إن أحكام الإفلاس تسري على الشركات، ولهذا فإنه من الممكن إشهار إفلاس الشركة، وكذلك فإن الشركة تصفي إذا توفرت أسباب التصفية، وحيث إن هناك ارتباط وثيقة بين إفلاس الشركة وتصفيتها، فلا بد من البحث في علاقة إفلاس الشركة بتصفيتها، وهذا يحتاج منا التعرف على مفهوم التصفية أولا.

الفرع الأول

مفهوم التصفية لغة التصفية

 مصدر صفى يصفو تصفية(1) ، وقد ضعف عين الفعل ليفيد التعدية(2)  . والصفو والصفاء نقيض الكدر(3) ، والأصل في معنى الصفاء خلوص الشيء من الشوب (4) وصفوة الشيء خالصه (5) ، وأصفى الشيء انقطع يقال: أصفى الشاعر انقطع شعره.

الفرع الثاني مفهوم التصفية في الفقه الإسلامي 

إن مصطلح التصفية من المصطلحات الحديثة التي تعارف عليها أهل القانون، ولهذا لا نجد تعريفا لها عند الفقهاء، رغم أنهم قد بحثوها، وكانت عنايتهم بها شديدة عند بحثهم أحكام الحقوق المتعلقة بالتركة مالها وما عليها، وكيفية استيفاء الغرماء لديونهم(6).

وقد عرفت الموسوعة الفقهية الكويتية التصفية، ولكن تعريفها جاء خاصة بتصفية التركة، رغم أنها أرادت تعريف التصفية بشكل عام، فقد جاء تعريف التصفية فيها بالصيغة التالية: 

يراد بالتصفية في الاصطلاح مجموع الأعمال التي غاياتها حصر حقوق المتوفي والتزاماته، وأداء الحقوق المتعلقة بالتركة لأصحابها من الدائنين، والموصى لهم، والورثة» (7) ولكن إذا أردنا تعريفة عامة للتصفية يشمل التركة والشركة وغيرها فيمكن تعريفها كما يلي:

التصفية هي مجموعة الأعمال والإجراءات التي تتخذ لحصر حقوق والتزامات المصفى، وتحصيل ما يمكن تحصيله من الحقوق والوفاء بها يمكن الوفاء به من الالتزامات.

أما تصفية الشركة فقد عرفها الدكتور عبد العزيز الخياط بقوله: «يراد بتصفية الشركة استيفاء حقوقها ووفاء ديونها وحصر موجوداتها لقسمة أموال الشركة»(8).

الفرع الثالث

مفهوم التصفية في القانون الوضعي

 لقد اهتم رجال القانون بتعريف تصفية الشركة أكثر من اهتمامهم بتعريف التصفية، وحقيقة الأمر أن مفهوم تصفية الشركة أهم هذا البحث من مفهوم التصفية. وقد وردت تعريفات كثيرة لتصفية الشركة نختار منها ما يلي:

١- تصفية الشركة: مجموعة الإجراءات التي يقصد بها إنهاء أعمال الشركة وتسوية ديونها، وقسمة ما قد يصفى من أموالها بين الشركاء (9).

2- تصفية الشركة: مجموع الأعمال والإجراءات التي تتخذ لاستيفاء حقوق الشركة، وسداد ديونها، وحصر موجوداتها، بقصد تحديد صافي أموال الشركة التي توزع بين الشركاء بطريق القسمة(10).

٣- تصفية الشركة: مجموع الأعمال التي ترمي إلى إنهاء العمليات الجارية للشركة، واستيفاء حقوقها، وتحويل مفردات أصولها إلى نقود، وسداد ديونها، وذلك لتكون كتلة إيجابية صافية من الأموال حتى يتسنى مع وجودها إجراء القسمة فيها بين الشركاء (11).

الفرع الرابع

علاقة إفلاس الشركة بتصفيتها في القانون

يمكن القول: إن الإفلاس يعمل على تصفية الشركة ولكنها تصفية ذات طبيعة خاصة، تشبه تصفية الشركة من حيث شمولها لإجراءات حصر حقوق الشركة والتزاماتها، وتحصيل واستيفاء الحقوق، والوفاء بالالتزامات من الأموال المحصلة من ثمن بيع أموالها. ومع هذا التشابه بين إفلاس الشركة وتصفيتها إلا أن هناك فروقا كثيرة بين أحكام الإفلاس والتصفية نجملها فيما يلي:

١- تسقط آجال الديون بإشهار إفلاس الشركة، ولا يترتب على تصفية الشركة سقوط أجل الديون(12).

2- إن إشهار إفلاس الشركة يوقف سريان الفائدة عليها، ولا تتأثر الفائدة بتصفية الشركة (13).

