أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-5-2020
3144
التاريخ: 27-5-2020
3407
التاريخ: 27-5-2020
3986
التاريخ: 27-5-2020
4337
|
قال تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُو إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزخرف : 66 - 80] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
قال سبحانه موبخا لهم {هل ينظرون} أي هل ينتظر هؤلاء الكفار بعد ورود الرسل والقرآن {إلا الساعة} أي القيامة {أن تأتيهم بغتة} أي فجاة {وهم لا يشعرون} أي لا يدرون وقت مجيئها {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو} معناه أن الذين تخالوا وتواصلوا في الدنيا يكون بعضهم أعداء لبعض ذلك اليوم يعني يوم القيامة وهم الذين تخالوا على الكفر والمعصية ومخالفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما يرى كل واحد منهم من العذاب بسبب تلك المصادقة .
ثم استثنى من جملة الأخلاء المتقين فقال {إلا المتقين} من المؤمنين الموحدين الذي خال بعضهم بعضا على الإيمان والتقوى فإن تلك الخلة تتأكد بينهم يوم القيامة ولا تنقلب عداوة {يا عباد لا خوف عليكم اليوم} أي يقال لهم وقت الخوف : يا عبادي! لا خوف عليكم من العذاب اليوم {ولا أنتم تحزنون} من فوات الثواب ثم وصف سبحانه عباده وميزهم من غيرهم فقال {الذين آمنوا ب آياتنا} أي صدقوا بحججنا ودلائلنا واتبعوها {وكانوا مسلمين} أي مستسلمين لأمرنا خاضعين منقادين و{الذين آمنوا} في محل النصب على البدل من عبادي أو الصفة له ثم بين سبحانه ما يقال لهم بقوله {أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم} اللاتي كن مؤمنات مثلكم وقيل يعني أزواجهم من الحور العين في الجنة {تحبرون} أي تسرون وتكرمون وقد مر تفسيره في سورة الروم .
{يطاف عليهم بصحاف} أي بقصاع {من ذهب} فيها ألوان الأطعمة {وأكواب} أي كيزان لا عرى لها وقيل بانية مستديرة الرأس اكتفى سبحانه بذكر الصحاف والأكواب عن ذكر الطعام والشراب {وفيها} أي وفي الجنة {ما تشتهيه الأنفس} من أنواع النعيم المشروبة والمطعومة والملبوسة والمشمومة وغيرها {وتلذ الأعين} أي وما تلذه العيون بالنظر إليه وإنما أضاف الالتذاذ إلى الأعين وإنما الملتذ على الحقيقة هو الإنسان لأن المناظر الحسنة سبب من أسباب اللذة فإضافة اللذة إلى الموضع الذي يلذ الإنسان به أحسن لما في ذلك من البيان مع الإيجاز وقد جمع الله سبحانه بقوله {ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} ما لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يصفوا ما في الجنة من أنواع النعيم لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان .
{وأنتم فيها} أي في الجنة وأنواع من الملاذ {خالدون} أي دائمون مؤبدون {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} أي أعطيتموها بأعمالكم قال ابن عباس الكافر يرث نار المؤمن والمؤمن يرث جنة الكافر وهذا كقوله {أولئك هم الوارثون} {لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} جمع لهم بين الطعام والشراب والفواكه وبين دوام ذلك فهذه غاية الأمنية ثم أخبر سبحانه عن أحوال أهل النار فقال {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون} دائمون {لا يفتر عنهم} العذاب أي لا يخفف عنهم {وهم فيه مبلسون} آيسون من كل خير .
ولما بين سبحانه ما يفعله بالمجرمين بين أنه لم يظلمهم بذلك فقال {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} نفوسهم بما جنوا عليها من العذاب {ونادوا يا مالك} أي ويدعون خازن جهنم فيقولون يا مالك {ليقض علينا ربك} أي ليمتنا ربك حتى نتخلص ونستريح من هذا العذاب {قال} أي فيقول مالك مجيبا لهم {إنكم ماكثون} أي لابثون دائمون في العذاب قال ابن عباس والسدي إنما يجيبهم مالك بذلك بعد ألف سنة وقال عبد الله بن عمر بعد أربعين عاما {لقد جئناكم} أي يقول الله تعالى لقد أرسلنا إليكم الرسل {بالحق} أي جاءكم رسلنا بالحق وأضافه إلى نفسه لأنه كان بأمره وقيل هومن قول مالك وإنما قال {لقد جئناكم} لأنه من الملائكة وهم من جنس الرسل عن الجبائي {ولكن أكثركم} معاشر الخلق {للحق كارهون} لأنكم ألفتم الباطل فكرهتم مفارقته .
{أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون} أي بل أحكموا أمرا في كيد محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمكر به {فإنا مبرمون} أي محكمون أمرا في مجازاتهم {أم يحسبون} أي بل أ يظن هؤلاء الكفار {أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} أي ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم والسر ما يضمره الإنسان في نفسه ولا يظهره لغيره والنجوى ما يحدث به المحدث غيره في الخفية {بلى}(2) نسمع ذلك وندركه {ورسلنا لديهم يكتبون} ما يقولونه ويفعلونه يعني الحفظة وسبب نزول الآية مذكور في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص93-96 .
2- [ أي : بل ] .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ؟ هذا تهديد ووعيد لمن ألَّه عيسى . وتقدم مثله في سورة يوسف الآية 107 .
{الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} . المراد بالعداء هنا انقطاع الصلة سواء أكان معه تباغض وتلاعن أم لم يكن ، والمعنى ان صلة الحب والصداقة التي كانت في الدنيا قائمة بين الناس تنقطع يوم القيامة وتزول إلا إذا كان مصدرها الأخوة في اللَّه والتعاون على طاعته ، فإنها عندئذ تستمر إلى ما لا نهاية بل تنمو وتزداد كلما طال المدى لأن ما كان للَّه ينمو . . هذا ، إلى أن أهل الجنة أسرة واحدة على اختلاف قومياتهم وبلادهم في الدنيا ، قال تعالى : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر : 47] .
{يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ولا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} . هذا أمان اللَّه من الحزن والخوف غدا لمن آمن باللَّه واتقاه {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ} . هذا بيان وتفسير لعباد اللَّه وانهم الذين آمنوا به وانقادوا لطاعته ، وان جزاءهم عنده تعالى أن يدخلهم الجنة مع أزواجهم الصالحات ، ومعنى تحبرون تسرون أي ان ثوابهم لا يقف عند الأمن وعدم الخوف بل يتعداه إلى النعيم والحبور ، وأيضا {يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وأَكْوابٍ} . الصحاف للطعام ، والأكواب للشراب {وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} من الملذات الروحية والمادية {وتَلَذُّ الأَعْيُنُ} من المناظر الجميلة {وأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ} إلى ما لا نهاية {وتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الجنة حق لكم أيها المؤمنون العاملون تماما كالإرث من مورثكم لأنكم في الحياة الدنيا عملتم من أجلها {لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ} . طعام وشراب وفاكهة أيضا . والذي تشتهيه الأنفس لا يبلغه الحصر ، لأن شهوة النفس لا ضابط لها ، وكذلك لذة العين .
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} .
بعد أن ذكر سبحانه الهادين المهديين ذكر الضالين المضلين ، وانهم في عذاب دائم لا أمل لهم في انقطاعه ، ولا في تخفيفه بعض الشيء {وما ظَلَمْناهُمْ ولكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} . لأنه سبحانه حذرهم وأنذرهم ، فأبوا إلا كفورا .
{ونادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ} . استغاثوا بمالك خازن النيران ، وطلبوا منه أن يمن اللَّه عليهم بالموت ليستريحوا من العذاب . فأجابهم مالك : لا نجاه مما أنتم فيه . هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون .
وتسأل : لقد وصفهم سبحانه في الآية السابقة بأنهم مبلسون أي آيسون حتى من تخفيف العذاب لحظة واحدة فضلا عن انقطاعه ، فكيف أخبر عنهم هنا انهم يطلبون الموت ليستريحوا من العذاب ؟ ألا يدل هذا الطلب على الرجاء الذي يتنافى مع اليأس ؟
الجواب : ان لأهل النار حالات يغلب عليهم اليأس في بعضها ، وتلوح لهم بارقة من أمل في بعضها الآخر . . هذا ، إلى أنه من الجائز أن يكون نداؤهم مالكا لمجرد التعبير عن شدة ما بهم .
{لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ ولكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} . الذين يعرضون عن الحق على نوعين : الأول يعرض عنه لجهله به . والثاني يعرض عنه لأنه يصادم أهواءهم وأغراضهم . وهذا النوع من الناس هم الأكثرية الغالبية . . وكل من يدخل النار غدا يدخلها لأنه أعرض عن الحق ولم يعمل به ، ولكن القليل منهم استحق العذاب لأنه قصّر في طلب العلم بالحق ، والأكثر استحقوا العذاب لأنهم تركوا الحق لتصادمه مع أهوائهم ، لا لجهلهم به {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} .
ضمير أبرموا يعود إلى المشركين ، والمعنى ما دبر المشركون كيدا للنبي إلا أبطل اللَّه كيدهم ، كما فعل بقريش حين اجتمعت على اغتيال الرسول (صلى الله عليه واله) وهو نائم في فراشه {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونَجْواهُمْ بَلى ورُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} .
انهم يدبرون الكيد بالسر ، ويعتقدون ان ذلك يخفى عليه تعالى ، ولكنه يعلم السر وأخفى ، وهولا يهدي كيد الخائنين .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص559-560 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)
رجوع إلى إنذار القوم وفيه تخويفهم بالساعة والإشارة إلى ما يئول إليه حال المتقين والمجرمين فيها من الثواب والعقاب .
قوله تعالى : {هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون} النظر الانتظار ، والبغتة الفجأة ، والمراد بعدم شعورهم بها غفلتهم عنها لاشتغالهم بأمور الدنيا كما قال تعالى : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس : 49] ، فلا يتكرر المعنى في قوله : {بغتة وهم لا يشعرون} .
والمعنى : ما ينتظر هؤلاء الكفار بكفرهم وتكذيبهم لآيات الله إلا أن تأتيهم الساعة مباغتة لهم وهم غافلون عنها مشتغلون بأمور دنياهم أي إن حالهم حال من هدده الهلاك فلم يتوسل بشيء من أسباب النجاة وقعد ينتظر الهلاك ففي الكلام كناية عن عدم اعتنائهم بالإيمان بالحق ليتخلصوا به عن أليم العذاب .
قوله تعالى : {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} الأخلاء جمع خليل وهو الصديق حيث يرفع خلة صديقه وحاجته ، والظاهر أن المراد بالأخلاء المطلق الشامل للمخالة والتحاب في الله كما في مخالة المتقين أهل الآخرة والمخالة في غيره كما في مخالة أهل الدنيا فاستثناء المتقين متصل .
