أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2020
28560
التاريخ: 12-9-2020
32272
التاريخ: 26-03-2015
68736
التاريخ: 26-1-2022
2603
|
الاستعارة
الاستعارة لغة رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر، يقال استعار فلان سهما من كنانته: رفعه وحوله منها إلى يده.
وعلى هذا يصح أن يقال استعار إنسان من آخر شيئا، بمعنى أن الشيء المستعار قد انتقل من يد المعير إلى المستعير للانتفاع به. ومن ذلك يفهم ضمنا أن عملية الاستعارة لا تتم إلا بين متعارفين تجمع بينهما صلة ما.
ويؤكد هذا المعنى ويوضحه قول ابن الأثير: «الأصل في الاستعارة المجازية مأخوذ من العارية الحقيقية التي هي ضرب من المعاملة: وهي أن يستعير بعض الناس من بعض شيئا من الأشياء، ولا يقع ذلك إلا من شخصين بينهما سبب معرفة ما يقتضي استعارة أحدهما من الآخر شيئا، وإذا لم يكن بينهما سبب معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر شيئا إذ لا يعرفه حتى يستعير منه. وهذا الحكم جار في استعارة
168
الألفاظ بعضهما من بعض، فالمشاركة بين اللفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر» (1).
ولعلنا نلحظ من ذلك صلة بين المعنى اللغوي أو الحقيقي للاستعارة ومعناها المجازي، إذ لا يستعار أحد اللفظين للآخر في واقع الأمر إلا إذا كان هناك صلة معنوية تجمع بينهما.
وإذا شئنا التعرف على تاريخ «الاستعارة» لدى البلاغيين فإننا نجد الجاحظ «255 هـ» من أوائل من التفتوا إليها وعرفوها وسموها وأفاضوا بعض الشيء في الحديث عنها.
فالاستعارة عنده: «هي تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه»، ورد ذلك التعريف في تعليقه على البيت الثالث من الأبيات التالية:
يا دار قد غيرها بلاها … كأنما بقلم محاها ..
أخربها عمران من بناها … وكر ممساها على مغناها
وطفقت سحابة تغشاها … تبكي على عراصها عيناها
فقد علق الجاحظ على البيت الثالث هنا بقوله: «وطفقت، يعني ظلت. تبكي على عراصها عيناها، عيناها ها هنا للسحاب، وجعل المطر بكاء من السحاب على طريق الاستعارة، وتسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه» (2).
169
وكثيرا ما يستعمل الجاحظ في تعليقاته على النصوص عبارات «على التشبيه»: «وعلى المثل»، «وعلى الاشتقاق» وهو يعني بها الاستعارة أو المجاز بمعناه العام الذي تندرج تحته الاستعارة. وليس في ذلك من غرابة، فالاستعارة مجاز علاقته المشابهة، وكلمة التشبيه ترد عند تحليل الاستعارة أو إجرائها، ثم هي في حقيقتها تشبيه حذف أحد طرفيه.
...
وجاء بعد الجاحظ ابن المعتز «296 هـ» فتحدث عن الاستعارة وعدها أول باب في كتابه «البديع» وأورد لها أمثلة من الكلام البديع من نحو قوله تعالى: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم وقوله تعالى أيضا: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقول الشاعر: «...
والصبح بالكوكب الدري منحور».
وقد علق على هذا الكلام بقوله: «وإنما هو استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها مثل أم الكتاب، ومثل جناح الذل، ومثل قول القائل «الفكرة مخ العمل» فلو كان قال «لب العمل» لم يكن بديعا» (3). ومن هذا التعليق يمكن استشفاف مفهوم ابن المعتز للاستعارة.
وكما أورد أمثلة شتى للاستعارة البديعة وعلق على بعضها بما يؤكد مفهومه السابق للاستعارة أورد كذلك أمثلة للاستعارة المعيبة في نظره من مثل قول أبي تمام:
كلوا الصبر غضا واشربوه فإنكم … أثرتم بعير الظلم والظلم بارك
170
متى يأتك المقدار لا تك هالكا … ولكن زمان غال مثلك هالك (4)
...
ثم نلتقي بعد ابن المعتز بقدامة بن جعفر المتوفي سنة 337 للهجرة، فقد عقد قدامة في كتابه «نقد النثر» بابا للاستعارة تحدث فيه عن الحاجة إليها في كلام العرب ومفهومها عنده، كما تحدث عن الاستعارة المكنية وإن لم يسمها الاسم الذي عرفت به فيما بعد.