٣- إن وكيل التفليسة في نظام الإفلاس يعتبر ممثلا للشركة التي حكم بإفلاسها  وللدائنين في الوقت نفسه، أما المصفى فيعتبر ممثلا للشركة فقط (14).

٤- يتشكل بإفلاس الشركة للدائنين جماعة بحكم القانون، لها شخصيتها الاعتبارية، ويمثلها وكيل التفليسة، ولكن دائنو الشركة لا يشكلون جماعة خلال تصفيتها(15).

5- تنقضي الشركة بعد تصفيتها وتسوية مراكزها القانونية، ولا تستطيع معاودة نشاطها من جديد بعد حلها، أما في حالة إفلاس الشركة فلا يترتب بالضرورة على إشهار إفلاسها حلها؛ لأن ذلك يتوقف على نتيجة التفليسة، فقد تنتهي بالصلح، وبهذه الحالة تستطيع الشركة معاودة نشاطها، وقد تنتهي بالاتحاد وتبقى لها أموال تستطيع بها الاستمرار بممارسة نشاطها فلا يتم حلها، أما إذا لم يبق لها أموال أو بقيت أموال ضئيلة لا تستطيع بها مواصلة نشاطها فيتم حلها(16).

6- إن سبب إشهار إفلاس الشركة هو توقفها عن دفع ديونها التجارية، ولكن للتصفية أسباب كثيرة تختلف باختلاف نوع الشركة، وفي بعض أنواع الشركات يجب تصفية الشركة بحكم القانون بطلب من المحامي العام المدني، أو مراقب الشركات الأسباب معينة(17) وتسمى التصفية الإجبارية، وهناك أيضا تصفية اختيارية لها أسبابها الخاصة(18)، تتم بناء على قرار الهيئة العامة للشركة.

7- ويرى بعض الباحثين أن تصفية الشركة تتعلق بشركة مقتدرة على الوفاء بديونها التجارية، ولم تتوقف عن سداد ديونها، بينما يكون إفلاس الشركة - كايري بعض شراح القانون - نتيجة عدم اقتدارها على دفع ديونها التجارية في أي مرحلة من مراحل وجودها»(19).

8- يهدف إفلاس الشركة إلى حماية الدائنين، وتحقيق مصالحهم، أما تصفية الشركة  فيهدف إلى حماية مصلحة الشركاء

هذه هي أهم الفروق بين إفلاس الشركة وتصفيتها، غير أنني أجد أن قانون الشركات الأردني قد اعتبر بصورة غير مباشرة أن إفلاس شركة المساهمة العامة من أسباب تصفيتها الإجبارية، فقد جاء في السبب الثاني من أسباب التصفية الإجبارية للشركة ما يلي: «إذا عجزت الشركة عن الوفاء بالتزاماتها »(20) والتوقف عن دفع الديون يعتبر عجزة من الشركة عن الوفاء بالتزاماتها. _

____________

1- إن فعل صفي على وزن فعل بتشديد العين، ومصدر فعل التفعيل إذا كان الفعل صحيح اللام، أما إذا كان معتلها- كما هو الحال في فعل صفي- فيكون على وزن تفعلة، بحذف باء التفعيل وتعويضها بتاء في الآخر كزكي، تزكية، وربي تربية. انظر الحملاوي ، شذا العرف في فن الصرف، ص 71، وقد ذكر ابن منظور وغيره أن مصدر صفى تصفية انظر ابن منظور، لسان العرب 14/462 ، الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4/ 354، الرازي/ مختار الصحاح ص153.

2- الحملاوي، شذا العرف في فن الصرف، ص 41.

3- ابن منظور، لسان العرب 14/462 ، الرازي، مختار الصحاح ص 153، الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4/ 354.

4- الأصفهاني، المفردات، ص 283.

5- الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4/ 354، ابن منظور، لسان العرب 14/462  ، الرازي، مختار الصحاح ص 153.

6- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الموسوعة الفقهية الكويتية 12/ 83.

7-  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية 12/ 83.

8-  الخياط ، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي 1/365

9- اتحاد المجامع العربية، المصطلحات القانونية ص99.

10-  العكيلي، الشركات التجارية ص201.

11- الخولي، الموجز في القانون التجاري ص469.

12-  الشخانبة، النظام القانوني لتصفية الشركة ص 31.

13-  المرجع السابق ص 31.

14-  المرجع السابق ص 31.

15-  المرجع السابق ص 31.

16-  المرجع السابق ص 32.

17- انظر المادة (266) من قانون الشركات الأردني.

18- انظر المادة (259) من قانون الشركات الأردني.

19- شخانبة ، النظام القانوني لتصفية الشركة ص 30.

20-  انظر المادة (266) من قانون الشركات الأردني.