والوجه في عداوة الأخلاء غير المتقين أن من لوازم المخالة إعانة أحد الخليلين الآخر في مهام أموره فإذا كانت لغير وجه الله كان فيها الإعانة على الشقوة الدائمة والعذاب الخالد كما قال تعالى حاكيا عن الظالمين يوم القيامة : { يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي } [الفرقان : 28 ، 29] ، وأما الأخلاء من المتقين فإن مخالتهم تتأكد وتنفعهم يومئذ .
وفي الخبر النبوي : إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلت الأنساب وذهبت الأخوة إلا الأخوة في الله وذلك قوله : {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (2) .
قوله تعالى : {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} من خطابه تعالى لهم يوم القيامة كما يشهد به قوله بعد : {ادخلوا الجنة} إلخ ، وفي الخطاب تأمين لهم من كل مكروه محتمل أو مقطوع به فإن مورد الخوف المكروه المحتمل ومورد الحزن المكروه المقطوع به فإذا ارتفعا ارتفعا .
قوله تعالى : {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} الموصول بدل من المنادى المضاف في {يا عباد} أو صفة له ، والآيات كل ما يدل عليه تعالى من نبي وكتاب وأي آية أخرى دالة ، والمراد بالإسلام التسليم لإرادة الله وأمره .
قوله تعالى : {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} ظاهر الأمر بدخول الجنة أن المراد بالأزواج هي النساء المؤمنات في الدنيا دون الحور العين لأنهن في الجنة غير خارجات منها .
والحبور - على ما قيل - السرور الذي يظهر أثره وحباره في الوجه والحبرة الزينة وحسن الهيئة ، والمعنى : ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم المؤمنات والحال أنكم تسرون سرورا يظهر أثره في وجوهكم أو تزينون بأحسن زينة .
قوله تعالى : {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب} إلخ الصحاف جمع صحفة وهي القصعة أو أصغر منها ، والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له ، وفي ذكر الصحاف والأكواب إشارة إلى تنعمهم بالطعام والشراب .
وفي الالتفات إلى الغيبة في قوله : {يطاف عليهم} بين الخطابين {ادخلوا الجنة} و{أنتم فيها خالدون} تفخيم لإكرامهم وإنعامهم أن ذلك بحيث ينبغي أن يذكر لغيرهم ليزيد به اغتباطهم ويظهر به صدق ما وعدوا به .
وقوله : {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} الظاهر أن المراد بما تشتهيه الأنفس ما تتعلق به الشهوة الطبيعية من مذوق ومشموم ومسموع وملموس مما يتشارك فيه الإنسان وعامة الحيوان ، والمراد بما تلذه الأعين الجمال والزنية وذلك مما الالتذاذ به كالمختص بالإنسان كما في المناظر البهجة والوجه الحسن واللباس الفاخر ، ولذا غير التعبير فعبر عما يتعلق بالأنفس بالاشتهاء وفيما يتعلق بالأعين باللذة وفي هذين القسمين تنحصر اللذائذ النفسانية عندنا .
ويمكن أن تندرج اللذائذ الروحية العقلية فيما تلذه الأعين فإن الالتذاذ الروحي يعد من رؤية القلب .
قال في المجمع ، : وقد جمع الله سبحانه في قوله : {ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} ما لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يصفوا ما في الجنة من أنواع النعيم لم يزيدوا على ما انتظمته هاتان الصفتان .
انتهى .
وقوله : {وأنتم فيها خالدون} إخبار ووعد وتبشير بالخلود ولهم في العلم به من اللذة الروحية ما لا يقاس بغيره ولا يقدر بقدر .
قوله تعالى : {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} قيل : المعنى أعطيتموها بأعمالكم ، وقيل أورثتموها من الكفار وكانوا داخليها لو آمنوا وعملوا صالحا ، وقد تقدم الكلام في المعنيين في تفسير قوله تعالى : {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون : 10] .
قوله تعالى : {لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} أضاف الفاكهة إلى ما مرت الإشارة إليه من الطعام والشراب لإحصاء النعمة ، ومن في {منها تأكلون} للتبعيض ولا يخلو من إشارة إلى أنها لا تنفد بالأكل .
قوله تعالى : {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون} المراد بالمجرمين المتلبسون بالإجرام فيكون أعم من الكفار ويؤيده إيراده في مقابلة المتقين وهو أخص من المؤمنين .
والتفتير التخفيف والتقليل ، والإبلاس اليأس ويأسهم من الرحمة أومن الخروج من النار .
قوله تعالى : {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} وذلك أنه تعالى جازاهم بأعمالهم لكنهم ظلموا أنفسهم حيث أوردوها بأعمالهم مورد الشقوة والهلكة .
قوله تعالى : {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون} مالك هو الملك الخازن للنار على ما وردت به الأخبار من طرق العامة والخاصة .
وخطابهم مالكا بما يسألونه من الله سبحانه لكونهم محجوبين عنه كما قال تعالى : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين : 15] ، وقال : {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون : 108] .
فالمعنى : أنهم يسألون مالكا أن يسأل الله أن يقضي عليهم .
والمراد بالقضاء عليهم إماتتهم ، ويريدون بالموت الانعدام والبطلان لينجوا بذلك عما هم فيه من الشقوة وأليم العذاب ، وهذا من ظهور ملكاتهم الدنيوية فإنهم كانوا يرون في الدنيا أن الموت انعدام وفوت لا انتقال من دار إلى دار فيسألون الموت بالمعنى الذي ارتكز في نفوسهم وإلا فهم قد ماتوا وشاهدوا ما هي حقيقته .