فعن الأمرين الأولين يقول قدامة: «وأما الاستعارة فإنما احتيج إليها في كلام العرب لأن ألفاظهم أكثر من معانيهم، وليس هذا في لسان غير لسانهم، فهم يعبرون عن المعنى الواحد بعبارات كثيرة ربما كانت مفردة له، وربما كانت مشتركة بينه وبين غيره، وربما استعاروا بعض ذلك في موضع بعض على التوسع والمجاز، فيقولون إذا سأل الرجل الرجل شيئا فبخل به عليه: «لقد بخله فلان»، وهو لم يسأله ليبخل وإنما سأله ليعطيه؛ لكن البخل لما ظهر منه عند مسألته إياه، جاز في توسعهم ومجاز قولهم أن ينسب ذلك إليه.
ومنه قول الشاعر: «... فللموت ما تلد الوالدة»، والوالدة إنما تطلب الولد ليعيش لا ليموت، لكن لما كان مصيره إلى الموت جاز أن يقال: للموت ولدته» (5).
فالاستعارة في نظر قدامة تتمثل في استعارة بعض الألفاظ في موضع بعض على سبيل التوسع والمجاز.
وعن الاستعارة المكنية التي التفت إليها ولم يسمها باسمها
171
الاصطلاحي المعروف يقول: «ومن الاستعارة ما قدمناه من إنطاق الربع وكل ما لا ينطق إذا ظهر من حاله ما يشاكل النطق. ومما جاء من هذا النوع في القرآن قوله: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد. لما جاز أن تحتمل مزيدا من الكافرين حسن أن يقال: قالت وهل من مزيد؟ وكذلك قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، وذلك لما كانتا عن إرادته من غير استصعاب عليه ولا عصيان له، جاز أن يقال إنهما قالتا أتينا طائعين.
وكذلك قوله: فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه، لما كانت الإرادة من أسباب الفعل وكان وقوع الفعل يتلوها، جاز لما قد كاد أن يقع وقرب وقوعه، أن يقال أراد أن يقع.
ومثل ذلك قول الشاعر: «... امتلأ الحوض وقال قطني»، أي لما لم تكن فيه- الحوض- سعة لغير ما قد وقع فيه من الماء، جاز على الاستعارة أن يقال: قد قال حسبي، وهذا شائع في اللغة كثير» (6).
وإذا كانت الاستعارة المكنية هي ما حذف فيها المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه فإن في كل من «جهنم، والسماء، والأرض، والحوض» الواردة في الأمثلة السابقة استعارة مكنية حذف في كل منها المشبه به وهو شخص أو إنسان ورمز إليه بشيء من لوازمه هو «النطق والقول».
ومن البلاغيين من يسمي هذا النوع من الاستعارة «التشخيص» حيث تمثل فيه المعاني والجمادات إلى أشخاص تكتسب كل صفات الكائنات الحية أيا كانت وتصدر عنها أفعالها.
172
وهم يعدون هذا النوع من أجمل الصور البيانية لما فيه من التشخيص والتجسيد وبث الحياة والحركة في الجمادات وتصوير المعنويات في صورة محسة حية.
وبعد فقد عرضنا في مستهل هذا الكتاب وعلى التحديد في مبحث «نشأة علم البيان وتطوره» لتاريخ الاستعارة مبينين كيف نشأ البحث فيها وتطور لدى رجال البلاغة في العصور المختلفة.
وليس من قصدنا أن نعيد هنا ما سبق أن ذكرناه عن الاستعارة، فهذا أمر يمكن الرجوع إليه وتتبعه تاريخيا في مكانه من الكتاب. وإنما القصد أن نلقي مزيدا من الضوء على أوائل من فطنوا إلى الاستعارة وقاموا بالمحاولة الأولى في بحثها، تلك المحاولة التي التقطها البلاغيون من بعدهم وتوسعوا في دراستها، حتى وصلت الاستعارة بفضل جهودهم إلى ما وصلت إليه من التفريع والتقسيم.
ذلك هو القصد، وقصد آخر هو أن نتخذ من ذلك مدخلا إلى دراسة الاستعارة دراسة موسعة تعززها الأمثلة والشواهد الكثيرة، وذلك لأهميتها في باب البيان العربي، تلك الأهمية التي جعلت إماما من أئمة البلاغة هو عبد القاهر الجرجاني ينظر إليها وإلى المجاز والتشبيه والكناية على أنها عمد الإعجاز وأركانه، والأقطاب التي تدور البلاغة عليها، وذلك إذ يقول: «ولم يتعاط أحد من الناس القول في الإعجاز إلا ذكرها، وجعلها العمد والأركان فيما يوجب الفضل والمزية، وخصوصا الاستعارة والمجاز، فإنك تراهم يجعلونهما عنوان ما يذكرون وأول ما يوردون» (7).
