمان ما وإن لم يكن هذا الزمان ظرفا للعلم.
ومن هنا يظهر أنّه على القول بكون العلم الإجمالي منجّزا للتكليف لا فرق بين أن يكون العلم بنجاسة أحد الإنائين مثلا حاصلا قبل خروج أحدهما عن مورد الابتلاء، وبين أن يكون حاصلا بعده في وجوب الاجتناب عن الإناء الآخر؛ لحصول العلم بتوجّه خطاب «اجتنب عن النجس» في كلتا الصورتين وإن كان هذا العلم في الصورة الثانية حاصلا في زمان الشكّ في بقاء الخطاب.
هذا فيما إذا انكشف خطاء الأمارة بعد العمل في الوقت، وكذا لو انكشف في خارجه؛ فإنّ المكلّف قد فاته حينئذ مصلحة الواقع من دون تداركه بشيء بالفرض، فيشمله قوله: اقض ما فات، فإنّ القضاء ليس تابعا لترك الفعل في الوقت عصيانا، بل تابع لفوت المصلحة ولهذا يجب على النائم في تمام الوقت.
فعلم أنّ القاعدة الأوّليّة بناء على الطريقيّة هو عدم الإجزاء لو انكشف الخطاء بعد العمل، فإن لزم من ذلك في بعض الموارد العسر الشديد والحرج الأكيد- كما لو علم بخطاء الأمارة القائمة على طهارة ماء الغسالة بعد عدم الاحتراز عنه والصلاة مع الثوب الملاقي له في مدّة طويلة واريد رفع ذلك بأدّلة رفع الحرج- يصير ذلك قاعدة ثانويّة، ولو دلّ دليل خاص في مورد خاص على الإجزاء فلا بدّ من حمله على كون موافقة الأمر الظاهري مفوّتا لموضوع الأمر الواقعي؛ إذ الجمع بين الإجزاء والطريقيّة لا يحصل إلّا بهذا. ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون مورد الأحكام الظاهريّة الشبهات الموضوعيّة أو الحكميّة.
وحاصل الكلام أنّ الغرض الموجب للحكم حدوثا موجب له بقاء ما لم يحصل، وبعد ما فرضنا أنّ متعلّقات الأحكام الظاهريّة ليست مشتملة على مصالح حتّى يتوّهم حصول تلك الأغراض الموجبة للتكليف بالواقعيّات بإتيانها وإنّما فائدتها رفع تنجيز الواقعيّات في مورد ثبوتها وكونها عذرا عنها في صورة التخلّف فلا وجه لتوهّم الإجزاء؛ لأنّه إن كان المراد سقوط الأمر بالواقعيّات بمجرّد امتثال الأمر الظاهري فلا يعقل مع بقاء الغرض الذي أوجب الأمر، وإن كان المراد كونها معذورا فيها مع بقاء الأمر بها وارتفاع الشكّ فلا يعقل أيضا؛ لاستقلال العقل بعدم معذوريّة من علم بتكليف المولى.
نعم يمكن أن يوجب امتثال الأمر الظاهري عدم القابليّة لاستدراك المصلحة القائمة بالواقع، فيسقط الأمر به من هذه الجهة، وهذا الاحتمال مع كونه بعيدا في حدّ نفسه لا يصير منشأ للتوقّف؛ إذ غايته الشكّ في السقوط وهو بعد العلم بالثبوت مورد للاشتغال.
هذا إذا علم أنّ جعل الأحكام الظاهريّة من باب الطريقيّة، ولو شكّ في أنّه كذلك أو من باب السببيّة، أو علم أنّه من باب السببيّة، ولكن شكّ في أنّ الإتيان بالمشكوك هل هو واف بتمام الغرض الموجب للأمر بالواقع أو بمقدار يجب استيفائه أو لم يكن كذلك، فهل الأصل في تمام ما ذكرنا يقتضي الإجزاء أو عدمه، أو التفصيل بين ما إذا كان منشأ الشكّ في الإجزاء وعدمه الشكّ في أنّ جعل الأحكام الظاهريّة من باب السببيّة أو الطريقيّة، وما إذا كان منشأ الشكّ فيه الشكّ في كيفيّة المصلحة القائمة بالفعل المشكوك المتعلّق للأمر بعد إحراز أنّ الجعل من باب السببيّة؟.
والحقّ أن يقال بأنّ مقتضى الأصل عدم الاجزاء مطلقا، بيان ذلك أنّ الأحكام الواردة على الشكّ سواء قلنا بأنّها جعلت لمصلحة في متعلّقاتها أو قلنا بأنّها جعلت من جهة الطريقيّة إنّما جعلت في طول الأحكام الواقعيّة؛ لأنّ موضوعها الشكّ في الواقعيّات بعد الفراغ عن جعلها، فلا يمكن أن تكون رافعة لها، غاية الأمر أنّ الإتيان بمتعلّقاتها إن قلنا بأنّ الجعل فيها من باب السببية وأنّها وافية بمصالح الواقعيّات مجز عنها، وهذا غير ارتفاع الأحكام الواقعيّة وانحصار الحكم الفعلي بمؤدّي الطريق.
إذا عرفت ذلك فنقول: لو أتى المكلّف بما يؤدّي إليه الطريق، فإن قطع باشتمال ما أتى به على المصلحة المتحقّقة في الواقع فهو، وإلّا فبعد انكشاف الخلاف يجب عليه إتيان الواقع سواء كان الشكّ في السقوط وعدمه مستندا إلى الشكّ في جهة الحكم الظاهري، أو في وفاء المصلحة المتحقّقة في متعلّق الحكم الظاهري لإدراك ما في الواقع، بعد إحراز أنّ الجعل إنّما يكون من جهة المصلحة الموجودة في المتعلّق؛ إذ يشترك الجميع في أنّ المكلّف يعلم حين انكشاف الخلاف بثبوت تكليف عنه في الجملة ويشكّ في سقوطه عنه، وهذا الشكّ مورد للاشتغال العقلي.
وممّا ذكرنا يظهر لك الفرق بين المقام والمقام السابق الذي قلنا فيه بالبراءة من الإعادة والقضاء بعد إتيان ما اقتضاه التكليف في حال الاضطرار.
توضيح الفرق أنّ المكلّف في حال الاضطرار ليس عليه إلّا الفعل الناقص الذي اقتضاه تكليفه في ذلك الحال، فلو كلّف بعد ارتفاع العذر بالفعل التامّ فهو تكليف ابتدائي جديد والشكّ فيه مورد للبراءة بخلاف حال الشكّ؛ فإنّ ما وراء هذا التكليف الذي اقتضاه الدليل في حال الشكّ واقع محفوظ، فإذا ارتفع الشكّ يتبيّن له ذلك الواقع الثابت ويشكّ في سقوطه عنه، هذا ما أدّى إليه نظري القاصر في المقام وعليك بالتأمّل التام.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|