وقوله : {قال إنكم ماكثون} أي فيما أنتم فيه من الحياة الشقية والعذاب الأليم ، والقائل هو مالك جوابا عن مسألتهم .
قوله تعالى : {لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} ظاهره أنه من تمام كلام مالك يقوله عن لسان الملائكة وهو منهم ، وقيل : من كلامه تعالى ويبعده أنهم محجوبون يومئذ عن ربهم لا يكلمهم الله تعالى .
والخطاب لأهل النار بما أنهم بشر ، فالمعنى : لقد جئناكم معشر البشر بالحق ولكن أكثركم وهم المجرمون كارهون للحق .
وقيل : المراد بالحق مطلق الحق أي حق كان فهم يكرهونه وينفرون منه وأما الحق المعهود الذي هو التوحيد أو القرآن فكلهم كارهون له مشمئزون منه .
والمراد بكراهتهم للحق الكراهة بحسب الطبع الثاني المكتسب بالمعاصي والذنوب لا بحسب الطبع الأول الذي هو الفطرة التي فطر الناس عليها إذ لو كرهوه بحسبها لم يكلفوا بقبوله ، قال تعالى : {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم : 30] ، وقال : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس : 7 ، 8] .
ويظهر من الآية أن الملاك في السعادة والشقاء قبول الحق ورده .
قال تعالى : {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف : 79 ، 80] .
رجوع إلى سابق الكلام وفيه توبيخهم على ما يريدون من الكيد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتهديدهم بأن الله يكيدهم ، ونفي الولد الذي يقولون به ، وإبطال القول بمطلق الشريك وإثبات الربوبية المطلقة لله وحده ، وتختتم السورة بالتهديد والوعيد .
قوله تعالى : {أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون} الإبرام خلاف النقض وهو الإحكام ، وأم منقطعة .
والمعنى : على ما يفيده سياق الآية والآية التالية : بل أحكموا أمرا من الكيد بك يا محمد فإنا محكمون الكيد بهم فالآية في معنى قوله تعالى : {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور : 42] .
قوله تعالى : {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} السر ما يستسرونه في قلوبهم والنجوى ما يناجيه بعضهم بعضا بحيث لا يسمعه غيرهما ، ولما كان السر حديث النفس عبر عن العلم بالسر والنجوى جميعا بالسمع .
وقوله : {بلى ورسلنا لديهم يكتبون} أي بلى نحن نسمع سرهم ونجواهم ورسلنا الموكلون على حفظ أعمالهم عليهم يكتبون ذلك .
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18 ، ص98-102 .
2- رواه في الدر المنثور في الآية عن سعد بن معاذ .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)
ماذا تنتظرون غير عذاب الآخرة ؟
كان الكلام في الآيات السابقة يدور حول عبدة الأوثان العنودين ، وكذلك حول المنحرفين والمشركين في أُمّة عيسى (عليه السلام) ، والآيات مورد البحث تجسد عاقبة أمرهم ، يقول تعالى : {هل ينظرون إلاّ الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون} ؟
لقد طرح هذا السؤال بصورة الإِستفهام الإِنكاري ، وهو في الحقيقة بيان لواقع حال أمثال هؤلاء الأفراد ، كما نقول في مقام ذم شخص لا يصغي إلى نصيحة ناصح ، ويهيء عوامل فنائه بيده : إنّه بانتظار حتفه فقط !
والمراد من «الساعة» في هذه الآية ـ ككثير من آيات القرآن الأُخرى ـ هو يوم القيامة ، لأنّ الحوادث تقع سريعة حتى كأنّها تحدث في ساعة واحدة .
وجاءت هذه الكلمة ـ أيضاً ـ بمعنى لحظة انتهاء الدنيا ، ولما لم يكن بين هذين المعنيين كبير فرق ، فمن الممكن أن يكون هذا التعبير شاملاً لكلا المعنيين .
وعلى أية حال ، فقد وصف قيام الساعة ، الذي يبدأ بانتهاء الدنيا المفاجىء ، بوصفين في الآية أعلاه : الأوّل : كونه بغتة ، والآخر : عدم علم عامة الناس بتأريخ وقوعها وحدوثها .
من الممكن أن يحدث حدث فجأة ، ولكنّا نتوقع حدوثه من قبل ، ونكون على استعداد لمواجهة المشاكل التي تنجم عنه ، إلاّ أن سوء الحظ والتعاسة في أن تقع فاجعة قاسية وصعبة جدّاً ، بصورة مفاجئة ونحن غافلون عنها تماماً .
هكذا بالضبط حال المجرمين ، فهم يؤخذون وهم في غفلة تامة ، بحيث تصور الروايات الواردة عن نبيّ الإِسلام الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فتقول : «تقوم الساعة والرجلان يحلبان النعجة ، والرجلان يطويان الثوب ، ثمّ قرأ (صلى الله عليه وآله وسلم) : {هل ينظرون إلاّ الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون}» (2) .
وأي شيء آلم من أن يكون الإِنسان غافلاً أمام مثل هذه الحادثة التي ليس فيها أي طريق أو منفذ للرجوع والخلاص ، ويغرق في أمواجها من دون أن يكون مُعِدّاً لمستلزمات النجاة؟
ثمّ رفعت الآية الغطاء عن حالة الأخلاء الذين يودّ بعضهم بعضاً ، ويسيرون معاً في طريق المعصية والفساد ، والإِغترار بزخارف الدنيا ، فتقول : {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين} (3) .