173
تعريف الاستعارة
1 - عرفها الجاحظ بقوله: «الاستعارة تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه».
2 - وعرفها ابن المعتز بقوله: «هي استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها».
3 - وعرفها قدامة بن جعفر بقوله: «هي استعارة بعض الألفاظ في موضع بعض على التوسع والمجاز».
4 - وعرفها القاضي الجرجاني (8) بقوله: «فأما الاستعارة فهي أحد أعمدة الكلام، وعليها المعول في التوسع والتصرف، وبها يتوصل إلى تزيين اللفظ، وتحسين النظم والنثر». وعرفها مرة أخرى بقوله: «ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصلي ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها بقرب التشبيه، ومناسبة المستعار للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر» (9).
5 - وعرفها أبو الحسن الرماني (10) بقوله: «الاستعارة استعمال العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة» ومثل لها بقول الحجاج: «إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها».
174
6 - وعرفها الآمدي (11) بما معناه: «هي استعارة المعنى لما ليس له إذا كان يقاربه أو يدانيه أو يشبهه في بعض أحواله أو كان سببا من أسبابه».
7 - وعرّفها أبو هلال العسكري بقوله: «الاستعارة نقل العبارة عن موضع استعمالها في أصل اللغة إلى غيره لغرض».
8 - وعرفها عبد القاهر الجرجاني بقوله: «الاستعارة في الجملة أن يكون لفظ الأصل في الوضع اللغوي معروفا تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا غير لازم فيكون هناك كالعارية (12).
9 - وعرفها السكاكي بقوله: «الاستعارة أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به دالا على ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به» (13).
10 - وعرفها ضياء الدين بن الأثير بقوله: «الاستعارة هي طي ذكر المستعار له الذي هو المنقول إليه ، والاكتفاء بذكر المستعار الذي هو المنقول» (14).
وعرفها ابن الأثير تعريفا آخر بقوله: «الاستعارة نقل المعنى من لفظ
175
إلى لفظ لمشاركة بينهما مع طي ذكر المنقول إليه (15).
11 - وعرفها الخطيب القزويني بقوله: «الاستعارة مجاز علاقته تشبيه معناه بما وضع له. وكثيرا ما تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به في المشبه، فيسمى المشبه به مستعارا منه، والمشبه مستعارا له، واللفظ مستعارا» (16).
...
تلك طائفة من تعريفات الاستعارة تبين مفهومها لدى كبار رجال البلاغة العربية في عصورها المختلفة، وهي وإن اختلفت عباراتها فإنها تكاد تكون متفقة مضمونا.
ومن كل التعريفات السابقة تتجلى الحقائق التالية بالنسبة للاستعارة:
1 - الاستعارة ضرب من المجاز اللغوي علاقته المشابهة دائما بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي.
2 - وهي في حقيقتها تشبيه حذف أحد طرفيه.
3 - تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به في المشبه، فيسمى المشبه به مستعارا منه، والمشبه مستعارا له، واللفظ مستعارا.
4 - وقرينة الاستعارة التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقي قد تكون لفظية أو حالية.
176
__________
(1) المثل السائل ص 143.
(2) كتاب البيان والتبيين ج 1 ص 153، والعراص: جمع عرصة بسكون الراء، وهي كما يقول الجاحظ: كل جوبة منفتقة ليس فيها بناء، والجوبة: فجوة ما بين البيوت.
(3) كتاب البديع ص 2.
(4) كتاب البديع ص 23.
(5) كتاب نقد النثر لقدامة ص 64.
(6)كتاب نقد النثر ص 65 - 66.
(7)انظر دلائل الإعجاز ص 329 - 330.
(8) هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز الشهير بالقاضي الجرجاني «366 هـ» صاحب كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه.
(9) العمدة ج 1 ص 240.
(10) كتاب العمدة لابن رشيق ج 1 ص 241، والرماني «386 هـ» صاحب كتاب «النكت في إعجاز القرآن».
(11) هو أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي «371 هـ» صاحب كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري.
(12) أسرار البلاغة ص 22.
(13) الإيضاح للقزويني ص 226.
(14) المثل السائر ص 142.
(15) كتاب المثل السائر ص 145.
(16) الإيضاح للقزويني ص 194 - 200.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|