إن هذه الآية التي تصف مشهداً من مشاهد القيامة ، تبيّن بوضوح أنّ المراد من الساعة في الآية السابقة هو يوم القيامة أيضاً ، اليوم الذي تنفصم فيه عرى العلاقات الأخوية والصداقة والرفقة ، إلاّ العلاقات التي قامت لله وفي الله وباسمه .
إن تبدل مثل هذه المودة إلى عداوة في ذلك اليوم أمر طبيعي ، لأنّ كلاً منهم يرى صاحبه أساس تعاسته وسوء عاقبته ، فأنت الذي دللتني على هذا الطريق ودعوتني إليه ، وأنت الذي زينت الدنيا في نظري ورغبتني فيها وأطمعتني .
نعم ، أنت الذي أغرقتني في بحر الغفلة والغرور ، وجعلتني جاهلاً بمصيري ، غافلاً عنه .
وهكذا يقول كل واحد منهم لصاحبه مثل هذه المطالب ، إلاّ المتقين الذين تبقى روابط أخوتهم ، وأواصر مودّتهم خالدة ، لأنّها تدور حول محور القيم والمعايير الخالدة ، وتتّضح نتائجها المثمرة في عرصة القيامة أكثر ، فتمنحها قوّة إلى قوّتها .
من الطبيعي أنّ الأخلاء يعين بعضهم بعضاً في أُمور الحياة ، فإن كانت خلتهم على أساس الشرّ والفساد ، فهم شركاء في الذنب والجريمة ، وإن كانت على أساس الخير والصلاح فهم شركاء في الثواب والعطية ، وعلى هذا فلا مجال للعجب من أن يتبدل الخليل من القسم الأوّل إلى عدوّ ، ومن القسم الثّاني إلى خليل يشتد حبّه ومودّته أكثر من ذي قبل .
يقول الإِمام الصادق (عليه السلام) : «ألا كل خُلّة كانت في الدنيا في غير الله عزَّ وجلّ فإنّها تصير عداوة يوم القيامة» (4) .
والآية التالية ـ في الحقيقة ـ تبيان لأوصاف المتقين وأحوالهم ، وبيان لعاقبتهم التي تبعث على الفخر والإِعتزاز .
في ذلك اليوم العصيب يقول لهم الله تعالى : {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} .
كم هو جميل هذا النداء ؟! نداء مباشر من الله سبحانه من دون واسطة توصله . . . نداء يبدأ بأحسن الصفات : يا عباد الله! نداء يزيل قلق الإِنسان في يوم ليس فيه إلاّ القلق والإِضطراب . . . نداء يطهر القلب من غم الماضي وحزنه ، وينقيه . . .
نعم ، لهذا النداء هذه المزايا الأربعة المذكورة .
وتبيّن آخر آية ـ من هذه الآيات ـ هؤلاء المتقين والعباد المكرمين بصورة أكثر وضوحاً ، بذكر جملتين أُخريين ، فتقول : {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} .
أجل ، هؤلاء هم الذين يخاطبون بمثل هذا الخطاب العظيم ، ويسبحون في تلك النعم .
إن هاتين الجملتين تعريف بليغ باعتقادات هؤلاء وأعمالهم ، فهما تبينان إيمانهم الذي هو أساس عقيدتهم الثابت ، وتبينان إسلامهم في تسليمهم لأمر الله سبحانه وتنفيذ أوامره .
وقوله تعالى : {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَاف مِّن ذَهَب وَأَكْوَاب وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَلِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ}
فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين :
تبيّن هذه الآيات جزاء عباد الله المخلصين ، والمؤمنين الصالحين الذين مرّ وصفهم في الآيات السابقة ، وتبشرهم بالجنّة الخالدة مع ذكر سبع نعم من نعمها النفيسة الغالية .
تقول أوّلاً : (ادخلوا الجنّة) وبذلك فإنّ مضيفهم الحقيقي هو الله تعالى الذي يدعو ضيوفه ويقول لهم : أدخلوا الجنّة .
ثمّ أشارت إلى أول نعمة من تلك النعم ، فقالت : (أنتم وأزواجكم) ومن الواضح أنّ كون المؤمنين الرحماء إلى جانب زوجاتهم المؤمنات يمنحهما معاً اللذة والسرور ، فإذا كانا شريكين في همّ الدنيا ، فإنّهما سيكونان شريكين في سرور الآخرة ونشوتها .
وقد فسّر بعضهم «الأزواج» هنا بالمتساوين في الدرجة والأصدقاء والأقارب ، فلو صحَّ فوجودهم نعمة عظيمة ، إلاّ أنّ ظاهر الآية هو المعنى الأوّل .
ثمّ تضيف : (تحبرون) .
«تحبرون» من مادة حِبْر ـ وزن فكر ـ أي الأثر المطلوب ، وتطلق أحياناً على الزينة وآثار الفرح التي تظهر على الوجه ، وإذا قيل للعلماء أحبار ، فلآثارهم التي تبقى بين المجتمعات البشرية ، كما يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام) : «العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة» (5) .
وتقول في بيان النعمة الثالثة : {يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب} فهم يُضافون ويخدمون بأفضل الأواني ، وألذّ الأطعمة ، في منتهى الهدوء والإِطمئنان والصفاء .
«الصحاف» جمع صحفة ، وهي في الأصل من مادة صحف ، أي التوسع ، وتعني هنا الأواني الكبيرة الواسعة والأكواب جمع كوب ، وهي أقداح الماء التي لا عروة لها .
ومع أنّ الكلام في الآية عن الصحاف الذهبية ، دون طعامهم وشرابهم ، إلاّ أن من البديهي أنّ الذين يخدمونهم لا يطوفون عليهم بصحاف خالية مطلقاً .
وتشير في الرابعة والخامسة إلى نعمتين أُخريين جمعت فيهما كلّ نعم العالم المادية والمعنوية ، فتقول : {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين} ، وعلى قول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : لو أنّ جميع الخلائق قد اجتمعت لوصف أنواع نعم الجنّة ، فسوف لا يقدرون أن يضيفوا شيئاً على ما جاء في هذه الجملة أبداً .
وأي تعبير أجمل من هذا التعبير وأجمع منه؟ فهو تعبير بسعة عالم الوجود ، وبسعة ما يخطر في أذهاننا اليوم وما لا يخطر ، تعبير ليس فوقه تعبير .
والطريف أن مسألة شهية النفس قد بيّنت منفصلة عن لذة العين ، وهذا الفصل عميق المعنى : فهل هومن قبيل ذكر الخاص بعد العام ، من جهة أن للذّة النظر أهمية خاصّة تفوق اللذات الأُخرى؟ أم هومن جهة أن جملة : (ما تشتهيه الأنفس)تبيّن لذات الذوق والشم والسمع واللمس ، أمّا جملة : (تلذ الأعين) فهي تبيان للذة العين والنظر .
ويعتقد البعض أنّ جملة : (ما تشتهيه الأنفس) إشارة إلى كلّ اللذات الجسمية ، في حين أن جملة : (تلذ الأعين) مبينة للذات الروحية ، وأي لذة في الجنة أسمى من أن ينظر الإِنسان بعين القلب إلى جمال الله الذي لا يشبهه جمال ، فإنّ لحظة من تلك اللحظات تفوق كل نعم الجنة المادية .
ومن البديهي أنّ شوق الحبيب كلما زاد ، كانت لذة الالقاء أعظم .
سؤال :
وهنا يطرح سؤال ، وهو : هل أنّ سعة عمومية مفهوم هذه الآية ، دليل على أنّهم يطلبون من الله هناك أن يمنحهم أُموراً كانت حراماً في الدنيا ؟
والجواب :
إنّ طرح هذا السؤال ناتج عن عدم الإِلتفات إلى نكتة ، وهي أنّ المحرمات والقبائح كالغذاء المضر لروح الإِنسان ، ومن المسلم أنّ الروح السالمة الصحيحة لا تشتهي مثل هذا الغذاء ، وتلك التي تميل أحياناً إلى السموم والأغذية المضرة هي الأرواح المريضة .
إنّنا نرى بعض المرضى يميلون حتى في حالة المرض إلى تناول التراب أو أشياء أُخرى من هذا القبيل ، إلاّ أنّهم بمجرّد أن يزول عنهم المرض تزول عنهم هذه الشهية الكاذبة .
نعم ، إنّ أصحاب الجنّة سوف لا يميلون أبداً إلى مثل هذه الأعمال ، لأن ميل الروح وانجذابها إليها من خصائص أرواح أصحاب الجحيم المريضة .
إنّ هذا السؤال يشبه ما ورد في الحديث من أن أعرابياً أتى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال : هل في الجنّة إبل؟ فإنّي أحبّها حبّاً جمّاً ، فالتفت إليه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يعلم أن في الجنّة نعماً سينسى معها الأعرابي الابل ، وأجابه بعبارة قصيرة فقال : «يا أعرابي ، إن أدخلك الله الجنّة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك»(6) .
وبتعبير آخر : فهناك العالم الذي ينسجم فيه الإِنسان مع الحقائق تماماً .
وعلى كل حال ، لما كانت قيمة النعمة في كونها خالدة ، فقد طمأنت الآية أصحاب النعيم من هذه الجهة عندما ذكرت الصفة السادسة فقالت : {وأنتم فيها خالدون} لئلاّ يكدر التفكير في زوال هذه النعمة صفو عيشهم ولذّتهم ، فيقلقوا من المستقبل وما يخبئه .
وهنا ، من أجل أن يتّضح أن كل نعم الجنّة هذه تعطى جزاءً لا اعتباطاً وعبثاً ، تضيف الآية : {وتلك الجنّة التي أورثتموها بما كنت تعملون} .
والطريف في الأمر أنّ الآية تطرح مجازاة الأعمال وكون الجنّة في مقابلها من جهة ، ومن جهة أُخرى تجعلها إرثاً ، وهو يستعمل عادة في الموارد التي تصل فيها النعمة إلى الإِنسان من دون أن يبذل جهداً أو سعياً في تحصيلها ، وهذه إشارة إلى أنّ أعمالكم هي أساس خلاصكم ونجاتكم ، إلاّ أن ما تحصلون عليه إذا ما قورن بأعمالكم فهو كالشيء المجاني المعطى من قبل الله تعالى ، وكالهبة حصلتم عليها بفضله .
ويعتبر البعض هذا التعبير إشارة إلى ما قلناه سابقاً من أن لكل إنسان منزلاً في الجنّة ومحلاً في الجحيم ، فيرث أصحاب الجنّة منازل أصحاب النّار ، ويرث أصحاب النّار أمكنة أصحاب الجنّة !
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأنسب .
والكلام في النعمة السابعة والأخيرة في ثمار الجنّة التي هي من أفضل نعم الله ، فتقول الآية : {لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} .
لقد كانت الصحاف والأكواب بياناً لأنواع الأطعمة والأشربة في الواقع ، أمّا الفواكه فلها حسابها الخاص ، وقد أُشير إليه في آخر آية من هذه الآيات .
والجميل أنّها تبيّن بتعبير (منها) حقيقة أنّ فاكهة الجنّة كثيرة جدّاً بحيث لا تتناولون إلاّ جزءاً منها ، وعلى هذا فإنّها لا تفنى ، وأشجارها مثمرة دائماً .
وجاء في الحديث : «لا ينزع رجل في الجنّة ثمرة من ثمرها إلاّ نبت مثلها مكانها» (7) .
كانت هذه بعض نعم الجنّة التي تبعث الحياة في النفوس ، وهي بانتظار ذوي الإِيمان القوي البيّن ، والأعمال الصالحة النبيلة .
قال تعالى : {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف : 74 - 80] .
نتمنى أن نموت لنستريح من العذاب :
لقد فصّلت هذه الآيات القول في مصير المجرمين والكافرين في القيامة ، ليتّضح الفرق بينه وبين مصير المؤمنين ـ المطيعين لأمر الله ـ المشرف السعيد من خلال المقارنة بين المصيرين .
تقول الآية الأولى : {إنّ المجرمين في عذاب جهنم خالدون} .
«المجرم» من مادة جرم ، وهو في الأصل بمعنى القطع الذي يستعمل في قطع الثمار من الشجرة ـ أي القطف ـ وكذلك في قطع نفس الشجرة ، إلاّ أنّه استعمل فيما بعد في القيام بكل عمل سيء ، وربّما كان سبب هذا الإِستعمال هو أنّ هذه الأعمال تفصل الإِنسان عن ربّه وعن القيم الإِنسانية ، وتبعده عنهما .
لكن من المسلم هنا أنّه لا يريد كل المجرمين ، وإنّما المراد هم المجرمون الذين اتخذوا سبيل الكفر سبيلاً لهم ، بقرينة ذكر مسألة الخلود والعذاب الخالد ، وبقرينة المقارنة بالمؤمنين الذين مرّ الكلام عنهم في الآيات السابقة . ويبدو بعيداً ما قاله بعض المفسّرين من أنها تشمل كل المجرمين .
ولما كان من الممكن أن يخفف العذاب الدائمي بمرور الزمان ، وتقل شدته تدريجياً ، فإنّ الآية التالية تضيف : {لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون} ، وعلى هذا فإنّ عذاب هؤلاء دائم من ناحيتي الزمان والشدّة ، لأنّ الفتور يعني السكون بعد الحدة ، واللين بعد الشدة ، والضعف بعد القوّة كما يقول الراغب في مفرداته .
«مبلس» من مادة «إبلاس» ، وهي في الأصل الحزن الذي يصيب الإِنسان من شدة التأثر والإِنزعاج ، ولما كان هذا الهم والحزن يدعو الإِنسان إلى السكوت ، فقد استعملت مادة الإِبلاس بمعنى السكوت والإِمتناع عن الجواب أيضاً . ولما كان الإِنسان ييأس من خلاص نفسه ونجاته في الشدائد العصيبة ، فقد استعملت هذه المادة في مورد اليأس أيضاً ، ولهذا المعنى سمي «إبليسُ» إبليسَ ، إذ أنّه آيس من رحمة الله .
على أية حال ، فإنّ هاتين الآيتين قد أكدتا على ثلاث مسائل : مسألة الخلود ، وعدم تخفيف العذاب ، والحزن واليأس المطلق . وما أشد العذاب الذي تمتزج فيه هذه الأُمور الثلاثة وتجتمع .
وتنبه الآية التالية إلى أنّ هؤلاء هم الذين أرادوا هذا العذاب الأليم ، واشتروه بأعمالهم وبظلمهم لأنفسهم ، فتقول : {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} .
فكما أن الآيات السابقة قد بينت أن منبع كل تلك النعم اللامتناهية هي أعمال المؤمنين المتقين ، فإن هذه الآيات تعد أعمال هؤلاء الظالمين سبب هذا العذاب الخالد ومنبعه . وأي ظلم أكبر من أن يكذّب الإِنسان بآيات الله سبحانه ، ويضرب جذور سعادته بمعول الكفر والإفتراء : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [الصف : 7] .
نعم ، إن القرآن يرى ارادة الإِنسان وأعماله السبب الأساسي لكل سعادة أو شقاء ، لا المسائل الظنية والوهمية التي اصطنعها البعض لأنفسهم .
ثمّ تطرقت الآية إلى بيان جانب من مذلة هؤلاء ومسكنتهم ، فقالت ، (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) فمع أن كل امرىء يهرب من الموت ويريد استمرار الحياة وبقاءها ، إلاّ أنّه عندما تتوالى عليه المصائب أحياناً ويضيق عليه الخناق يتمنى على الله الموت ، وإذا كانت هذه الأمنية قد تحدث أحياناً لبعض الناس في الدنيا ، فانّها تعمّ جميع المجرمين هناك ، فكلهم يتمنى الموت .
ولكن حيث لا فائدة من ذلك ، فإنّ مالك النّار وخازنها يجيبهم : {قال إنكم ماكثون} (8) .
والعجيب أنّ خازن النّار يجيبهم بعد ألف سنة ـ برأي بعض المفسّرين ـ وبكل احتقار وعدم اهتمام ، فما أشد ايلام هذا الإِحتقار (9) .
قد يقال : كيف يطلب هؤلاء مثل هذا الطلب مع يقينهم أن لا موت هناك؟ غير أن مثل هذا الطلب طبيعي من إنسان أحاطت به المصائب والآلام ، وقطع أمله من كل شيء .
أجل ، إن هؤلاء عندما يرون كل سبل النجاة مغلقة في وجوههم ، سيطلقون هذه الصرخة من أعماق قلوبهم ، ولكن حق القول عليهم بالعذاب ، فلا فائدة من صراخهم ، ولا صريخ لهم .
أمّا لماذا لا يطلب هؤلاء الموت من الله مباشرة ، بل يقولون لمالك : {ليقض علينا ربّك} ؟ فلأنّهم في ذلك اليوم محجوبون عن ربّهم ، كما نقرأ ذلك في الآية (15) من سورة المطففين : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين : 15] ولذلك يطلبون طلبتهم هذه من ملك العذاب . أو بسبب أن مالكاً ملك مقرب عند الله سبحانه .
وتقول الآية الأُخرى ، والتي هي في الحقيقة علة لخلود هؤلاء في نار جهنم : {لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} .
وللمفسّرين رأيان مختلفان في أن هذا الكلام هل هومن قبل مالك خازن النّار ، وأن ضمير الجمع يعود على الملائكة ومنهم مالك ، أم أنّه كلام الله تعالى؟
السياق يوجب أن يكون الكلام كلام مالك ، لأنّه أتى بعد كلامه السابق ، إلاّ أنّ محتوى نفس الآية ينسجم مع كونه كلام الله تعالى ، والشاهد الآخر لهذا الكلام الآية (71) من سورة الزمر : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} [الزمر : 71] فهنا يعد الملائكة الرسل هم الذين جاؤوا بالحق ، لا هم .
وللتعبير «بالحق» معنى واسع يشمل كل الحقائق المصيرية ، وإن كانت مسألة التوحيد والمعاد والقرآن تأتي في الدرجة الأولى .
وهذا التعبير يشير ـ في الحقيقة ـ إلى أنّكم لم تخالفوا الأنبياء فحسب ، وإنّما خالفتم الحق في الواقع ، وهذه المخالفة هي التي ساقتكم إلى العذاب الخالد الأبدي .
وتعكس الآية التالية جانباً من كراهية هؤلاء للحق واشمئزازهم منه ، وكذلك مناصرتهم للباطل والتمسك به ، فتقول : {أم أبرموا أمراً فإنّا مبرمون} (10) فقد حاك هؤلاء الأشرار الدسائس ودبروا المؤمرات لإِطفاء نور الإِسلام ، وقتل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ولم يتورعوا في إنزال الضربات بالإِسلام والمسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً .
وفي المقابل أردنا أن نجازي هؤلاء في هذه الحياة الدنيا ، وفي الآخرة بأشد العذاب .
ويرى بعض المفسّرين أن سبب نزول هذه الآية هو قضية مؤامرة قتل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قبل الهجرة ، والتي أشير إليها في الآية (30) من سورة الأنفال : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا . . .} [الأنفال : 30] (11) .
والظاهر أن هذا من قبيل التطبيق ، لا أنه سبب النّزول . . .
والآية الأُخرى بيان لإِحدى علل التآمر ، فتقول : {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم}؟ فإن الأمر ليس كذلك ، إذ نحن نسمع ورسلنا : {بلى ورسلنا لديهم يكتبون} .
«السر» هوما يضمره الإِنسان في قلبه ، أو ما يودعه من أسراره لدى إخوانه وأصدقائه ، و«النجوى» هي الهمس في الأذن .
نعم ، فإن الله سبحانه لا يسمع نجواهم وهمسهم فيما بينهم فحسب ، بل يعلم ما يضمرونه في أنفسهم أيضاً ، فإن السر والعلن لديه سواء .
والملائكة المكلفون بتسجيل أعمال البشر وأقوالهم يكتبون هذه الكلمات في صحائف أعمالهم دائماً ، وإن كانت الحقائق بدون ذلك واضحة أيضاً ، ليروا جزاء أعمالهم وأقوالهم ومؤامراتهم في الدنيا والآخرة .
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص411-421 .
2 ـ تفسير روح البيان ، المجلد 25 ، صفحة 89 .
3 ـ «الأخلاء» جمع (خليل) ـ من مادة خلة ـ بمعنى المودّة والمحبّة ، وأصلها من الخلل ـ على وزن شرف ـ أي الفاصلة بين جسمين ، ولما كانت المحبة والصداقة كأنّها تنفذ في أعماق القلب وثناياه ، فقد استعملت فيها هذه الكلمة .
4 ـ تفسير علي بن إبراهيم ، طبق نقل نور الثقلين ، ج 4 ، صفحة 612 .
5 ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار 147 .
6 ـ روح البيان ، المجلد 8 ، صفحة 391 .
7 ـ تفسير روح البيان ، الجزء 8 ، صفحة 192 .
8 ـ «ماكثون» من مادة (مكث) ، وهو في الأصل التوقف المقترن بالإنتظار ، وربّما كان هذا التعبير من مالك استهزاءً ، كما نقول ـ أحياناً ـ لمن يطلب شيئاً لا يستحقه انتظر!
9 ـ مجمع البيان ، ذيل الآيات مورد البحث وقال البعض : إنّ المسافة بين السؤال والجواب مائة سنة ، وآخرون : أربعون سنة ، ومهما تكن فإنّها دليل على الإحتقار وعدم الإهتمام .
10 ـ «أم» في الآية منقطعة ، وهي بمعنى (بل) والإبرام بمعنى الإحكام .
11 ـ الفخر الرازي ، ذيل الآيات مورد البحث .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|